من المنتظر أن يرث دونالد ترمب اقتصاداً قوياً -كما ما يبدو ظاهرياً- عندما يتولى الرئاسة في يناير المقبل، إذ إن أسواق الأسهم تسجل مستويات قياسية، بينما معدل البطالة في الولايات المتحدة منخفض بالمقاييس التاريخية، والناتج المحلي الإجمالي ينمو بوتيرة قوية بنحو 2.5% منذ بداية السنة.
رغم ذلك، يوجد سبب لعدم رضا الناخبين عن وضع الاقتصاد الأميركي، ومن خلال نظرة أكثر عمقاً، يواجه ترمب في فترة ولايته الثانية عدة مخاطر أثناء وضعه لأجندته لشؤون التجارة والمالية.
بالنسبة للوظائف، ورث ترمب خلال 2017 سوق عمل مستقرة، إذ كان معدل البطالة في الولايات المتحدة في انخفاض طوال العام السابق، وكانت وتيرة نمو الوظائف الشهرية مستقرة عند حوالي 200 ألف وظيفة. لكن الحال ليس كذلك هذه المرة، بعد ارتفاع معدل البطالة وتراجع وتيرة التوظيف عن المعتاد، كما تباطأ نمو الوظائف منذ الربع الأول من السنة الحالية.
القوى العاملة
بلغ متوسط الزيادة الشهرية في وظائف القطاع الخاص خلال الربع الثالث 78 ألف وظيفة، ويُعد الأبطأ منذ 2010 خارج فترات وباء كورونا. (ما زالت أرقام سبتمبر قيد المراجعة، أما أكتوبر فقد تأثر بشدة بالإضرابات والأعاصير).
تراجع أيضاً مستوى الوظائف الشاغرة بالنسبة لحجم القوى العاملة إلى مستويات ما قبل الوباء، وهو مستمر في الانخفاض. رغم أن التدهور في سوق العمل كان تدريجياً، فإن فريق ترمب سيحتاج إلى التحرك بسرعة لعكس هذا الاتجاه السلبي إذا أراد الحفاظ على النمو الاقتصادي وتحقيق مكاسب انتخابية في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي خلال 2026.
ربما يكون هذا تحدياً إذا تولى إيلون ماسك -أغنى رجل في العالم- قيادة لجنة كفاءة تهدف إلى تقليص الإنفاق الحكومي.
شكلت الوظائف الحكومية 22% تقريباً من إجمالي فرص العمل الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية العام الحالي. منذ أكتوبر 2022، أضاف الاقتصاد 1.1 مليون وظيفة حكومية، في أسرع معدل خلال عامين منذ ستينيات القرن الماضي.
هذا مجرد جزء من محرك توليد الوظائف الذي أطلقته إدارة الرئيس الحالي جو بايدن والذي يواجه الآن خطر التراجع. الجزء الآخر تمثل في الوظائف الناتجة عن طفرة الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة والتصنيع، والتي استفادت من المنح والقروض والإعانات الحكومية. يمكن أن نذكر عمال البناء الذين شيدوا منشأة شركة "هيونداي موتور" بقيمة 7.6 مليار دولار في ولاية جورجيا، والتي تنتج الآن السيارات الكهربائية، أو العمال الذين بنوا منشأة شركة "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ" في ولاية أريزونا.
الإنفاق على البنية التحتية والتكنولوجيا النظيفة
ما الذي سيحدث في الوقت الحالي للإنفاق على مجالات البنية التحتية والتصنيع والطاقة النظيفة بعد أن حظيت بدعم مباشر أو ضمني خلال إدارة بايدن؟
عزز الإنفاق الحكومي متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 0.7% لكل فترة ربع سنوية خلال العامين الماضيين. شهد أيضاً إنفاق القطاع الخاص على بناء المصانع طفرة كبيرة.
من الصعب تحديد حجم الاستثمارات بالكامل التي جذبتها السياسات الرئيسية التي ميزت حقبة بايدن -مثل قانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف، وقانون خفض التضخم، وقانون الرقائق والعلوم- لكن زملائي في قسم الرأي بموقع بلومبرغ أشاروا إلى أكثر من 200 مليار دولار مخصصة فقط لمشروعات تصنيع التكنولوجيا النظيفة.
رغم ذلك، حتى قبل إلغاء أي إنفاق جرى الالتزام به، فإن الهدف المعلن للإدارة الجديدة بإنهاء الإعانات التي تدعم التحول في قطاع الطاقة يثير حالة هائلة من عدم اليقين للشركات التي تفكر في الاستثمار والتوظيف مستقبلاً.
الجدير بالذكر أنه لم تكن هناك برامج للبنية التحتية أو التصنيع في عهد الرئيس السابق باراك أوباما حاول ترمب تفكيكها عندما تولى الرئاسة في 2017. أما الآن، فإن مصير برامج بايدن الرئيسية والتأثير الاقتصادي لتقليص بعضها قد يكون أكبر تهديد للتوسع الاقتصادي مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي خلال 2026.
السوق العقارية
أخيراً، تتعارض أجندة ترمب المالية مع السوق العقارية ذات الأهمية القصوى. ارتفعت أسعار الفائدة على الرهون العقارية من حوالي 6% في منتصف سبتمبر الماضي إلى 7.13% في اليوم التالي للانتخابات، ويعزى ذلك جزئياً إلى توقع المستثمرين لتأثير خطط ترمب للإنفاق على التضخم في الولايات المتحدة وأسعار الفائدة.
من شأن ذلك أن يزيد من الضغط على سوق الإسكان الذي يواجه صعوبات بالفعل. إذا فاقمت التخفيضات الضريبية والرسوم الجمركية المخطط لها من قبل ترمب التضخم في الولايات المتحدة، وأسفرت عن ارتفاع تكاليف الاقتراض للراغبين في شراء المنازل، فهناك احتمال كبير بأن تنخفض صفقات الإسكان بصورة أكبر، وربما يعلق مطورو العقارات مشروعات البناء الجديدة.
ربما يؤيد الناخبون أفكار ترمب بشأن الرسوم الجمركية والقيود على الهجرة، لكنها تمثل خطراً على الاقتصاد خلال العام المقبل، في وقت يشعر فيه المستهلكون بوطأة ارتفاع تكاليف الاقتراض وتباطؤ قطاعات رئيسية من الاقتصاد. ومن الممكن أن تسير الأمور بطريقة جيدة، لا سيما وأن ترمب معروف عنه عدم التزامه الدقيق بوعوده، ولا أحد يعلم يقيناً ما الذي ينتظر برامج بايدن أو الرسوم الجمركية أو التخفيضات الضريبية التي يقترحها الرئيس المنتخب.
لكن ما هو جلي في الوقت الحاضر هو أن ترمب يرث اقتصاداً يصعب إدارته، ومن الممكن أن تفاقم وعود حملته الانتخابية من تعقيدات الوضع بصورة أكبر.
خلاصة
يناقش المقال التحديات الاقتصادية التي قد يواجهها الرئيس المنتخب دونالد ترمب عند توليه الرئاسة في ظل اقتصاد يبدو قوياً ظاهرياً. ويقول المقال إن ترمب سيرث معدلات بطالة منخفضة ونمواً مستقراً، لكنه سيواجه قضايا أكثر عمقاً تتعلق بتباطؤ سوق العمل وانخفاض التوظيف في القطاع الخاص.
يرمي المقال إلى تسليط الضوء على العقبات التي تهدد استمرار النمو، مثل مستقبل الإنفاق الحكومي على البنية التحتية والتكنولوجيا النظيفة التي دعمتها إدارة بايدن، وتأثير سياسات ترمب الضريبية والمالية على التضخم وسوق العقارات. كما يشير إلى المخاطر المرتبطة بتعهداته بتقليص الإعانات ودعم الحواجز التجارية وتقليل الهجرة، مما قد يؤدي إلى ضغوط تضخمية وارتفاع تكاليف الاقتراض، ويؤثر سلباً على الاقتصاد.