التيسير النقدي هو العامل السري وراء ارتفاع أسعار "بتكوين" لكننا في حقبة التقشف

صخب "بتكوين" يصطدم بركود ساعات "رولكس"

تقلب أسعار "بتكوين" ما يزال مستمراً - المصدر: بلومبرغ
تقلب أسعار "بتكوين" ما يزال مستمراً - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

ظهر شعار "اشتر بتكوين" (BUY BTC)، على النسخة التي سُربت هذا الأسبوع من المقطع الترويجي للعبة "غراند ثِفت أوتو 6" (Grand Theft Auto VI)، والذي يعرض صورة زائفة رائعة لعالم مليء بالقوارب السريعة، والسيارات الخارقة، والإثارة وإطلاق النار. وجاء ظهور هذا الشعار في الوقت المناسب، بعد أن تضاعف سعر "بتكوين" هذا العام 3 مرات ليقارب 42 ألف دولار، نفس سعرها قبل انهيار عملة "تيرا" (Terra) المشفرة في 2022. كما عادت التوقعات المبالغ فيها بتجاوز سعرها 100 ألف دولار، بل وحتى مليون دولار.

ومع وصف الرئيس التنفيذي لشركة "كوين بيس غلوبال" "بتكوين" بأنها هامة لمستقبل الغرب، ومطالبة رئيس السلفادور نايب بوكيلي، منتقديه بالاعتذار، قد تتوقع اكتشاف بيان حالة حقيقية للتفاعل مع العملة.

إلا أن هذا لم يحدث. ومع المجازفة بأن أصبح هدفاً للسخرية مثل عجائز الفرح، فهناك أسباب عديدة للحذر من الاتجاه الصعودي لأسعار العملات المشفرة المتقلبة بالآونة الأخيرة، في فترة تباطؤ النشاط الاقتصادي والركود المحتمل.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

هل هناك سبب لارتفاع سعر "بتكوين"؟

سيناريو الصعود، الذي بشَر به جمهور الذي نشر صوره بأعين مضيئة بالليزر وقد تزين بوشم "القمر" (في إشارة رمزية إلى عملة "لونا" المشفرة)، مدفوع بالميول والتكهنات عوضاً عن الجدوى، كما حدث سابقاً.

ربما تعد "بتكوين" من ناحية مفهوم النقود شيئاً مرموقاً تقتنيه للتسلية، لكن الناس يحبون اكتنازها وتداولها باعتبارها مزيجاً مرتفع المخاطر بين الذهب والشركات الناشئة على مؤشر "ناسداك" (NASDAQ)، على أمل تحقيق مكاسب ضخمة. ويقول الرأي المتفائل إن أي أخبار هي أخبار سارة، فمع افتضاح أمر الأطراف الفاعلة السيئة، مثل سام بانكمان فريد أو تشانغ بِنغ جاو، علانية، يقترب إطلاق الصناديق المتداولة بالبورصة للتعامل الفوري بعملة "بتكوين"، واحتمال خفض أسعار الفائدة، ليزداد الإقبال على المخاطرة. ومع دائرة ردود الفعل الإيجابية التي يوفرها ارتفاع السعر ، مَن ذا الذي لا يرغب في المغامرة؟

سعر بتكوين يخترق 44 ألف دولار بعد صعودها 16% في ستة أيام

مع ذلك، وبالنظر إلى تاريخ "بتكوين"، يبدو أن السبب الحقيقي لبلوغ سعرها أعلى مستوياته في السنوات الماضية هو التيسير النقدي غير المسبوق الذي أجرته البنوك المركزية، وارتفاع المعروض النقدي إلى مستويات جديدة، غير أنه بات مستبعداً أن يتكرر أي من الأمرين في وقت قريب. أظهر تقرير أعده المحللون في "إس آند بي"، نُشر في مايو الماضي، معامل ارتباط موجب قيمته 0.75 بين زيادة المعروض النقدي والعملات المشفرة منذ 2017، ربما لا تكون العلاقة وثيقة، لكنها تشير إلى أمر أكبر من مجرد مصادفة، حيث قدمت العملات الافتراضية أداء جيداً في أوقات السياسة النقدية التوسعية. فيما لم تكن البيانات واضحة بالقدر الكافي عند استخدام العملات المشفرة للتحوط من الأزمة الاقتصادية، لنتذكر أن سعر "بتكوين" تدهور 50% عند أول تفشٍ لفيروس كورونا في مارس 2020، وعند استخدامها للحماية من التضخم، كانت النتائج غير حاسمة، ولم تكن بنفس قوة الذهب.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

ما علاقة "رولكس" بـ"بتكوين"؟

إذا كان التيسير النقدي هو العنصر السري في ارتفاع سعر "بتكوين"، فإن ذلك لم يعد قائماً. فقد وصلت ميزانية الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى ذروتها قرب 9 تريليونات دولار في العام الماضي، وتراجعت إلى نحو 7.8 تريليون دولار منذ ذلك الحين. الخوف من تزامن ركود الاقتصاد مع استمرار ارتفاع تكاليف الاقتراض أضعف الطلب على عديد من الأصول عالية المخاطر الأخرى التي راجت إبان الجائحة، مثلالرموز غير القابلة للاستبدال إلى الساعات الفاخرة المستعملة.

من هنا يأتي مفهوم "ركود ساعة رولكس" (Rolex Recession)؛ إذ يواصل متوسط سعر ساعة رولكس المستعملة انخفاضه منذ 2022. في الشهر الماضي، كانت النتيجة المنطقية هي تراجع السلامة المالية لأثرياء العملات المشفرة بنحو 10% على أساس سنوي. لذا؛ يبدو أن إثارة الحماس تجاه "بتكوين" تنطوي على قدر من الاستهتار، خاصة إذا دخلنا أوضاعاً تسودها النقود الحقيقية لا الافتراضية.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

أما وجهة النظر المقابلة، فهي أنه يمكن القيام بنوع من الرهان العقلاني الأنسب متى تعلق الأمر بالعملات المشفرة؛ فربما يكون منطقياً استثمار شريحة ضئيلة من المحفظة الاستثمارية، بنحو 1% مثلاً، على أمل حدوث أوضاع مواتية في سوق العملات المشفرة. وقد يتعرض المستشارون الماليون لضغوط لكي يناقشوا تلك الاستراتيجية مع عملائهم عند الموافقة على صناديق "بتكوين" المتداولة بالبورصة في الولايات المتحدة.

هل هناك كلفة لتداول العملات الافتراضية؟

ما تزال هناك تكلفة الفرصة بديلة للتخلي عن الدولار الحقيقي سعياً وراء العملات الافتراضية. لكن في فترة ترتفع فيها تكلفة المضاربة، ويواجه المناخ أزمة، يبدو شراء عملة مشفرة، تعادل البصمة الكربونية السنوية الناتجة عن شبكتها انبعاثات دولة بأكملها، خطوة لا تتماشى مع الاتجاه السائد. فبمقدور العالم أن يحقق الكثير بأموال تبلغ تريليون دولار أميركي حبيسة في أسواق العملات المشفرة.

صناديق بتكوين المرتقبة تحفز أكبر تدفقات للأصول المشفرة منذ نهاية 2021

مع بدء قمة المناخ "كوب 28"، يتوقع المحللون الاقتصاديون الاحتياج إلى تريليون دولار سنوياً لدعم الدول النامية في التصدي لتغير المناخ. فيما أشار الباحثون في العام الماضي إلى أن توربينات رياح بقيمة تريليون دولار قد تزود بالكهرباء 300 مليون منزل، أي ضعف عدد المنازل في الولايات المتحدة.

الضجيج هو ما ينتصر حالياً. ففي إشارة إلى سلسلة "ذا هيتش هايكرز غايد تو ذا غالاكسي" (The Hitchhiker’s Guide to the Galaxy) (وهي سلسلة مكونة من 5 روايات خيال علمي كوميدية) التي ألّفها دوغلاس آدامز، غرد تايلر وينكلفوس على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) قائلاً "إن وصول (بتكوين) إلى 42 ألف دولار هو الإجابة عن السؤال المطلق عن الحياة، والكون، وكل شيء". قد لا يمر وقت طويل قبل أن تبدأ هذه الإجابة في الظهور قليلاً -أو حتى كثيراً- أقل طمأنة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة