منذ 26 يوليو الماضي، تصدرت النيجر عناوين الأخبار، بعدما قام الحرس الجمهوري بعزل الرئيس المنتخب محمد بازوم، وهو ما أثار ردود فعل إقليمية ودولية منددة، كان أعنفها من فرنسا التي لديها الكثير من المصالح في هذا البلد.
الغوص في اقتصاد هذا البلد يكشف اعتماده الشديد على الزراعة، وهو ما يجعله عرضة لآثار التغيّر المناخي والجفاف الذي يضرب المنطقة بشكل سنوي، ويتفاقم مع مرور السنوات.
أبرز الموارد
وفقاً للبنك الدولي، فإن الزراعة تمثل نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ نحو 14 مليار دولار في 2022، إلا أن البلد الحبيس يعتبر لاعباً رئيسياً في إنتاج اليورانيوم والذهب.
النيجر التي اكتشف فيها اليورانيوم عام 1957، وبدأت بالإنتاج التجاري عام 1971، لديها منجمان هامان (أرليت وأكوكان)، يوفران حوالى 5% من الإنتاج العالمي، وفقاً للرابطة النووية العالمية.
وبحسب "وكالة الطاقة النووية" التابعة للاتحاد الأوروبي، احتلت النيجر في عام 2021 المركز الأول في قائمة مصدري اليورانيوم إلى التكتل.
في العام التالي، ارتفعت نسبة الصادرات بنحو 2.39%، لتشكل صادرات النيجر وحدها، نحو 25% من مجمل واردات الاتحاد الأوروبي من هذا المعدن.
النيجر التي تعدّ سابع أكبر منتج لهذا المعدن في العالم، لم تتمكن من المحافظة على صدارتها، بعدما تفوقت عليها كازاخستان، لتكون بذلك أكبر مورد للمعدن إلى الاتحاد الأوروبي.
الاتحاد الأوروبي ليس الوحيد الذي يستورد اليورانيوم من النيجر، فهناك الولايات المتحدة، ولكنها ليست بين الخمسة الأوائل المستوردين للمعدن من النيجر، وفقاً لوكالة "رويترز".
بالإضافة إلى اليورانيوم، تعتبر النيجر دولة مهمة على المستوى العالمي في إنتاج الذهب، لتحتل المركز الـ27 عالمياً.
وفقاً لـ"غولد دوت أورغ" المختص في متابعة إنتاج الذهب العالمي، فإن النيجر أنتجت العام الماضي نحو 34.5 طن من الذهب.
النفط كذلك يعد من الموارد المهمة التي قد تساهم في وضع النيجر على الخارطة العالمية، إذ تنتج البلاد نحو 20 ألف برميل يومياً، غالبيته يستعمل في الاستهلاك المحلي، أو يتم نقله براً إلى نيجيريا المجاورة، وفقاً لتقرير "ستاندرد آند بورز غلوبال".
"شركة البترول الوطنية" الصينية هي المنتج الأبرز لهذا النفط، وتخطط لزيادة الإنتاج هذا العام إلى 110 آلاف برميل يومياً عند اكتمال خط الأنابيب بين النيجر وبنين الذي تم إنجاز 75% منه. يعتقد أن البلاد لديها نحو مليار برميل من احتياطيات النفط الخام، وفقاً لمنظمة منتجي النفط الأفريقيين.
الاقتصاد والمالية
قدر البنك الدولي نمو الاقتصاد النيجري في عام 2022 بنحو 11.5%، مدعوماً بزيادة الإنتاج الزراعي بنسبة 27% بفضل موسم الأمطار الذي كان أفضل من المتوسط، وهو ما عوّض فعلياً الانخفاض في عمليات التعدين والتصنيع في هذا البلد.
من جهته، اعتبر "البنك الأفريقي للتنمية"، في تقرير له أن الدين العام ارتفع بشكل طفيف في عام 2022، إلى 51.2% من الناتج المحلي الإجمالي، من 50.9% في عام 2021. وشكلت القروض الخارجية 65% من الدين العام.
التقرير لفت إلى أن عجز الموازنة اتسع إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، من 6.1% في عام 2021، وذلك بسبب ارتفاع الإنفاق العام. هذا العجز تم تمويله في المقام الأول من الموارد الخارجية، وخصوصاً المنح.
على صعيد التضخم، دفعت أسعار السلع العالمية والضغوط المستمرة على سوق الغذاء، معدلات التضخم إلى أعلى مستوى في 10 سنوات، عند 4.2% في عام 2022، بعدما كان عند حدود 3.8% في عام 2021.
الوضع الاجتماعي
الوضع الاجتماعي في البلد الأفريقي البالغ عدد سكانه 26 مليون نسمة غير مستقر، حيث بلغ الفقر المدقع 42% في عام 2021، في حين قدرت الأمم المتحدة، أن 17% من السكان، أو ما يصل إلى 4.3 مليون شخص، كانوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية عام 2023، خصوصاً بسبب الصدمات المناخية والسيول الموسمية والانعدام الغذائي المزمن والصراع الذي طال أمده في المنطقة.
هذا الصراع أدى إلى نزوح 362 ألف شخص تقريباً في النيجر منذ نهاية مارس الماضي، وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كما يستضيف البلد نحو 255 ألف لاجئ من دول الجوار، خصوصاً مالي ونيجيريا.
لا يزال انعدام الأمن الغذائي واسع الانتشار في النيجر، لا سيما في المناطق المتضررة من نشاط الجماعات المسلحة، حيث يقيّد العنف وما ينتج عنه من نزوح، الإنتاج الزراعي والوصول إلى الأسواق.
نتيجة لذلك، من المرجح أن يواجه ما يقرب من 3.3 مليون شخص في النيجر مستويات أسوأ من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفقاً للمصدر ذاته.
المساعدات
مكان النيجر في القارة الأفريقية ووجودها داخل مجموعة دول الساحل الخمس، أعطاها دوراً مهماً في محاربة الجماعات المسلحة المتحالفة مع "داعش" و"القاعدة" والتي تنشط في هذه المنطقة.
وهناك الكثير من الجنود الغربيين الذين يعملون على محاربة الجماعات المسلحة في النيجر. ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإن هناك نحو 1100 جندي أميركي، وأكثر من 1500 جندي فرنسي في النيجر. كما أن هناك عدة قواعد للطائرات المسيرة في البلاد.
هذا الواقع دفع الدول الغربية إلى تقديم مساعدات لهذه الدولة التي تعد من أفقر دول العالم. ومع حدوث الانقلاب أعلنت دول عدة تعليق هذه المساعدات، وهددت دول أخرى بتعليقها.
فرنسا كانت المبادرة بإيقاف المساعدات، التي قدرت العام الماضي بنحو 131.6 مليون دولار. ألمانيا لحقت بفرنسا، وأعلنت تعليق مساعداتها التي تم الاتفاق عليها عام 2021، والتي تصل قيمتها إلى 131.6 مليون دولار.
كما قالت بريطانيا، إنها ستوقف المساعدات طويلة المدى، لكنها ستبقي على المساعدات "الحرجة".
تبلغ قيمة حزمة المساعدات الأوروبية التي تعهدت بها بين عامي 2022 و2026 نحو 2.5 مليار دولار.
الولايات المتحدة لم تخرج بموقف صريح بشأن المساعدات، ولكن فيكتوريا نولاند القائمة بأعمال نائب وزير الخارجية الأميركي، التي سافرت إلى نيامي عاصمة النيجر وأجرت محادثات "صريحة وصعبة" مع كبار مسؤولي المجلس العسكري، أكدت أنها تناولت مسائل المساعدة الاقتصادية والمساعدات الأخرى التي يمكن أن تتعرض للخطر إذا لم يتم "استعادة النظام الديمقراطي".
ماذا حدث؟
في 26 يوليو الماضي، عمد الحرس الرئاسي إلى عزل الرئيس بازوم وإغلاق الحدود، ليخرج رئيس الحرس عبد الرحمن تياني بعد يومين، ويعلن نفسه رئيساً للبلاد.
عزت السلطة التي سيطرت على الحكم تحركها، إلى "تدهور الوضع الأمني في البلاد"، و"عدم تعاون" إدارة بازوم مع الحكومات العسكرية في بوركينا فاسو ومالي.
"رويترز" أفادت نقلاً عن أشخاص مطلعين، بأن الانقلاب جاء تتويجاً لأشهر من الخلاف بين الرجلين، مع محاولات بازوم الخروج عن نهج سلفه محمد إيسوفو، وتهميش عدد من كبار المسؤولين في كل من الجيش والإدارة العامة.
عندما خشي قائد الحرس الرئاسي القوي تياني أن يكون هو التالي، "انقلب على رئيسه"، وفق مصادر رويترز.
ومنذ اللحظة الأولى للانقلاب الذي يعتبر السابع في المنطقة خلال 3 سنوات، اتخذت دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا موقفاً متشدداً، وطلبت من قادة الانقلاب أن يتنحوا عن السلطة بحلول السادس من أغسطس، كي لا يواجهوا تدخلاً عسكرياً محتملاً، لكن المجلس العسكري ردَّ بإغلاق المجال الجوي للنيجر وتعهد بالدفاع عن البلاد.
ومع انقضاء المهلة، لم تصدر المجموعة رداً حاسماً لكنها قالت يوم أمس الاثنين، إنها ستعقد قمة لبحث الموقف الخميس، وهو قرار قال الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إنه يتيح مجالاً للوساطة.