كيف نمنع العملات المشفرة من هدم النظام المالي؟

لافتات لعملات مشفرة خارج مركز لتداول العملات الرقمية في هونغ كونغ - المصدر: بلومبرغ
لافتات لعملات مشفرة خارج مركز لتداول العملات الرقمية في هونغ كونغ - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

في وقتٍ من الأوقات، كان عالم العملات المشفرة مثل عرض هامشي مثير للفضول، ومكاناً يقوم فيه المجرمون بالأعمال، ويدخله المتحمسون بكامل إرادتهم رغم درايتهم بمخاطره، لكن حالياً لم يعد الأمر كذلك.

إذ يتطور هذا العالم سريعاً إلى عالم تمويل حقيقي على غرار مسلسل "وست وورلد" حيث تسمح المحاكاة الزائفة لصناديق الاستثمار والبنوك والمشتقات للزائرين بتحمل مخاطر هائلة - وهي مخاطر قد تتسرب في النهاية إلى الأسواق التقليدية والاقتصاد الأوسع.

يكافح المشرِّعون لإحكام قبضتهم على كل ذلك، وتتزايد أهمية نجاحهم وكذلك سرعته.

مخاطر بتكوين

لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت العملات المشفرة ستثبت نجاحها، فحتى الآن فشلت في أن تكون أموالاً، وعلى سبيل المثال، تسبب تقلب بتكوين، وتكاليف معاملاتها، وبصمتها الكربونية في جعلها غير مفيدة إلى حدٍ بعيد سوى لأغراض المضاربة وبرنامج الفدية (حتى هنا لها عيوبها).

ومع ذلك، فإن تكنولوجيا سلاسل الكتل "بلوكتشين" التي تدعمها - والتي تسمح للأشخاص في أي مكان بإجراء تعاملات وخلق سجلات لا يمكن محوها دون الاعتماد على وسطاء موثوقين - ربما تكون لها استخدامات أخرى غير بيع نسخ "رسمية" من مقاطع الفيديو، وإحياء ذكرى حرق الأعمال الفنية القيمة.

وفي الوقت المناسب، قد تساعد الدول السيادية على تحسين عملاتها الرسمية.

تعاملات بلا قيود

ومع ذلك، مؤخراً، بدء رعاة عالم العملات المشفرة يقلِّدون أعمال المؤسسات المالية التقليدية، لكن دون أي قيود تُنظمهم، وفي حال عدم الانتباه لذلك، لن تنتهي الأمور بخير.

الحجة الأولى هي أن العملات المستقرة، تشبه العملات الورقية لكنها تعمل على "بلوكتشين".

إنها تُقلد الودائع المصرفية من خلال الادعاء بأنها تساوي - على سبيل المثال - دولاراً أمريكياً واحداً لكل عملة.

لكن على عكس البنوك، فإن المنظمات التي تديرها ليس لديها تأمين على الودائع، وليس لديها إمكانية لجوء إلى قروض طارئة من الاحتياطي الفيدرالي، ولا توجد قيود على مكان استثمار احتياطيات الأموال الورقية التي يُزعم أنها تدعمها.

اُكتشف أن "تيثر" - المجموعة التي تقف وراء واحدة من أكثر العملات المستقرة شيوعاً- تقرض احتياطياتها بالدولار إلى بورصة العملات المشفرة التابعة لها، ولا تزال تدعي أنها تمتلك أصولاً متقلبة مثل المعادن الثمينة والرموز الرقمية الأخرى.

استثمارات خطرة

لقد أظهر التاريخ مراراً وتكراراً مدى خطورة هذا المزيج العاري من الالتزامات الشبيهة بالودائع والاستثمارات المحفوفة بالمخاطر.

فحتى الشائعات عن الخسائر يمكن أن تؤدي إلى الاندفاع لاسترداد الأموال قبل نفاد الأموال، مع حصول عواقب هيكلية.

لنفترض، على سبيل المثال، أن العملات المستقرة أصبحت من كبار المشترين للأوراق التجارية والديون قصيرة الأجل التي تُصدرها الشركات لأغراض مثل شراء الإمدادات ودفع أجور الموظفين.

(تقول "تيثر" إنها تمتلك بالفعل عشرات المليارات من الدولارات من هذه الأوراق).

يمكن أن تؤدي الموجة المفاجئة من عمليات الاسترداد إلى تجويع سوق النقد، مما يجعل الشركات غير قادرة على دفع رواتب موظفيها - على غرار ما حدث في عام 2008، عندما أدى إفلاس بنك "ليمان براذرز" إلى حدوث أزمة بسبب طلبات استرداد أموال صناديق أسواق المال، التي دمرت سوق الأوراق التجارية (وهي نقطة ضعف لم تتم معالجتها بالكامل بعد).

التمويل اللامركزي

الحجة الثانية هي العالم المزدهر للتمويل اللامركزي (DeFi). فمن خلال العمل على الـ"بلوكتشين" التابع لـ"إيثيريوم"، باستخدام "العقود الذكية" القادرة على أتمتة المعاملات، قامت فرق غير متبلورة من المطورين في كثير من الأحيان ببناء تصميم مجموعة من التطبيقات.

ويشمل هذا البورصات، والمنصات الشبيهة بالبنوك، وتداول المشتقات، حيث يمكن للأفراد الإقراض والاقتراض والقيام بمراهنات عالية الاستدانة.

العديد من الخدمات لديها أنظمة إدارة لامركزية تترك عملية صنع القرار لمجتمع المستخدمين المتغير باستمرار.

لكن الحيل كثيرة. فكثيراً ما يجد القراصنة طرقاً لاستنزاف الأموال، كما حدث مع منظمة "بلوكتشين" الأصلية المستقلة "داو".

فكر في الأمر على أنه "بنك ظِل" متكامل الخدمات، دون وجود أي شخص مسؤول عنه.

عملات شديدة التقلب

حتى الآن، المبالغ المعنية صغيرة نسبياً - تعادل عشرات المليارات من الدولارات، مقارنة بمئات التريليونات التي تتدفق عبر أسواق رأس المال العالمية. لكن هذا قد يتغير بسرعة، مع تداعيات بعيدة المدى - لا سيما بالنظر إلى حجم المديونية المتضمنة.

تخيل مجموعة من صناديق التحوط تضع رهاناً كبيراً على العملات المشفرة. في التمويل اللامركزي، تحدد الخوارزمية عادةً مقدار أموالهم الخاصة، أو "الهامش"، الذي يتعين عليهم الالتزام به للحصول على قدر معين من الانكشاف.

قد يكون هذا 20%، وهو ما يكفي لتغطية خسارة قدرها 20 مليار دولار لاستثمار بقيمة 100 مليار دولار.

في عالم العملات المشفرة شديد التقلب، يعد تحديد الهوامش عملاً صعباً. قد يتسبب خطأ أو اختراق أو تحركٍ حاد في السوق في إعادة حساب الخوارزمية، الأمر الذي سيتطلب فجأة من صناديق التحوط تقديم مليارات أخرى عن طريق بيع الأصول في الأسواق الأخرى - وهو بالضبط نوع العدوى الذي يميل إلى إثارة انهيارات على نطاق أوسع. وهذا مجرد واحد من العديد من السيناريوهات المحتملة.

ما الذي يجب على الجهات التنظيمية فعله؟

أحد الحلول الواعدة للعملات المستقرة: أن تطلب منهم إيداع احتياطياتهم في البنوك التقليدية فقط، والتي بدورها ستضع هذا النقد في الاحتياطي الفيدرالي.

وهذا من شأنه أن يجعلهم معادلين للودائع المؤمنة اتحادياً، مما يجعلهم يتنافسون على جودة خدمات الدفع التي يقدمونها، بدلاً من الاستفادة من الاستثمارات المحفوفة بالمخاطر.

يمكن أن يكون للعملات المستقرة المنظمة بطريقة صحيحة استخدامات مفيدة، مثل جعل الأمر أسهل وأرخص للعمال المهاجرين لإرسال الأموال إلى عائلاتهم في الوطن.

قد تعمل "سكك" الدفع التي يساعدون في تطويرها في يومٍ من الأيام كبنية تحتية للنقد الرقمي الذي تُصدره البنوك المركزية السيادية مباشرةً.

ضبط التمويل اللامركزي

سيكون التمويل اللامركزي أكثر تعقيداً. يتمثل أحد التحديات في تحديد ما تفعله المنصة في الواقع - هل هي مثل بنك، أو بورصة، أو تاجر أوراق مالية، أو شيء آخر؟

وهناك طريقة أخرى تتمثل في تحديد الجهة التي ستخضع للمساءلة في منظمة لامركزية - المطورين أم المستخدمين؟ سيتعين على الوكالات المتعددة التعاون، وربما ستكون هناك حاجة لتشريعات جديدة لمنحها الصلاحيات اللازمة.

يجب أن يكون الهدف الأسمى هو ضمان تنافس الخدمات المماثلة على المؤهلات، وليس على درجة التنظيم التي تواجهها أو تسامحها مع الجريمة. وفي الحالات التي لا يكون فيها ذلك متوفراً، يمكن حظر بعضها.

يُحسب للمنظمين العالميين أنهم على دراية بهذه المشاكل وقد بدأوا في الانخراط، لقد فكروا بعمق في خيارات التعامل مع العملات المستقرة.

فقد التقوا مع المشاركين في التمويل اللامركزي لفهم المخاطر بشكلٍ أفضل، ووضعوا مقترحات ملموسة للحفاظ على البنوك التقليدية آمنة. لكنهم بحاجة إلى التصرف بسرعة، فمن الممكن أن يصبح هذا الأمر كبيراً جداً، وخطيراً جداً، بشكلٍ سريع جداً.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة