معاداة عمران خان لأمريكا تخفي المشكلة الحقيقية

مسيرة لدعم رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في العاصمة الباكستانية إسلام أباد، يوم الثلاثاء 5 أبريل 2022. - المصدر: بلومبرغ
مسيرة لدعم رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في العاصمة الباكستانية إسلام أباد، يوم الثلاثاء 5 أبريل 2022. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

بدأت المؤسسات الباكستانية تخليها التدريجي عن الديمقراطية منذ 70 سنة تقريباً، عندما قامت المحكمة العليا في البلاد بشرعنة انقلاب قامت به السلطة التنفيذية وإقالة الجمعية التأسيسية. وزعم القضاة أن "فقه الضرورة" يسود على الأعراف الدستورية والقيم الديمقراطية. منذ ذلك الوقت، أعلن القضاة والرؤساء وقادة الجيش الباكستانيون أن هذه هي أعلى قيمة سياسية واستخدموها في تبرير الاستيلاء على السلطة بطريقة غير ديمقراطية.

خلال الأسبوع الحالي، خطت باكستان خطوة بعيداً عن هذا الإرث المؤسف. لدى مواجهة أزمة اقتصادية، أدرك رئيس الوزراء عمران خان أنه فقد أغلبيته التشريعية وبالتالي تفويضه لتولي الحكم. جرى استدعاء المحكمة العليا لدعم محاولات خان المستميتة المتصاعدة لتفادي الدخول في مواجهة مع جمعية وطنية مناوئة، ورُفض بفضلها. اجتمع المشرعون، وكما كان متوقعاً، أطاحت المعارضة الموحدة في حينه بحزب خان باكستان حركة الإنصاف (حركة العدل) من السلطة. انتخبت الجمعية الوطنية في الوقت الحالي زعيم المعارضة شهباز شريف، شقيق رئيس الوزراء السابق نواز شريف، رئيساً للوزراء.

ربما تجد المعارضة أن هذا النصر عبارة عن كأس مسموم. يعتبر تحالفها واهٍ، حيث جرى تأليفه من حزبين سياسيين متنافسين كانا يحكمان باكستان بالتناوب، قبل أن يتولى خان السلطة في سنة 2018 ومجموعة من الإسلاميين هم أفضل للفوز بمعارك الشوارع أكثر من مقاعد البرلمان. ستحتاج إدارة التحالف من هذا النوع الهش للوقت والاهتمام. في هذه الأثناء، فإن المشكلات التي أدت إلى خسارة حكومة خان لشعبيتها، وخاصة معدلات التضخم المكونة من رقمين وتضاؤل ​​الاحتياطيات من النقد الأجنبي، مستمرة. من المنتظر عقد الانتخابات خلال السنة القادمة، مما يترك وقتاً كافياً للغاية للحكومة الجديدة لتقويض مصداقيتها تماماً.

علاوة على ذلك، بعزلها لخان، أعطته المعارضة أكثر شيء يحبه: قصة بكائية. ومن خلال سلسلة من المسيرات والخطب التلفزيونية، طور خان الرواية التي سيتبناها خلال الانتخابات القادمة وهي أنه وحده من يمكنه توفير الحماية لسيادة باكستان، وأن محاولاته للقضاء على الفساد ورسم سياسة خارجية مستقلة هي التي كانت وراء إسقاطه.

الشخصية الداعمة

وجد خان الشخصية الشريرة في روايته: إنها الولايات المتحدة. على موقع "تويتر"، وصف الإطاحة به من قبل المشرعين المنتخبين بأنها "عملية تغيير من قبل نظام مدعوم من الولايات المتحدة بتحريض من [الخونة] المحليين لجلب شلة محتالين مذعنين إلى السلطة مفرج عنهم من السجن بكفالة". في باكستان، تعد نظرية المؤامرة من الرياضات الوطنية المحببة، حيث تأتي في المرتبة الثانية بعد لعبة الكريكيت– ويعد خان أستاذاً في كلتيهما. نشر قصة مثيرة للسخرية حول "رسالة" من مساعد وزير الخارجية الأمريكية "هددت" باكستان في حال ما لم تجر الإطاحة بخان. قال البيت الأبيض إنه لا صحة لهذا الادعاء ومن الصعب تصديق أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المثقلة بالأعباء قررت أن هذا هو الوقت الملائم للقيام بعملية "تغيير للنظام" في بلد تفضل تجاهله.

تعتبر مناصبة العداء لأمريكا بمثابة الدواء المفضل للشعبويين في كافة أنحاء العالم، وخان لا يعد استثناء. عنصر الحقيقة الوحيد المتوفر لقصته هو أن خطابه ربما أسفر عن تحول أهم مؤيديه: وهي المؤسسة العسكرية الباكستانية. كان جلياً أن الجنرالات بقوا بعيدين عن هذه المعركة السياسية. في السابق، عندما قاد خان الاحتجاجات في الشوارع ضد أسلافه، بينوا بطريقة مماثلة أنه يتمتع بدعمهم.

هكذا، في تحول غريب، فإن قادة الحزب الذين وصلوا إلى السلطة بفضل قربه من الجيش يهاجمون الآن مؤسسة أمنية عجزت عن الإبقاء عليهم في السلطة. في هذه الأثناء، لم يمنع الجيش حكومة جديدة من تولي زمام السلطة، رغم أن قيادتها تتشكل من قبل شخصيات سياسية أمضت عقوداً من الزمان في مصادمات مع كبار الضباط حول السيادة المدنية.

الأمر الذي يهم في هذه المرة، ربما بسبب تنحي الجيش جانباً، أن المؤسسات الباكستانية أدت دورها كما ينبغي. أساءت الحكومة إدارة الاقتصاد، وفقدت أغلبيتها التشريعية، وأجبرتها المحكمة العليا على الدخول في مواجهة مع الجمعية الوطنية. نعم، حاول رئيس الوزراء، على غرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، أن يستمر في السلطة في تحد للدستور. لكن محاولته باءت بالفشل، وكان هناك انتقال سلمي للسلطة من إدارة مدنية إلى أخرى. لم يبرز هنا "فقه الضرورة" مطلقاً.

في سنة 1955، فتحت المحكمة العليا الباكستانية الباب أمام سلسلة من الجنرالات الذين تصوروا أنفسهم جميعاً كأنهم مصطفى كمال أتاتورك؛ أي دعاة حداثة شجعان ومدافعون عن الهوية الوطنية والسيادة. في هذه المرة، كان على المؤسسات الدستورية أن تتعامل مع زعيم مدني تصور نفسه رجل دولة بدرجة أقل من نموذج زعيم تركيا السابق بما يفوق زعيمها الحالي، رجب طيب أردوغان؛ الرجل الوحيد الذي لديه قدرة على فرض المبادئ الإسلامية على الدولة والمجتمع بينما يفرض سلطته على الجنرالات. من حسن الحظ، أن المؤسسات الباكستانية لم تستسلم.

رغم ذلك، لا يعد أمراً مفاجئاً أن يكون كلا البلدين في الوقت الراهن في حالة اقتصادية متدهورة. على غرار اعتماد سياسة أردوغان على المواجهات المتواصلة مع أوروبا لإلهاء مواطنيه عن الكارثة الاقتصادية، فإن خان سيستغل مؤامراته المناهضة لأمريكا لتحقيق أقصى استفادة.

لا ينبغي أن تكون باكستان مضطرة للاختيار بين الديكتاتورية العسكرية والمدنية فقط. ما زال في إمكان خان وحزبه تعويض خسارتهما. ليس من المرجح أن تكون الحكومة الجديدة لديها القدرة على حل مشكلات باكستان بين عشية وضحاها. سيُمنح خان كافة الأمثلة على سوء الإدارة والفشل الذي سيحتاجها من أجل بناء حملة انتخابية أخرى ناجحة. في حال كان ملتزماً فعلاً بالسيادة الباكستانية، فيجب عليه صب تركيزه على خلق سردية تدور حول الحكم من الممكن أن يفوز بها في انتخابات السنة القادمة.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك