الكميات التي يجري إزالتها نقطة في بحر الانبعاثات الكربونية وتحديات التكلفة وسلاسل التوريد قد تعرقل تبني التقنية عالمياً

هل يمكن لتقنية احتجاز الكربون أن تحل مشكلة الانبعاثات؟

منشأة أوركا لاستخلاص الكربون من الهواء وتخزينه، هيلشيدي، أيسلندا - المصدر: بلومبرغ
منشأة أوركا لاستخلاص الكربون من الهواء وتخزينه، هيلشيدي، أيسلندا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

تسعى شركة "كلايم وركس إيه جي" (Climeworks AG) السويسرية، التي تعمل في مجال احتجاز الكربون من الهواء مباشرة -المعروف اختصاراً باسم "داك" (DAC)- لمرحلة جديدة في مسيرتها. وذلك بعدما استطاعت مطلع العام الجاري تحقيق إنجاز كبير، وتقديم خدمة إزالة الكربون المعتمدة للمرة الأولى لعملائها من الشركات ومنهم "مايكروسوفت"، و"سبوتيفاي"، و"سترايب" (Stripe).

حدثت الإزالة في معمل أوركا، الذي يُعد حالياً أكبر منشأة لاحتجاز الكربون من الهواء مباشرة في العالم، وهو على بعد نصف ساعة تقريباً من العاصمة الأيسلندية ريكيافيك. بعدها ضخت شريكتها "كاربفكس" (Carbfix) ثاني أكسيد الكربون إلى التكوينات الصخرية البازلتية الموجودة على بعد مئات الأمتار تحت سطح الأرض، حيث سيتحول الكربون المحتجز هناك بشكل دائم إلى صخور. وبجوار معمل أوركا، يجري إنشاء "ماموث" (Mammoth)، وهو معمل قيد الإنشاء تابع للشركة نفسها لكن أكبر، وسيصل حجمه إلى 9 أضعاف معمل أوركا، كما يستهدف احتجاز 36,000 طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً.

40 مليار طن ثاني أكسيد الكربون في الهواء

لكن مع كل هذه الاستعدادات تفكر "كلايم وركس" بالفعل في خطوتها المقبلة، حيث تدرس تقديم طلب للانضمام إلى برنامج مراكز "داك" الأميركي، والذي يُعد جزءاً من قانون خفض التضخم. ويشترط البرنامج امتلاك المشروعات القدرة على احتجاز 50 ألف طن سنوياً على الأقل مبدئياً، مع إثبات إمكانية الوصول إلى مليون طن على المدى الطويل.

رغم أن هذه كميات كبيرة، لكن كارلوس هارتل، المدير التنفيذي للتكنولوجيا في "كلايم وركس"، كان أول من أشار إلى أن هذه الكمية نقطة في بحر مقارنة بحجم المشكلة، ففي 2022 وحده ضخ العالم أكثر من 40 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في الهواء.

إعادة تشغيل أكبر منشأة في العالم لاحتجاز الكربون في تكساس

على غرار تقنيات إزالة الكربون الأخرى، فإن تقنية احتجاز الكربون مباشرة من الجو ليست حلاً سحرياً، لكنها ستكون وسيلة مهمة لتنظيف الانبعاثات القديمة فور تمكننا من وقف تدفق الغازات الدفيئة إلى الهواء. في الوقت الحالي هناك فرق كبير بين ما قد نحتاجه مستقبلاً، والقدرة التي ما زالت حالياً قيد التخطيط والتطوير. لذا؛ وبينما تجتذب هذه التقنيات مزيداً من الاستثمار، قد يفكر قطاع إزالة الكربون في التوسع.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

احتياجات كبيرة من الطاقة

بالحديث عن تقنية احتجاز الكربون من الهواء مباشرة، يشير تقرير من وكالة التصنيفات "بي زيرو كربون" (BeZero Carbon) إلى احتياجات التكنولوجيا الهائلة من الطاقة باعتبارها عائقاً كبيراً جداً أمام خطط التوسع، وحسب أفضل تقدير لهارتل، فإن الاحتياجات طويلة الأجل من احتجاز الكربون المباشر من الهواء لن تقل عن كيلوواطين للساعة/ لكل كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون، ما يوازي تشغيل مجففي شعر لمدة ساعة لاحتجاز كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون. وزيادة ذلك الحجم إلى غيغا طن سيزيد من احتياج الطاقة ليبلغ نحو 5% من توليد الطاقة المتجددة العالمي بحلول 2050.

مزيد من الأشجار يعني مدناً ألطف جواً وأكثر جمالاً

في نهاية المطاف ستصبح متطلبات الطاقة هائلة، ولن تتمكن هذه التقنية إلا من احتجاز قدر ضئيل من ثاني أكسيد الكربون سنوياً. وبغض النظر أن التوسع في التقنية لا يستحق العناء، لكن عندما يتعلق الأمر بمجهودات إزالة الكربون يمكن القول إن الحد من الانبعاثات أهم بكثير من إزالتها حالياً.

علاوة على ذلك، فهناك تحديات أخرى يجب حلها قبل أن تشكل احتياجات الطاقة مشكلة كبيرة.

تحديات أمام احتجاز الكربون

لننظر في موثوقية التقنية نفسها، إنها ناجحة، لكنها ستحتاج مزيداً من النجاح لتلبية الاحتياجات المستقبلية، ما يعني فهم أمور مثل كيفية خفض التكلفة إلى جانب التعامل مع العوائق الأساسية الأخرى مثل مدى تأثير الطقس والمناخ على المعدات.

فعلى سبيل المثال، الحرارة المرتفعة أو الرطوبة الشديدة ستقلل الكفاءة، ما يعني أن يحتجز المعمل كمية أقل من ثاني أكسيد الكربون من الهواء، وهضبة هيلشيدي في أيسلندا ، التي تقع بها منشآت "كلايم وركس"، تُعد منطقة مكشوفة ومليئة بالعواصف، ما يعرّض المعدات لظروف قاسية مثل الثلج والجليد والرياح، و بدلاً من ذلك في بيئة أدفأ وأقل رطوبة ستواجه المعدات العواصف الرملية. لن تتحسن تلك الأمور إلا بالانتشار في الميدان، والمعامل التي تُبنى الآن تمثل فرصة كبيرة للتعلم.

إنذار مناخي جديد.. درجات حرارة قياسية في أوروبا بداية العام

مشكلة أخرى تواجهها تقنية احتجاز الكربون من الهواء مباشرة وهي السوق والتمويل، فبينما يوجد بسوق الكربون التطوعي الزخم والحجم الكافي لتمويل العِقد القادم أو ما إلى ذلك، لكن هل يوجد عدد كاف من الناس يرغبون في تمويل عمليات إزالة كربون سنوية بحجم غيغا طن أو أكثر؟ يجيب هارتل عن ذلك قائلاً إن الأمر يحتاج لإجراء حكومي بما في ذلك التقنين.

أما سوق تعويض الكربون الحالية، التي تشتري الشركات فيها نقاطاً للانبعاثات المُتجنَّبة بدلاً من الانبعاثات المُزالة، فتنتشر فيه النقاط رديئة الجودة بل والزائفة حتى، وفي سبيل حل تلك المشكلة بسوق عمليات الإزالة سيتطلب الأمر تطبيق معايير عالمية شديدة للقياس والإبلاغ والتحقق، من بين عدة أمور أخرى.

التحدي الأخير هو إنشاء سلسلة توريد مناسبة لخفض تكلفة التقنية، فحالياً كل من نُظم حاويات تقنية احتجاز الكربون من الهواء مباشرة تُصنّع يدوياً، وهي الصناديق الضخمة التي تحتجز الكربون من الهواء وتجمعه، يبدو هذا منطقياً للمجموعات الصغيرة المتخصصة (أوركا به 8 حاويات جمع و"ماموث" سيكون به 27 حاوية) لكنه باهظ الثمن، سيحتاج القطاع لعملية تصنيع نصف آلية لصنع المعدات؛ إذا أراد خفض تكلفة هذه التقنية كما انخفضت تكلفة طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

هل تنخفض تكاليف احتجاز الكربون؟

تتردد سلاسل التوريد في دعم استثمار بعينه عندما لا تتضح الفرصة السوقية، وعندما يجهل الناس على أي تقنية يعتمدون. ويفسر هارتل ذلك قائلاً: "على سبيل المثال، خلال 5 سنوات، إذا ما كان لدينا 8 شركات بثماني طرق عمل مختلفة تحاول كلها جذب الانتباه وكسب الاهتمام، ستبقى سلسلة التوريد في مكانها ولن تفعل شيئاً".

توجد حالياً مجموعة من العمليات المتنوعة في تقنية احتجاز الكربون من الهواء مباشرة، وستبدأ التكاليف في الانخفاض عندما يتحد القطاع لدعم نهج ما، مثلما اتحدت الشركات لدعم السيليكون لصنع الخلايا الشمسية الكهروضوئية وأيونات الليثيوم لصنع البطاريات.

ما يزال هناك شوط طويل لقطعه قبل أن تبدأ معامل هذه التقنية في طلب مزيد من الطاقة، وهناك عمل يجب تنفيذه في الوقت الحالي، وبينما لا يمكن لواضعي السياسات تجاهل تقنية احتجاز الكربون من الهواء مباشرة، لكنه في النهاية سيكون كل هذا بلا جدوى إذا لم نتمكن من الحد من الانبعاثات بقدر كبير، وكما أخبرني هارتل: "يمكن لهذه التقنية مساعدتنا على المدى الطويل، لكن لا يمكنها مساعدتنا الآن".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة