نيودلهي تلحق الضرر بالدول النامية التي تدعي أنها ترغب بأن تكون قائدة لها عبر فرض الرسوم وتقييد التصدير

الهند تدفع العالم نحو أزمة أرز جديدة

شوال من الأرز  - المصدر: بلومبرغ
شوال من الأرز - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

عانت أفقر دول العالم سنةً شديدةً من حيث أسعار الغذاء. سواءً كان القمح قوت شعوبها أم الأرز، فهنالك ثلاث كوارث تتسبب في نفاد إمدادات الحبوب وهي غزو روسيا لأوكرانيا وقرارها بالتخلي عن مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب، وظاهرة "إل نينيو" التي تضرّ بالمحاصيل حول العالم، وكذلك سياسات الهند المحلية.

لقد حظرت حكومة الهند صادرات أغلب أنواع الأرز والقمح أو فرضت ضرائب عليها خشية تقلب أسعار الحبوب قبيل انتخابات العام المقبل. إن الهند من كبار منتجي القمح، لكن ما تهيمن عليه فهو سوق الأرز، إذ تمثل صادراتها نحو 40% من تجارة الأرز العالمية.

تُحكم نيودلهي قبضتها على سوق الأرز العالمية بأن تتخذ خطوةً تلو أخرى، وهي تفرض حالياً رسوم تصدير بنسبة 20% على بعض أنواع الأرز، كما تفرض حداً أدنى لأسعار تصدير أنواع أخرى، فيما تحظر تماماً تصديرها بعض الأصناف.

شعر من يقتاتون على الأرز حول العالم بالأزمة، وتشير تقديرات منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة إلى أن أسعار الأرز كانت أعلى بنسبة 28% في سبتمبر مما كانت عليه في 2022، فقد قفزت الأسعار في مطلع سبتمبر إلى أعلى مستوياتها خلال 15 عاماً.

كانت آخر مرة صعدت فيها الأسعار إلى تلك المستويات في الربع الأول من 2008، وكان ذلك أيضاً بسبب قيود تنافسية على الصادرات حول العالم، وكانت الهند هي أول من بادر بفرضها، إذ كانت حكومتها آنذاك قلقة بشأن التضخم قبيل انتخابات عامة يحتدم فيها التنافس.

تداعيات الأزمة

تحب الهند أن تقدم نفسها كزعيمة لجنوب العالم، وعلى أنها قادرة على التعاطف مع الدول النامية بعكس الغرب والصين من حيث إنهم يكترثون كثيراً لتداعيات سياساتهما على الدول الأفقر.

لكن مثلما أشار المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، فليس الغرب من سيعاني نتيجة حظر صادرات الأرز غير البسمتي. بين 15 دولة استوردت أكثر من 100 ألف طن من الأرز غير البسمتي من الهند في 2022 كانت تسع منها من الدول الواقعة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، وهي كينيا وساحل العاج والكاميرون وغينيا ومدغشقر وبنين وأنغولا وموزمبيق وتوغو. تتسبب أسعار الغذاء في ارتفاع التضخم في أنحاء المنطقة، إذ يربو معدل التضخم في نيجيريا الآن على 25%، كما أنه واظب لشهور عند مستوى فاق 40% في غانا.

إن لم تصدّر الغذاء، فإنك تصدّر انعدام الأمن والاستقرار. خلال آخر أزمة حبوب في 2007 و2008، شهدت 14 دولة أفريقية شغباً بسبب الغذاء. وفقاً لاقتصاديين في البنك الدولي، فإن معدلات الفقر ربما تكون قد ارتفعت بين 3% و5% في الدول الرئيسية المستوردة للغذاء، ما عطل تقدم هذه الدول سبع سنوات. يزعم عديدون أن الأسعار المرتفعة بشكل مستمر هي ما أشعل شرارة الربيع العربي بعد ذلك بسنوات قليلة.

الهند ليست الدولة الوحيدة التي تفرض حظراً أو قيوداً أو ضرائب غير رشيدة على الصادرات، إذ إن فيتنام، وهي مصدّر رئيسي أيضاً، أقدمت على ذلك . كما وجدت "بلومبرغ نيوز" إجراءات مشابهة في دول من الأرجنتين وباكستان إلى تركيا والهند.

مسؤولية أكبر

لكن نظراً لهيمنة الهند على سوق الأرز، فإن المسؤولية التي تقع على عاتقها أكبر من سواها. رغم ذلك، فإن حكومة البلاد، التي تخشى أن يعاقبها الناخبون عبر مراكز الاقتراع بسبب تضخم أسعار الغذاء، اختارت دوماً فرض ضوابط بدلاً من تقديم الدعم للمستهلكين المحليين بشفافية. هذا ما فعلته الهند في سوق القمح العام الماضي أيضاً، كما أنها قيدت صادراتها من السكر، وهي ثاني أكبر لاعب في هذه السوق بعد البرازيل. تبلغ أسعار السكر الآن أعلى مستوياتها منذ 12 عاماً.

بديهي أن ضرر حظر الصادرات يطال مزارعي الهند أكثر من غيرهم، إذ إنهم حُرموا فرصة البيع في الأسواق العالمية فيما ترتفع الأسعار. يعرقل الزعماء الهنود مساعي إصلاح نظام الدعم الزراعي في منظمة التجارة العالمية بحجة أنهم بحاجة لحماية الملايين من مزارعي الكفاف. لكن يبدو أن تلك المخاوف تتلاشى حين ترتفع أسعار الغذاء وتصبح تهدئة المستهلكين الغاضبين في مدن الهند أمراً ضرورياً.

وعدت الهند منذ فترة طويلة بأن تكون قوة عظمى تختلف عن الولايات المتحدة والصين. فهي لن تتاجر بمنطق النفاق المستتر في صورة ورع كما تفعل الدول الغربية، وإنما ستتحلى بالمسؤولية في التجارة على العكس من الصين. كما أنها ستولي أهميةً للإبقاء على سلاسل إمداد المواد الأساسية كالغذاء والوقود قائمةً وقويةً، وإلا فإن من هم أشد فقراً حول العالم سيعانون.

كل هذه المبادئ جديرةٌ بأن تُتبع، وعلى الهند أن تبذل جهداً أكبر كي تفي بوعودها.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

فى هذا المقال