تعهدت روسيا وحلفاؤها بإرسال قوات إلى كازاخستان للمساهمة في إخماد الاحتجاجات، التي عرّضت قيادة الدولة الواقعة في آسيا الوسطى لأكبر تهديد لها منذ عقود من الزمن.
أعلنت الشرطة الخميس مقتل العشرات من المتظاهرين المعارضين للحكومة على يد قوات الأمن، بعد أن أصدر الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف أوامره بشن "عملية مكافحة الإرهاب" لإخماد المظاهرات. كما صدرت الأوامر بإغلاق البنوك مؤقتاً في يوم الخميس. وقرر توكاييف فرض حالة الطوارئ في كل أنحاء البلاد، وجرى قطع خدمات الإنترنت في أغلب أنحاء البلاد.
اقرأ المزيد: كازاخستان تستعد لاستقبال قوات من روسيا.. وتعلن سقوط العشرات
غضب شعبي
شهدت الشوارع في كل أنحاء البلاد خروج الآلاف من المحتجين خلال الأيام الأخيرة، الذين استولوا على مبانٍ حكومية وقتلوا عديداً من مسؤولي قوات إنفاذ القانون، بعد أن أثار ارتفاع أسعار الوقود موجة غضب شعبي إزاء تدهور مستويات المعيشة.
يُعَدّ قرار إرسال ما تطلق عليه روسيا وحفنة من الأعضاء الآخرين في منظمة معاهدة الأمن الجماعي "قوات حفظ السلام" تحركاً دراماتيكياً من جانب الكتلة بقيادة الكرملين لتقديم الدعم لحليف قديم في المنطقة في مواجهة احتجاجات شعبية. لم تتوافر أنباء في حينه حول حجم القوات عقب ورود تقارير عن استسلام قوات أمنية كازاخية للمتظاهرين ونداء الاستغاثة الذي وجهه توكاييف في وقت متأخر من الليل.
تبعات اقتصادية
صعدت أسعار اليورانيوم بنحو 8% في ظل اندلاع الاضطرابات في أكبر مورد للوقود النووي على مستوى العالم. وهبطت كل من السندات الكازاخية وسعر صرف عملة التنغي الكازاخية. ورغم ذلك لا يوجد ما يدلل على تعطل إنتاج النفط الخام، الذي يُعَدّ أكبر صادرات الدولة الواقعة في منطقة آسيا الوسطى.
قرر البنك المركزي في كازاخستان تعليق أعمال البنوك والبورصة في البلاد، حسب المتحدث باسم البنك أولجاس رمضانوف. وقال إنه تقرر في الوقت الراهن وقف العمل فيها ليوم الخميس فقط. نوهت وكالة أنباء "إنترفاكس" بأن توكاييف أصدر أوامره بفرض رقابة على أسعار أنواع الوقود الأساسية، بالإضافة إلى حظر تصدير بعض المنتجات الزراعية لفترة زمنية تصل إلى 180 يوماً بهدف كبح جماح التضخم.
في ظل انقطاع خدمات الإنترنت ووسائل الاتصالات الأخرى، كان الوصول إلى صورة جلية عن مدى نجاح الحملة الليلية من قِبل السلطات في التصدي للمتظاهرين أمراً صعباً. بثت وكالة أنباء "تاس" الروسية الحكومية فيديو لقوات مدججة بالأسلحة في مدينة ألماتي، وهي العاصمة السابقة وأكبر مدن البلاد، في أثناء إطلاقها النار من الأسلحة الآلية. وأعلنت السلطات استعادة سيطرتها على مطار المدينة في وقت متأخر من يوم الأربعاء.
قوى خارجية
قال بيان موجز صدر عن التحالف نُشر في وقت مبكر من صباح الخميس على موقع الكرملين على الإنترنت: "نظراً إلى تهديدات الأمن القومي والسيادة في كازاخستان، التي تعود بشكل جزئي إلى التدخل الخارجي، قررت منظمة معاهدة الأمن الجماعي المكونة من ست دول نشر قوات لمدة زمنية محدودة بهدف تحقيق استقرار الوضع في البلاد وإعادته إلى طبيعته". لم تذكر منظمة معاهدة الأمن الجماعي ولا حكومة الرئيس توكاييف القوى الخارجية المقصودة التي تلقي باللائمة عليها في اندلاع أعمال العنف، التي انطلقت بطريقة عفوية على ما يبدو.
تهيمن روسيا على التكتل الذي يضم أيضاً أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان.
يعتبر ذلك بمثابة ثاني أكبر تحرك من قِبل الكرملين خلال سنوات عدة بهدف دعم موقف الحليف في مواجهة الانتفاضات. ففي عام 2020 تدخّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدعم حملة الزعيم البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو لقمع الاحتجاجات الشعبية، التي أسفرت عن فرض الولايات المتحدة وحلفائها عقوبات. يشارك القائد الروسي حالياً في مفاوضات عالية المخاطر مع الولايات المتحدة وأوروبا بشأن النزاع المحتدم حيال أوكرانيا.
طالما أدان الكرملين احتجاجات الشوارع في دول الاتحاد السوفييتي سابقاً، التي اعتبرها محاولات من الغرب لاستغلال "الثورات الملونة" التي تهدف إلى إسقاط الحكومات.
أسعار الوقود
بالنسبة إلى كازاخستان، انطلقت المظاهرات خلال عطلة نهاية الأسبوع في غرب البلاد جرّاء شكاوى تتعلق بصعود أسعار الوقود، بيد أنها انتشرت سريعاً في كل أنحاء البلاد. نجح المتظاهرون في اجتذاب الآلاف من المحتجين، وأعادوا إلى الأذهان دعوات كانت موجهة إلى الزعيم السابق نور سلطان نزارباييف للتنحي عن موقعه في السلطة. سلم نزارباييف، البالغ من العمر 81 سنة، الرئاسة إلى توكاييف في 2019، بيد أنه يحتفظ بنفوذ ضخم داخل النظام السياسي القمعي في البلاد.
من جهته قال أركادي دوبنوف، الباحث المتخصص في شأن آسيا الوسطى والمقيم في موسكو: "يعني النداء الموجَّه إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي أن توكاييف فقد السيطرة على الأمور".
وفي وقت سابق، قبِل توكاييف استقالة حكومته وأقال عديداً من كبار مسؤولي الأمن يوم الأربعاء، في إطار مساعيه لنزع فتيل الأزمة. قال أيضاً إنه كان بصدد تولى مسؤولية رئاسة مجلس الأمن من نزارباييف، وتعهد باستمرار بقائه في العاصمة "مهما حدث".
وجاء في تغريدة لـ"نتبلوكس": "مؤكد: تعيش كازاخستان مرة ثانية وسط انقطاع الإنترنت في كل أنحاء البلاد منذ الصباح الباكر ليوم الخميس".
بينما كانت الخدمة متاحة، ألقى الرئيس توكاييف خطاباً عبر التليفزيون يناشد من خلاله روسيا تقديم المساعدة في "حماية الدولة".
ضبط النفس
اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس أن كازاخستان "شريك مهم"، وأضاف أن الولايات المتحدة تتابع الموقف من كثب.
قال برايس في بيان صادر يوم الأربعاء قبيل إعلان منظمة معاهدة الأمن الجماعي عن نشر القوات:
"نُدين أعمال العنف وتدمير الممتلكات، ونوجه دعوتنا بضبط النفس إلى كل من السلطات والمحتجين. نشجع جميع الأطراف على السعي لإيجاد حل سلمي بشأن فرض حالة الطوارئ".
على غرار البلدان الأخرى، ارتفع التضخم في كازاخستان واتسعت فجوة الثروة خلال فترة تفشي وباء فيروس كورونا. وصعدت نسبة نمو أسعار المستهلك إلى 8.7% خلال شهر نوفمبر الماضي، لتتجاوز هدف البنك المركزي البالغ 6%.
تواجه الدولة، البالغ عدد سكانها 19 مليون نسمة، صعوبات جرّاء صعود الأسعار وأزمة إمدادات الوقود المحلية، فيما باتت الصادرات أكثر جاذبية في ظل أزمة نقص الطاقة على مستوى العالم. بلغ حجم إنتاج كازاخستان من النفط ما يقرب من 1.9 مليون برميل يومياً خلال شهر ديسمبر الماضي.