الارتفاع السريع في معدل البطالة يهدد بتقويض ثقة المستهلكين وقطاع الأعمال

هل يفرض تقرير الوظائف على الاحتياطي الفيدرالي خفضاً كبيراً للفائدة؟

رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتلقى سؤالاً من أحد المراسلين في مؤتمر صحفي عقب اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في مبنى مجلس الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن العاصمة - المصدر: بلومبرغ
رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتلقى سؤالاً من أحد المراسلين في مؤتمر صحفي عقب اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في مبنى مجلس الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن العاصمة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

في الأسواق وعلم الاقتصاد، تضطر أحياناً إلى أن تحمل في ذهنك فكرتين في الوقت نفسه، وهو درس ضروري في يوم يشهد ارتفاعاً غير متوقع لمعدل البطالة في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى له في ما يقرب من ثلاثة أعوام. 

الفكرة الأولى هي أن سوق العمل ربما لا تتعرض للأخطار بالدرجة نفسها التي يشي بها الرقم الرئيسي. 

والثانية هي أن السرعة التي تهدأ أو تضعف بها هذه السوق ترفع مستوى المخاطر، وينبغي على صناع السياسة النقدية لدى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على الأقل أن يفكروا في احتمال ضرورة تخفيض أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية في اجتماعهم في سبتمبر المقبل. 

أظهر تقرير نُشر يوم الجمعة أن معدل البطالة ارتفع إلى 4.3% في شهر يوليو من 4.1% في يونيو، متجاوزاً بذلك تقديرات 69 اقتصادياً استطلعت "بلومبرغ" آراءهم. 

لم يزل هذا الرقم منخفضاً نسبياً، غير أن ما يثير القلق بشكل واضح هو سرعة ارتفاعه في الأشهر الأربعة الماضية. 

تكشف قاعدة طورتها زميلتي في "بلومبرغ أوبينيون" كلوديا سهم أن الاقتصاد يصبح في ركود فعلي تاريخياً إذا ارتفع متوسط معدل البطالة في ثلاثة أشهر بنصف نقطة مئوية على الأقل فوق أدنى مستوى له في الاثني عشر شهراً السابقة. وقد حدث ذلك الجمعة. 

تباطؤ سريع في سوق العمل 

يحدث الهدوء والتباطؤ في سوق العمل الآن بوتيرة يجب أن تدفع صناع السياسة النقدية إلى الشك فيما ستؤول إليه الأمور عندما يجتمعون مرة أخرى في 17 و18 سبتمبر، بعد أن قرروا تفويت فرصة لخفض أسعار الفائدة في وقت سابق من هذا الأسبوع، وهم الذين لا يجتمعون إلا 8 مرات سنوياً فقط لاتخاذ قرارهم بشأن السياسة النقدية. 

مع ذلك، ارتفع عدد المدرجين في قوائم الأجور للوظائف غير الزراعية بمقدار 114 ألف موظف في الشهر الماضي، لكن الوظائف يجب أن تنمو بأعداد متواضعة حتى تواكب نمو السكان وقوة العمل. 

انخفضت أرقام الزيادة في قوائم الأجور مقارنة مع أرقام زيادتها في الشهر الأسبق التي بلغت 179 ألف موظف بعد المراجعة، ولم يتوقع سوى خبير واحد فقط من 74 خبيراً في مسح لـ"بلومبرغ" أن تتراجع وتيرة الزيادة بهذه السرعة. 

في عالم يميل فيه ضعف سوق العمل إلى التفاقم، لا بد قطعاً أن يصبح صناع السياسة النقدية في بنك الاحتياطي الفيدرالي في حالة تأهب قصوى بعد إحصاءات يوم الجمعة. حتى الزيادة المتواضعة في معدلات البطالة يمكن أن تؤدي إلى انخفاض الاستهلاك، مما قد يؤدي إلى إضعاف قطاعات أخرى من الاقتصاد. هذا في جزء منه هو الحدس الذي تنطوي عليه "قاعدة سهم"، وهي تستوجب أن يتصرف صناع السياسة دائماً بطريقة استشرافية. 

مبالغة السوق في رد الفعل 

على الرغم من كل ذلك، هناك بعض المبالغة في رد فعل السوق بعد نشر التقرير. فقد انخفض مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 2.5% وقت كتابة هذا المقال، وانخفض العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات، بمقدار 16 نقطة أساس إلى 3.82% ولامس في وقت سابق أدنى مستوى له منذ ديسمبر 2023.

هذه ديناميات سوق ما قبل الركود على الرغم من أن أرقام يوم الجمعة ليس بها ما من شأنه أن يقترب من تأكيد الركود أو الأزمة اقتصادية. ففي النهاية، دعونا نضع الأمور في سياقها الصحيح، فقد نما الناتج المحلي الإجمالي بوتيرة سنوية رائعة بلغت 2.8% في الربع الثاني من هذا العام.

بالإضافة إلى ذلك، هناك -كما هي الحال دائماً- الكثير من الروايات المتضاربة ومصادر التشويش المحتملة تحت السطح في بيانات سوق العمل نفسها.

تأتي البيانات الضعيفة في الوقت الذي ضرب فيه إعصار "بيريل" تكساس خلال الفترة المشار إليها. وقد كتب مكتب إحصاءات العمل في تقريره أن الإعصار لم يكن له "أي تأثير ملحوظ" على البيانات، ولكننا شهدنا زيادة كبيرة في عدد الأشخاص الذين أفادوا بأنهم لم يعملوا بسبب سوء الأحوال الجوية، كما ذكرت أوغوستا ساريفا من "بلومبرغ نيوز".

كذلك كانت هناك زيادة كبيرة في حالات التسريح المؤقت من العمل ومعدلات أقل في حالات التسريح الدائم، كما أشار مدير معهد "بيرننغ غلاس"  للأبحاث الاقتصادية غاي بيرغر على موقع "إكس". وبالنظر إلى تأثير الإعصار، تبدو هذه النقطة مهمة. في الأشهر السابقة، كان ارتفاع البطالة ناتجاً عن زيادة في معروض القوى العاملة (زيادة معدل البطالة بسبب المنضمين الجدد والعائدين إلى سوق العمل الذين لا يجدون عملاً على الفور).

"قاعدة سهم" ليست قانوناً 

أما بالنسبة لـ"قاعدة سهم"، فحتى كلوديا نفسها أكدت في مناسبات عديدة أنها ليست قانوناً من قوانين الطبيعة، وأن هذه المرة قد تكون مختلفة. 

قالت في حديثها مع توم كين وداميان ساسور من "راديو بلومبرغ" يوم الجمعة: "هذه القاعدة نتجت من التجربة التاريخية، التي لا تخبرنا بالضرورة أين نحن في هذه اللحظة". ومع ذلك، كانت قلقة بشأن "السرعة الكبيرة في زيادة معدل البطالة".

شخصياً، كنت أدافع بقوة في أماكن مختلفة عن خفض سعر الفائدة في وقت سابق من هذا الأسبوع، مثل زميلي في "بلومبرغ أوبينيون" بيل دادلي، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك من عام 2009 إلى عام 2018. وعلى الرغم من أنني لم أتوقع أي انكماش اقتصادي وشيك، فقد اعتقدت ببساطة أن خفض الفائدة هو الخطوة الأفضل في إدارة المخاطر. 

بعد تفويت تلك الفرصة، قد يُضطر صناع السياسة النقدية إلى الإسراع بتخفيض أسعار الفائدة عندما يجتمعون مرة أخرى في سبتمبر إذا أكدت المزيد من البيانات الاتجاه الأخير. 

على الرغم من تقاعسهم هذا الأسبوع، فإن صناع السياسة على دراية واضحة بالمخاطر، وكانوا بحاجة فقط إلى مزيد من الإقناع.

ففي مؤتمره الصحفي، سُئل رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول صراحة من قبل جان يونغ من شبكة "إم إن آي ماركت نيوز" عن إمكانية خفض الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس. وعلى الرغم من أنه رفض الفكرة بشكل عفوي، فقد استدرك موقفه بحكمة في اللحظة نفسها ليترك الباب مفتوحاً. وقال: "لا أريد أن أكون محدداً حقاً بشأن ما سنفعله، لكن هذا ليس ما نفكر فيه في اللحظة الراهنة"، قبل أن يضيف: "بالطبع، لم نتخذ أي قرارات على الإطلاق حتى اليوم".

كذلك من غير المحتمل أنهم اتخذوا أي قرارات بعد تقرير الوظائف يوم الجمعة. لكن لحسن الحظ أن لديهم فسحة كبيرة لاستخدام أدوات السياسة النقدية في ظل أن أسعار الفائدة بلغت أعلى مستوى لها منذ عقدين عند 5.25% إلى 5.5%. وينبغي أن يكونوا على استعداد لاستخدامها.   

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك