شهد مهرجان كان السينمائي الدولي الأسبوع قبل الماضي عودة النجم جوني ديب لحضور العرض الأول لأحدث أعماله، وهو فيلم دراما تاريخية خرج إلى النور مع عدة أفلام أُخرى بفضل تمويلٍ سعودي.
أسماء المنتجين السعوديين وردت على شارة البداية لفيلم ديب بعنوان "جان دو باري" (Jeanne Du Barry) وفيلمين آخرين يتنافسون على جائزة السعفة الذهبية في المهرجان الذي يُنظّم بجنوب فرنسا. كما رعت المملكة العديد من الفعاليات في كان، بدءاً من أمسية سينمائية سعودية تلاها حفل استقبال، إلى الإعلانات على أغلفة إصدارات مجلات "فارايتي" و"هوليوود ريبورتر" الخاصة بمهرجان كان، فضلاً عن منتدى مدته ساعتان شارك فيه تنفيذيون من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للتعرف على آليات تمويل الأفلام والبحث عن وشركاء إنتاج ومواقع تصوير في المنطقة.
استراتيجية ذات محورين
عُرضت في أرجاء المعرض ملصقات ترويجية لدعم المخرجين الذين يصورون أفلامهم في السعودية. وكان جناح المملكة في "مارشيه دو فيلم" (Marché du Film) أو سوق الأفلام، الذي يقام على هامش المهرجان ويبحث فيه صانعو الأفلام عن مستثمرين، من بين أكبر أجنحة السوق، حيث استقبل الزوار في شرفة تطل على البحر المتوسط.
اعتبر مسؤولون تنفيذيون بصناعة السينما السعودية في مقابلات بمهرجان كان، شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، أن السينما ستكون وسيلة لدحض مفاهيم أجنبية خاطئة عن المملكة. وأضافوا أن التحول إلى قوة سينمائية إقليمية يُعد خطوة أولى يمكن تحقيقها بسهولة، وأن المهرجان يمثل فرصة لعرض المنجزات السعودية في هذه الصناعة واستعدادها للتوسع محلياً وخارجياً.
تتكوّن استراتيجية المملكة من شقين: الأول هو تطوير سوق محلية من خلال دعم الصناعة وإقامة استوديوهات تصوير سينمائي والاستثمار في دور العرض، والثاني جذب اهتمام المنتجين الأجانب والشركات الإعلامية الدولية. وفي هذا الإطار، أعلن صندوق التنمية الثقافي السعودي عن صندوقين في مهرجان كان حجمهما 180 مليون دولار للبنية التحتية للإنتاج والاستثمار في صناعة الأفلام، بحسب "فارايتي".
وصرح عماد إسكندر، رئيس "صندوق البحر الأحمر" والمنتج المشارك للفيلم الافتتاحي في المهرجان، أنه "من الجيد أننا لا نُصنّف فقط كدولة تأتي بالمال إلى كان وصاحبة أكبر جناح به، حيث اختارت لجان التحكيم أفلاماً ننتجها للمنافسة على الجوائز، ونحن نفتخر بذلك".
مرحلة جديدة
لم يكن نمو صناعة السينما في السعودية محتملاً قبل بضع سنوات فقط. ففي أوائل الثمانينيات، حُظرت دور السينما تحت ضغط من رجال الدين المحافظين، وكان السعوديون يسافرون إلى البحرين أو الإمارات لمشاهدة الأفلام. ولم يبدأ افتتاح دور السينما في جميع أنحاء المملكة إلا منذ 2018، مما أعاد إطلاق السوق المحلية للأفلام. وكان فيلم "بلاك بانثر" (Black Panther) أول فيلم يُعرض في دور السينما بعد رفع الحظر.
تلقى صناعة السينما في المملكة الدعم، بشكلٍ أساسي، من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ومبادرة نيوم التابعة له بكلفة 500 مليار دولار، وتتضمن منطقة على ساحل البحر الأحمر بحجم بلجيكا تقريباً تستهدف الباحثين عن الرفاهية وكذلك الصناعات العالية التقنية، لكنه يتضمن أيضاً خططاً لتوسيع نطاق أنشطة السياحة والسفر. ويشترك صندوق البحر الأحمر مع نيوم لتعزيز صناعة السينما المحلية في المملكة، ويقدم التمويل لجذب صانعي الأفلام. كما استثمرت المملكة أيضاً في الرياضات الإلكترونية وألعاب الفيديو، فضلاً عن إنفاق مئات ملايين الدولارات لاستقطاب نجوم كرة القدم وتطوير النوادي ورعاية المسابقات.
يعمل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على تحسين صورة السعودية، من خلال الاستثمار في صناعات تسهم بتنويع اقتصاد البلاد بعيداً عن النفط، وتحديث التشريعات، والعمل على إبعاد صورتها العامة عن أمور مثيرة للجدل، كالحرب في اليمن ومقتل الكاتب في واشنطن بوست جمال خاشقجي وقضايا تتعلق بحقوق الإنسان والتضييق على المعارضين.
تألق الفيلم السعودي
فيلم "سطاّر" (Sattar) الفكاهي لإبراهيم الخير الله، عن مجموعة من لاعبي المصارعة الحرة، باع نحو 900 ألف تذكرة منذ ديسمبر، وهو رقم قياسي لعمل سينمائي سعودي. كان الخير الله، الشريك المؤسس لشركة "تلفاز 11" (Telfaz 11) للإنتاج الإعلامي، حاضراً في سوق الأفلام بمهرجان كان للبحث عن موزعين لفيلمه في الصين وإندونيسيا والولايات المتحدة. وقدّمت عائلات سعودية ثرية مرتبطة بصندوق البحر الأحمر جانباً من الدعم لخير الله.
أبرمت شركته صفقة من ثمانية أفلام مع "نتفلكس" في 2020، في إشارة مبكرة على أن هوليوود ترى السعودية والسوق الناطقة بالعربية فرصةً.
كان أكبر نجاح لصندوق البحر الأحمر، وهو ذراع لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي ومقره جدة والذي دُشّن في 2019، هو عودة جوني ديب إلى عالم التمثيل في الفيلم الدرامي الفرنسي الذي تكلف 20 مليون يورو (21.6 مليون دولار)، ويدور حول جان بيكو، آخر عشيقة رسمية للويس الخامس عشر. ورفض عماد إسكندر، رئيس الصندوق، الإفصاح عن حجم التمويل المقدم في المرحلة المتأخرة من إنتاج الفيلم. لكنه قال إن السبب الرئيسي للاستثمار هو أن "الفيلم نفسه جيد".
مخرجة الفيلم، الممثلة المعروفة باسم مايوين، أعلنت في مؤتمر صحفي أن فيلمها كان من الصعب تمويله قبل ظهور صندوق البحر الأحمر.
وأضافت: "أنا فخورة جداً بأن الفيلم من إنتاج السعودية. الذهنيات تشهد تغيراً. وأتطلّع للذهاب إلى المملكة لتقديم الفيلم الذي يجسّد أفكاري".
إسكندر نوّه بأن جذور مايوين الفرنسية الجزائرية ساهمت في تأهلها للحصول على منحة مالية، حيث يستهدف صندوق البحر الأحمر المخرجين من أصل عربي أو أفريقي، وقدّم الدعم لأكثر من 100 فيلم بإجمالي 14 مليون دولار.