بين الأدوات العديدة التي يمكن اللجوء إليها من أجل مكافحة التغير المناخي، لا توجد أداة مرفوضة سياسياً بقدر الضريبة على تشيزبرغر، لدرجة أنه ربما من الأسهل فرض ضريبة على شراء جرو أو المثلجات أو على المرح.
مع ذلك، فإن الضريبة على تشيزبرغر ربما تكون حلاً سحرياً يجنّبنا الاحترار العالمي الكارثي.
تخيّلوا معي كوكبنا في مستقبل فيه مخلوقات فضائية أو سحالي لطيفة تزيل كل مخزون الوقود الأحفوري بين ليلة وضحاها، وتستبدل كل صهريج بنزين ومعمل كهرباء ومحرك نفاث في العالم ببدائل صديقة للبيئة. هل يضع ذلك حداً للمخاوف حيال التغير المناخي؟ مع الأسف لا، والسبب شطائر التشيزبرغر هذه.
تُعد تربية الماشية أحد مصادر انبعاثات غازات الدفيئة حيث تسهم بنحو 18% من إجمالي الانبعاثات على شكل ثاني أكسيد الكربون والميثان الناجم عن تجشؤ الأبقار وأكسيد النيتروس الناجم عن استعمال الأسمدة. تُضاف إلى ذلك عوامل أخرى تنجم عن قطع الغابات والتلوث وفقدان التنوع الحيوي، وكلها تؤثر على المناخ. وحتى لو زالت كل مصادر الغازات المسببة للاحترار بين ليلة وضحاها، فإن إنتاج الغذاء وحده سيكون كافياً لزيادة حرارة الكوكب بما يتجاوز 1.5 درجة فوق معدلات ما قبل الحقبة الصناعية، إذ يسهم إنتاج اللحوم والألبان بالجزء الأكبر من هذه الانبعاثات.
خفض تناول اللحوم
ليس مفاجئاً أن الأميركيين من أبطال العالم في أكل اللحوم، إذ يستهلك الأميركي الواحد ما معدله 127 كيلوغراماً من اللحم في السنة، ويأتي في المرتبة الثانية بعد سكان هونغ كونغ. أما سكان الدول الأفقر فربما لا يأكل الفرد فيها أكثر من 4 كيلوغرامات من اللحم في السنة.
وتُعد الولايات المتحدة ثالث أكبر مستهلك للحم البقري، وسادس أكبر مستهلك للدجاج. وحتى تحقق الولايات المتحدة أهدافها المعلنة بالحد من الاحترار العالمي عند 1.5 درجة، يجب أن تخفض استهلاكها من اللحوم بنسبة 82%، بحسب التقديرات التي توصلت إليها أخيراً مجموعة "كومباشن إن ورلد فارمينغ" (Compassion in World Farming) اللاربحية، ما يعني أن على الأميركيين أن يأكلوا كمية لحوم بقدر سكان تيمور الشرقية مثلاً. هذا شبه مستحيل. فبرغم أن الجمهوريين يعمدون بين كل حين وآخر لتهييج قاعدتهم عبر الادعاء أن الرئيس جو بايدن أو النائب أليكسندريا أوكاسيو- كورتيز أو ديمقراطي آخر يحاولون سلبهم شطائر البرغر، ما لك إلا أن تتخيّل ردة فعلهم إذا ما حاول أحدهم القيام بذلك فعلاً.
مع ذلك، فإن خفض استهلاك اللحوم بمقدار النصف فقط، أي إذا أصبح الأميركيون يأكلون اللحوم بقدر الدنماركيين مثلاً، بمعنى إذا تناولوا كمية لحوم توازي شطيرة تشيزبرغر "كوارتر باوندر" كل بضعة أيام بدل كل يوم، فإن ذلك سيسهم في خفض انبعاثات الكربون الناجمة عن الغذاء بنسبة 43%، حسب دراسة صدرت حديثاً عن جامعة أكسفورد. وقد يساعد ذلك أيضاً على الحد من معدلات البدانة وأمراض السرطان وغيرها من الأمراض. يقول الأميركيون في استطلاعات الرأي إنهم على استعداد لتقليل استهلاكهم من اللحوم، ولكن لا يبدو أنهم على عجلة من أمرهم للقيام بذلك.
بل على العكس، يظهر أن الاستهلاك العالمي للحوم يسير في الاتجاه المعاكس مع ازدياد القدرة على الإنفاق لدى المستهلكين في بعض الدول التي تشهد نمواً سريعاً. فكلما زادت الثروة، ازداد الإنفاق الطعام، ويعني ذلك في العادة تناول مزيد من اللحوم. قد يكون هذا الأمر جيداً في الدول التي يعاني سكانها من سوء التغذية، ولكن لا بأس إذا ما قلّل سكان الدول الغنية استهلاكهم للحوم.
رفض المستهلكين
يمكن لقطاع الزراعة والحكومات أن يتخذوا عدة خطوات للحد من تأثير إنتاج الغذاء على المناخ، مثل الحد من هدر الطعام والتخفيف من التلوث وتعزيز الإنتاجية، إلا أن فعالية التحسينات على صعيد العرض محدودة. عاجلاً أو آجلاً، سنضطر للتعامل مع مسألة الطلب، ومن هنا نشأت فكرة الضريبة على اللحوم التي بدأت تكتسب زخماً في الأوساط الأكاديمية الأوروبية.
نيوزلندا هي الدولة الوحيدة حتى الآن التي تجرأت نوعاً ما على القيام بمثل هذه الخطوة، حيث فرضت ضريبة ميثان على المزارع سيدأ تطبيقها في 2025، لكنها لن تكون الدولة الأخيرة على الأرجح. فحتى الدانمارك التي يستهلك سكانها كمية لحوم تقدر بنصف ما يستهلكه الأميركيون تدرس اتخاذ مثل هذه الخطوة أيضاً.
الاعتراض الأساسي على مثل هذه الضريبة هو أنها ستأثر بشكل أكبر على المستهلكين الأفقر، إلا أن دراسة نشرت مؤخراً في دورية "نايتشر فود" (Nature Food) أظهرت أنه يمكن الحد من هذا التأثير بسهولة من خلال منح الأسر الأفقر حسومات ضريبية وعبر خفض الضرائب على الفاكهة والخضار. ربما قد يمر مثل هذا الأمر في الدنمارك ولكنه لن يكون بهذه السهولة في الولايات المتحدة. فيما يحظى فرض ضريبة على اللحوم بتأييد قوي في أوساط الجيل "زد"، إلا أن هذا الاقتراح مرفوض بشكل قاطع من قبل بقية الأميركيين.
هنا، الخطوة البسيطة الأولى التي يمكن اتخاذها هي التوقف عن دفع المال للمزارع كي تنتج مزيداً من اللحوم، فبين 2014 و2020، أنفقت الحكومة الأميركية 10.7 مليار دولارسنوياً على الدعم المباشر لقطاعي اللحوم والألبان، مقارنة مع 13 مليون دولار فقط على اللحوم النباتية وغيرها من بدائل اللحوم، حسب دراسة أجرتها جامعة ستانفورد.
بالطبع، في حال عدم فرض ضريبة، فإن القطاع سيظل يستفيد من دعم غير مباشر بمئات مليارات الدولارات. بيّنت دراسة أنه يجب أن تكون أسعار اللحوم حول العالم أغلى بما هو بين 20% و80% من أجل التعويض عن كل الضرر البيئي الذي تسببه، ووفقاً لحسابات تقديرية، فإن ذلك يوازي هدية غير مباشرة لمنتجي اللحوم تصل قيمتها إلى ما بين 402.5 مليار و642 مليار دولار سنوياً.
على الرغم من الألم السياسي الذي قد ينجم عن مثل هذه الخطوة، على الحكومات أن تجد طريقة لإعادة توجيه هذا السخاء نحو أطعمة صحية أكثر وأقل تسبباً بانبعاثات الكربون، من ضمنها بدائل اللحوم. يمكن للحكومات مثلاً أن تشجع المستهلكين بأن توضح أن تقليل كمية اللحوم أمر سهل وبسيط في مواجهة المناخ الذي يزداد تخبطاً ويعجزهم. أما إن فشل ذلك، فقد نحتاج لأن نفرض ضريبةً.