التقاعس عن الاستثمار في بدائل الوقود الأحفوري سيكون ثمنه أفدح بكثير.. وسيجعل كوكبنا غير صالح للعيش

200 تريليون دولار لوقف الاحتباس الحراري.. يا لها من صفقة!

رجل إطفاء يحاول إخماد حريق غابات - المصدر: بلومبرغ
رجل إطفاء يحاول إخماد حريق غابات - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

ما هو الثمن الذي قد تدفعه للحفاظ على حضارة إنسانية فاعلة؟ هل سيكفي مبلغ 200 تريليون دولار لذلك؟ بل هل يمكن اعتبار ذلك المبلغ صفقة لا يجب تفويتها؟

قدّرت "بلومبرغ إن إي إف"، فريق أبحاث الطاقة الخضراء في "بلومبرغ"، في تقرير جديد الأسبوع الماضي أنَّ التخلص من انبعاثات الكربون في العالم قد يتطلب استثمارات حجمها 196 تريليون دولار بحلول 2050، مثلما تعهد العديد من البلدان، لتجنب الاحتباس الحراري المدمر للمجتمع. ربما لن يصدمك أن تعلم أنَّ تعهدات صافي الانبعاثات الصفري في العالم لم يتبعها تقديم الأموال -أو حتى التعهد بتقديمها- من أجل تحويل هذه التعهدات إلى حقيقة واقعة.

الاستثمار الأخضر يجب أن يتضاعف

تشير "بلومبرغ إن إي إف" إلى أنَّ الاستثمارات الخضراء السنوية يجب أن تتضاعف ثلاث مرات تقريباً إلى 6.9 تريليون دولار بحلول 2030 إذا أردنا أن يكون لدينا أي أمل في الوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول 2050. وسيشمل ذلك استبدال الحكومات والشركات والمستهلكين معظم أسطول العالم من المركبات التي تعمل بالغاز بالكهربائية منها، وبناء محطات شحن لتلك المركبات، واستبدال الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري بالرياح والطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة، مع وجود شبكات جديدة لربطها جميعاً.

كتب نيلوشي كاروناراتني، المحلل في "بي إن إي إف" في تقرير: "مع زيادة واقعية التأثيرات الملموسة لتغير المناخ يوماً بعد يوم؛ فإنَّ نافذة إحداث تأثير في ظاهرة الاحتباس الحراري تنغلق. لكن ما تزال هناك فرصة لتغيير مُجدٍ"

يُعتبر تقدير فريق "بلومبرغ إن إي إف" في الواقع الحد الأدنى مقارنة بحساب مؤسسة "ماكنزي" (McKinsey)، وأنَّ تحويل المجتمع بعيداً عن الوقود الأحفوري سيتطلب متوسط إنفاق سنوي قدره 9.2 تريليون دولار بين 2021 و2050، أو 275 تريليون دولار. كما نبهت "ماكنزي"، مثل "بي إن إي إف" إلى أنَّ أعلى إنفاق "يجب أن يحدث في غضون الـ15 عاماً المقبلة".

ثمن فادح للتقاعس عن التحرك

برغم أنَّ هذه الأرقام قد تبدو كبيرة على نحو صادم؛ فإنَّها ضئيلة مقارنة بالثمن المحتمل لعدم فعل شيء. قدّرت شركة التأمين السويسرية العملاقة "سويس ري" (Swiss Re) أنَّ الاحتباس الحراري الشديد يمكن أن يقتطع 23 تريليون دولار سنوياً من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مع تراجع الاقتصاد الأميركي 7% عما يكون عليه في عالم أكثر برودة، بالإضافة إلى احتمال انكماش الاقتصادات المتقدمة 10% عما ينبغي أن تكون عليه.

وفقاً لهذه المقاييس؛ يبدو إنفاق 200 تريليون دولار على مدار 27 عاماً مبلغاً زهيداً نسبياً.

قدّرت "ستاندرد آند بورز غلوبال" أنَّ تغير المناخ يمكن أن يمحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي السنوي بحلول 2050. وقد يعني ذلك خسائر اقتصادية لا تتجاوز 13 تريليون دولار سنوياً، وهذا المبلغ ما يزال أكثر من 7 تريليونات دولار أو نحو ذلك التي سننفقها لتجنبها.

كما ستؤثر هذه الخسائر بشدة على البلدان سريعة النمو في جنوب الكرة الأرضية، حيث سيفقد جنوب آسيا 15% من الناتج المحلي الإجمالي، وآسيا الوسطى 7%، وأفريقيا جنوب الصحراء 6%.

إنَّ هدف الوصول بصافي الانبعاثات إلى الصفر بحلول 2050 ليس عشوائياً، ولكن من المحتمل أن يكون الأمل الأفضل لنا في الحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية فوق متوسط ما قبل الثورة الصناعية ، وهو حد سيرتفع بعده الضرر الذي يلحق بصلاحية الكوكب للسكنى بشكل كبير. ونحن في الوقت الحالي على طريق الاقتراب من ارتفاع الحرارة 3 درجات مئوية عن ذلك المتوسط، وهو الأمر الذي يحذر العلماء من أنَّه قد يجعل مساحات شاسعة من الكوكب غير صالحة للعيش.

صعوبة في الإقناع

الجزء الصعب من إقناع الساسة والناخبين بالالتزام بصافي انبعاثات صفري يتمثل في أنَّ أشد أضرار الاحتباس الحراري المتفشي لن تحدث معظمها قبل عقود، في حين أنَّ أغلب الاستثمارات اللازمة لتجنب مثل هذه الكارثة يجب أن تُضخ على الفور.

ومثلما يعلم أي شخص سبق أن عانى من أجل ممارسة الرياضة أو توفير المال لما بعد التقاعد أو تأجيل مشاهدة حلقة واحدة أخرى من مسلسل "ذا بيير" (The Bear)؛ فإنَّ البشر يواجهون صعوبة في تأخير إشباع احتياجاتهم الآنية، حتى لو كان سيجعل مستقبلهم أكثر سعادة وازدهاراً.

لكنَّ تغير المناخ يفسد بالفعل حياة الناس وأرزاقهم في 2023، بعد ارتفاع الحرارة 1.2 درجة مئوية فقط. وينبغي ألا يصعب بشدة تخيل عالم تبدو فيه كوارث المناخ اليوم غريبة بالمقارنة مع ذلك. ففعل كل ما في وسعنا لتجنب مثل هذا المستقبل يستحق ثمناً سيزداد فداحة كلما طال انتظارنا.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك