تنتقد الولايات المتحدة علاقات الصين وتقاربها مع روسيا، لكنها تلتزم الصمت الدبلوماسي في ما يتعلق بعلاقات نيودلهي مع موسكو، فما السبب وراء تفاوت موقف واشنطن من توطيد العملاقين الآسيويين علاقتهما مع روسيا؟، وكيف يمكن للتقارب الهندي الروسي أن يخفف من حدة الخلافات بين الهند والصين؟، نقطة حوار تناولها برنامج "تقرير آسيا" الذي عرضته "الشرق" على شاشتها هذا الأسبوع.
جون هاريسون، العضو المنتدب لاستراتيجية الاقتصاد الكلي للأسواق الناشئة في "تي إس لومبارد"، يرى أنه رغم أن البعض داخل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لديه مخاوف من أجندة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي القومية الهندوسية، إلا أن واشنطن تتخذ موقفاً ليناً تجاه التقارب الهندي الروسي والعلاقات التجارية والاقتصادية بينهما، والتي نمت رغم فرض القوى الغربية عقوبات على موسكو بعد حربها على أوكرانيا.
أرجع هاريسون هذا التساهل إلى أن واشنطن تريد الإبقاء على الهند كحليف قوي لها في مقابل الصين، وذلك لإحداث توازن في منطقة شرق آسيا، ورأى أن الولايات المتحدة لن تتخذ موقفاً صلباً أو تتجه لفرض عقوبات على الهند، طالما حافظت نيودلهي على المصالح الأمنية الأميركية في هذه المنطقة، ولم تسهّل لموسكو الوصول إلى التكنولوجيا الأميركية.
تعمل الهند على إبقاء العلاقات موصولة مع الجميع. فقبل عام توجه رئيس الوزراء الهندي إلى واشنطن وقوبل بحفاوة كبيرة من إدارة بايدن، التي وصفت العلاقات مع الهند بأنها "واحدة من أكثر العلاقات أهمية" للولايات المتحدة. وخلال هذا الأسبوع، قام مودي بزيارة إلى موسكو، هي الأولى منذ الحرب على أوكرانيا، ليذكّر العالم أن العلاقات وثيقة، وأن الهند حريصة على روابط وطيدة مع روسيا، رغم ضغوط الإدارة الأميركية لتحجيمها.
نهج محايد
الهند، ومنذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، حاولت السير على حبل مشدود، فلم تدعم الغزو، لكنها لم تصدر أي إدانة أيضاً، بل اتبعت نهجاً محايداً.
يقول هاريسون إن روسيا شديدة الأهمية للهند، فالعلاقات التاريخية والتعاون العسكري يمتدان إلى الحقبة السوفيتية، وأضاف أنه "رغم أن القوات المسلحة الهندية نوعت مصادر تسليحها على مدى العقد الماضي عبر شراء المزيد من الأسلحة من الدول الغربية وعبر تعزيز إنتاجها المحلي، إلا أن التكنولوجيا الروسية لا تزال ضمن أنظمة دفاعها، ما يجعلها حريصة على إبقاء العلاقات طيبة مع موسكو".
وتابع: "الهند استفادت كثيراً من شراء النفط الروسي الرخيص، ما ساعدها في حربها ضد التضخم. كما حققت أرباحاً من تكريره ومن ثم إعادة تصديره مرة أخرى".
ارتفعت مشتريات الهند من النفط الروسي إلى 3.8 مليار دولار شهرياً منذ الحرب على أوكرانيا، مقارنة بـ350 مليون دولار فقط قبل اندلاع الصراع، وهو ما حقق إيرادات للخزانة الروسية بنحو 99 مليار دولار، بحسب "بلومبرغ".
وبالتوازي مع ذلك، أشارت "بلومبرغ" إلى ارتفاع صادرات الهند لروسيا إلى 390 مليون دولار شهرياً في عام 2024، مقارنة بـ280 مليون دولار قبل الحرب، كما قفزت الصادرات الهندية الحساسة إلى روسيا، والتي تشمل قطع المعدات وأجزاء الطائرات، بنسبة 150% إلى 350 مليون دولار في الإثني عشر شهراً المنتهية في أبريل 2024.
تفوق صيني
تظل هذه الزيادة في صادرات الهند إلى روسيا صغيرة مقارنة بما توفره الصين. شكلت السلع الهندية 2% من إجمالي واردات روسيا في عام 2023، مقارنة بنسبة 56% للسلع الصينية، بحسب بيانات "بلومبرغ". ويعود هذا التفاوت الهائل إلى تفوق الصين الضخم في القدرة التصنيعية، بالإضافة إلى شراكتها "غير المحدودة" مع موسكو.
وحول سؤال لـ"الشرق" بشأن ما إذا كان توطيد الهند لعلاقاتها مع روسيا يمكن أن يدفع نحو مزيد من سد الفجوة بين الهند والصين، قال هاريسون إنه رغم المشكلات الحدودية بين الجارتين الآسيويتين والتقارب الصيني مع دول الجوار الهندي والذي يثير مخاوف نيودلهي، إلا أن الهند حريصة على علاقة طيبة مع الصين، "خاصة وأنها تعتمد بشكل أساسي على الواردات الصينية من المواد الخام والمكونات الأساسية للصناعات الهندية".