يبدو أن الشبكة الأوروبية الواسعة النطاق من محطات الغاز الطبيعي المسال لن تستطيع إنقاذ القارة العجوز من أزمة الإمدادات الشتوية للغاز.
في يوليو الماضي، تراجعت إمدادات الغاز الطبيعي المسال التي دخلت خطوط الإمداد الأوروبية، إلى أدنى مستوياتها منذ ثلاثة أعوام. بينما تعد توقعات شهر أغسطس أشد قتامة، حيث من المنتظر وصول شحنة واحدة فقط إلى المملكة المتحدة في أغسطس. ومن المتوقع أيضاً أن يُصدّر المُتداولون، الذين يمتلكون خزانات للغاز في إسبانيا، ست شحنات إلى آسيا، ليستفيدوا من الأسعار الأعلى هناك.
يأتي ذلك، في وقت تتدفق فيه كميات غاز أقل من روسيا إلى أوروبا، مما يهيئ القارة لمواجهة شتاء قاس، في حال وصلت درجات الحرارة إلى التجمد. وفي ظل انخفاض المخزونات إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من عقد، باتت أسعار الغاز في أوروبا في حالة تقلب مستمرة، محطمة الأرقام القياسية مرة بعد أخرى. وذلك مع حالة تأهب تعيشها السوق، بانتظار تحديثات حول الإمدادات الجديدة التي ستأتي عبر خط أنابيب "نورد ستريم 2" الذي لم يكتمل بعد، والذي يربط بين روسيا وألمانيا.
شتاء مُتقلّب
يقول أويستين كاليكليف، الرئيس التنفيذي لشركة "فليكس إل إن جي" (Flex LNG) إن "أوروبا بحاجة إلى إعادة تعبئة المستودعات، لكن في ظل الصراع الحالي على الشحنات، يبدو أن السوق ستكون ضيقة للغاية، وذلك ما لم تزداد التدفقات في خطوط الأنابيب". ويضيف: "نحن بحاجة للاستعداد إلى شتاء شديد التقلب، اعتماداً على الطقس".
كانت كميات أقل من الغاز تتدفق من روسيا إلى أوروبا عبر أوكرانيا (ممر رئيسي للغاز). كما تضررت الإمدادات الآتية إلى ألمانيا عبر خط أنابيب "يمال-أوروبا"، الذي يعبر بيلاروسيا وبولندا، بعد اندلاع حريق في منشأة تابعة لشركة "غازبروم" في وقت سابق من أغسطس.
وقالت عملاقة الغاز الروسي مؤخراً إنها غارقة في مستويات قياسية من الطلب، سواء من الخارج أو من داخل روسيا، حيث يحتاج إلى إعادة ملء المستودعات التي نفدت بشكل غير طبيعي خلال الشتاء الماضي.
الإنتاج الأوروبي
يفوق الغاز الذي تستورده الدول الأوروبية من روسيا ما تحصل عليه هذه الدول من أكبر منتجي القارة. وفي ظل انخفاض الإنتاج المحلي واحتمالية إغلاق حقل غاز "خرونينجن" العملاق في هولندا، قبل ثلاثة أعوام من الموعد المحدد، أصبحت القارة أكثر اعتماداً على السوق العالمية المتقلبة للحصول على الغاز الطبيعي المسال اللازم للحفاظ على تدفئة المنازل وإبقاء الأضواء تعمل خلال الشتاء.
ومع ذلك، فإن نقص الإمدادات في آسيا يشير إلى أن الدول من الصين، إلى اليابان، وكوريا، ستكون مستعدة لدفع المزيد لقاء الغاز، بل وحتى، الاستحواذ على الإمدادات المخزنة منه في الخزانات الإسبانية.
وخلال مؤتمر النتائج المالية للشركة الذي تم عن بعد، قال مارك غيتفاي، نائب الرئيس التنفيذي لشركة "نوفاتيك" الروسية المنتجة للغاز الطبيعي المسال، إن الطلب على الغاز الطبيعي المسال في آسيا، سيظل قوياً خلال بقية العام.
كذلك فإن ضغوط السوق لا تقتصر على الطلب فقط، فقد سبق وأن تعطلت إمدادات الغاز القادمة من النرويج هذا العام، بسبب الصيانة المكثفة بعد التأخيرات الناجمة عن الوباء. كما واجه إنتاج الغاز الطبيعي المسال أيضاً تحديات، حيث كانت العديد من المحطات الواقعة في دول مثل ترينيداد وتوباغو، إلى نيجيريا، وحتى مصر، قد عانت من ضعف الأداء أيضاً.
لكن اضطرابات الإمدادات هذه، لا يمكن اعتبارها "مشاكل هيكلية طويلة الأمد"، وستتم تسويتها، وفقاً لما ذكرته جيسيكا أوهل، المديرة المالية لشركة "رويال داتش شل"، إحدى أكبر اللاعبين في المحفظة الاستثمارية للغاز الطبيعي.
من جهتها، تتوقع "بلومبرغ إن إي إف" انتعاش الواردات إلى أوروبا في الربع الرابع، نظراً لزيادة الإمدادات القادمة من الولايات المتحدة وعُمان، وأستراليا. كذلك، تتوقع مؤسسة الخدمات المالية "مورغان ستانلي" انخفاض أسعار الغاز في أوروبا مع وصول المزيد من الغاز الطبيعي المسال إلى القارة.
استراحة أكتوبر
يقول رونالد سميث، كبير محللي النفط والغاز في شركة "بي سي إس غلوبال ماركتس" في موسكو:
مع بلوغ الطلب الآسيوي ذروته في الصيف، سيبدأ الطلب في الانخفاض في الخريف، وبالتالي قد تجذب أوروبا أخيراً إمدادات الغاز الطبيعي المسال مرة أخرى، وقد يمنحها هذا الأمر حالة من الاسترخاء في أكتوبر
وأضاف سميث في مقابلة عبر الهاتف: "في حال كان شهر أكتوبر دافئا جداً، يمكننا الاستمرار في ضخ الغاز إلى مواقع التخزين".
كذلك، أفاد المتداولون أنه تم تقريباً إنهاء المراجحة السعرية، بين أوروبا وآسيا في عمليات تسليم أكتوبر، مما يشير إلى أن المزيد من الشحنات ستختار التوجه إلى محطات الغاز في المحيط الأطلسي.
ومع ذلك، قد يكون ذلك متأخراً بعض الشيء بالنسبة لإعادة تعبئة المستودعات في المرافق الأوروبية بشكل كافٍ، قبل حلول الطقس الجليدي لفصل الشتاء في المنطقة.
"نورد ستريم 2"
من المتوقع، أن تخف أزمة الإمدادات التي تواجهها أوروبا، مع بدء تدفق الغاز عبر خط أنابيب "نورد ستريم 2" المثير للجدل. وقد تراجعت العقود الآجلة للغاز في أوروبا بنسبة 12%، بعد إعلان شركة "غازبروم" بأن خط الأنابيب سينقل بشك مبدئي، 5.6 مليار متر مكعب من الغاز هذا العام.
يقول تيم بارتريدج، رئيس العمليات والتداول في مجموعة "دي بي غروب" الاستشارية: "إمدادات "نورد ستريم 2" لا يمكن أن تأتي في وقت أفضل، حيث يستمر مخزون الغاز الأوروبي بالانخفاض بشكل كبير على أساس سنوي". ويضيف: "عمل "نورد ستريم 2" بكامل طاقته قد يخفف من نقص الإمدادات في سيناريو الاستراتيجية الدفاعية التي تم حسابها. كما لا يمكن بالنسبة لروسيا بأن ينظر إليها، على أنها تستخدم الطاقة كسلاح اقتصادي أو سياسي".
ويشير بيان "غازبروم" إلى أن خط الأنابيب سيكون جاهزاً لبدء تدفق الغاز الأولي "في أي وقت الآن، وبمجرد التخلص من مشاكل التوثيق، وزيادة الإنتاج وفقاً لذلك"، حسبما قالت كاتيا يافيمافا، الباحثة البارزة لدى "معهد أكسفورد" لدراسات الطاقة.
توقعات متباينة
مع ذلك، فإن حجم الإمدادات الأولية التي ستُنقل عبر خط الأنابيب، لن تحل أزمة الإمدادات. حيث يقول جيمس هوكستيب، المحلل في "ستاندرد آند بورز"، إن إنتاج "غازبروم" محدود حالياً والتدفقات الأولية عبر "نورد ستريم 2" سيقابلها على الأرجح انخفاض في التدفقات عبر أوكرانيا، مع إعطاء الأولوية لملء المستودعات المستنفدة داخل أوروبا.
بينما يشعر هوكستيب بالتفاؤل بشأن أسعار الغاز الأوروبية لفصل الشتاء، ويتوقع بدء تدفقات الغاز عبر "نورد ستريم 2" من شهر أكتوبر.
وحتى مع استعداد أوروبا للحصول على المزيد من الغاز الطبيعي المسال في أكتوبر، فإن الإمدادات ستنخفض مرة أخرى اعتباراً من نوفمبر، مع استعداد المشترين من شمال شرق آسيا، لذروة موسم التدفئة في فصل الشتاء، وفقاً لشركة استشارات الطاقة "إنرجي إسبكتس" ومقرها لندن.
كذلك، سيرتفع الطلب في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بمقدار 2.8 مليون طن من ديسمبر إلى يناير، بينما لن يزيد المعروض في المنطقة إلا بأقل من نصف ذلك.
وقد قالت "إنرجي إسبكتس" في تقرير صدر مؤخراً: "هذا يعني أن المنطقة ستحتاج إلى تدفقات أكبر، من مصادر الإمداد الأخرى".