مستقبل الطاقة أكثر نظافة.. وأكثر تلويثاً أيضاً

إحدى محطات الطاقة النووية في فرنسا، حيث تتوسع البلاد في استخدام هذا النوع من الطاقة في ظل ارتفاع أسعار النفط والغاز بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا - المصدر: بلومبرغ
إحدى محطات الطاقة النووية في فرنسا، حيث تتوسع البلاد في استخدام هذا النوع من الطاقة في ظل ارتفاع أسعار النفط والغاز بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

تحقق ثورة الطاقة الخضراء تقدماً أكبر مما كان متوقعاً. فتكلفة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح شهدت انخفاضات هائلة، فيما تبدو السيارات الكهربائية هي الفائزة في السوق.

هذه كلها أخبار جيدة، لكن تحسين الطاقة الخضراء ليس مثل معالجة تغير المناخ. هناك فرصة جيدة بأن تتحقق توقعات الطاقة الخضراء، بما فيها التوقعات المتفائلة، رغم الزيادة المستمرة في انبعاثات الكربون.

اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يطالب المواطنين بخفض استهلاك الطاقة

يعود ذلك جزئياً إلى أن الابتكار ليس محصوراً فقط في مجال الطاقة الخضراء، بل وأيضاً في صناعة الوقود الأحفوري. لقد كانت جسّدت ثورة التكسير الهيدروليكي في الولايات المتحدة تطوراً إيجابياً، وذلك فقط لأن الغاز عادة ما يكون أنظف من الفحم. ومع ذلك، فإن حرق الغاز (وعملية التكسير الهيدروليكي نفسها) يخلقان مشكلات بيئية، بما في ذلك انبعاثات الكربون. من السهل تخيل نقل ثورة التكسير الهيدروليكي التي تشهدها الولايات المتحدة إلى دول عديدة أخرى، وبالتالي تعزيز استخدام الغاز الطبيعي. على المدى القصير، سيحل الغاز محل الفحم الأكثر تلوثاً، ولكن على المدى الطويل، يتنافس التكسير الهيدروليكي مع أنواع لإنتاج طاقة أكثر نظافة.

اقرأ المزيد: تحول الطاقة مازال يعني ضخ المليارات في الوقود الأحفوري

خلاصة القول هي: إذا كنت متفائلاً بشأن الابتكار الأخضر، فربما يجب أن تكون متفائلاً بشأن الابتكار في الوقود الأحفوري أيضاً.

تتمثل إحدى السمات البارزة للطاقة في سهولة استخدام المزيد منها. لو كانت الطاقة رخيصة فعلاً، لكان الناس يقومون برحلات أكثر بالطائرات، ويصنعون المزيد من الروبوتات، ويقومون بتحلية المزيد من المياه، ويستصلحون المزيد من المساحات على سطح الأرض. كل هذه تعتبر طموحات رائعة، إلا أنها قد تجعل العالم يستخدم المزيد من الطاقة الخضراء، والمزيد من الطاقة كثيفة الكربون.

اقرأ أيضاً: أوروبا تواجه مخاطر الترشيد الإجباري للطاقة إذا قطع بوتين إمدادات الغاز

الحرب والأسعار

بعد هجوم روسيا على أوكرانيا، أصبحتُ أقل تفاؤلاً بشأن استعداد الناس لتحمل المعاناة الاقتصادية لتحقيق نتائج أفضل في مجال الطاقة. فقد ارتفعت أسعار النفط والغاز بشكل كبير بسبب الحرب، ومع ذلك لا يبدو أن هناك دولاً كثيرة تتطلع لاستئناف استخدام الطاقة النووية، وهي شكل من أشكال الطاقة الخضراء. على سبيل المثال، لا تلغي ألمانيا قرارها السابق بإغلاق محطاتها للطاقة النووية. وبينما قد توسع فرنسا استخدامها لهذا النوع من الطاقة، من الصعب رؤية اتجاه كبير مؤيد للطاقة النووية.

تمثلت غالبية الردود على الحرب وما يرتبط بها من ارتفاع أسعار الطاقة، في عزل المستهلكين عن تأثيرات ارتفاع أسعار الغاز. ففي ولاية كاليفورنيا الأمريكية، اقترح حاكم الولاية غافين نيوسوم تقديم 11 مليار دولار على شكل قسائم بنزين للسائقين في الولاية، في خطوة قد تُفسّر على أنها إنكار للتغير المناخي.

بشكل عام، يبدو أن القليل من السياسيين أو الناخبين (خارج المناطق المنتجة للنفط والغاز) سعداء بارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، رغم أن مثل هذه الزيادات في الأسعار قد تكون مطلوبة لتقليل انبعاثات الكربون. حتى ألمانيا تبدو مستعدة لمواصلة دور الممول الرئيسي للحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا، رغم فظائعها ضد المدنيين. إذا كان هذا صحيحاً في بلد لا يزال متأثراً بصدمة ماضيه الفاشي، ولا تزال تطغى فيه أيديولوجية "لن يتكرر ذلك مرة أخرى"، يعني ذلك أنه من غير المرجح أن يكون للجدل حول الحاجة إلى الطاقة الخضراء، تأثير كبير.

يجسد "الصندوق السيادي النرويجي" العالم الذي نعيش فيه. فقد قررت الدولة أن الصندوق يجب أن يتخلص من أصول الوقود الأحفوري. ومع ذلك، فإن معظم أصول الصندوق تأتي من بيع الوقود الأحفوري النرويجي لبقية العالم.

مرة أخرى، يبدو أنه من السهل بشكل متزايد تخيل عالم غني بابتكارات رائعة في مجال الطاقة الخضراء والكثير من انبعاثات الكربون، وسيمتدح الناس الجانب الأول من هذه المعادلة، كي يشعروا بـ"سوء أقل" تجاه الجانب الآخر.

تحسين إمدادات الطاقة

على الأرجح، ستطور دول العالم إمداداتها من الطاقة بطريقة متسلسلة ومتدرجة. لقد تطورت اليابان اقتصادياً قبل الصين، والتي أصبحت بدورها صناعية قبل فيتنام، فيما تسبق فيتنام حالياً معظم دول أفريقيا. يمكن أن يكون في العالم دائماً بعض البلدان النامية التي ترغب في استخدام الكثير من الوقود الأحفوري، وقد يكون الانتقال العالمي إلى الطاقة الشمسية والبطاريات الجيدة أمراً بعيداً.

يمكن أن تعزز ضغوط الأسعار هذا المنطق الأساسي. فنظراً لأن الطاقة الخضراء أصبحت أكثر انتشاراً، قد تصبح البطاريات أكثر تكلفة، لأنها تعتمد على مجموعة متنوعة من المدخلات المادية النادرة. وفي الوقت ذاته، سيجعل الركود الأولي في الطلب على النفط والغاز أثناء التحول الحقيقي إلى الطاقة الخضراء، أسعار هذه الموارد متدنية للغاية. هل هذا يعني أنه يمكن المراهنة بثقة على أن أوغندا الصناعية مثلاً ستسلك بشكل فوري ومباشر طريق الطاقة الخضراء؟

باختصار، هناك سبب لعدم المبالغة في التفاؤل بشأن ثورة الطاقة الخضراء. فكل ما سبق يعتبر أخباراً جيدة، لكن حتى لو كانت كلها صحيحة، فهذا لا يعني بالضرورة أن مستقبلاً أفضل للطاقة بات وشيكاً.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك