تتجه الإمارات العربية المتحدة إلى الاقتراض بشراهة، وتبدو مُصممةً على مواصلة إصدار أدوات الديون بكثافة خلال العام الجديد. بينما أصدرت الشركات والجهات السيادية في الإمارات -التي تُعد من أعلى الأسواق الناشئة تقييماً- أدوات دين بقيمة 38.4 مليار دولار هذا العام.
ارتفع إصدار أدوات الدين بنسبة 54% على أساس سنوي وهو الأعلى منذ التوسع في طلب التمويل إبان فترة كوفيد 19 في عام 2020، حسب البيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
أصبحت الحكومة الاتحادية وحكومات الإمارات الأكثر اقتراضاً، على عكس العام الماضي عندما كانت الشركات أكبر الجهات المقترضة.
تُقدم الإمارات العربية المتحدة للمستثمرين أفضل ما في العالمين، إذ ينافس نصيب الفرد من الناتج المحلي دول مجموعة العشر المتقدمة، مع معدل نمو يشبه الأسواق الناشئة. (الجمع بين مميزات الدخل المرتفع والاستقرار الاقتصادي مع النمو السريع مثل الأسواق الناشئة).
عززت القطاعات الاقتصادية التي تشمل النفط والتجارة والتمويل والسياحة حجم صندوقها السيادي وكذلك سوق الأسهم إلى تريليون دولار لكل منهما. من شأن وجود فوائض مالية كبيرة على مستوى الصندوق السيادي والسيولة في سوق الأسهم والتصنيف الائتماني للإمارات عند (AA)، أن يجعل فرق العائد على سنداتها عند أقل من ربع المتوسط في الأسواق الناشئة.
قال فادي جندي، مدير قسم الدخل الثابت لدى "أرقام كابيتال" في دبي: "المُصدِرون (الحكومات أو الشركات) يستغلون انخفاض الفوائد لجمع الأموال بسهولة وبتكلفة أقل". مضيفاً: "بدء دورة تخفيض أسعار الفائدة العالمية يُعزز الوضع أيضاً. وبحلول عام 2025، نتوقع سوقاً نشطة للغاية لإصدار أدوات الدين في الإمارات العربية المتحدة بسبب حجم الديون المرتفع المستحق السداد".
مقارنة بالنشاط في السوق الأولية، كانت السوق الثانوية هادئة. قدمت السندات الإماراتية المقومة بالدولار، سواء كانت خاصة (شركات) أو سيادية، عائداً مجمعاً للمستثمرين بنسبة 4% هذا العام، متفوقة بشكل طفيف على مكاسب بلغت 3.6% على سندات الأسواق الناشئة ذات التصنيف الاستثماري.
هيمنت أدوات الدين مرتفعة العائد على الإصدارات خلال العام الجاري، إذ قدمت دول مثل لبنان والأرجنتين والإكوادور عوائد تزيد عن 70% لكل منها، حيث شهدت تغييرات أو إصلاحات اقتصادية مفاجئة.
مع ذلك، استمر إصدار السندات الجديدة ذات التصنيف الأعلى بقوة، إذ يبحث المستثمرون عن الأمان الائتماني في حين يهدد تباطؤ النمو الاقتصادي والتحديات التي تواجه التجارة بعودة أزمات الديون إلى الأسواق الناشئة.
أحد عوامل الجذب الإضافية بالنسبة لدولة الإمارات، هو أن الحكومة الاتحادية، وكذلك عاصمتها أبوظبي، لم تكونا بحاجة إلى الاقتراض بفضل قوة وضعهما المالي، وفقاً لما قاله جندي.
قامت حكومة الإمارات وعاصمتها ببيع السندات فقط للحفاظ على وجودهما في السوق والمحافظة على منحنى العائد، بحسب قوله.
يطلب المستثمرون عائداً إضافياً قدره 77 نقطة أساس لشراء أدوات الدين التي تصدرها الإمارات العربية المتحدة، حسب "جيه بي مورغان تشيس". ويقارن هذا مع عائد إضافي بمقدار 324 نقطة أساس لحيازة سندات الأسواق الناشئة في المتوسط، فوق العائد على السندات الأميركية.
إصدار السندات للاستفادة من الظروف المواتية
قال جندي إن الفارق المنخفض يعني أن حكومة أبو ظبي ستحاول "الاستفادة من الظروف المواتية" مرة أخرى وتدخل السوق في عام 2025. كما تتوقع "أرقام" أن تصدر الحكومة الإماراتية سندات سيادية في العام المقبل، بعدما باعت سندات دولية في يونيو 2024، وهو الإصدار الرابع من نوعه على المستوى الاتحادي.
بعض الإمارات الأخرى لديها احتياجات تمويلية أكبر. ومن بينها حكومة الشارقة، التي تُعتبر ذات تصنيف ائتماني أقل نسبياً، بحسب جندي.
سجلت إمارة الشارقة عجزاً في الموازنة بلغ 6% من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2023، حسب "إس آند بي غلوبال ريتنغز". وتتوقع شركة التقييم الائتماني تراجع العجز إلى 3.9% بحلول عام 2027، لكنها أشارت إلى أن الشارقة قد تستمر في تسجيل ارتفاع النفقات بما في ذلك تكاليف خدمة الديون.
قال جندي: "في ظل تراجع قدرة الحكومة على تحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات، واستمرار العجز في الموازنة، يتعين على الشارقة التوجه إلى السوق المالية"، حسب جندي.
في غضون ذلك، سيشهد العام الجديد زيادة في احتياجات إعادة التمويل (سداد ديون قائمة)، إذ إن العديد من السندات التي تم إصدارها إبان ذروة جائحة كوفيد في عام 2020، كانت لأجل خمس سنوات، وفقاً لما ذكره جندي.
تتوقع "أرقام" أن تستفيد إمارة رأس الخيمة من رفع "ستاندرد آند بورز" تصنيفها الائتماني في الآونة الأخيرة، لاختبار السوق قبل طرح جديد للسندات.
في غضون ذلك، تواجه الشركات والبنوك سداد مبالغ كبيرة من الديون. ففي الإمارات من المتوقع أن تبلغ قيمة الديون المستحقة السداد 19.2 مليار دولار في العام المقبل، وفق البيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
من شأن ذلك، أن يُبقي السوق الأولية نشطة، خاصة إذا استمرت تخفيضات أسعار الفائدة التي ينفذها مجلس الاحتياطي الفيدرالي في دعم تكلفة الاقتراض المنخفضة.
أما بالنسبة لأداء أسعار السندات، فإن العامل الأساسي هو التيسير النقدي (خفض أسعار الفائدة) على مستوى العالم.
ارتفاع عوائد السندات الأميركية حتى بعد بدء بنك الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة، أدى إلى ضعف حاد في أداء السندات ذات التصنيف الاستثماري في الأسواق الناشئة، مما جعلها الأرخص مقارنة بالسندات ذات العائد المرتفع منذ ست سنوات.
وقال جندي: "أي أداء إيجابي في العام المقبل سيعتمد على التطورات المتعلقة بأسعار الفائدة". ومن شأن "التحديات الناتجة عن سياسات ترمب، إلى جانب طرح كميات كبيرة من السندات ذات التصنيف الاستثماري، أن يصبح المجال محدوداً لتحقيق نتائج استثمارية بشكل كبير".