لعبت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية، أقدم صناديق الثروة السيادية في العالم ومن أكبرها، دوراً رئيسياً في إعداد رابع أكبر منتج بمنظمة "أوبك" لمستقبل ما بعد النفط، والمساهمة في دعم اقتصاد البلاد الذي تعرض لضربةٍ من جائحة كورونا. كما أن الهيئة، البالغة قيمة أصولها 769 مليار دولار، هي مستثمر عالمي رائد، إذ لديها حيازات في شركة "بلاك روك" ومجموعة "مرسيدس بنز".
لكن في خطوةٍ نادرة، أطاحت الهيئة برئيس ذراعها الاستثمارية في لندن في يوليو، ما مثّل صدمةً عبر عالم الصناديق السيادية الخليجية الرصين والمتحفظ.
1. لماذا أُنشئ الصندوق؟
تأسس مجلس الاستثمار الكويتي في لندن عام 1953، أي قبل ثماني سنوات من استقلال البلاد، لاستثمار فائض عائدات النفط والمساهمة في تنويع الاقتصاد. وتم استبدال المجلس لاحقاً بمكتب الاستثمار الكويتي.
في عام 1982 أُنشئت الهيئة العامة للاستثمار باعتبارها الكيان الذي تقع تحت مظلته كافة صناديق. حيث تدير الهيئة صندوق الاحتياطي العام في الكويت، المؤتمن على إيرادات النفط ويتولّى زمام نفقات الميزانية. كما تدير صندوق احتياطي الأجيال القادمة، الهادف لحماية ثروة الكويت لفترة ما والذي نَمَتْ أصوله إلى أكثر من 700 مليار دولار. ويشرف على الهيئة مجلس إدارة يضم وزيري المالية والنفط.
2. بماذا يستثمر؟
الهيئة العامة للاستثمار الكويتية هي ثاني أكبر صندوق ثروة سيادي في منطقة الخليج، مع نسبةٍ كبيرةٍ من استثماراتها في الولايات المتحدة. وخلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، اشترت حصصاً في عدد من البنوك العالمية، مثل "سيتي غروب" (Citigroup).
وكان مكتب الاستثمار الكويتي، ذراعها في لندن، مستثمراً نشطاً العام الماضي، حيث شارك بإدراج شركة الملكية الخاصة "تي بي جي" (TPG) في بورصة نيويورك. وعلى عكس الهيئة الأم، فإن المكتب يستثمر بشكلٍ مباشر، لاسيما في الأسهم العامة وأدوات الدخل الثابت.
تمتلك الهيئة العامة للاستثمار حصصاً في موانئ ومطارات ومحطات كهرباء حول العالم، بموازاة استحواذها على حصص في شركاتٍ إقليمية، بما في ذلك شركة الاتصالات المتنقلة (زين)، وشركة الفنادق الوطنية البحرينية، وشركة الاتصالات الكويتية.
وأعلن العضو المنتدب غانم الغنيمان، مؤخراً، أن الصندوق السيادي الكويتي يبحث عن فرصٍ في قطاعات العقارات والطاقة وتكنولوجيا المعلومات.
3. لماذا الصناديق السيادية مستثمر عالمي مهم؟
ضخّت دول الخليج مليارات الدولارات في استثمارات حول العالم لتنويع اقتصاداتها، ولعبت صناديق الثروة السيادية دوراً رئيسياً في ذلك.
تمتلك أكبر سبعة صناديق في المنطقة أصولاً تبلغ قيمتها أكثر من 3 تريليونات دولار، بما في ذلك حصص في بعض أكبر شركات العالم.
هذه الصناديق كانت نشطة بشكلٍ خاص هذا العام وسط تقلّبات السوق الأوسع، إذ كانوا جزءاً من عمليات استحواذ بقيمة 28.6 مليار دولار على الأقل خارج منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا- وهي أكبر قيمة مسجلة لأي فترة مماثلة.
الصندوق السيادي الكويتي محاصر بدوامة السياسة
داخل البلاد، يلعب الصندوق الكويتي دوراً أكثر أهمية، فقد اضطرت الحكومة إلى الاعتماد على صندوق الاحتياطي العام لديها للتمويل، كونها لم تكن قادرة على الاستفادة من الأسواق العالمية للاستدانة منذ طرح سندات دولية لأول مرة عام 2017.
عزل رئيس مكتب لندن يضع صندوق الكويت السيادي تحت المجهر
4. ماذا حدث في مكتب الاستثمار الكويتي؟
الصندوق أقال رئيس ذراعه في لندن صالح العتيقي، طالباً منه المغادرة دون قضاء فترة الإخطار المتعارف عليها البالغة ثلاثة أشهر.
تمّ التعاقد مع العتيقي، وهو شريك سابق في شركة ماكينزي (McKinsey & Co)، عام 2018، بهدف تحديث مكتب الاستثمار الكويتي. وتمكّن من زيادة حجم الأصول تحت الإدارة، وتعيين مديرين تنفيذيين بمن فيهم كبير مسؤولي الاستثمار. لكن يُزعَم أيضاً أنه اشتبك مع بعض الموظفين من الحرس القديم في المكتب.
الصندوق السيادي الكويتي يعين رئيساً جديداً لمكتب لندن
جرى تعيين حسين الحلبي مؤخراً لرئاسة فرع المملكة المتحدة. وهو عمل سابقاً في مجموعة "سانت مارتينز بروبرتي" (St Martins Property Group)، شركة الاستثمار العقاري التابعة لهيئة الاستثمار الكويتية، ومقرّها لندن.
يدير مكتب الاستثمار الكويتي في لندن نحو ثلث إجمالي أصول الهيئة العامة للاستثمار، وفقاً لأشخاصٍ على درايةٍ بشؤونها المالية.
5. هل ستتغير إستراتيجية المكتب؟
تحت قيادة الحلبي، من المرجح أن يعود الصندوق إلى جذوره المحافظة، متخلياً عن العديد من الممارسات المرتبطة بالأداء التي وضعها العتيقي، وفقاً لشخصين مطلعين على نشاط الصندوق، تحدّثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما كونهما غير مصرح لهما بالتعليق.
قد ينتهي الأمر بهذه "الملحمة" إلى المحكمة، حيث قدّم العتيقي شكوى إلى المدعي العام الكويتي ضد وزير المالية، الذي يشرف على هيئة الاستثمار الكويتية. ويدّعي العتيقي أن السلطة المشرفة على المكتب رفضت فصل موظف يُشتبه في تجسسه على صندوق الثروة. بينما نفى الموظف المزاعم واتهم العتيقي بسوء الإدارة.
الحصانة الدبلوماسية تحجب مقاضاة مكتب الاستثمار الكويتي في لندن
بشكل منفصل، رفع ثلاثة موظفين سابقين في مكتب الاستثمار الكويتي دعوى ضد الصندوق في لندن بدعوى الفصل التعسفي، والتمييز على أساس السنّ، والقيام بالعديد من المخالفات.