يتوافد كبار مسؤولي بنوك وشركات "وول ستريت" إلى الرياض للمشاركة في مؤتمر على طراز منتدى دافوس العالمي، في وقتٍ تواجه السعودية انخفاض أسعار النفط، وتسجل عجزاً في الميزانية، وسط تحدياتٍ لجذب الاستثمارات الأجنبية، ما يدفعها للاعتماد بشكل كبير على مصدر تمويل آخر هو الديون.
أصدرت حكومة المملكة وكياناتٍ سعودية، بما في ذلك صندوق الاستثمارات العامة، سندات ناهزت 50 مليار دولار منذ بداية العام، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ"، ويشمل ذلك مبيعات السندات السيادية المقوّمة بالدولار واليورو وديون الشركات.
إصدار أدوات الدين بهذه القيمة، جعل الدولة الغنية بالنفط إحدى أكبر مُصدري الديون الدولية في الأسواق الناشئة هذا العام. ومن المحتمل أن تقترض المملكة عشرات مليارات الدولارات الإضافية في 2025، بحسب نديم أمتوري، مدير قسم أبحاث الدخل الثابت في "أرقام كابيتال".
مبادرة مستقبل الاستثمار
هذا الأسبوع، تشهد المملكة انطلاق مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، الذي يحظى بحضور أسماء عالمية مثل ديفيد سولومون، الرئيس التنفيذي لمجموعة "غولدمان ساكس" وجين فريزر من بنك "سيتي غروب"، و روث بورات، رئيسة شركة "ألفابت" مالكة "جوجل".
سيقدم المؤتمر نبذة عن شهية المستثمرين لضخ الأموال في السعودية، حيث تسعى البلاد لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط وسط تحديات مالية.
هبطت أسعار النفط دون 100 دولار للبرميل، رغم تقليص المملكة مع أعضاء آخرين في تحالف "أوبك+" إمدادات الخام، في وقتٍ يجري إنفاق مئات مليارات الدولارات على تنفيذ خطة التحول الاقتصادي بموجب "رؤية 2030" التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هذا مع تباطؤ المستثمرين الدوليين حتى الآن في ضخ الأموال بالمشاريع العملاقة مثل مدينة "نيوم" الجديدة.
مجال للمناورة عبر الاستدانة
في العام الماضي، تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة إلى السعودية لأدنى مستوياتها منذ عام 2020، واستمرت في التباطؤ خلال النصف الأول من عام 2024، ما جعل الديون خياراً أكثر أهميةً بالنسبة للرياض لتمويل المشاريع الطموحة التي تعمل على تطويرها.
كارين يونغ، الباحثة بمركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا، ترى أنه "سيجري سد الفجوة المالية من خلال الديون عبر عدد كبير من الكيانات ذات الصلة بالدولة، وبالتالي يوجد مجال للمناورة من خلال إصدار سندات جديدة وعبر ديون الشركات".
وتقر الحكومة السعودية بأن انخفاض أسعار النفط واحتياجات الإنفاق الضخمة قد يضغطان على مواردها المالية. حيث تتوقع أن تسجل عجزاً مالياً حتى عام 2027 على الأقل مع إعطاء الأولوية للإنفاق على تنويع اقتصادها. وأعلنت وزارة المالية أنها ستواصل الاقتراض لتغطية العجز، كما ستبحث عن تمويلات أخرى للمساعدة في دعم المشاريع الكبرى.
ونوّهت وكالة التصنيف الائتماني "إس آند بي غلوبال ريتينغز" بأن المملكة لا تزال في وضع ملائم يسمح لها بإصدار مزيد من السندات، كون معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي لا يزال منخفضاً مقارنةً بمعظم الدول الأخرى. وعززت الوكالة مؤخراً نظرتها المستقبلية للمملكة من مستقرة إلى إيجابية.
مع ذلك، من المتوقع أن تصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يناهز 30% العام المقبل، وفقاً لصندوق النقد الدولي. ورغم أن هذه النسبة منخفضة وفق المعايير العالمية، فإنها أكثر من ضعف متوسط الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في البلاد خلال العقد الماضي.
جذب الاستثمارات الأجنبية
يشير محللون إلى أن السعودية تحتاج لإبراز المنجزات، وإثبات جدوى مشاريعها على أرض الواقع، حتى تستطيع جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المملكة حوالي 9.7 مليار دولار في النصف الأول من عام 2024، وفقاً لبيانات أولية. ولتحقيق هدف هذا العام المتمثل في جذب 29 مليار دولار، من الضروري أن تشهد البلاد حجماً من التدفقات الاستثمارية من بين أكبر المعدلات خلال النصف الثاني من العام على مدى تاريخها.
من بين خيارات التمويل المتاحة أمام الرياض فرض ضريبة على الدخل، وهو إجراء طالما سعت دول الخليج إلى تجنبه. وأشار صندوق النقد الدولي إلى أن فرض رسوم على الممتلكات ربما يساعد أيضاً في زيادة الإيرادات غير النفطية.
مع أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المملكة العام الماضي فاقت المستويات المستهدفة، بناءً على منهجية احتساب جديدة، فإن الحكومة تحتاج إلى صعود أسعار النفط فوق مستوى 96 دولاراً للبرميل لتحقيق التعادل في ميزانيتها هذا العام، وفقاً لأحدث تقديرات صندوق النقد الدولي. بل إن الرقم قد يتجاوز ذلك إلى 112 دولاراً للبرميل، عندما يؤخذ الإنفاق المحلي لصندوق الاستثمارات العامة في الحسبان، وفقاً لـ"بلومبرغ إيكونوميكس".
ويتم تداول خام برنت حول مستوى 71 دولاراً للبرميل مؤخراً، ما يؤكد على دور الديون المتنامي لتنفيذ خطط البلاد الطموحة.
تقول كريستين ديوان، باحثة مقيمة بمعهد دول الخليج العربي في واشنطن: "تعتمد الاستراتيجية السعودية في إطار رؤية 2030 على النفط كمورد مالي. وبالتالي، فإن إصدار الديون أمر أساسي لتمويل وتسريع عملية التحول التي تستهدفها المملكة".