هشاشة النمو في إيطاليا تشير إلى ضعف فرص التعافي الاقتصادي في منطقة اليورو

ألمانيا هي رجل أوروبا المريض ولكن الآخرين أيضاً يعانون

لافتة صيدلية تشير إلى أن درجة الحرارة بالخارج حالياً هي 40 درجة مئوية، في روما وسط موجة الحر في إيطاليا في 19 يوليو 2023 - AFP
لافتة صيدلية تشير إلى أن درجة الحرارة بالخارج حالياً هي 40 درجة مئوية، في روما وسط موجة الحر في إيطاليا في 19 يوليو 2023 - AFP
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

تقترب ألمانيا، رجل أوروبا المريض، من نهاية فصل تفضل أن تنساه. فربما تمثل الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024 الربع الثاني على التوالي الذي تشهد فيه البلاد انكماشاً اقتصادياً، كما ينتظر ألا تحقق نمواً يذكر، أو لا تحقق نمواً على الإطلاق، على مستوى العام كاملاً.

وقد أصبح قلبها الصناعي القوي عبئاً عليها مع استمرار ضعف الطلب، وما يتسبب فيه العالم، الذي يتراجع عن العولمة، من حرمانها من بعض الروافع مثل الصادرات الصينية، والغاز الروسي الرخيص، والضمانة الأمنية الأميركية التي يُعتمد عليها.

أما مصدر القلق الجديد فهو صوت السعال والمعاناة الذي يصدر من دول أخرى في منطقة اليورو. فقد كانت اقتصادات دول مثل هولندا وأيرلندا، اللتان تعتمدان على التجارة، هي المحركات الكبيرة التي تقود نمو الاقتصاد الأوروبي في الأعوام الأخيرة (وربما بصورة خادعة في حالة أيرلندا)، غير أن تلك الاقتصادات تتعثر في الوقت الحالي.

أما فرنسا، التي يتحرك اقتصادها، الذي يقوده الطلب، عادة في عكس اتجاه ألمانيا، فهي تحقق نمواً ضئيلاً على الرغم من تضخم عجز الميزانية مع ارتفاع أسعار الفائدة. ويقل التفاؤل بإمكانية تجنب الركود بسبب ضعف نمو الاستثمار والإنتاجية.

وبذلك لم يبق أمامنا سوى إيطاليا، آخر دولة كبيرة قائدة، حيث يتحدى المسؤولون في حكومة جيورجيا ميلوني الأوضاع القاتمة بتوقعهم نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1% هذا العام. وهو معدل أفضل من ألمانيا وفرنسا وهولندا ومتوسط منطقة اليورو، كما يتماشى مع أداء إيطاليا الفائق منذ عام 2019، على الرغم من تاريخها الحافل بانخفاض معدلات النمو وارتفاع الديون والتقلبات السياسية. وإلى جانب دول مثل إسبانيا والبرتغال، اللتان تتمتعان بعد سنوات من الأزمات بقدرة تنافسية أعلى ونمو في الصادرات، وفق مركز "آي إن جي ريسيرش"، كان انتعاش إيطاليا بمثابة دفعة لأوروبا.

اقرأ أيضاً: وزير المالية يتوقع نمو اقتصاد إيطاليا 1% في العام الجاري

أعراض المرض في إيطاليا

المشكلة هي أن هناك أيضاُ علامات على اعتلال الصحة، أو ما أسماه وزير المالية الإيطالي جيانكارلو جيورجيتي مؤخراً "وجع المعدة". وكان يشير بذلك إلى برنامج "سوبربونس"، وهو ائتمان ضريبي لتجديدات المنازل الصديقة للبيئة يعادل 110% من تكلفتها، والذي نتج عنه اندفاع كبير للاستثمار في العقارات السكنية، ولعب دوراً تحفيزياً كبيراً في إيطاليا بعد الجائحة.

بحسب تقديرات نيكولاس غوتزمان، الخبير الاقتصادي في مؤسسة "فينانسيير دي لا سيتي"، أضاف برنامج "سوبربونس" – الذي سجل قيمة مذهلة بلغت 107 مليارات يورو (116 مليار دولار) من الاستثمارات المؤهلة – إلى الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو استثمارات ثابتة في قطاع البناء الإيطالي بلغت نحو 15 ضعف ما أضافه الاقتصاد الألماني بأكمله منذ نهاية عام 2019.

ما تسبب لجيورجيتي في عسر الهضم ليس النمو بقدر ما هو الضرر الذي لحق بالمالية العامة، فبالنهاية هو ائتمان ضريبي، ولهذا السبب يتم تقليص برنامج "سوبربونس" بعد أن ساهم في عجز الميزانية بنسبة 7.2% العام الماضي.

وبدون هذا البرنامج، تتوقع "بلومبرغ إيكونوميكس" أن يستمر انحسار زخم النمو. ويقول فابيو بالبوني، الاقتصادي لدى بنك "إتش إس بي سي هولدينغز" إن "مزايا البرنامج الاقتصادية تحققت في الماضي، بينما التكلفة المالية يتحملها المستقبل".

غير أن الصورة ليست قاتمة وتشاؤمية تماماً، فهناك علامات على تحسن ثقة المستهلكين وارتفاع الأجور، كما أن الأسواق المالية لم تشكل ضغوطاً بعد على الديون الإيطالية. وينتظر أن تتراجع الرهانات على ركود الاقتصاد، وسط توقعات بلوغ أسعار الفائدة ذروتها، بالإضافة إلى تراجع التضخم.

اقرأ أيضاً: انكماش أكبر اقتصادين في منطقة اليورو يعرقل نمو التكتل

في نهاية المطاف، مع ذلك، لم يزل تباطؤ أداء إيطاليا الاقتصادي أرجح من تفوقه هذا العام، مما يزيد من قلق المسؤولين الأوروبيين بشأن الفجوة طويلة الأجل التي تتسع بين أوروبا والاقتصاد الأميركي، الذي ينتظر أن ينمو بنسبة 2% هذا العام.

وفي الأسبوع الماضي دق إنريكو ليتا، رئيس الوزراء الإيطالي السابق الذي اختارته بروكسل لكتابة تقرير حول مستقبل السوق الأوروبية الموحدة، ناقوس الخطر بشأن هذه المسألة. إن حديث المستثمرين حول الهبوط السلس للاقتصاد لن يعني الكثير في أوروبا ذات الديون المرتفعة والتضخم الأعلى، والتي لا تستطيع تحقيق نمو أكبر.

مسار أفضل للتعافي

كيف يبدو المسار الأفضل للتعافي؟ أحد هذه المسارات يتمثل في أن تستطيع إيطاليا – وأوروبا – تحقيق النجاح لصناديق التعافي من الجائحة التي صممت لتضميد جراح كوفيد والاستثمار في المستقبل.

فقد أنفقت روما 45.7 مليار يورو، أو أقل من نصف التمويل الذي تلقته، وهذا أمر ليس جيداً بما يكفي. فلدى أوروبا احتياجات استثمارية ضخمة – من بينها 620 مليار يورو سنوياً للتحول المناخي - ونجاح استخدام أموال الجائحة يؤدي إلى تحسين فرص إطلاق مبادرات الإنفاق الضرورية الأخرى، مثل مبادرة الإنفاق العسكري.

ومن شأن ذلك أيضاً أن يعوض أثر وقف برنامج "سوبربونس" أو يزيد، مما قد يضيف 2.5 نقطة مئوية إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الإيطالي بحلول عام 2026.

وفي حين أن تقرير إنريكو ليتا القادم سيتضمن أفكاراً كثيرة حول كيفية تحطيم الحواجز الهيكلية أمام النمو، ربما من خلال توحيد الأسواق المالية والقواعد الضريبية المتباينة في أوروبا، ينبغي عليها أيضاً أن تستفيد من أسلوب أميركا من خلال تبني سياسات أكثر توجهاً نحو الطلب لتعزيز الاستهلاك. لا ينبغي أن يعمينا سوء تطبيق برنامج "سوبربونس" عن ذلك المزيج الخاطئ حالياً في أوروبا من السياسة النقدية المتشددة وغياب الدعم المالي، حيث من المرجح أن تؤدي القواعد المالية الجديدة للاتحاد الأوروبي إلى تخفيض الاستثمارات العامة – وهو ليس أفضل ما يفعله الاتحاد بالنظر إلى حاجته إلى أن يعتمد على نفسه أكثر من الناحية الجيوسياسية.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد الألماني ينكمش وسط تراجع الاستثمار في نهاية 2023

قال رئيس البنك المركزي الألماني يواكيم ناغل الأسبوع الماضي: "يدور الحديث دائماً عن أن ألمانيا رجل مريض... وما يقلقني أكثر من ذلك أن أوروبا تمرض". وهو محق في ذلك. ومن الأفضل أن يكون الدواء جاهزاً.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة