شعبية "تسلا" في الصين قد لا تكفي لمنافسة تطور المركبات الكهربائية المحلية

ماسك يواجه أزمات أكبر في البلد التي أغفلتها الحملة على "تسلا"

محتجة ترفع لافتة "لا تشتروا سيارات تدعم اليمين المتطرف" أمام الواجهة الزجاجية لأحد معارض "تسلا" - بلومبرغ
محتجة ترفع لافتة "لا تشتروا سيارات تدعم اليمين المتطرف" أمام الواجهة الزجاجية لأحد معارض "تسلا" - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

رغم الجدل الدائر حول إيلون ماسك بسبب دوره الاستشاري غير الدستوري والداعم لليمين المتطرف إلى جانب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، إلا أن سمعة "تسلا" لا تزال بمنأى عن هذه التداعيات في ثاني أكبر أسواقها العالمية: الصين.

لكن ذلك قد لا يكون كافياً لحماية ماسك من الانتقادات المتزايدة التي تؤثر على شركته عالمياً. كما أشار زميلي ليام دانينغ في مقاله، فإن الضرر الذي لحق بسمعة الملياردير ينعكس على أداء "تسلا" في مختلف الأسواق. ففي ألمانيا، شهدت الشركة انخفاضاً حاداً في المبيعات بنسبة 76% الشهر الماضي، عقب دعمه لحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف. أما في الولايات المتحدة، ورغم عدم إعلان "تسلا" عن مبيعاتها لعام 2025 بعد، فإن المؤشرات الحالية توحي بأن وضعها في السوق الأميركية يزداد هشاشة.

احتجاجات ضد "تسلا"

تواجه "تسلا" حملة انتقادات متزايدة عبر الإنترنت تحت وسم "#الإطاحة_بتسلا" (#teslatakedown)، ترافقت مع احتجاجات ميدانية. فقد وثّق موقع أميركي مختص بالمظاهرات خروج 72 احتجاجاً منفصلاً أمام معارض الشركة، ومحطات الشحن السريع، ومنشآت أخرى تابعة لها، خلال عطلة نهاية الأسبوع في 8 و9 مارس. كما طالت أعمال التخريب سيارات "تسلا" ومعداتها في بعض المناطق.

وفي خطوة رمزية، باعت المغنية شيريل كرو سيارتها من "تسلا" وتبرعت بالعائد إلى "شبكة الإذاعة الوطنية" (NPR). وفي أستراليا، وضع مالك سيارة حمراء من طراز "موديل واي" ملصقاً على مؤخرة مركبته في مجمعه السكني بمنطقة سيدني ذات التوجه اليساري، كتب عليه: "ليس تأييداً" (NOT AN ENDORSEMENT).

ورغم تصاعد هذه الحملات في الديمقراطيات الغربية، فإنها تكاد تكون غائبة تماماً في الصين، حيث يُفضل المواطنون تجنب المواجهة. ففي بلد يمكن أن تُعتبر رسوم متحركة مثل "بيبا بيغ" (Peppa Pig) تهديداً للاستقرار، نادراً ما تجد حركات احتجاجية مماثلة زخماً يذكر.

شعبية في الصين

لكن المسألة تتجاوز مجرد غياب الاحتجاجات، إذ يبدو أن "تسلا" تحظى بشعبية حقيقية في الصين، وهو ما تعززه مكانة ماي ماسك، والدة إيلون ماسك، على منصات التواصل الاجتماعي هناك. فعارضة الأزياء وخبيرة التغذية البالغة من العمر 76 عاماً تُعد نجمة بارزة في الصين، حيث تمتلك نحو 700 ألف متابع على منصة "شياوهونغشو" (Xiaohongshu) لمشاركة المقاطع المصورة.

تستخدم ماي ماسك هذه المنصة لنشر تحديثات تروّج فيها لمذكراتها، كما تشارك متابعيها مقاطع ترتدي فيها زي "الكيباو" التقليدي الصيني، وتتعاون مع علامات تجارية محلية، إلى جانب تقديم التهاني بمناسبة العام القمري الجديد.

وخلال أسبوع نيويورك للموضة الشهر الماضي، ظهرت ماي ماسك على منصة العرض مرتدية تصميماً من ابتكار تاوراي وانغ، المصممة الصينية التي تحظى بشعبية داخل الدوائر المقربة من دونالد ترمب.

تأخذ علاقة إيلون ماسك بالقيادات السياسية أبعاداً مختلفة تماماً في الصين، حيث يُنظر إلى التقارب بين مسؤول تنفيذي بارز في قطاع التكنولوجيا والسلطات الحاكمة بشكل مغاير عمّا هو الحال في الديمقراطيات الغربية. فعلى سبيل المثال، عندما ظهرت مؤشرات على إنهاء الرئيس شي جين بينغ حالة الجمود التي استمرت لأربع سنوات مع جاك ما، مؤسس "مجموعة علي بابا القابضة" ارتفعت أسهم الشركة لفترة وجيزة، ما عزز الآمال في تخفيف القيود التنظيمية التي فرضتها الحكومة على شركات التكنولوجيا.

أما إيلون ماسك، فقد تمكن من بناء شبكة علاقات قوية مع شخصيات بارزة في بكين، مستفيداً من قدرته على ضبط تصريحاته عندما يتعلق الأمر بالحزب الشيوعي الصيني. فعلى عكس أسلوبه المعتاد في الإدلاء بتصريحات مثيرة للجدل، تبنّى في الصين مواقف تتماشى مع الخطاب الرسمي، بما في ذلك موقفه بشأن تايوان، كما رفض التوجه السائد في واشنطن حول فك الارتباط بين الاقتصادين الأميركي والصيني.

ويأتي هذا التقارب في وقت تعزز فيه "تسلا" حضورها في الصين، حيث افتتحت الشهر الماضي مصنعاً جديداً للبطاريات في شنغهاي، ليضاف إلى خطوط إنتاج السيارات التابعة للشركة في المدينة، مما يعزز مكانتها في أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم.

تراجع مبيعات "تسلا" في الصين

يبدو أن هيمنة المركبات الكهربائية على سوق السيارات في الصين تلعب دوراً في تعزيز مكانة "تسلا" هناك. ففي الولايات المتحدة، لا تزال أكثر من 90% من السيارات تعمل بمحركات الاحتراق التقليدية، ما يجعل سوق المركبات الكهربائية محصورة إلى حد كبير بين الفئات ذات التوجه اليساري، التي تعارض السياسات اليمينية المتطرفة التي يتبناها إيلون ماسك ويدافع عنها.

أما في الصين، فقد شكلت المركبات الكهربائية 45% من إجمالي مبيعات السيارات خلال العام الماضي، ما جعلها جزءاً رئيسياً من السوق بدلاً من أن تكون خياراً لفئة سياسية معينة. ونتيجة لذلك، لا يُنظر إلى اقتناء سيارة كهربائية هناك كوسيلة للتعبير عن المواقف السياسية، كما هو الحال في بعض الأسواق الغربية، بل كخيار تكنولوجي وبيئي يتماشى مع الاتجاه السائد.

ورغم أن انتشار المركبات الكهربائية في الصين يعزز مكانة هذا القطاع، إلا أن ذلك لا يعني أن "تسلا" في وضع مريح، بل على العكس، فقد يشكل هذا الاتجاه خطراً أكبر على الشركة وإيلون ماسك. فقد تراجعت شحنات "تسلا" في الصين بنسبة 49% خلال فبراير، مما يعكس التحديات المتزايدة التي تواجهها في أكبر أسواق السيارات الكهربائية في العالم.

في الولايات المتحدة، لا تزال "تسلا" تهيمن على السوق، مستحوذة على نحو 44% من مبيعات المركبات الكهربائية العام الماضي. وحتى في الاتحاد الأوروبي، حيث لم تتجاوز حصتها 11%، فإنها لا تزال العلامة التجارية الأكبر بفارق كبير عن أقرب منافسيها.

أما في الصين، فالوضع مختلف تماماً. فقد استحوذت "تسلا" على 5.7% فقط من سوق المركبات القابلة للشحن العام الماضي، مما جعلها خامس أكبر علامة تجارية من حيث المبيعات. وفي الربع الرابع، كانت "بي واي دي" (BYD) تتفوق بشكل كبير، حيث باعت ست مركبات مقابل كل سيارة باعتها "تسلا"، مما يبرز المنافسة الشرسة التي تواجهها الشركة الأميركية في هذه السوق الاستراتيجية.

تفوق الشركات المحلية

تزدهر سوق المركبات الكهربائية في الصين مع وفرة العلامات التجارية المحلية التي تقدم سيارات مبتكرة وبأسعار تنافسية، مما يجعل طراز "موديل واي" من "تسلا" يبدو أقل جاذبية مقارنة بالمنافسين، رغم أنه لا يزال الطراز الأكثر مبيعاً ويتفوق على "سيغال" من "بي واي دي".

خلال زيارتي إلى قوانغتشو بمناسبة رأس السنة القمرية الشهر الماضي، كان من الصعب التجول في مركز تسوق دون ملاحظة سيارات اختبار لامعة من إنتاج "لي أوتو" و"نيو" و"شاومي" و"إكس بنغ"، حيث كان المشترون المحليون يجربونها بدافع الفضول. وعلى الرغم من هذا الزخم، لم ألحظ أي معرض لـ"تسلا"**، كما أنني لم أستقل أي سيارة أجرة كهربائية من إنتاجها ضمن عشرات الرحلات التي قمت بها في الصين خلال الأشهر التسعة الماضية، مما يعكس التراجع الملحوظ لحضور العلامة التجارية في السوق المحلية.

الخطر الأكبر

على المدى الطويل، قد يشكل هذا الوضع خطراً أكبر على "تسلا"، التي لا تزال تُعتبر علامة تجارية رائدة عالمياً، رغم تأثر سمعتها سلبًا بتصرفات رئيسها التنفيذي. وفي حين أن شهرة عائلة ماسك تساعد في تحسين صورة الشركة في الصين، إلا أن المنافسة هناك أصبحت أكثر شراسة، خاصة مع طرح شركات مثل "بي واي دي" تكنولوجيا مساعدة السائق مجاناً، بينما تسعى "تسلا" لتقديمها مقابل اشتراك مدفوع.

إذا تمكنت حملة "#الإطاحة_بتسلا" من تحقيق هدفها بإبعاد إيلون ماسك عن مراكز النفوذ، فقد تظل الشركة منافساً قوياً في الولايات المتحدة وأوروبا. لكن في الصين، يبدو أن "تسلا" قد تخلفت عن الركب، مع تراجع حصتها أمام موجة الابتكار المتسارعة التي تقودها الشركات المحلية في سوق المركبات الكهربائية.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

فى هذا المقال