يُعتبر اقتصاد السوق اليوم واحداً من أعظم التهديدات التي تواجه القيم الليبرالية التي ورثناها من القرن التاسع عشر

الرأسمالية والليبرالية الكلاسيكية في سبيلهما للانفصال

مشاة بأحد شوارع "سيينا" المركزية، في إيطاليا - المصدر: بلومبرغ
مشاة بأحد شوارع "سيينا" المركزية، في إيطاليا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

لم تساور مؤسسي الليبرالية الحديثة أية شكوك بشأن العلاقات الإيجابية بين الجانب الفلسفي لكل من الليبرالية والرأسمالية (أو "المجتمع التجاري" كما كانوا سيطلقون عليه). فقد كان آدم سميث يرى أن السعي من أجل الاكتفاء الذاتي يتمخض عنه "ثراء عام". وأشار ديفيد هيوم إلى أن التجار "يسعون إلى قوة النبلاء القديمة" وينتجون تعددية سياسية. أما فولتير، فقد وصف بورصة لندن بأنها معبد للتسامح والقيم العالمية.

كان هؤلاء الفلاسفة محقين على نطاق واسع. فقد طغى تقدّم الليبرالية على تقدّم الرأسمالية -بدءاً من البندقية في العصور الوسطى، ثم فلورنسا في عصر النهضة، فالأراضي المنخفضة الهولندية، ثم بشكل مذهل في بريطانيا وأميركا. اللبنات الأساسية لكل من الرأسمالية والليبرالية متطابقة، فيهما تكمن الحقوق الفردية من خلال القانون والعُرف، وحرية الاختيار في كل من السياسة والسوق، وفصل السياسة عن الاقتصاد، والإرادة الحرة والنقاش. الليبرالية والرأسمالية تسودان في العديد من البلدان، ولم يُسجل أي بلد على أنه ليبرالي وغير رأسمالي.

مع ذلك، من الأهمية بمكان هنا إضافة وصف جديد: مع أنه لا يمكن الحصول على ليبرالية من دون رأسمالية، فإنه بالتأكيد، يمكن الحصول على رأسمالية من دون ليبرالية. في عام 1930، تعاونت كل من الشركات الألمانية، وحتى أكثر من ذلك، الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات مع النازيين، وكان المثال على ذلك أن "كوكا كولا" لم تكن الجهة الراعية لدورة الألعاب الأولمبية لعام 1936 فحسب، بل أنها قدمت نفسها كشركة ألمانية. منذ مطلع القرن الحالي، راجت الرأسمالية الاستبدادية. الصين رائدة في التوليف ما بين آليات السوق والقوة الشيوعية.

حنين في شمال أوروبا لفرض ضرائب أعلى على الأثرياء

معركة بلا هوادة

تدور رحى معركة لا تنتهي أبداً داخل قلب الرأسمالية -بين القيم الليبرالية التي تضمن نجاحها على المدى الطويل (وهي المنافسة وحكم النخبة والفردية)، والسعي إلى تحقيق ميزة قصيرة الأجل (من خلال السيطرة على الأسواق وإغراء الحكومات والتقليل من شأن الثقافة). عادة ما كانت تُحسم هذه المعركة في الغرب لصالح الليبرالية، بفضل جهود المسؤولين من أصحاب الثقافة وبُعد النظر، مثل جون ماينارد كينز. لكن اليوم يسود الجانب الخطأ من الرأسمالية على وجه التحديد، عندما تخلى الكثير من المثقفين عن الليبرالية الفلسفية لصالح الأفكار غير الليبرالية حول حقوق المجموعة وسياسات الهوية. (الأمر المثير للإرباك أن العديد من الأميركيين يستخدمون كلمة "ليبرالية" كمرادف لكلمة "تقدمية" أو "يسارية". وهنا سأستخدم كلمة "ليبرالية" كمؤيد للحركة الفلسفية التي تطورت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وسأستخدم مصطلح "تقدمي" للإشارة إلى "التقدميين").

بزغت مسيرة الليبرالية من خلال انتقاد الدولة الأوروبية المستبدة في القرنين السابع عشر والثامن عشر. أقرّ اللورد أكتون، مؤرخ كامبريدج (في ملاحظة غير مباشرة أرسلها إلى صديق) بأن "السلطة تميل إلى الفساد، والسلطة المطلقة مفسدة تماماً". عمل الليبراليون على تقليص هيمنة السلطة التنفيذية، من خلال آليات دستورية معقدة (في شكل مشاريع قوانين للحقوق والضوابط والتوازنات والانتخابات المنتظمة). كما أعطوا الناس حرية إنشاء الشركات بإرادتهم، بدلاً من الاضطرار إلى اللجوء إلى الحكومة للحصول على ميثاق شركات. كان من المفترض أن تكون هذه الشركات الجديدة "جمهوريات صغيرة"، على عكس الاحتكارات المرخصة من الدولة مثل شركة "إيست إنديا" (East India).

اليوم نحن نشهد درجة من التركيز الاقتصادي التي لم نشهدها منذ أواخر القرن التاسع عشر، وأبرز نموذج لذلك هو مجموعة الشركات الخارقة التي تعزز قوتها في قلب الاقتصاد العالمي وتمارس نفوذاً سياسياً هائلاً في الداخل والخارج.

أميركا.. النموذج الصارخ للتركيز

تعد الولايات المتحدة أكثر نموذج صارخ لعملية التركيز هذه، باعتبارها المحرّك الكبير للنظام الرأسمالي، وفي صناعات المستقبل، لا سيما التكنولوجيا. يشير بحث جديد من كلية "بوث" لإدارة الأعمال بجامعة شيكاغو، إلى أنه "بغض النظر عن الإجراء الذي تختاره، فإن الزيادة طويلة المدى في تركيز الشركات، واضحة". وجد مؤلفو البحث أنه "منذ أوائل عام 1930، زادت حصص الأصول في أهم 1% وأهم 0.1% من الشركات، بمعدل 27 نقطة مئوية (أي من 70% إلى 97%) و40 نقطة مئوية (من 47% إلى 88%)، على التوالي. تشير تقديرات "ذا إيكونوميست" إلى أن التركيز عبر الاقتصاد الأميركي أعلى اليوم مما كان عليه في أي وقت من القرن الماضي على الأقل. ومن بين قطاعات الاقتصاد البالغ عددها 900 قطاع التي رصدتها دراسة المجلة، ارتفع العدد الذي تمتلك فيه أكبر أربع شركات حصة سوقية تزيد على الثلثين، من 65 في عام 1997 إلى 97 بحلول عام 2017. شكّل معدل تأسيس الشركات الصغيرة أدنى مستوى له منذ 1970. بعض شركات التكنولوجيا لديها حصص سوقية تذكّرنا بالعصر الذهبي، حيث تمتلك "غوغل" أكثر من 90% من سوق محركات البحث عالمياً، على سبيل المثال. يقول بيتر تيل، وهو من الشخصيات البارزة في ما يسمى "مافيا باي بال" التي تلعب الآن دوراً رائداً في "وادي السيليكون"، إن "المنافسة هي للفاشلين".

يؤدي توطيد الهيمنة الاقتصادية إلى ترسيخ السلطة السياسية دون شك. فلم تعد الشركات راضية عن الضغط على المشرعين للتصويت في الاتجاه الذي تريده. فهي تكتب التشريعات بأنفسها بشكل متزايد -وهي حيلة مريحة عادة ما يدعمها الكونغرس في إنتاج تشريع ثقيل الظل، مثل مشروع قانون "دود فرانك" للإصلاح المالي الذي يزيد على ألفي صفحة- وتحدّد شروط الحوار من خلال تمويل مراكز البحث ومجموعات الضغط. ورغم أن بروكسل ليس لديها حتى الآن العديد من جماعات الضغط مثل واشنطن، إلا أنها أكثر ملاءمة للصفقات الداخلية، في ظل توافر مجال التناوب في الأدوار بين المؤسسات العملاقة، والمفوضية الأوروبية في مبنى "بيرلايمونت".

بايدن يقترح فرض ضريبة 43.4% على الأرباح الرأسمالية للأثرياء

الاستفادة من قانون "أكتون"

تمكن ملاحظة "قانون أكتون" من خلال الاستعداد المتزايد للشركات المحترمة للانخراط في ممارسات كانت في يوم ما تقتصر على السبل غير القانونية. تستخدم الشركات متعددة الجنسيات الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل روتيني لتقليص الضريبة التي تدفعها، وإنشاء شركات قابضة في مناطق منخفضة الضرائب، أو استخدام "تسعير التحويل" لفرض رسوم على الشركات التابعة مقابل استخدام أصول الشركات. سمحت صفقة "أبل" المريحة مع أيرلندا بتوجيه معظم مبيعاتها وأرباحها غير الأميركية من خلال كيانات الشركات الخاصة. حققت "غوغل" معدل الضريبة الفعلي من 2.4% على أرباحها غير الأميركية في 2007 – 2009، عن طريق توجيه الأرباح إلى برمودا، عبر أيرلندا وهولندا (المستقاة من استراتيجية تعرف باسم "شركتان أيرلنديتان مع نظيرتيهما الهولندية") (توجيه الأرباح إلى شركة أيرلندية، ثم أخرى هولندية، وأخيراً إلى شركة أيرلندية ثانية في أحد الملاذات الضريبية).

توطيد الرأسمالية تنتج عنه أيضاً طبقة جديدة من شبه الأثرياء المحدودين والأقوياء، مثل فئة "بارونات روبر" التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر. (عندما توفي جون دي روكفلر، مؤسس شركة "ستاندرد أويل" في عام 1937، كانت ثروته الصافية المقدرة بـ1.4 مليار دولار تعادل 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، بينما صافي ثروة إيلون ماسك الحالية عند أقل من 1%). الكثير من الأغنياء حصدوا ثروات من خلال المنافسة العادلة واستخدام ثرواتهم لخلق سبل إنقاذ للمعيشة ونشر الرخاء، وأبرز نموذج لذلك هو بيل غيتس. وهذا على سبيل المثال وليس الحصر. هناك مظهر من مظاهر الإمبراطورية الرومانية يجسد هذا الوضع بين أباطرة التكنولوجيا من حيث تحدي الانهيار (ربما بمساعدة "أطراف من القطاع ذاته") أو كشخصية إيكاروس المتفوق (عن طريق استعمار المريخ)، أو للاستمتاع بفائض بلوتوقراطي.

تقرير: أثرى أثرياء أمريكا يستخدمون صناديق خاصة لتجنب دفع الضرائب العقارية

نشأت الليبرالية في غمار صراع الخارجيين ضد الأشخاص من داخل المؤسسات، حيث كان الليبراليون عادة متطرفين، أرادوا إخضاع المؤسسات المتدهورة للمنافسة العادلة. وجّه آدم سميث انتقاداً لاذعاً ضد احتكار شركة "إيست إنديا" للتجارة مع شرق آسيا. تأسست "ذا إيكونوميست" لتأمين إلغاء قوانين الذرة التي زورت سعر الذرة نيابة عن ملاك الأراضي. جادل جون ستيوارت ميل بأن الخدمة المدنية يجب أن تكون مفتوحة لذوي الجدارة، بدلاً من استخدامها كمأوى للأطفال اللقطاء المتكاسلين من أبناء أصحاب الامتيازات.

تعد رأسمالية اليوم حافلة بصفقات الأشخاص الداخليين. كان من المفترض أن تفرض فكرة ربط الأجر بالأسهم الانضباط على المديرين من خلال إجبارهم على ممارسة أدوارهم كرواد أعمال، وتعرضهم لهبوط وصعود الرأسمالية بدلاً من ذلك، إلا أن المديرين استخدموا نفوذهم الداخلي للتلاعب بالنظام من خلال كتابة العقود التي تحميهم من الخسارة ("المظلات الذهبية" والبقية) مع منح أنفسهم الحق في بيع الأسهم في الوقت الذي يختارونه.

الامتياز تهديد للجدارة

يشكّل نظام الامتياز الداخلي هذا تهديداً عميقاً لمبدأ ليبرالي مركزي، وهو الجدارة. دافع الفلاسفة الليبراليون عن الجدارة لسببين: اكتشاف الموهوبين أينما ولدوا ومنحهم الفرص التي يستحقونها (وهذا جزئياً)؛ وأيضاً، منع أبناء الأغنياء من اكتناز الفرص لصالحهم وتحويل أنفسهم إلى طبقة وراثية متدهورة. أقرّ تيدي روزفلت ضريبة الميراث لأنه كان يعتقد إلى حد ما أنه من خلال فصل الثروة عن العمل والمنصب عن الجهد، شكّلت المواريث الضخمة خطورة على الأغنياء كما هي الحال بالنسبة إلى بقية المجتمع. الأغنياء اليوم يفعلون ما في وسعهم لتحويل كابوس روزفلت إلى حقيقة على الأرض. فخلال السنوات الممتدة من 1990 إلى 2021، ارتفع عدد المليارديرات الأميركيين من 66 شخصاً إلى 745 شخصاً، ونما حجم الثروة لديهم من 240 مليار دولار إلى أكثر من 5 تريليونات دولار. بذل معظم هؤلاء المليارديرات جهداً خارقاً من أجل تمرير هذه الثروة إلى أبنائهم. قدّر مقال نشرته "بروبوبليكا" (ProPublica) في سبتمبر 2021، استناداً إلى عوائد وكالة الضرائب الأميركية، أن أكثر من نصف أغنى 100 أميركي لجأوا إلى "صناديق خاصة" بهدف تجنب أي ضريبة ميراث على الإطلاق.

بطل الدراما الليبرالية هو الفرد الذي يتمتع بانضباط ذاتي. فقد أمضى الليبراليون تاريخاً طويلاً في محاربة فكرة أن الأفراد هم مجرد ناقلات لهويات المجموعة أو خدم للرأي العام. كان جون ستيوارت ميل من أوائل الأشخاص الذين جادلوا بأنه لا ينبغي تصنيف المرأة بناءً على خلقتها البيولوجية، وعلى الأخص في ما يتعلق بإخضاع المرأة، وكان في طليعة من حذروا من ديكتاتورية الرأي العام.

أعضاء بـ"الشيوخ الأمريكي" يقترحون إلغاء مزايا ضريبية موجهة للأثرياء

رأسمالية المعلومات ومظاهر الزهو الخادعة

المخاوف الليبرالية من أن الرأسمالية الاستهلاكية قد تشكّل تهديداً للفردية الليبرالية كانت دائماً تخدع بمظهر من مظاهر الزهو، كما لو كان على الفقراء أن يكتفوا بالملابس المنزلية بدلاً من الاشتهاء بارتداء أحدث الصيحات. لكن ظهور أحدث نسخة للرأسمالية -وهي رأسمالية المعلومات- يغذي تلك المخاوف. تعتمد رأسمالية المعلومات على الشركات التي تستوعب تدفقات لا نهاية لها من المعلومات من الأجهزة المختلفة التي تمت تغذيتها جميعاً على أجسامنا، واستخدام تلك المعلومات للتلاعب بخياراتنا اليومية. شركات المعلومات العملاقة اليوم هي، قبل كل شيء، شركات إعلانات تقنعنا بالتنازل عن أسرارنا الأكثر خصوصية مقابل وسائل الراحة المختلفة، ثم بيع تلك الأسرار (مجهولة المصدر حسب الأصول) لمن سيدفع ثمنها.

تجسد رأسمالية المعلومات تهديداً خطيراً للمفهوم الليبرالي للفرد العاقل. فهي تجعلنا باستمرار معرضين إلى "جهات تحاول إقناعنا بشكل خفي" من خلال إصدار إشعارات صوتية وومضات عبر هواتفنا أينما ذهبنا. فهي تغيّب إحساسنا بأننا تتم السيطرة علينا عندما يراقب أصحاب الأعمال كل تحركاتنا وأفعالنا؛ وتتلاعب بقدراتنا على التركيز، لا سيما ونحن نتصفح المعلومات ومواقع الترفيه، حتى ولو كانت تافهة.

ما الذي يمكن اتخاذه حيال هذا التوتر المتزايد بين الرأسمالية والليبرالية؟ في العصر الذهبي، تصدّت الحكومات في كل أنحاء العالم للقوة المفرطة التي تمارسها الشركات باسم الليبرالية الجديدة، التي أعطت المزيد من السلطة للدولة لإنهاء أشكال الاحتكار وفرض ضرائب على المواريث. وهناك بعض العلامات الإيجابية على استئناف هذه السياسات. فتحت حكومة الولايات المتحدة قضية مكافحة احتكار ضد "غوغل"، في إشارة إلى أنها تعيد التفكير في موقفها المتسامح بشكل عام تجاه تركيز الهيمنة. تحالفت مجموعات الحملات مثل "يو إس فور ذيم" (UsforThem)، للمطالبة بحظر الهواتف الذكية لمن هم دون سن 16 عاماً، ونشر تحذيرات صحية عبر الأجهزة الذكية.

نزيف الثروات.. هكذا خسر أغنى 500 ملياردير بالعالم 1.4 تريليون دولار في عام

رفاهية المستهلك

منذ نشر كتاب "مفارقة مكافحة الاحتكار" (The Antitrust Paradox) لروبرت بورك في عام 1978، تركز التفكير بشأن مكافحة الاحتكار بشكل ضيق على مسألة رفاهية المستهلك. يجب أن ينصب التفكير على التهديدات التي يشكّلها التركيز على الابتكار والسلطة التنظيمية للدولة. اتخذ الاتحاد الأوروبي بجدية موقفاً أكثر صرامة تجاه هيمنة التكنولوجيا، على سبيل المثال، من خلال معاقبة الشركات التي تخترق الخصوصية، ومؤخراً، إجبار شركة "أبل" على الانتقال إلى الكابلات العامة لأجهزتها بدلاً من إلزام العملاء بشراء منتجاتها. تستعد الحكومات منذ سنوات لفرض حد أدنى عالمي من الضرائب يهدف إلى التخلص من الثغرات الضريبية والملاذات الضريبية. بعد سنوات من العمل الدؤوب، يتعرض هذا الإصلاح لخطر الفشل بسبب المقاومة في الكونغرس الأميركي، وفقدان الزخم بشكل عام. تحتاج إدارة بايدن والاتحاد الأوروبي إلى إعطاء الإصلاح دفعة أخرى.

هناك مخاطر حول استئناف نشاط الدولة. فالسياسة الصناعية التي تؤيدها إدارة بايدن، على سبيل المثال، تشكّل وصفة للنزعة النقابية وليس للمنافسة. فهي بحاجة إلى تجنب استخدام مكافحة الاحتكار كأداة لصالح شركات معينة أو إرشادها بشأن الوجهة المناسبة لإنتاج مكوناتها. الهدف هو تعزيز المنافسة بدلاً من فرض نمط اقتصادي. يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تجنب استغلال سياسة المنافسة كوسيلة لإهلاك الشركات الأميركية. هناك أيضاً حدود بشأن مقدار ما يمكن للدولة القيام به لحماية القيم، مثل النزعة الفردية. لكن نشاط الدولة يحتاج بالتأكيد إلى أن يكون مزيجاً بين هذا وذاك: بعد عقود عدة افترضنا خلالها أن أكبر التهديدات للنظام الليبرالي يأتي من العمل المنظم أو النشطاء المتطرفين، نحتاج إلى إيلاء المزيد من الاهتمام للتهديد القادم من الرأسمالية نفسها.

المبادرات الخيرية

هل ستكون هذه الحكومة الجديدة والنشاط المدني كافيين للتحقق من الميل نحو تركيز السلطة والثروة في أيدي قلة من الناس؟ تبنّي الشركات الكبرى مبادرات خيرية من شأنه أن يوسع نفوذ الشركات على صنع السياسات، بينما يجعل من الصعب على الشركات الجديدة الانطلاق. يحصد الجيل الجديد من مؤسسي الشركات مكافآت تجعل الجيل السابق يبدو متواضعاً. سبع من حزم التعويضات العشر الأكثر قيمة للشركات المدرجة الأميركية في عام 2020، كانت من نصيب كبار التنفيذيين في الشركات الناشئة التي أدرجت أسهمها في ذلك العام، على سبيل المثال. من المرجح أن يفاقم الذكاء الاصطناعي ضغط التركيز، لأنه يتغلغل داخل حياتنا اليومية، وذلك لأن الشركات العملاقة فقط مثل "غوغل" و"مايكروسوفت"، يمكنها تحمل قوة الحوسبة وبنك المواهب اللازمين للمنافسة.

واحدة من الميزات الهائلة لليبرالية، هي قدرتها على إعادة ابتكار نفسها مع إنقاذ الرأسمالية أيضاً: والمثال على ذلك الليبرالية الجديدة في العصر "الإدواردي" أو الثورة "الكينزية" في 1940. ولكن هل يمكن أن تعيد ابتكار نفسها للمرة الثالثة في وقت نأى فيه الكثير من المثقفين في العالم بأنفسهم، ليس عن الرأسمالية فحسب، ولكن أيضاً عن المبادئ الليبرالية المركزية مثل الفردية أو حرية التعبير؟ يمكن النجاة من أزمة الرأسمالية طالما أن لديك ليبرالية سليمة، والنجاة من أزمة ليبرالية طالما أن لديك رأسمالية سليمة. لكن وجود كل من الرأسمالية والليبرالية في فراش المرض في آن واحد، يزج بنا في لحظة محفوفة بالخطر حقاً.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة