تدرس "لجنة الأوراق المالية والبورصات" الأميركية، إجراء تغييرات على القواعد، التي إذا جرى تبنّيها، قد تغير أسس تداول الأسهم المعمول به منذ سنوات بشكل جذري.
التغييرات المحتملة، التي استعرضها غاري غينسلر، رئيس "لجنة الأوراق المالية والبورصات"، والتي تهدف إلى زيادة المنافسة، يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على طريقة تعامل الشركات، من أمثال "سيتاديل سيكيوريتيز" (Citadel Securities)، و"فيرتو فاينانشيال" (Virtu Financial)، و"روبينهود ماركتس" (Robinhood Markets)، مع أوامر تداولات الأفراد.
يرى مسؤولون تنفيذيون في الصناعة المالية أن هيكل السوق الحالي قادر على تحقيق الفائدة للمستثمرين الأفراد، مشيرين إلى قدرة شركات الوساطة على تقديم تداولات من دون عمولة.
اقرأ أيضاً: لجنة البورصات الأميركية تفتح الطريق أمام المسؤولين التنفيذيين للتداول في شركاتهم
التقينا لاري تاب، رئيس أبحاث هيكل السوق في "بلومبرغ إنتليجنس"، لمراجعة رأيه في تلك المقترحات، وقد تم تحرير ما يلي من اللقاء بما يراعي الاختصار والوضوح.
اقترح غينسلر، رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات، عدداً من التغييرات على القواعد. ماذا عن أهم تلك التغييرات؟
أهم تغيير هو المنافسة على كل أمر تداول على حدة. ورغم أنه أبقى الأمر غامضاً بشأن ما يريد القيام به تحديداً، إلا أنه يتطلع بالفعل لمحاولة إيجاد منافسة على كل طلب بيع أسهم للأفراد على حدة. ما يعنيه ذلك، في الوقت الحالي، هو أن أوامر بيع الأسهم من الأفراد تذهب بشكل تلقائي إلى وسيط التداولات بالجملة. ووسطاء الجملة هؤلاء قادرون على استيعاب الطلب – حيث يتم التداول ضمن دفاتر الطلبات الخاصة بهم، من دون إرسالها إلى البورصة – وهم يستخدمون في هذه الحالة أفضل الأسعار المتاحة، كدليل لكيفية تنفيذ الأوامر. ويجب تنفيذ الأوامر عند أفضل سعر معروض في السوق، أو أفضل منه في ذلك الوقت.
اقرأ المزيد: هيئة البورصات الأميركية تشن هجوماً على التمويل اللامركزي
ما يريد فعله هو بيع كل أمر في مزاد علني. لكن، ليس واضحاً ما إذا كان يقصد إرسالها إلى دفتر الطلب المباشر الذي يضم العروض والطلبات، أو إذا كان يقصد المزادات. لقد ذكر عملية تحسين الأسعار التي تحدث للخيارات، والتي تعني أنه عندما ترسل طلباً لشراء أو بيع 100 سهم لشركة ما، تكون هناك عملية مزاد تقول، "مرحباً، هل هناك شخص يريد شراء أو بيع ذلك الأمر الخاص بذلك السهم؟". حينها، يكون لديك قدر محدود من الوقت - سواء كان ذلك ملي ثانية أو 5 ملي ثانية أو ميكرو ثانية – لكي يمكنك الرد وتقديم عروض الأسعار مقابل أمر التداول.
يبدو الأمر مناسباً ومنطقياً تماماً، لكنه يتوقف على قدرة القواعد الجديدة على كسر الفكرة المتعلقة بطريقة إرسال وسطاء تداولات الأفراد الأوامر إلى وسطاء التداولات بالجملة، وكيفية تنفيذ تلك الأوامر، حتى يمكن فهم تأثير تلك القواعد بشكل أفضل.
بانتظار التفاصيل
قد يتم السماح لوسطاء تداولات الأفراد بإرسال طلباتهم إلى وسطاء التداولات بالجملة، الذين يمكنهم بعد ذلك توجيه تلك الطلبات إلى البورصة، أو يمكن الذهاب أبعد من ذلك، ويتم إجبار وسطاء تداولات الأفراد على إرسال تلك الأوامر مباشرة إلى البورصات. لذلك يتعين علينا انتظار صدور القواعد المتعلقة بهذا الشأن.
لكن الأمر يبقى مثيراً للجدل، لأن وسيط تداولات الأفراد يدير تدفق الأوامر مع وسيط التداولات بالجملة بشكل مترابط، يصعب إلغاؤه، حيث يتعامل مع العملاء كافة بشكل عام. لكن إذا تم إرسال الأوامر فجأة إلى البورصة، واحداً تلو الآخر، وتم بيعها بالمزاد العلني، فسوف يتسبب ذلك على الأرجح في زيادة المنافسة على الأوراق المالية الأكثر سيولة وطلباً، وقد لا يتم تسعيرها كما هي حالياً.
لكن يبقى التساؤل، ماذا سيحدث للأوراق المالية الأقل طلباً؟ هل ستحصل على أسعار أفضل من الحالية أو أسوأ؟ وما هي المحددات الاقتصادية لذلك التغيير؟ في الوقت الحالي، يتقاضى وسطاء تداولات الأفراد أموالاً مقابل تدفق الأوامر. والسؤال، هل سيتم تثبيت النموذج الخاص بتلك المحددات الاقتصادية؟ وهل ستخصم البورصات مبالغ لصالح الوسطاء مقابل تدفق تلك الأوامر؟ أما إذا لم يفعلوا ذلك، فقد يؤثر على العمولات المجانية، أو مقدار مكاسب الوسطاء من إرسال تلك الطلبات المتدفقة بذلك الشكل.
هل يمكن أن تعطيني مثالاً بسيطاً حول كيفية تطبيق العملية الجديدة؟
دعنا نقول إن هناك 5 متاجر صغيرة في مبنى واحد، وأنت تريد الذهاب لشراء الحليب. حالياً، يمكنك الذهاب إلى أحد المتاجر، الذي يتعين عليه التحقق من بيعه الحليب بنفس سعر باقي المتاجر الأربعة، أو أفضل منه. لكن بموجب القانون الجديد، يخرج العميل ويقول، "مرحباً، أريد شراء غالون من الحليب"، ويتعين على كافة المتاجر الخمسة وقتها أن تقدم أفضل سعر. كذلك قد يكون الشخص الذي يتجه إلى المتجر لا يريد شراء الحليب، لكنه ربما يريد بيع الحليب. والسؤال هو، هل تريد المتاجر بالفعل شراء هذا الحليب بدلاً من بيعه؟ أنا متأكد من أن كل المتاجر ترغب في شراء الحليب إذا كان بإمكانها إدارة المخزون. والسؤال هو لماذا ترغب في شرائه؟ بحيث يمكن لشخص ما أن يسير حاملاً نصف لتر أو ربع لتر من الحليب، ويجبر المتاجر على شرائه.
هل يضر ذلك بالمستثمرين الأفراد؟
هذا ممكن، والأمر سيعتمد بشكل كبير على ما سيتم تطويره من هياكل جديدة. فكل ذلك كان مجرد خطوط عريضة ودعوات لموظفيه للتحقق من الأمر، ولا نعرف ما هي القواعد النهائية. وستحدد طبيعة تلك القواعد، إن كان لها تأثير ضبابي إلى حد كبير، أو لا. لكن من السابق لأوانه التأكد مما إذا كان التأثير سيكون جيداً أم سيئاً. وبالتأكيد ستكون هناك نقاط لن تسعد بها كل مجموعة على حدة، إذا تم تنفيذ كل القواعد المقترحة أو التي نسمع عنها.
ما هو السبب برأيك وراء قيامهم بذلك؟
ذلك أنه وفي ظل العملية الحالية – رغم أنها فعالة جداً في الواقع، استحوذ المستثمرون الأفراد في أبريل على نحو 47% من العروض والطلبات من المنتصف، حيث يتم قياس قيمة العروض والطلبات من نقطة بمنتصف دفتر الأوامر. لذلك استحوذ المستثمرون الأفراد وفقاً لطريقة التداول الحالية على 47% وهي نسبة كبيرة. والسؤال، هل سيكون لديهم القدرة على الاستحواذ على نسبة مماثلة في ظل المنافسة على كل أمر على حدة، حيث تقتصر المنافسة هنا على الأوامر على المنتجات الأكثر سيولة، بينما لا يتداول المستثمرون الأفراد على المنتجات السائلة فقط.
في الوقت الحالي، وبما أن وسيط التداولات بالجملة يسعى إلى تقديم خدمة إلى وسيط تداولات الأفراد، فهم يحاولون تحسين أسعار كافة الأوامر التي يتم إرسالها إليهم، وليس فقط الأوامر الخاصة بأسهم: "تسلا"، و"تويتر"، و"أبل"، ولكن أيضاً السهم الذي يحمل رمز 11002.
في أبريل الماضي، تداول المستثمرون الأفراد 13,000 رمز مختلف، وبالتأكيد سيكون هناك طلب مؤسسي مناسب وكذلك للأفراد على أكبر 50 أو100 أو حتى200 سهم، وبالتالي قد يكون تسعير تلك الأوامر جيداً إلى حدٍّ كبير. لكن السؤال، ماذا يحدث عندما نصل إلى الرمز رقم 5,000 في الترتيب، أو 10,000، أو 13,000؟ وماذا يحدث مع الرمز في آخر القائمة؟
هل يعني ذلك أن وسطاء التداول يتعين عليهم تطوير نماذج أعمال جديدة الآن؟
يعتمد ذلك على طريقة صياغة القواعد الجديدة. فإذا تقلص الدفع مقابل تدفق الأوامر (PFOF)، سيتعين عليهم تطوير نماذج أعمال جديدة. أما إذا انتقل الدفع مقابل تدفق الأوامر من وسيط التداولات بالجملة إلى البورصة، فربما لا يحدث ذلك. وإذا دفعت البورصات لوسطاء تداولات الأفراد عن طريق الخصم من قيمة تنفيذ الأمر، قد يبدو الأمر كما هو إلى حدٍّ كبير.
في حالة إرسال الوسطاء الأوامر إلى البورصات مباشرة، قد يؤثر ذلك بشكل كبير على نموذج أعمال وسطاء التداولات بالجملة من حيث الفارق بين أسعار العروض والطلبات، وكذلك خفض رسوم تنفيذ الأوامر. ولذلك، إذا جرى تنفيذ القواعد الجديدة وفق آلية صارمة، فسيؤثر ذلك بشكل كبير على الجميع، من مستثمرين، ووسطاء، وتجار الجملة، والبورصات، وأنظمة التداول البديلة، وكافة الأطراف.
ماذا تعني قواعد الدفع مقابل تدفق الأوامر (PFOF) لسوق الأوراق المالية؟
هو لم يدعُ بالفعل إلى منع الدفع مقابل تدفق الأوامر (PFOF)، لكنه تحدث فقط عن مراجعة الرسوم وآلية تنفيذ الأوامر، والتي ستؤثر بدورها بعد ذلك على اقتصاديات الدفع مقابل تدفق الأوامر. وفي حالة إرسال وسطاء التداول الأوامر مباشرة إلى البورصات، وتعديل هيكل الرسوم مع البورصات مقابل ذلك، سيكون له تأثير كبير على الدفع مقابل تدفق الأوامر.
تبلغ الرسوم التي تحصل عليها البورصات من تنفيذ الأوامر 30 سنتاً لكل 100 سهم، أو 0.3 سنت لكل سهم. إذا انخفض ذلك إلى 0.1 سنت أو 0.5، فسوف يؤثر فقط عند تنفيذ الأوامر- لكن معظم هذه الرسوم تذهب إلى الخصومات التي يقدمها الوسطاء. فإذا خفضت من 0.3 إلى 0.1 سنت فقط، ستكون هناك أموال أقل لتقديم خصومات، وسوف يؤدي ذلك إلى تقلص الأموال المتاحة للتداول في البورصات والدفع للوسطاء مقابل تدفق الطلبات. وبينما لا يذكر عدد من تلك الهياكل "سوف نمنعك من الدفع مقابل تدفق الأوامر"، إلا أنها تؤثر على اقتصاديات تنفيذ الأوامر، ما يعني زيادة الأموال في جيوب المستثمرين، وأقل في جيوب الوسيط. وقد ينتهي الأمر بتوجيه بعض من تلك الأموال إلى جيوب الوسيط لتصبح حوافز لتحسين كبير في الأسعار. لذلك كل تلك المتغيرات مترابطة بإحكام.