بالنسبة إلى مشجعي كرة القدم القلقين من تزايد عدم المساواة، ومن تركّز القوة الاقتصادية لدى أكبر الأندية، يقدّم العرض القطري -قيد الإعداد- لشراء نادي "مانشستر يونايتد"، رسالة واضحة مفادها أن الطين سيزداد بلّة.
سيرسّخ انتقال نادٍ ثالث من أكبر نوادي الدوري الإنجليزي إلى يد مجموعة استثمار من الشرق الأوسط الغني بالنفط، مكانة نخبة أندية كرة القدم كمصدر للأصول المميزة للأثرياء، وأداة لتحقيق الطموحات.
يستعد تحالف من مستثمرين قطريين لتقديم عرض مبدئي نهاية الأسبوع، حسبما نقلت "بلومبرغ نيوز" الإثنين عن أشخاص مطلعين على الأمر.
كشف أحد هؤلاء الأشخاص أن المسؤولين في "جهاز قطر للاستثمار"، الصندوق السيادي للدولة، يساعدون في التحضيرات لتقديم العرض، إلى جانب المكاتب العائلية المحلية. وقد ارتفعت أسهم "مانشستر يونايتد" في تداولات نيويورك صباح الإثنين، ما أعطى الشركة قيمة سوقية تبلغ 3.9 مليار دولار.
فشل العرض مستبعد
إذا كانت دولة قطر تدعم عرض الشراء، فسيكون إخفاقه -من الناحية المالية على الأقل- أمراً مستبعداً جداً. وحتى الآن، لم يعرب سوى طرف واحد آخر عن اهتمامه بالشراء، وهو الملياردير البريطاني، جيم راتكليف، الذي يعمل مع "غولدمان ساكس"، و"جيه بي مورغان تشيس آند كو" على عرض محتمل.
راتكليف، هو مؤسس ومالك حصة الأغلبية في شركة صناعة المواد الكيميائية الخاصة "إنيوس غروب هولدينغز" (Ineos Group Holdings)، ويُصنّف كثاني أغنى رجل في المملكة المتحدة بثروة تُقدّر بـ13.4 مليار دولار وفق مؤشر "بلومبرغ" للمليارديرات، وهو رقم يعادل ثلاث مرات القيمة السوقية لـ"مانشستر يونايتد"، لكنه لا يضاهي بأي شكل من الأشكال أصول "جهاز قطر للاستثمار" البالغة 450 مليار دولار. ويُعد أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أحد مشجعي "مانشستر يونايتد".
تهديد محتمل
التهديد الذي قد يواجهه أي استحواذ محتمل، قد يأتي من الإطار التنظيمي، لأن الأندية التي تملكها الأغلبية ذاتها، لا يمكنها المنافسة معاً في البطولات الأوروبية الرئيسية، وفقاً لقواعد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" (UEFA)، الجهة المنظمة لكرة القدم في المنطقة، وهذا ما سيكون عليه الحال مع عرض شراء "مانشستر يونايتد"، إذ تمتلك شركة "قطر للاستثمارات الرياضية" بالفعل النادي الفرنسي "باريس سان جيرمان" الذي يلعب في الدوري الممتاز "ليغ 1".
ستزعج فكرة احتمال استبعاد ناديين بهذا الحجم والأهمية من البطولات الكبرى في أوروبا، مشجعي كلا الفريقين، وستقلب منظومة كرة القدم. وبالتالي فإن المضي قدماً في الصفقة من عدمه، يعتمد على اعتبار الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الكيانات القطرية مستقلة عن بعضها البعض. والجدير بالذكر أن رئيس مجلس إدارة "قطر للاستثمارات الرياضية"، ناصر الخليفي، هو عضو في اللجنة التنفيذية المحدِّدة للقواعد في "يويفا".
كانت هناك سابقة في هذا الإطار عام 2018. فقد لعب نادي "آر بي ليبزيغ" الألماني مع نظيره "ريد بول سالزبورغ" النمساوي في دوري أبطال أوروبا، رغم كونهما جزءاً من مجموعة "رد بول" (Red Bull)، وقرّر الدوري حينها أنه لا يوجد شخص أو جهة واحدة تسيطر على الناديين.
لكن حتى في حال اعتبار "قطر للاستثمارات الرياضية" و"جهاز قطر للاستثمار" كيانين منفصلين، فإن الاستحواذ سيترك رابع وخامس أكبر الأندية من حيث الإيرادات في أيدي مستثمرين مرتبطين بالحكومة القطرية، وهو ما قد يثير القلق عبر أوروبا، حيث ينزعج مسؤولو كرة القدم بالفعل من تأثير القوة الإنفاقية الهائلة للدوري الإنجليزي على الاستدامة المالية للرياضة إقليمياً.
هل يتكرر نموذج الإنفاق السخي؟
تحت القيادة القطرية، أجرى "باريس سان جيرمان" انتقالين هما الأغلى على الإطلاق، وذلك عبر شراء البرازيلي نيمار مقابل 222 مليون يورو (238 مليون دولار) في 2017، والفرنسي كيليان مبابي، في العام التالي، مقابل 180 مليون يورو.
تكرار مثل هذا الإنفاق السخي ربما يكون أصعب على "مانشستر يونايتد" في حالة امتلاكه من قبل القطريين، بعد أن اتهم الدوري الإنجليزي الممتاز، الأسبوع الماضي، النادي المنافس في المدينة ذاتها "مانشستر سيتي"، بأكثر من 100 مخالفة لقواعد "اللعب المالي النظيف"، وفي الوقت ذاته، كان نادي "نيوكاسل يونايتد"، الذي اشتراه الصندوق السيادي السعودي في 2021، أكثر تقييداً للإنفاق مقارنة بـ"مانشستر سيتي" أو "تشيلسي" الذي اشتراه المستثمر الأميركي، تود بوهلي، من رجل الأعمال الروسي الخاضع لعقوبات، رومان أبراموفيتش في العام الماضي.
التقييم والعائد المنتظر
والجزء الأصعب من أي صفقة قد يكون تحقيق العائد، رغم أن ذلك بالكاد يكون أولوية لأغلب مشتري نوادي كرة القدم الأثرياء. فمثلاً، سجّل نادي "مانشستر يونايتد" خسائر قبل خصم الضرائب لثلاث سنوات متتالية، ومع ذلك يُتداول بمضاعف يعادل 45 مرة قيمة المؤسسة إلى الأرباح قبل خصم الفائدة والضرائب والإهلاك والاستهلاك. ويصعب إجراء مقارنات في القيمة نظراً لنقص النوادي المماثلة المتداولة في البورصة. لكن من الأسلم أن نقول إن قيمته باهظة نظراً لتداول "بوروسيا دورتموند" الألماني و"سلتيك" الأسكتلندي بمضاعف ربحية قدره 4.2 مرة و1.8 مرة على التوالي.
أفادت "بلومبرغ نيوز" العام الماضي بأن عائلة "غليزر" المالكة للنادي، تتطلع لتقييم يبلغ 6 مليارات دولار، وهو ما يرفع مضاعف قيمة المؤسسة إلى الأرباح قبل خصم الفائدة والضرائب والإهلاك والاستهلاك إلى أكثر من 60 مرة.
يحظى نادي "مانشستر يونايتد" بتاريخ حافل، ويتمتع بأكبر قاعدة متابعين عالمية بين نوادي الدوري الإنجليزي، رغم شح انتصاراته في العقد الماضي، وسيسعد المشجعون، الذين يلومون المالكين الأميركيين على الديون المفرطة وعدم كفاية الاستثمار، إذا وضعت مجموعة المستثمرين القطريين النادي على قدم المساواة المالية مع منافسه المملوك لـ"أبوظبي". أما بقية مجتمع كرة القدم الأوروبي، فستتملكه على الأرجح مشاعر متضاربة حيال الاستحواذ.