بعد سنوات من الاستحواذ على حصة تزيد عن 20% في شركة "بي واي دي" (BYD) الصينية، ربما تكون شركة "بيركشاير هاثاواي" (Berkshire Hathaway) التي يملكها وارن بافيت تخطط للخروج من هذا الاستثمار؛ إذ ظهر حجم مماثل لحصة الملياردير في شركة السيارات الصينية في نظام المقاصة التابع لبورصة هونغ كونغ الأسبوع الماضي، مما أثار الشكوك بأنَّ بافيت الملقّب باسم "حكيم أوماها" قد يكون تخلى عن الشركة الصينية الصاعدة للسيارات الكهربائية والبطاريات.
وبالتأكيد يبدو حدوث ذلك في هذا الوقت أمراً غريباً. فقد صعدت "بي واي دي" إلى قمة تصنيفات مصنّعي السيارات الكهربائية العالمية، وهي تقترب من شركة "تسلا"، بينما تشق طريقاً واضحاً نحو الأمام في مجال البطاريات، وتتحايل بطريقة ما على الأزمات الشديدة في سلاسل التوريد؛ ويبدو أنَّها قامت بكل الأمور الصحيحة، حتى أنَّه في يوم 14 يوليو، قالت الشركة المدرجة في هونغ كونغ إنَّها تتوقَّع أن يقفز صافي دخلها الأولي في النصف الأول بنسبة 207%.
هل من قرار حكيم آخر لبافيت؟
فالسؤال هو: إذا كانت الحصة في مركز المقاصة ببورصة هونغ كونغ مرتبطة فعلاً بشركة "بيركشاير" التابعة لبافيت، إذاً ما هي المخاطر التي يراها بافيت ونائبه تشارلي مونغر التي لا يراها الآخرون؟ وهل يمكن أن يكون هذا القرار حكيماً، مثل ذلك الذي دفعه إلى شراء حصة في "بي واي دي" في الأصل؟
في ظل الأداء الممتاز لشركة "بي واي دي"؛ ما تزال مشكلة نقص إمدادات الليثيوم تتفاقم. وعلى الرغم من وجود نقص المواد الخام وارتفاع الأسعار منذ فترة؛ إلا أنَّ الشركة حتى الآن نجحت بالتحايل من ضغوط التكلفة؛ فقد اتّبعت نموذجاً متكاملاً رأسياً. فمن جهة تبحث عن المناجم في جميع أنحاء العالم، وتُعزّز الإنتاج، وتصنّع بطاريات أفضل، وتحافظ على إحكام قبضتها على سلسلة التوريد الخاصة بها. ومن بين كل هذه العوامل؛ كانت قبضتها على إنتاج الليثيوم الأكثر عرضة لحالة عدم اليقين، فقد أثّرت أسعار المواد المرتفعة على الشركات الصناعية في الصين بشدة لدرجة أنَّ بكين دعت إلى وضع حد لارتفاع سعر الليثيوم، وهي تخطط لسياسات مساعدة الشركات في مساعيها.
جميع الطرق تؤدي إلى الليثيوم
كانت "بي واي دي" في مهمة للسيطرة على مناجم وموارد الليثيوم هذا العام، وارتبطت بشركة "يونغي" (Youngy)، وهي واحدة من أوائل شركات تعدين الإسبودومين، أو مركب الليثيوم الخام في الصين. وفي مارس الماضي، شاركت في طرح خاص لشركة تعدين أخرى، وهي مجموعة "تشينغكسين ليثيوم" (Chengxin Lithium). وكجزء من الشراكة؛ ستحصل على مركبات الليثيوم بسعر مخفّض في المستقبل. وفي حين أنَّه من المرجح أن تستمر الشركتان في شراء المزيد من المناجم في منطقة سيتشوان، إلا أنَّ هذا لن يؤدي إلى إمداد فوري أو مضمون لهما، إذ إنَّ لدى معظم المحاجر قدرة إنتاج مستقبلية - غير حالية - للخام، ولا تتمتع مجموعة "تشينغكسين" بإمكانية الوصول الكامل إلى الإمدادات في بعض منها.
وحتى في حال استحوذت "بي واي دي" على كامل الإنتاج في منجمين، فإنَّها ستحصل فقط على ما يعادل 80 غيغاواط/ساعة بحلول عام 2025، وفقاً لمحللي "دايوا كابيتال ماركتس" (Daiwa Capital).
من جهة أخرى، تم تركيب ما يعادل حوالي 27 غيغاواط/ساعة من البطاريات في أكبر 9 شركات للبطاريات الصينية خلال يونيو، وأضافت "بي واي دي" ما يزيد قليلاً عن 5 غيغاواط/ساعة. ومن الواضح أنَّ عجز العرض سيبقى موجوداً لفترة.
زيادة في الطلب الكبير أصلاً
في الوقت نفسه؛ فإنَّ أنواع البطاريات التي تصنّعها الشركة - معظمها من فوسفات حديد الليثيوم - تكتسب الآن زخماً خارج الصين مع اقتراب انتهاء صلاحية براءات الاختراع الرئيسية التي قيّدت الإنتاج في البلاد. وهذا يعني أنَّه سيكون هناك المزيد من الطلب ليزيد الضغط على العرض.
فضلاً عن ذلك، هناك أمور أخرى لا يتم تقديرها بما يكفي. على سبيل المثال؛ يقدّر المحللون وجود المزيد من المعادن والخامات الحاملة لليثيوم من سيتشوان، ولكن يمكن أن يكون توفّر هذه المعادن أقل من المتوقَّع بسبب صعوبة التضاريس، مما يُؤثّر على المدة التي يمكن أن تعمل بها المناجم. كما أنَّ هناك قضايا بيئية متصاعدة في المنطقة.
وفي الواقع، دفعت هذه الضغوط "بي واي دي" إلى البحث في تشيلي، فقد فازت بعقد لاستخراج الليثيوم هناك؛ إلا أنَّ جهودها واجهت ممانعة أخرى عندما علّقتْ المحكمة العليا في الدولة اللاتينية بعض هذه العقود، وباتت الشركة تبحث الآن عن مناجم في أفريقيا، لكن لم تظهر أي صفقات واضحة بعد.
الجدير بالذكر أنَّ الشركة راهنتْ على السيارات الكهربائية بعد إعلانها أنَّها لن تصنّع المزيد من السيارات التقليدية. ومع ذلك، ليس من الواضح بعد كيف ستنتج بطاريات الليثيوم ذات الجودة العالية، أو ما يُقدَّر بنحو 1.5 مليون مركبة كهربائية هذا العام ستحتاج جميعها إلى هذه البطاريات، وكيف ستفعل ذلك دون وجود عقود توريد كافية؟.
أخيراً، سواء كانت الحصة في بورصة هونغ كونغ تعود لبافيت أو لشخص آخر؛ فإنَّ المستثمرين يشككون بما يتعلق بإمدادات المواد الخام وتكلفتها المتصاعدة، بغض النظر عن مدى التكامل في أنظمة أي شركة، أو مدى جودة توقُّعات مبيعاتها.