تشجيع الموظفين على التفكير كما لو كانوا مالكي الشركة سلاح ذو حدين وربما يغضب المديرين التنفيذيين

المبادرة المستمرة في العمل قد لا تعجب مديرك لهذه الأسباب

هل يمكن أن تبالغ في تحفيزك بمكان العمل؟ - المصدر: بلومبرغ
هل يمكن أن تبالغ في تحفيزك بمكان العمل؟ - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

في أواخر العقد الأول من القرن العشرين رأيت أحد شعارات تحفيز العمال في شركة ما، يقول: "الموظفون هنا نوعان: مشاركون، وملتزمون. المشاركون يؤدون وظائفهم فقط، أما الملتزمون فيحرصون فعلاً على مصلحة العمل".

ولعدة سنوات انتشرت إشادات أصحاب العمل بمنافع التزام الموظفين الشديد، الذي يتجاوز مجرد المشاركة. وبدا أنَّ التوسع الاقتصادي بعد الكساد الكبير، سرّع وتيرة هذا التوجه، لكن هذا النموذج لتحفيز القوى العاملة قد يشهد بعض التغيرات خلال الأزمات، وهو أمر ربما يظهر بوضوح خلال الفترة الحالية.

فمنذ اندلاع الجائحة تأججت التوترات بين الموظفين والمديرين التنفيذيين، وشعر مديرو الإدارات الوسطى بأنَّهم مُشتتون بين الطرفين. فنرى موظفين يعترضون على أوامر لا تعجبهم، ويدعون إلى سياسات مؤسسية جديدة، ويضغطون على الشركات لتبني المواقف السياسية التي يؤيدونها. كما نرى على الجانب الآخر رؤساء تنفيذيين يقاومون هذه التحركات، أو يأملون بينهم وبين أنفسهم لو كان بإمكانهم تجنب أي هفوات إدارية قد تنتشر أخبارها بسرعة على نطاق واسع، وأن يمضي الجميع قدماً، وأن يعودوا إلى أعمالهم وحسب.

لماذا يتمرد الموظفون؟

هناك رأي اقتصادي يقول إنَّ السبب في ذلك هو سوق العمل المتغيرة، فعندما يصعُب العثور على من يشغل وظيفة ما؛ يمكن للموظفين المطالبة بالمزيد. كما أنَّ الاستقطاب السياسي المنتشر في المجتمع قد يؤجج الخلافات في الشركات، فكل شيء الآن أصبح يحمل طابعاً سياسياً، لذا؛ فالعمل يجب أن يتأثر بذلك أيضاً.

ماذا سيحدث إذا حاول المديرون لعب دور معالج نفسي لموظفيهم؟

لم تخطئ تلك التفسيرات لكنَّها منقوصة، إذ تتغافل عن التغير المستمر منذ عقود في كيفية إدارة الموظفين وتحفيزهم من خلال تشجيعهم على التفكير كما لو كانوا شركاء في ملكية الشركة، وتحقيق الرضا عبر إحداث تأثير أو ترك "بصمة إيجابية في حياة الكثيرين".

لكن اتضح أنَّ ذلك التوجه سلاح ذو حدين. فعندما يشعر الموظفون بأنَّهم من المالكين؛ يبادرون بشكل أكبر، ويحملون عدة آراء حول الكيفية التي يجب أن تدار الشركة بها، وهو أمر يسبب مشكلات للمديرين، بل ويُشعر بعضهم بالإحباط من التشكيك في العديد من قراراتهم.

كيف تُحفز الموظفين؟

يُنظر حالياً إلى تحفيز الموظف على أنَّه مشروع فردي إلى حدٍ كبير، وفقاً لرأي مايا كوريتسا، الأستاذة بكلية التجارة بجامعة وورويك في المملكة المتحدة، ففي هذا النموذج، لم يعد المدير مسؤولاً عن تحفيز الموظف، ويجب أن يكون الدافع للالتزام بالعمل هو تحقيق الذات، وليس شيئاً ثانوياً مثل المال.

شركات أميركية تركز على خفض التكاليف والعمالة لا النمو

بالطبع؛ يؤدي الراتب دوراً في رضا الموظف، لكن هناك ما يُطلق عليه علماء التنظيم المؤسسي "عامل استياء"، أي الحد الأدنى من المتطلبات. قالت جينيفر موس، المحللة الاستراتيجية لثقافة مكان العمل ومؤلفة كتاب "وباء الإجهاد الوظيفي" (The Burnout Epidemic) إنَّ الأهم هي الأمور غير الملموسة التي يحصل عليها الموظفون من العمل، مثل: الهدف، والتوجيه، والتعلم، وأن تعطي الناس أهمية كبيرة لنصيحة أن يذهبوا إلى العمل بكل جوارحهم، كي يتصرفوا مثل رواد الأعمال.

قد يشير أحد الساخرين إلى الوفر الواضح في التكلفة للشركات التي تتبنى هذا السلوك، فيمكن للمديرين التنفيذيين أن يدفعوا للموظفين رواتب أقل ويطالبونهم بالمزيد، مثل: العمل أكثر في أوقات المساء والعطلات الأسبوعية، أو الضغط عليهم لزيادة معدل الإنتاجية في كل ساعة يكونون فيها مستيقظين. ويجب ألا يتراجع إخلاص الموظف لهذه الأهداف المهمة لمجرد أنَّه يوم عطلة أسبوعية.

أهداف أهم من الراتب

برغم أنَّ ذلك ينطوي على احتمال الإجهاد من العمل، لكنَّ الكثير من الموظفين وجدوا ذلك الاتفاق مغرياً، إذ إنَّ تحقيق طموحاتهم واكتشاف قدراتهم أمران جيدان، أما السلوك النابع من قاعدة: "افعل هذا لأنَّنا ندفع راتبك" فهو مهين، حيث يدمر بشكل خاص آمال المهنيين المثقفين الذين سمعوا طوال حياتهم عدة أقوال على غرار: "افعل ما تحب" و"اعثر على ما تحب"، ثم شعروا بأنَّ تقديرهم واستقلاليتهم في العمل مجرد أشياء صورية.

تقليل ساعات العمل لا يعني سوى المزيد من تعاسة العاملين

يعيد كلٌ من أصحاب العمل والموظفين التفكير حالياً في شروط ذلك الاتفاق غير المعلن على حد سواء، لذلك نشهد تأجج التوترات.

ربما سقطت الغشاوة عن أعين الجميع، ورأوا الشركات الناشئة التي تعد بإنقاذ العالم، لكن ما زال كثير من الموظفين يعتمدون على أصحاب عملهم، على الأقل كي لا تسوء أوضاع العالم. وما زال أكثر الموظفين انخراطاً في العمل يأملون في درجة ما من التعلم والغرض والتوجيه والاستقلالية.

أفعال لا أقوال

بقدر المكانة الرفيعة التي يكنّها الموظفون الشباب لأصحاب عملهم بشكل خاص، فهم يتوقَّعون أن يدعم مديروهم أقوالهم بالأفعال. وهذا لا يعني أنَّهم مدللون أو يستحقون معاملة مميزة، لكنَّه يوضح حقيقة أنَّهم قد أمضوا حياتهم المهنية كلها وهم يعملون وفق هذا النموذج، ولن يرضوا بأقل منه الآن.

كما أنَّ تحفيزهم بمقولات؛ مثل: "قم بعملك لأنَّنا ندفع راتبك" أو "وظيفتنا هي توليد أرباح للمساهمين" يشبه إلى حد ما أن تطلب من مشاهدي التلفزيون الذين اعتادوا على الشاشات عالية الدقة بالألوان الطبيعية أن يرتضوا بشاشة قديمة تعرض الصور بالأبيض والأسود فقط.

ختاماً؛ من المرجح استمرار التوتر بين الموظفين الذين حققوا ذاتهم والمديرين الغاضبين من تصرفاتهم، لكن بدلاً من مقاومة هذا التوتر، أو الرغبة في اختفائه فقط، يجب على المديرين التنفيذيين قبوله واكتشاف كيفية التعامل معه. وهذا صحيح بشكل خاص لأنَّ البديل سيكون إما عبر زيادة رواتب الموظفين بصورة كبيرة، أو السماح بقلة مشاركتهم كي لا يتدخلوا في وضع السياسات واتخاذ القرارات، وهما أمران لا ينالان إعجاب المديرين كثيراً.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة