على الهند أن تقف مع الغرب ضد روسيا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي - المصدر: بلومبرغ
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

كان من المفترض أن تحتفل أوروبا هذا الأسبوع بعلاقتها المزدهرة مع دول المحيطين الهندي والهادئ. وقد تجمّع العشرات من الممثلين من هاتين المنطقتين في باريس، إذ كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يأمل في أن يتمكّنوا من الحديث عن الأمن والتنمية بعيداً عن الولايات المتحدة أو الصين.

لسوء الحظ؛ يُركّز هذا الأسبوع على أوراسيا، وليس على المحيطين الهندي والهادئ. فقد أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنَّ دولاً مثل الهند وفرنسا لا تتحدث عن شراكات مستقبلية للبنية التحتية، أو عن كيفية إدارة الصين. بل تواجه بدلاً من ذلك أسئلة صعبة حول ما يمكنها فعله أو قوله فعلاً، معاً أو بشكل منفرد، لإدارة التحدي الذي تفرضه روسيا الانتقامية.

ولن يكون أي أحد من الحاضرين أقل سروراً بهذا التطور من الهند؛ إذ سُئل وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار، على وجه التحديد عما إذا كانت الهند تتوقَّع أن تقف أوروبا بحزم أكبر ضد الصين الحازمة، في حين تحافظ بلاده على علاقات وثيقة مع روسيا، وجادل أنَّ هذا الموضوع يُشكّل "تحديات بارزة".

ثم بدا وكأنَّه يُلمح إلى أنَّ أوروبا قد استغرقت وقتها في صياغة استراتيجية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، لذلك يمكن للهند أن تكون مترددة بنفس القدر في تطوير الاستجابة للتطورات في أوروبا.

كدفاع عن نهج الهند التقليدي في السياسة الخارجية - أي القيام بأقل قدر ممكن - لا يمكن أن يكون رد جايشانكار أفضل. فلو أراد الاستفاضة في ذلك، لربما أضاف أنَّ الهند لا تعتقد أنَّ روسيا، مع أو من دون بوتين، ستقبل أن تكون تابعة للصين على المدى الطويل. لذلك؛ تحتاج عدة دول مثل الهند إلى إبقاء الباب مفتوحاً عند حدوث تفكك لا مفر منه بين موسكو وبكين.

عدم الانحياز لم يعد مطروحاً

لكن هذا لا يعني أنَّ القادة في نيودلهي يمكنهم بسهولة تبني عدم الانحياز الجديد أيضاً. ولا يمكن للهند أن تسعى ببساطة إلى الحياد بين الغرب وروسيا اليوم، بالنظر إلى أنَّ لدى الأخيرة سجلاً في تفسير الحياد في مواجهة التصعيد على أنَّه دعم نشط.

الأهم من ذلك؛ هناك مسألة الاتساق البسيطة. إذ تدور السياسة الخارجية للهند حول احترام السيادة. وفي هذه الأثناء، أعلن وزير الخارجية الروسي للتو أنَّ أوكرانيا لا تملك حتى الحق في السيادة لأنَّها لا "تُمثّل" كل الأراضي التي تطالب بها.

ولا يمكن للهند أن تؤيد هذا المبدأ ما لم ترغب في التنازل عن مطالبتها بأجزاء من كشمير التي تسيطر عليها حالياً باكستان والصين. إلى جانب ذلك؛ إذا أردنا أن يدعمنا الاتحاد الأوروبي ضد الصين على أساس "قيمنا المشتركة"، فعلينا أن نهبّ للدفاع عن هذه القيم - حتى لو كان الأمر دفاعاً لفظياً فقط - على الأقل في بعض الأحيان.

ما من شكٍّ في أنَّ علاقة الهند بروسيا عميقة؛ إذ تُلبّي منصات الأسلحة الروسية احتياجات الجيش الهندي بالطبع. والكثير من الناس يتذكرون أيضاً أنَّ الاتحاد السوفيتي دعم الهند عندما كان الموضوع جدياً، وذلك في حرب تحرير بنغلاديش عام 1971، في حين خطط الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ومستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر ضد من أطلق عليهم الأول لقب "شعب القمامة"، والأخير "الأوغاد". وبالتالي؛ فإنَّ خمسين عاماً من التضامن لا يمكن التخلي عنها بسهولة.

اختيارات بوتين

ومع ذلك؛ فإنَّ روسيا وليست الهند هي من تخلى عن العلاقة. إذ من الواضح أنَّ بوتين يعتزم تماماً السعي للحصول على حماية الرئيس الصيني شي جين بينغ من غضب العالم، بغضِّ النظر عما قد يظنه الأصدقاء القدامى مثل الهند.

كما اختار الرئيس الروسي هذه اللحظة لترتيب زيارة رائدة يقوم بها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى موسكو. إذ تأتي رحلة خان في أعقاب سلسلة من التدريبات المشتركة الناجحة بين الجيشين الباكستاني والروسي - وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره في أيام مجد الأخوة الهندية السوفيتية.

علاوةً على ذلك؛ يبدو أنَّ الترحيب بـ خان - الذي يسافر إلى موسكو بعد محطة أعرب فيها عن احترامه أمام بكين - يشبه طريقة بوتين للقول: "أي صديق لـِ شي هو صديق لي". وفي أحسن الأحوال، هذا يعني فقط أنَّ الكرملين اليوم يعتقد أنَّ مصالحه تزدهر بشكل أفضل وسط الارتباك والفوضى.

وإذا كان بوتين يريد العودة إلى العالم الثنائي القطب لفترة السبعينيات؛ فإنَّ عزل الحلفاء السابقين يبدو كأنَّه طريقة غريبة للقيام بذلك. إذ إنَّه لا يستطيع أن يتخيل أنَّ ذكريات عام 1971 ستفوق في نظر الهند التقارب المتزايد مع الصين وباكستان.

السؤال هو: هل ستتخذ دول مثل الهند قرارات تتعلق بالسياسة الخارجية على أساس الماضي أو المستقبل؟ وبعد عقد من الآن؛ هل ستستفيد الهند أكثر من روسيا الودودة؛ على أنَّ المحبة للفوضى تملك القليل لتقدّمه إلى جانب الأسلحة، أو أوروبا التي تُقدّم المزيد من الأموال والطاقة والاهتمام لتحديات الأمن والتنمية في المحيطين الهندي والهادئ؟

هذا السؤال له إجابة واحدة فقط. وبغضِّ النظر عن المبادئ؛ فإنَّ البراغماتية الباردة تتطلب من الهند تطوير أصدقاء جدد، بالنظر إلى مدى عدم موثوقية الأصدقاء القدامى.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك