عندما تسبَّبت جائحة فيروس كورونا في توقُّف السفر، لجأت شركات الطيران إلى كلِّ مصدر تمويل يمكنها أن تجده - حتى برامجها الخاصة بالمسافر الدائم التي لم تمسها من قبل- ويعتمد على ما إذا كان يمثِّل تطوراً إيجابياً للصناعة على وجهة النظر المعنية.
وفي هذا الصدد، جمعت شركات "يونايتد إيرلاينز هولدينغز"، و"دلتا إيرلاينز"، و"أمريكان إيرلاينز غروب" أكثر من 25 مليار دولار من خلال صفقات الديون المدعومة ببرامج ولاء المسافرين. فقد كان عرض شركة "أمريكان" البالغ 10 مليارات دولار، وهو مزيج من السندات والقروض، الأكبر على الإطلاق بالنسبة لشركة طيران، ويقال، إنَّه جذب 45 مليار دولار من طلبات المستثمرين المتعطِّشين للعوائد.
واستخدمت شركة الطيران العائدات لسداد قرض الجائحة من وزارة الخزانة الأمريكية، الذي حمل شروطاً مرهقة أكثر.
وفي هذا السياق، جمعت شركتا "سبيريت إيرلاينز"، و"هاوايان هولدينغز" مبلغ 2.05 مليار دولار إضافي مدعومتين جزئياً ببرامج الولاء الخاصة بهما.
والجدير بالذكر، أنَّه لم تحاول أية شركة طيران استثمار برامجها الخاصة بالمسافر الدائم بهذه الطريقة قبل تفشي الجائحة.
وفي ظاهر الأمر، يبدو هذا كأنَّه إنجاز رائع لإبداع "وول ستريت". في حين كانت شركة "يونايتد" رائدة في أداة التمويل بمساعدة شركة "غولدمان ساكس غروب" بعد أن تمَّ إلغاء صفقة ديون سابقة منفصلة مدعومة بطائرات متقادمة، وذلك على خلفية مخاوف المستثمرين بشأن قيمة هذا الضمان وسط تخمة محتملة من الطائرات الخارجة من الخدمة.
ومن ناحية أخرى، فإنَّ برامج المسافر الدائم تستهلك الكثير من المال، وتميل من الناحية النظرية إلى أن تكون أقل تقلُّباً من إيرادات التذاكر التقليدية لشركات الطيران أو قيمة الأسطول الأساسي.
نظرة على العائد
وكل ما يتطلَّبه الأمر هو إلقاء نظرة سريعة على عائدات هذه السندات لمعرفة أنَّ المستثمرين يفكِّرون بشكل كبير في برامج الولاء.
فقد تمَّ تسعير ديون "مايلج بلاس" من شركة "يونايتد" في يونيو لتصل إلى 7٪، مقارنة بعائد 11٪ تمَّ طرحه في مناقشات الأسعار غير الرسمية قبل شهر، تماماً في الوقت الذي قال فيه "وارن بافيت"، إنَّ شركة "بيركشاير هاثاواي" قد خرجت من حصتها في حفنة من شركات الطيران.
وفي سبتمبر، أصدرت "دلتا" ديوناً لمدَّة ثماني سنوات، وحقَّقتْ عائداً بنسبة 4.75٪ فقط. وبلغ سعر سندات "أميركان" لأجل ثماني سنوات هذا الشهر 5.75٪، ويرجع ذلك في الغالب إلى الارتفاع الأخير في عوائد الولايات المتحدة القياسية.
وكان الفارق في سندات الخزانة أكبر بمقدار 20 نقطة أساس من "دلتا"، على الرغم من أنَّ وكالة "موديز" صنَّفت الأوراق المالية الأمريكية بأربع درجات أقل.
وانخفضت عمليات استرداد ائتمان الأميال بمقدار الثلثين في شركة "أميركان" في عام 2020، تماشياً مع الانخفاض في إجمالي إيرادات الركاب، وذلك وفقاً للإفصاح السنوي للشركة.
إلا أنَّ الإيرادات المرتبطة بالمكوِّن التسويقي لبرنامج المسافر الدائم - المعرَّف على أنَّه استخدام للملكية الفكرية، بما في ذلك العلامة التجارية "أميركان"، والإعلان والوصول إلى قائمة أعضاء الولاء؛ انخفضت بنحو الخمس فقط.
وفي الواقع، يُشارك عضو "إيه أدفانتج" (AAdvantage) العادي في برنامج الولاء لمدَّة 10 سنوات، فقد حقَّق 40٪ من المستخدمين دخلاً يزيد عن 100 ألف دولار، وفقاً لتقرير صادر عن "سافانثي سيث" التي تعمل محللة في شركة "ريموند جيمس فايننشال". ويساعد هذا النوع من الاستقرار في تفسير سبب استعداد شركات التصنيف الائتماني لمنح صفقات الديون درجة أعلى من الشركات نفسها.
وقالت"سيث" في مقابلة عبر الهاتف، إنَّ برامج الولاء تقدِّم "الكثير من الأشياء الجيدة في شركات الطيران بعيداً عن الأشياء السيئة فيها". ولكن إذا كانت شركات الطيران تعرض أهم برامجها لحاملي الديون، فما الذي يتبقى للمستثمرين في الأسهم؟.
المستثمرون في الأسهم
وقد تقاطر متداولو التجزئة نحو هذه الأسهم مع إظهار الجائحة علامات على تراجعها؛ وتجاوز صندوق "يو إس غلوبل جيتس" (U.S. Global Jets) المتداول في البورصة 4 مليارات دولار في الأصول هذا الشهر، بزيادة أكثر من 2,600٪ عن العام السابق.
وفي الواقع، قامت بعض شركات الطيران بما في ذلك "إير كندا"، و"غول لينهاس إيريس إنتيليجنتس إس إيه" (Gol Linhas Aereas Inteligentes SA) بفصل برامج الولاء الخاصة بها في محاولة لتحقيق الدَّخل من هذه البرامج المربحة، وخلق قيمة للمساهمين.
إلا أنَّ السيطرة المستقلة على برامج المسافر الدائم خلقت تضارباً متأصلاً في المصالح، وحرمت شركات الطيران من بعض مزايا امتلاك هذه الأنظمة في المقام الأول.
والفكرة الأساسية لشركة الطيران، هي تعزيز الولاء بين العملاء، إلا أنَّ البرامج المستقلة قد تسعى إلى زيادة الأرباح إلى أقصى حدٍّ من خلال بيع أرصدة الأميال لأطراف ثالثة مثل شركاء بطاقات الائتمان. لذلك أعادت شركة "إير كندا" استيعاب برنامج المسافر الدائم في عام 2019 وتحاول شركة "غول" أن تفعل الشيء نفسه من خلال نظام الولاء "سمايل" (Smile).
وبدلاً من ذلك، فإنَّ تحويل برامج المسافر الدائم من خلال الديون إلى نقود توفِّر مزايا مالية بدون مشاكل تشغيلية، ولكن ما يزال هناك تضارب في المصالح متأصِّل في هذه المعاملة، لأنَّ أصحاب الأسهم لديهم مطالبة أقل بهذه الأصول المربحة.
وقالت"سيث": "بالنسبة لصاحب الأسهم، فحتى الأوراق المالية المدعومة بأصول الطائرات تعدُّ مشكلة، وفي حال لم يتم الدفع لحامل السند، فسيتمُّ سحب الطائرة، وستكون القيمة المتبقية أقل. وفي الواقع، يجب إجراء التقييم نفسه مع هذه البرامج".
وفي غضون ذلك، فإنَّ مستثمري السندات لديهم حدودهم أيضاً؛ فقد قال "مارك ليندبلوم"، مدير المحفظة في شركة "ويسترن آست مانجمينت"، إنَّ محلليه "مرتاحون جداً" للعائدات المعروضة في صفقات "يونايتد"، و"دلتا".
وهو يمتلك هذه السندات في صندوق "ويسترن آست كور بلس بوند فاند" بقيمة 38.4 مليار دولار. إلا أنَّه قال، إنَّ بيع السندات الأمريكية الأخيرة جاء "بأسعار مخفَّضة بشكل كبير - مئات النقاط الأساسية، وقد رأينا بالفعل هذا النوع من الضغط"، وفي وقت سابق من هذا الشهر. تمَّ تداول دين "يونايتد" الذي حقَّق عائداً في البداية 7٪ عند 3.09٪ فقط.
الرهان بكل شيء
وليس من غير المألوف أن تقوم الشركات برهن كل شيء ممكن في أوقات الأزمات. وتعهدت شركة "فورد موتور" على نحو سيىء بشعارها البيضاوي الأزرق كجزء من الضمان لحزمة تمويل في عام 2006 التي ساعدتها على تجنُّب الإفلاس في فترة الركود العظيم.
إلا أنَّ "فورد" استعادت الشعار والأصول الأخرى في عام 2012. والفرق هنا هو أنَّ شركات الطيران تقدِّم كل مؤشر، على أنَّها ترى برامج الولاء الخاصة بها كوسيلة دائمة لزيادة رأس المال.
وقالت "هيلانة بيكر"، المحللة في شركة "كوين"، في مقابلة عبر الهاتف: "الموضوع يشبه إلى حدٍّ ما حصَّالة نقود يمكنهم النقر عليها، والدفع منها، وإعادة تعبئتها مرة أخرى"؛ فقد قارنت أصول الولاء ببرنامج تمويل سلسلة التوريد.
ربما يكون ذلك جيداً طالما أنَّ هناك سوقاً تُقدِّم فيه شركات الطيران خدماتها. هذا وتستمر أعداد نقاط التفتيش في المطار في الارتفاع؛ إذ يتلقى المزيد من الأمريكيين لقاحات كوفيد-19 في أحد أوضح المؤشرات على أنَّ الحياة تعود ببطء، ولكن بثبات إلى طبيعتها.
وقالت "سيث"، إنَّ فائدة صفقات ديون برنامج الولاء للمستثمرين في الأسهم هي أنَّ شركات الطيران أثبتت الآن أنَّ لديها وصولاً أكبر إلى السيولة في أوقات الأزمات أكثر مما كان يعتقد سابقاً.
ولكن يجب على المساهمين أن يدركوا أنَّ الوضع الطبيعي في فترة ما بعد الجائحة لشركات الطيران له بُعد إضافي، فالتعهد ببعض أصولها الأكثر قيمة لحملة السندات يخلق خطراً خفياً يمكن أن يطفو يوماً ما على السطح في صناعة أخذت أكثر من نصيبها العادل في تاريخ الإفلاس.