تتواجه إدارة بايدن مع الاتحاد الأوروبي بشأن الرسوم الجمركية، إذ يريد التكتل أن يعيد التفاوض على هدنة تنتهي في نهاية العام وقد عُقدت في 2011 بعدما شن الرئيس السابق دونالد ترمب حرباً تجاريةً على الصلب والألمنيوم. وقد تشتعل شرارة التناوش التجاري مجدداً إن لم يتوصل الطرفان لاتفاق جديد. لكن أيا كانت النتيجة، فإن الاقتصاد الأميركي قد وقعت به خسائر.
لم يف بايدن بوعده لإبطال سياسات ترمب الانعزالية غير المدروسة. وكان ذاك الوعد كبيراً لأن ما تطاله الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب من سلع تفوق قيمتها 380 مليار دولار، وكان أغلبها يرد من الصين. لكن بايدن أبقى تلك الرسوم بعد انتخابه دون تغيير.
يدرك أي طالب علوم اقتصادية في سنته الأولى أن من يدفع الرسوم الجمركية هم المستوردون والمستهلكون الأميركيون، وليسوا الصنّاع الأجانب. الواقع بالطبع أعقد وأدق مما قد توحي به النماذج المثالية التي ترد عادةً في الكتب النظرية. لكن ذلك لا ينطبق على هذه الحالة. فقد خلص تحليل لمفوضية التجارة الدولية الأميركية أن الرسوم التي فرضها ترمب "مُررت برمتها" للمستهلكين الأميركيين ولم يكن لها تأثير على ما تقاضاه المصدِّرون الأجانب لقاء سلعهم. تشير تقديرات "تاكس فاونديشن" (Tax Foundation) إلى أن الرسوم الجمركية قلصت صافي العمالة الأميركية بواقع 166 ألف وظيفة، نتيجة لرفع أسعار المستهلكين الأميركيين.
الإبقاء على الرسوم
رغم الضرر الذي جرته تلك الرسوم على الاقتصاد الأميركي، فقد قررت إدارة بايدن الإبقاء على أغلب الرسوم التي فرضها ترمب. كان التغيير الوحيد الملحوظ متعلقاً بالهدنة حول الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم المهددة حالياً.
بموجب شروط الهدنة، وافق الاتحاد الأوروبي على إلغاء كافة الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم المصنوعين في الولايات المتحدة. لكن بايدن رفض أن يقابل ذلك بالمثل، في خطوة تشبه تلك التي اتخذها سلفه. فقد فضل بايدن عوضاً عن ذلك اعتماد هجين شنيع ينتمي إلى فكر الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز ويُعرف باسم حصص الرسوم الجمركية.
يقدم إعلان وزارة التجارة، وملحقه المصاحب الذي أتى في 66 صفحة، لمحةً عن الارتباك البيروقراطي الذي تسببه حصص الرسوم الجمركية. ببساطة، تفرض تلك الحصص حدوداً على قيمة الواردات من قائمة محددة من منتجات الصلب والألمنيوم المعفاة من الرسوم الجمركية.
تتذبذب الحدود بمرور الوقت، كما أن القائمة عرضة لاستثناءات يمكن فرضها أو سحبها وفقاً لتقديرات الإدارة. بمجرد الوصول إلى كل الحدود القصوى، تُفرض رسوم جمركية على كل الواردات اللاحقة بنسب تتراوح بين 10% و25%.
يسهل رؤية أسباب تلهف الأوروبيين ليخرجوا من هذه الفوضى، خصوصاً في ضوء إلغائهم للرسوم المقابلة المفروضة على الولايات المتحدة بالكامل. ويصعب استيعاب أسباب رفض إدارة بايدن التزحزح عن موقفها، إذ يبدو أن ذلك جزء من جهد أوسع لزيادة الحواجز التجارية، وفي الوقت نفسه لتجنب اتهامات بأنها زادت الضرائب.
تحول أعمق
المشكلة هي أن هذه الحواجز غير الجمركية ملتوية ومكلفة على الشعب الأميركي مثل الرسوم التي حلت محلها. تشير تقديرات معهد "بيترسون" إلى أن بنود سياسة "اشترِ المنتجات الأميركية"– وهي التزامات تفضلها إدارة بايدن لشراء منتجات مصنوعة في أميركا عند إنفاق الأموال الاتحادية حين يمكن ذلك – تعادل رسوماً جمركية نسبتها 26%. وتماثل هذه النسبة تقريباً أعلى رسوم جمركية فرضها ترمب وتبلغ 25%.
إن وجه الشبه بين الرسوم الجمركية التي حددها ترمب والرسوم الضمنية لبنود قانون "اشترِ المنتجات الأميركية" الخاص ببايدن ليس من قبيل الصدفة. يهدف كلا البرنامجين للحد من شراء السلع والخدمات الأجنبية بشكل ملموس. ويتطلب ذلك إقامة حاجز سيضغط بشكل ملحوظ على ميزانية أنشطة الأعمال والمستهلكين الذين يحاولون تجاوزه.
أضف إلى ذلك أن بنود سياسة "اشترِ المنتجات الأميركية" تغطي سلعاً تبلغ قيمتها نحو 500 مليار دولار، فيصبح الأثر الكلي على الأرجح أكبر من كل الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب مجتمعة. يشير ذلك إلى أن الخلاف الحالي حول الرسوم الجمركية مع الاتحاد الأوروبي أكبر من مجرد شجار دبلوماسي بسيط، إذ أنه يعكس تحولاً أعمق تجاه ممارسات تجارية حمائية.
رغم أنه يمكن قياس العواقب الفورية لهذه السياسات من حيث فرص العمل الضائعة والتكاليف الأعلى على المستهلكين، فإن التداعيات الأطول أمداً قد تكون أكبر. إن بايدن، كما كان حال ترمب، مستعد للمخاطرة بنظام التجارة الحرة لعام 1947 مقابل مكاسب سياسية محتملة. وإذا ما اتفق رئيسان يختلفان على أغلب الأمور، على أن التجارة الحرة لا تستحق عناء الدفاع عنها، فسيكون صمودها لفترة أطول موضع شك.