كيف سيؤثر سحب السيولة المالية الكبيرة في الأسواق؟

مبنى الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن العاصمة ، الولايات المتحدة. - المصدر: بلومبرغ
مبنى الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن العاصمة ، الولايات المتحدة. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

المياه تنساب تحت الأرض

هذه إثارة كبيرة! بدأ الجيش الروسي في الانسحاب من الحدود الأوكرانية، أو يمكن ذلك؟ اقتربت خمسة ترشيحات لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من التصويت عليها، ثم لم يجر التصويت عليها بعد ذلك. تهبط أسعار الأسهم، وتصعد مرة أخرى، وكذلك تفعل عائدات السندات.

عوضاً عن محاولة تعقب كل منعطف في الدراما الجيوسياسية، أو كل الإثارة في واشنطن، ربما من الأفضل صب التركيز على سوق السلع الأساسية الأكثر أهمية وعلى السيولة المالية.

يعد مايك هويل من شركة "كروسبوردر كابيتال" في لندن بمثابة عميد محللي السيولة المالية. بحسب قياسه؛ توقَّفت السيولة المالية التي خلقها البنك المركزي عن النمو، وهي حالياً في حالة تراجع هائل. تعتبر هي المشتق الثاني للتغير في سرعة تدفق السيولة المالية، والتي لها التأثير الأكبر في الأسواق.

يمثل هذا أهمية نظراً لأنَّ الانتعاش الهائل في أعقاب تفشي وباء كوفيد كان مدفوعاً بصفة خاصة تقريباً بتوفير سيولة مالية إضافية. كما أوضح هاويل في الماضي؛ فإنَّ صعود أسعار الأسهم تحقق فقط من خلال انتقال كمية عادية من السيولة الحديثة إلى سوق الأسهم، ولم تكن مدفوعة بأي مخصصات إضافية مفرطة للأسهم.

كما أظهر أنَّ تقديم السيولة وخلق الثروة عبر صعود أسعار الأصول؛ هما أمران يرتبطان ارتباطاً شديداً مع مرور الوقت. من الممكن أن يشير تراجع السيولة المالية، على الرغم من أنَّه ضروري في الوقت الحالي عقب إنتهاء حالة الطوارئ وصعود معدلات التضخم، إلى وجود مشكلات مستقبلاً.

من الطبيعي أيضاً أن يكون للتحولات في السيولة المالية تأثير بالغ في أسواق السندات. بدأت العائدات في الصعود، بيد أنَّ ذلك يتعلق بصفة خاصة بآجال الاستحقاق الأقصر.

العائد على السندات

سرعان ما حقق منحنى العائد، أو فارق العائد بين السندات من فئة استحقاق سنتين، وفئة استحقاق عشر سنوات، الاستقرار خلال الشهور القليلة الماضية، وهو ما يدلل على أنَّ السوق تتوقَّع نهاية مبكرة لعهد تشديد السياسة النقدية المقبل من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. من الممكن أن يصبح منحنى العائد الثابت نبوءة ذاتية التحقق، نظراً لأنَّه يميل عملياً إلى دفع البنوك المركزية لمواصلة زيادة أسعار الفائدة الأساسية.

ينزع منحنى العائد الثابت أيضاً إلى أن يكون له تأثير متأخر على سوق الائتمان، فيما تكون عميلة تمويل الديون أكثر تكلفة. مع مرور الزمن، يبين هاويل أنَّ منحنى العائد الأكثر تسطحاً يميل إلى أن يتبعه بسرعة صعود فروق العوائد. برغم عدم وجود مشكلة كبيرة في الملاءة المالية في الوقت الحاضر؛ فإنَّ هذا يدلل على أنَّ الائتمان قد يتسبب فعلاً في وقوع مشكلات مع حلول نهاية السنة الجارية.

هذا ما يجعل الأمر صعباً على بنك الاحتياطي الفيدرالي لمواصلة زيادة أسعار الفائدة الأساسية. بيد أنَّه كما يعرض هاويل، يوجد تاريخ ممتد عبر 50 سنة لم يزد فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة الأساسية مطلقاً بمجرد صعود سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية متجاوزاً عائد السندات من فئة الاستحقاق خمس سنوات.

ربما يجري الوصول لهذه النقطة قبل حلول نهاية عام 2022، وهو ما يشير إلى أنَّه سيكون من الصعب تماماً أن يستمر في تشديد السياسية النقدية إلى الحد الذي يعتقد بنك الاحتياطي الفيدرالي معه أنَّه من الضروري أن يخفّض التضخم حتى يصل إلى المعدل المستهدف له.

تقليص التعرض لأسهم التكنولوجيا

يشير أحدث استطلاع للرأي شمل مديري الصناديق العالمية، وقد أجراه "بنك أوف أمريكا"، إلى وجود مشكلات منتظرة في المستقبل. لم يسبق لمديري الثروات المهنيين الذين شملهم الاستطلاع أن يكونوا على ثقة من أنَّ منحنى العائد سيتسطح.

تعد درجة الثقة في تسطيح منحنى العائد مسألة مثيرة للاندهاش، نظراً لأنَّ الدورة الاقتصادية الراهنة بدأت منذ أقل من سنتين فقط. بيد أنَّه توجد استجابة أخرى لاستطلاع "بنك أوف أمريكا" تبيِّن أنَّ المستثمرين يظنون فعلاً أنَّ هذه كانت دورة سريعة للغاية باتت قريبة فعلاً من نهايتها.

نجم عن تفشي وباء فيروس كورونا صدمة غير مسبوقة للاقتصاد، لذلك؛ ليس من المفترض أن يكون أمراً مفاجئاً أنَّ الدورة التي تليها هي أيضاً استثنائية تماماً. برغم ذلك؛ فإنَّ درجة الثقة التي يبديها المستثمرون في سبل الإبحار وسط هذه المياه الغريبة مثيرة للقلق نوعاً ما. ربما كان الأمر الأكثر جذباً للاهتمام يتمثل في مديري الصناديق الذين باتوا حالياً منخفضين بوزن الاستثمار في أسهم التكنولوجيا، بما يفوق أي وقت مضى منذ عام 2006.

الغريب في هذا الشأن؛ هو أنَّه بالرغم من أنَّ مديري الصناديق حالياً منخفضو وزن الاستثمار في قطاع التكنولوجيا؛ إلا أنَّهم يظنون أيضاً أنَّ التكنولوجيا تبقي المضاربة الأكثر تكدساً بطريقة خطيرة. بهذه الطريقة، لديهم شعور بالقلق حيال الحماس الزائد في قطاع التكنولوجيا، بما يتجاوز احتمال أنَّ التشاؤم حول سندات الخزانة بلغ حد الإفراط.

بيّن هذا الاستطلاع أيضاً، عندما أٌجري قبل أسبوع، أنَّ أوكرانيا ما زالت متراجعة تماماً فيما يتعلق بالمخاوف المثيرة للقلق. مازال أعظم قلق يتمثل في أنَّ هناك الكثير الذي ستقوم به البنوك المركزية، وثاني أكبر ما يثير القلق هو أنَّها لن تقوم بما يكفي.

عوضاً عن إظهار أي نقص هائل في الثقة في البنوك المركزية، ربما سيكون من الأفضل افتراض أنَّ هذا يكشف عن وجود خوف على نطاق واسع من أنَّه سيكون من المستحيل سحب السيولة من النظام المالي، بعد أن أسفرت فعلاً عن ارتفاع معدلات التضخم، وصعود أسعار الأصول، دون أن ينجم عن ذلك أي حادثة في مكان ما. بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في أن يكونوا متناقضين؛ فإنَّ الهبوط الهادئ سيكون مربحاً تماماً لأي شخص كان مستعداً للرهان عليه.

ما يمكن توقُّعه عندما تتوقَّع (التضخم)

في تلك الأثناء، مع العودة إلى أمريكا، لم تختفِ معضلة التضخم. واقعياً، يوجد دليل جديد على أنَّه مستمر في التصاعد، برغم وجود شعاع أمل واحد على الأقل.

يبزغ هذا الأمل من خلال هذا الاستطلاع الذي أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. يبين أنَّ توقُّعات المستهلكين حول التضخم على مدى السنوات الخمس القادمة هبطت فعلاً في الشهر الماضي، برغم دعاية كثيرة حول صعود خطير في تكاليف المعيشة. في حال كانت توقُّعات معدلات التضخم هي الأساس بالنسبة للتحكم في صعود الأسعار في الأجل البعيد، فلا يمكن النظر إلى ذلك سوى على أنَّه مؤشر جيد.

إنَّه سؤال لا يمكن الإجابة عنه في الوقت الحالي، و يتعلق بما إذا كانت التوقُّعات مهمة حقاً بالنسبة لزيادة معدلات التضخم، وهو ما تعرّض له تايلر كوين في مقال له اليوم. بيد أنَّه يظهر أنَّه بمجرد أن يرتفع معدل التضخم إلى ما بعد المستوى المحدد، نحو 7%، يصبح أقل استقراراً بكثير، ويصبح الناس أكثر قابلية للاعتقاد بأنَّ الأسعار ستواصل عملية الصعود.

تظهر البيانات التي قدّمها فينسينت ديلوارد من شركة "ستون إكس كابيتال" باستعمال بيانات من روبرت شيلر من جامعة "ييل"، أنَّه عبر التاريخ، يظهر أنَّ معدل التضخم يتبع حركة عشوائية. لا يحكي مستوى التضخم حالياً الشيء الكثير حول أنَّه سيكون أعلى أو أقل خلال ثلاثة شهور.

برغم ذلك، عندما تتكرر هذه الممارسة فقط للأشهر التي يصل فيها التضخم إلى نسبة 7% أو يفوق ذلك، فيوجد نمط مختلف للغاية. بمجرد أن يبلغ معدل التضخم هذا المستوى العالي؛ يكون أكثر تقلباً، ويكون أيضاً أكثر عرضة للصعود بمعدل أكبر.

يأتي ذلك بدوره نظراً لأنَّ معدل التضخم، على عكس النمو الاقتصادي، لا يتبع التوزيع الطبيعي للمنحنى الذي يأخذ شكل الجرس. عوضاً عن ذلك، يوجد ما يطلق عليه الإحصائيون "الذيل الطويل" على الطرف الأيمن، مع احتمالية أكثر بكثير لتسجيل بيانات مرتفعة للغاية تفوق احتمالية البيانات المنخفضة للغاية.

تسارع التضخم

يتماشى هذا مع النظرية النقدية القائلة بأنَّ التضخم يحتاج إلى أن يستفحل، ولا يبقى عالياً فحسب، عندما تفتش الحكومات عن المواءمة بين التوظيف وصعود الأسعار. بعد مستوى محدد؛ يدرك الناس أنَّه على الأرجح سيكون هناك المزيد من التضخم، ويعدلون مطالبهم بحسب ذلك. كما أنَّه يسهم في تفسير سبب قلق بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي حيال توقُّعات التضخم، ومحاولة السيطرة بطريقة مفاجئة على ارتفاعات الأسعار حالياً، فقد كان يتمتع بهدوء أكثر عندما كان معدل التضخم مستمراً في الصعود، ولكن بطريقة هادئة تحت نسبة 7%.

كانت غالبية أخبار التضخم المتبقية خلال الأسبوع الحالي أكثر سلبية. بيَّنت أرقام تضخم أسعار المنتجين خلال شهر يناير أنَّها جاءت متقدمة بفارق كبير عن توقُّعات الشهر. بالتأكيد ليس هناك مؤشر حتى الآن على حدوث أي تخفيف في تكاليف المؤسسة أو أي تكدس في الإمدادات.

يقدّم بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك أيضاً مقاييس إحصائية معقدة لمعدل التضخم "الأساسي"، تقوم على الارتباطات بين التحركات في المكونات المختلفة داخل مؤشر التضخم، ومع البيانات الاقتصادية. أصبح المقياسان في أعلى مستوياتهما بسهولة منذ أن بدأت السلسلة في سنة 1995.

يوجد مقياس آخر مثير للاهتمام يشمل ترجيح المكوّنات المختلفة لمؤشر أسعار المستهلك، بحسب تقلباتها التاريخية كبديل عن المبلغ الذي يجري إنفاقه عليها. كلما كان التقلب أقل؛ كان الترجيح أكثر. وبحسب البيانات التي أعدتها شركة "كالديروود كابيتال"، يظهر أنَّ هذا له التأثير الواضح في الحد من العبء الثقيل على الإسكان والوقود في المؤشر التقليدي. يبدو أنَّ الطب والتعليم حالياً أصبحا أكثر أهمية.

تتمثل فكرة ديالان غريس من شركة "كالديروود" في أنَّ هذه العملية ستحد بطريقة منهجية من أهمية المنتجات التي تنزع أسعارها إلى التحرك بطريقة أكبر مهما كان الأمر. لسوء الحظ؛ حتى مع وجود هذا المقياس؛ فإنَّ التضخم يصعد بوتيرة أسرع مما كان عليه منذ عقود من الزمان.

كل هذا يبين سبب أنَّه ربما يكون الاحتياطي الفيدرالي على حق بالنسبة لوجه الاستعجال. خلال الأسبوعين القادمين، سينصب التركيز على ما إذا كان البنك المركزي سيبلغ بمدى زيادة سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية مقدار 50 نقطة أساس في شهر مارس المقبل.

بداية من نشر محضر اجتماع شهر يناير الماضي يوم الأربعاء؛ يكون أمام محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مدة أسبوعين محمومين لإعداد الأسواق لصعود كبير، في حال كان هذا ما يرغبون في فعله.

سيكونون في حاجة أيضاً إلى تغيير التوقُّعات تماماً، مثلما أصبحت هوية كبار محافظيه موضع شك جراء الأزمة السياسية الأخيرة. تأتي المخاطر الأكبر من أوكرانيا، بيد أنَّ معدلات التضخم والسياسة النقدية لديهما القدرة أيضاً على التسبب في قدر ضخم من حالة عدم اليقين.

نصائح النجاة

مهما تفعل، لا تخسر استعمال يدك المهيمنة، لا سيما في حال كان يتوجب عليك أداء الكثير من مهام الكتابة من أجل الحصول على لقمة العيش. هذه هي الطريقة التي تعامل بها جهاز الكمبيوتر المحمول، الذي أشعر بالنفور منه بطريقة سريعة، عندما طلبت منه تهجئة كلمة "إمبروغليو" (imbroglio).

هذا على الأقل يعطيني فكرة عن ترشيحات الأوبرا. يوجد الكثير للاستمتاع به في أوبرا "موتسارت" القديمة بعنوان: "Die Entführung aus dem Serail" التي تدور أحداثها في قصر السلطان (و يترجمها الكمبيوتر على أساس "أنَّه خطأ تماماً، سأقوم بضبط الصوت").

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة