أضاف أصحاب العمل الأميركيون 236 ألف وظيفة إلى جداول الرواتب في مارس، ما وفّر مزيداً من الوقود لمشعلي حرائق السياسة النقدية الذين سيحرقون الاقتصاد لترويض التضخم. حجتهم أن ضغوط تكلفة العمالة ترفع الأسعار في النهاية، وأن سوق العمل ما زالت تعاني نقصاً شديداً في المعروض بحيث لا يمكن السيطرة على صدمة المستهلكين من الأسعار. لكن إذا أمعنا النظر، فمن الواضح أن آفاق سوق العمل تتضاءل بالفعل، ويخاطر صانعو السياسات بأضرار اقتصادية لا لزوم لها إذا تجاهلوا هذه العلامات.
بالطبع، تتأثر الأرقام الأساسية -التي تحظى بكل الاهتمام- بشدة باتجاه إيجابي بسبب النقص الهيكلي الحاد والمعروف جيداً في معروض الأيدي العاملة في بعض القطاعات. وهي:
- التعليم الخاص وخدمات الرعاية الصحية التي أضافت 65 ألف عامل في ذات الفترة.
- الترفيه والضيافة التي أضافت 72 ألفاً.
شكلت هذه الفئات مجتمعة 72% من 189 ألف زيادة في عدد الموظفين الذين انضموا إلى جداول رواتب الشركات الخاصة في الولايات المتحدة في مارس. أخرج التوظيف الحكومي وتلك الفئات الخاصة من الصورة، وسيبقى لديك زيادة صافية في الفئات الأخرى تبلغ 52 ألف موظف فقط، وهو أقل من متوسط ما قبل الوباء البالغ 97 ألفاً (2017-2019). بدأت جداول الرواتب الإجمالية في القطاعات المنتجة للسلع في الانخفاض، كما هو الحال في الأنشطة المالية، والبناء (الذي يعاني من نقص عمالة هيكلي). تباطأ نمو الأجور في قطاع المعلومات (وسائل الإعلام والاتصالات ومعالجة البيانات) بدرجة كبيرة إلى حد التوقف تقريباً.
خطر الانتظار
إذا انتظر "الاحتياطي الفيدرالي" حتى يحدث انهيار تام في قطاع الرعاية الصحية والضيافة، فسيتجاوز حد الهدف المنشود.
في قطاعات مثل التمريض، يظهر نقص العمال بوضوح لدرجة أنه من المرجح أن يواصل أصحاب العمل إضافة عمال جدد بغض النظر عن مدى ارتفاع أسعار الفائدة. أدى الإرهاق والتقاعد أثناء انتشار "كوفيد-19" إلى زيادة النقص الحالي الذي يبدأ من المؤسسة التعليمية، حيث يوجد عدد قليل جداً من أعضاء هيئات التدريس القادرين على مد القطاع بالعمال المؤهلين بشكل ثابت.
عانت الصناعات الترفيهية، من بين أمور أخرى، من انخفاض الهجرة أثناء الوباء، ولا يزال إجمالي التوظيف فيها دون مستويات ما قبل الوباء. في بعض هذه المجالات، سيتعين على الشركات أن تتوقف عن العمل لوقف نمو الرواتب. إذا كان هدف "الاحتياطي الفيدرالي" هو الاستمرار في رفع الفائدة حتى يبلغ نمو جداول الأجور الرئيسية المستوى الذي يراه "مقبولاً"، فمن شبه المؤكد أن يؤدي ذلك إلى ركود أعنف مما ينبغي.
هناك إشارات تحذيرية في البيانات الجغرافية. ففي حين أن معدل البطالة على المستوى الوطني ما زال قريباً من أدنى مستوى له منذ خمسة عقود عند 3.5%، ارتفعت البطالة بنسبة كبيرة منذ الصيف في ولايات الساحل الغربي، وفقاً للبيانات الصادرة في أواخر الشهر الماضي. في ولاية كاليفورنيا، ارتفع معدل البطالة 0.5 نقطة مئوية منذ أغسطس إلى 4.3%. وشهدت واشنطن وأوريغون زيادات كبيرة مماثلة.
رفع الفائدة وسوق العمل
إذا أردت دليلاً على أن سوق العمل تحت السيطرة بما يكفي لتحقيق أهداف "الاحتياطي الفيدرالي"، لا تنظر إلى أبعد من متوسط الدخل في الساعة. ترتفع أجور العمال الآن بوتيرة سنوية معدلة موسمياً كل ثلاثة أشهر تبلغ نحو 3.2%، وهي بالفعل قريبة من معايير ما قبل الوباء وتتوافق مع أهداف التضخم لـ"الاحتياطي الفيدرالي". (إذا افترضت هدف تضخم 2%، وزيادة في الإنتاجية بنسبة 1.5%، فهذا يشير إلى أن "الاحتياطي الفيدرالي" يجب أن يقبل أي شيء أقل من 3.5%). إذا استمر هذا، فإن الأرقام التي تتم مراقبتها عن كثب على أساس سنوي يجب أن تتقارب أيضاً مع المستوى السحري البالغ 3.5% في وقت ما في الصيف القادم.
ضاعت هذه الإشارات المتفائلة في الغالب بسبب عطلة بطيئة خلال الجمعة العظيمة في "وول ستريت". مع قيام الفرق الاحتياطية على ما يبدو بإدارة مكاتب السندات، ارتفعت العوائد على سندات الخزانة لأجل عامين 13 نقطة أساس إلى 3.96% (وإن كان ذلك من مستويات منخفضة للغاية). وكان رد الفعل الفوري في "وول ستريت" هو أن البطالة الرئيسية والرواتب تهم أكثر من التفاصيل، وسينفذ مشعلو حرائق السياسة النقدية رؤيتهم ويواصلون رفع أسعار الفائدة.
إن زيادة أخرى بمقدار 25 نقطة أساس في معدل الفائدة الأساسية تبدو محتملة بشكل متزايد عندما تجتمع "اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة" مرة أخرى في 2-3 مايو، لكن من الواضح أن بعض صُناع السياسة النقدية يميلون إلى زيادات إضافية في الأشهر التالية. سيكون أمراً مؤسفاً، لأن حكام "الاحتياطي الفيدرالي" ورؤساءه بدأوا بالفعل يحققون تهدئة في سوق العمل كما كانوا يأملون. هم فقط بحاجة للنظر في الأسباب الكامنة.