مع اقتراب نهاية موسم إعلان الشركات الأميركية عن أرباحها الفصلية، يُنهي مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" على ما يبدو موجة التراجع التي شهدها أخيراً، لكن ذلك لا يعني انتهاء المخاطر والتحديات بالنسبة إلى هذه الشركات.
بالفعل، ارتفعت الأرباح الفصلية للشركات بنسبة 4% على أساس سنوي مع إعلان أكثر من 90% من الشركات المدرجة على مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" عن نتائجها للربع الثالث، ما يعني أن سلسلة الانخفاضات في الأرباح على مدى ثلاثة أرباع سنوية ربما اقتربت من نهايتها، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ إنتليجنس".
لكن المشكلة بالنسبة إلى الشركات والمستثمرين، هي أن الأرباح والتوقعات المستقبلية للشركات الرائدة مثل "تارغت كورب" (Target Corp) و"ولمارت" (Walmart Inc)، تثير مخاوف بشأن قطاع الاستهلاك الذي يُعتبر المحرك الرئيسي لثلثي الاقتصاد الأميركي. وهذه الإشارات المثيرة للقلق المتزامنة مع ارتفاع أسعار الفائدة وتضاؤل المدخرات، تدعو إلى التركيز أكثر على مجموعة من النتائج التي ستُعلن هذا الأسبوع من قِبل شركات تجارة التجزئة الرئيسية الأخرى، بما في ذلك شركتا "بيست باي" (Best Buy Co) و"ديكس سبورتينغ غوودز" (Dick’s Sporting Goods Inc).
اقرأ أيضاً: الأميركيون الأثرياء يلغون رحلاتهم إلى باريس بعد حرب غزة
قالت لويز غودي ويلمرينغ، الشريكة في شركة إدارة الثروات "كرو أدفايزرس" (Crewe Advisors): "هناك حالة من عدم اليقين بالنسبة إلى شركات تجارة التجزئة، لأن سلوكيات المستهلكين متقلبة.. فعلى الرغم مما شاهدناه سابقاً من استعداد لدى المستهلكين لتغيير رغبتهم في الإنفاق على السلع الاستهلاكية الفاخرة، فإننا لا نرى حتى الآن تباطؤاً كبيراً في الإنفاق. إن كان هناك تباطؤ، فسيكون في عام 2024".
حذر من أي توقعات قاتمة
من شأن العودة إلى تسجيل نمو في الأرباح أن تعطي الأسهم الأميركية دفعة قوية مطلوبة في نهاية العام، وبما يعزز المكاسب التي تحققت حتى الآن في نوفمبر. لكن التوقعات القاتمة من شركات تجارة التجزئة يمكن أن تحدّ من هذه المكاسب، وتخيّب آمال "وول ستريت" في أن يؤدي انحسار التضخم وزيادة الأجور إلى تحفيز المتسوقين على زيادة إنفاقهم.
لم ينسَ المستثمرون بعد موسم العطلات الصعب في العام الماضي، عندما عانت شركات تجارة التجزئة من تكدس المخزون بعد اتجاه المتسوقين نحو السلع الأساسية -من البقالة إلى لوازم التنظيف- بسبب ارتفاع التضخم.
لهذا السبب، تثير لهجة "ولمارت" المخاوف بشأن الطلب، إذ أشار أحد مسؤولي الشركة التنفيذيين إلى انخفاض المبيعات في أواخر أكتوبر، قبل أن تقود العروض الترويجية والتسوق أثناء العطلات إلى تحسن في المبيعات خلال الشهر الجاري.
باستثناء الوقود، ارتفعت مبيعات المتاجر المماثلة في وحدة "ولمارت" الأميركية بنسبة 4.9% على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة حتى أواخر أكتوبر. أبلغت شركتا "تارغت" و"هوم ديبوت" (Home Depot Inc) عن تراجع المبيعات في متاجرهما خلال الأسبوع الماضي، حيث استمر إنفاق المستهلكين على السلع الاستهلاكية الفاخرة في الانحسار، فيما سجلت شركة "ذا غاب" (Gap Inc) أيضاً انخفاضاً فصلياً في مبيعات متاجرها، على الرغم من أن علامتها التجارية "أولد نايفي" (Old Navy) التي تستهدف قاعدة واسعة من المستهلكين أظهرت نتائج قوية.
نتائج أعمال مرتقبة
يُنتظر أن يشهد الأسبوع الجاري إعلان نتائج شركات تجارة تجزئة أخرى، بما في ذلك شركة "نوردستورم" (Nordstrom Inc)، وشركة "أبيركرومبي أند فيتش" (Abercrombie & Fitch Co). كما سيشهد الأسبوع الإعلان عن النتائج المالية لشركة صناعة الرقائق "إنفيديا كورب" (Chipmaker Nvidia Corp)، وهي آخر الشركات السبع الكبرى التي تعلن عن نتائجها.
تراجعت مبيعات التجزئة الأميركية خلال الشهر الماضي، لكن بأقل من المتوقع، الأمر الذي عزز اعتقاد المراهنين على صعود الأسهم بأن الأميركيين ما زالوا على استعداد للإنفاق. وبُتوقع أن ترتفع مبيعات موسم العطلات بنسبة 3% إلى 4% مقارنة بالعام الماضي، وفقاً للاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة، فيما تشير التقديرات إلى أن المبيعات ستقارب الأرقام المسجلة في 2019.
قال ديفيد باهنسن، كبير مسؤولي الاستثمار في "باهنسن غروب" (Bahnsen Group): "المستهلكون ببساطة يريدون دائماً الحصول على أشياء جديدة.. في معظم الأحيان، يكون هناك أناس يعملون ويكسبون دخلاً وتكون لديهم مدخرات. أنا قلق بشأن انخفاض معدل الادخار أكثر مما هي الحال بالنسبة إلى احتمال تباطؤ طلب المستهلكين".
استمرار ضغوط الأسعار
على الرغم من أن تباطؤ التضخم، تتوقع "بلومبرغ إنتليجنس" استمرار ضغوط الأسعار، ما يعني أن الشركات ستظل تواجه تحديات في ما يتعلق بهامش الربحية مع تأثر كل من قطاعي السلع الاستهلاكية الفاخرة والسلع الأساسية.
في الواقع، قد تواجه شركات تجارة التجزئة مبيعات متقلبة مع اقتراب نهاية العام، حيث ينتظر المستهلكون العروض الترويجية للتسوق، كما يقول جون توملينسون من شركة الأبحاث والتحليلات "إم ساينس" (M Science).
قال توملينسون، مدير الأبحاث في الشركة: "لا يزال الربع الأخير من العام الأكثر صعوبة لجهة التوقعات"، مشيراً إلى أن الربع الرابع عادة ما يشهد زيادة في مبيعات السلع الاستهلاكية الفاخرة. "لا أعتقد أن المبيعات ستكون كارثية، كما لا أعتقد أن يكون موسم العطلات قوياً أيضاً من حيث المبيعات".