عقدت الأمم المتحدة عدداً من قمم المناخ العالمية على مدى ثلاثة عقود تقريباً، وتُعرف هذه الاجتماعات باسم مؤتمرات قمة الأطراف (COPs)، حيث تصل الوفود من أنحاء العالم إلى المدينة المختارة ويبقون بها لبضعة أيام لتجديد المساعي الرامية لإيجاد طرق لمنع أسوأ تداعيات تغير المناخ أو التخفيف من أثرها. وأظهرت التجربة أن النجاح قد يعتمد على عوامل متنوعة، منها اختيار الدولة المُضيفة للحدث.
أثار اختيار الإمارات العربية المتحدة لاستضافة مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين “كوب 28" (COP28) دهشة الكثيرين، باعتبارها دولة نفطية. في وقتٍ تمسي الحاجة لخطواتٍ عملية أكثر إلحاحاً.
1) ما الهدف من قمم المناخ؟
ببساطة، الهدف منها هو حشد العمل العالمي لمواجهة تغير المناخ ومتابعة التقدم الذي تحرزه الدول منفردة. أول قمة للمناخ لم تكن مؤتمراً للأطراف بمعناه الحالي، بل كانت "قمة الأرض" وعُقِدت في ريو دي جانيرو البرازيلية عام 1992. جمعت هذه القمة 179 دولة لصياغة خطة أولية للعمل، ووضعت أساس اتفاق الأمم المتحدة الإطاري لأول مؤتمر رسمي "كوب 1"، الذي انعقد في برلين عام 1995.
يتم اتخاذ القرارات خلال قمم المناخ بالإجماع، ما يعني عدم حجب أي صوت، لكن في الوقت عينه فإن موافقة جميع الحكومات ضرورية. والدعوة مفتوحة لكافة الأطياف للمشاركة، بما فيهم: رجال السياسة، والعلماء، والمنظمات غير الحكومية، والأفراد المهتمين بقضايا المناخ. ومن المقرر أن تُعقد "كوب 28" في دبي، الإمارات العربية المتحدة، من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر.
2) ماذا يحدث في قمة المناخ؟
ينصبُّ التركيز الرئيسي في التفاوض على كيفية تسريع الجهود لخفض الانبعاثات، وحماية الدول التي تعاني من الأثر الأقوى لتغير المناخ. وشهدت قمة طوكيو في اليابان عام 1997 إحراز تقدم كبير، حيث تحددت الالتزامات القانونية على الدول الغنية لخفض انبعاثاتها للمرة الأولى. وفي قمة باريس 2015، وُضع هدف قصر الاحترار العالمي على درجتين مئويتين، والسعي للوصول به إلى المستوى المثالي عند 1.5 درجة مئوية أعلى من المستويات السابقة للثورة الصناعية.
تستمر القمة عادةً لمدة أسبوعين، وفي القمم الأخيرة القليلة الماضية، حضر قادة العالم خلال افتتاحها لتقديم التوجيه السياسي للمفاوضين، لاسيما رؤساء الدول التي تضم جزراً منخفضة عن سطح البحر، وتلك الأشد فقراً، للمطالبة باتخاذ مزيد من الإجراءات. وتهيمن المناقشات الفنية المتعلقة بالاتفاق النهائي مع اقتراب القمة من الخاتم. بينما يستمر النشطاء في ضغطهم على المسؤولين عبر تنظيم المظاهرات.
3) ما دور الدولة المُضيفة؟
تلعب الدولة المضيفة دور قائد السفينة، فتقيّم مستوى الطموح المستهدف دون المخاطرة بالوصول لختامٍ ناجح. وهي مهمة شاقة تبدأ قبل القمة بشهور. على سبيل المثال، قبل "كوب 26" في غلاسكو، طاف السياسي البريطاني المكلّف برئاسة المؤتمر ألوك شارما، أرجاء العالم للتمهيد للتعهد بالحد من استخدام طاقة الفحم غير المحدودة، بعيداً عن اتخاذ تدابير مثل تقنية احتجاز الكربون للحد من انبعاثاتها الضارة. لكن العمل الفعلي يبدأ مع انطلاق المؤتمر، حيث تتحول هذه الفترة إلى أسبوعين بلا نوم، والتنقل بين 195 وفداً دولياً مختلفاً للتوقيع على الاتفاق. بالإضافة إلى الجانب التنظيمي والأمني الضخم، مع توافد آلاف الوفود على المدينة المُضيفة.
4) ما طريقة اختيار البلد المُضيف؟
مهمة الاستضافة تُتداول بين مجموعات الأمم المتحدة الإقليمية الخمس. وقع الاختيار على الإمارات، بعد مصر، عقب حصولها على دعم مجموعة دول آسيا والمحيط الهادئ بالإجماع. ورغم أن كلا البلدين يقعان في الشرق الأوسط، اعتبرت قمة المناخ في مصر تمثيلاً لمجموعة الدول الأفريقية.
5) هل توجد حالات أحدثت فيها الدولة المضيفة فارقاً؟
نال الفرنسيون الثناء والمديح في 2015 مع التوصل لما يُعرف باسم اتفاقية باريس للمناخ التي حددت هدفاً واضحاً لخفض الانبعاثات. وبفضلها حلّت لورانس توبيانا، مصممة الاتفاقية، ضمن قائمة "فاينانشال تايمز" لأفضل نساء العام. كما تلقت استضافة المملكة المتحدة لقمة "كوب 26" إشادة واسعة للحفاظ على مسار اتفاقية باريس والتوصل إلى اتفاق "الخفض التدريجي" لاستخدام الفحم، وهو حل وسط بديل لـ"التخلص التدريجي" منه.
لكن ترؤس هذه القمم قد يكون مصدر انتقاد أيضاً. فبينما حققت مصر انتصاراً كبيراً في "كوب 27" بمدينة شرم الشيخ العام الماضي عقب إنشاء صندوق "الخسائر والأضرار" لمساعدة الدول الأفقر في العالم على التعامل مع تأثير تغير المناخ، إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى إجماع الآراء على خفض استخدام الوقود الأحفوري أو تطوير التزامات القمم السابقة.
كما اشتكت الدول الأوروبية وحلفاؤها من تأثير الدول المنتجة للنفط على الرئاسة المصرية للمؤتمر، التي لم تستطع إطلاق مفاوضات مبكرة، أو تعزيز الثقة بين الدول المشاركة، فضلاً عن عدم تعميم مسودة الاقتراحات في الموعد المحدد. (ممثل مصر الخاص، وائل أبو المجد، صرح في مؤتمر صحفي خلال استمرار المحادثات: "توجد 197 دولة بطموحات وقدرات مختلفة، نرى أننا نلتزم باستراتيجية في غاية الوضوح").
على وجهٍ مشابه، اعتبر ناشطو البيئة أن قمة كوبنهاغن 2009 مثلت فشلاً ذريعاً، وذلك بعد انحدار مستوى النقاشات لدرجة تبادل إلقاء اللوم حول دور كل دولة في مواجهة تغير المناخ.
6) ما سبب النقاش على اختيار الإمارات؟
يخشى ناشطو البيئة من تقويض طموحات التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، خاصة مع عقد المؤتمر في دولة نفطية، وبرئاسة سلطان الجابر، رئيس "أدنوك" (ADNOC)، وهي شركة إنتاج النفط التي تملكها دولة الإمارات. ومصدر هواجسهم هو أن تستخدم الإمارات رئاستها للقمة للتركيز على جوانب السياسة المتعلقة بطريقة دفع التعويضات عن الأضرار، بدلاً من الحاجة لمنع تلك الأضرار في المقام الأول. فيما يرى المؤيدون أنه يمكن للإمارات إثبات دورها الحيوي في إقناع الدول الأخرى الغنية بالنفط بتعجيل التحول عن الوقود الأحفوري.
كانت الإمارات أولى دول الخليج العربي النفطية التي تتعهد بالقضاء على الانبعاثات الدفيئة داخل حدودها، ورحب مبعوث الولايات المتحدة الأميركية الخاص للمناخ جون كيري، ونظيره الأوروبي فرانس تيمرمانز، بهذه الخطوة. بدوره، أيد الجابر تطوير الطاقة النظيفة إلى الحد الكافي للتخلص التدريجي من إنتاج النفط والغاز بأسرع ما يمكن، وبطريقة ترفع من مستويات المعيشة، كما ترى الإمارات وجارتها السعودية أنه يجب أن تكون للشركات والدول المنتجة للنفط دور أكبر في محادثات المناخ العالمية.
7) ما الآمال المعقودة على قمة المناخ "كوب 28"؟
من المقرر أن تُجرى الدول في المؤتمر الذي سيُعقد بمدينة دبي الإماراتية تقييماً خمسياً لمدى تحقيق أهداف المناخ في العالم، وهي خطوة مهمة لتقييم مدى تأثير تلك الأهداف على مدى فترة 5 سنوات. وبعد تجربة شرم الشيخ، من الأرجح أن تطالب بعض الدول المتقدّمة، وخاصة في أوروبا، بأهداف أكثر طموحاً للحد من الانبعاثات، مثل "الخفض التدريجي" لكل أنواع الوقود الأحفوري-لا الفحم وحده- وتحديد "ذروة ارتفاع" الانبعاثات، أي منعها من أي ارتفاعات مستقبلية بحلول 2025.
من المقرر أيضاً أن يحتل تمويل التكيُّف مع تغير المناخ وصندوق الخسائر والأضرار الصدارة، فلم يفِ العالم بعد بتعهد منح 100 مليار دولار أميركي سنوياً كان يُفترض تحقيقه بنهاية العقد الماضي، ومراقبة جهود تعزيز دور الطاقة النووية وما يطلق عليها مصادر الطاقة منخفضة الانبعاثات مثل حرق الغاز واستخلاص ثاني أكسيد الكربون.
إن الفشل بالتوصل إلى اتفاق يقرّب الدول من هدف الحفاظ على متوسط درجة الاحترار العالمي أدنى من 1.5 درجة قد يؤدي إلى تشكيك الدول الجزر الصغيرة في القمم متعددة الأطراف برمتها.
(مايكل أر بلومبرغ، مؤسس "بلومبرغ إل بي" الشركة الأم لشركة "بلومبرغ نيوز"، يشغل منصب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للطموح وحلول المناخ منذ 2021).