هناك بعض الأشياء التي تبلغ قيمتها الإجمالية حوالي 40 مليار دولار في السوق، ومنها: شركة التأمين العملاقة "برودينشيال فاينانشيال"، والشركة التصنيع "كارير غلوبال"، بالإضافة إلى شركة "ساوث إيست آيرلاينز"، التي تبلغ قيمتها أقل بقليل من 40 مليار دولار.
لكن هناك أيضاً "دوج كوين" العملة المشفَّرة التي بلغ سعر الواحدة منها مؤخَّراً 55 سنتاً تقريباً لكل واحدة منها، بعد أن بدأت كمزحة في عام 2013، لتحقق بذلك زيادة بأكثر من 6000% من قيمتها هذا العام. ويمثِّل ذلك مسيرة نمو نارية قد يعقبها هدوء كبير في السوق، إذ ما يزال هذا النمو إلى حدٍّ كبير مجرد عرض كوميدي لطيف، لكنَّه قد ينتهي بشكل مأساوي.
لا يوجد سبب وجيه يجعل دوج كوين عملة ذات قيمة حقيقية. وبالنسبة لـ"جيفري هالي"، محلل أول للسوق في شركة "أواندا آسيا باسفيك"، وهي منصة لتداول العملات التقليدية "لا يوجد لدى "دوج كوين" أي استخدام تجاري أو استثماري ظاهر، باستثناء مضاربة المهووسين عليها، ومحاولة بعضهم كسب المال من خلالها". يضيف "هالي": "أظن أنَّ الكثير من جاذبيتها تكمن في حقيقة أنَّها رخيصة جداً للبيع والشراء، إذا ما قورنت بعملة "بتكوين" التي يبلغ سعر الواحدة منها حوالي 60 ألف دولار، مما يجعلها أكثر جاذبية للمتداولين الأفراد، ممن يحلمون بجني أرباح كبيرة من ورائها."
نظرة البلاهة والمعرفة
في الواقع، لا يهم أبداً السعر الاسمي المنخفض للأشياء، فسواء قمت باستثمار 1000 دولار في جزء صغير من "بتكوين"، أو اشتريت 1818 من "دوج كوين"، فأنت تخاطر بالمبلغ نفسه. لكن كما هو الحال مع الأسهم الرخيصة، من المحتمل أن يكون لانخفاض سعر العملة تأثير نفسي، خاصة عندما يبدو أنَّ الكثير من الناس يستثمرون في "دوج كوين" بسبب "الميمات" الإلكترونية الساخرة التي تنشر حولها، بقدر ما يفعلون ذلك كاستثمار مالي فيها.
في هذا الإطار يقول كيرتس تينغ، المدير الإداري للقسم الأوروبي في شركة الاستثمار في العملات المشفرة "كراكين":
يشتري المستثمرون دوج كوين، ثم ينشرون نكتة يسخرون فيها من أنفسهم، بسبب عدم قدرتهم على الاستثمار بحكمة، وتستمر هذه النكات في الانتشار مع استمرار ارتفاع سعر دوج كوين
إذا كنتم تتساءلون ما هي "دوج كوين" بالضبط؟ فالجواب هو أنَّها عملة شبيهة بـ"بتكوين"، وتتكوَّن من رمز رقمي لا يساوي سوى ما يرغب المستخدمون الآخرون في دفعه أو المتاجرة به، وهي غير مدعومة بأي أصول أو أعمال أخرى، ولن ينتج عنها دخل أبداً. فمن ناحية، تفتقر "دوج كوين" إلى الميزة الرئيسية التي تجذب بها "بتكوين" المستثمرين المؤمنين بالعملات المشفَّرة، وهي: العرض المحدود، إذ
لا يوجد حدٌّ أقصى لعدد العملات التي يمكن سكّها باستخدام رمز الكمبيوتر الذي يحكم "دوج كوين".
كل ما تحتوي عليه "دوج كوين" في الواقع هو شعار لطيف، تمَّ تصميمه من وحي "ميم" إلكتروني ساخر على شكل كلب من فصيلة "الشيبا اينو"، الذي توجد نظرة غير مفهومة على وجهه تعكس البلاهة، وأحياناً المعرفة. ويتمُّ وصفها على أنَّها مزحة.
يقول بيلي ماركوس، المؤسس المشارك في إطلاق العملة:
تفتخر دوج كوين ومجتمعها بكونها ودودة وممتعة وتنشر الفرح، كما أنه لم يتم صنعها لتحقيق غرض محدد، وكدليل على صدق ذلك لم نجنِ أنا وشريكي المؤسس العديد من الفوائد المالية من إنشائها، على عكس العديد من العملات المشفرة والرمزية، التي ابتكرها الآخرون
مزايا دوج كوين
تتمتَّع "دوج كوين" أيضاً ببعض التاريخ الذي يصبُّ في صالحها، فهي قديمة نسبياً مقارنة بالعملات المشفَّرة الأخرى. ويمكن أن تستفيد الرموز ذات السجل الطويل من الوعي المتزايد بها، والتوسع التدريجي لمجموعة حامليها المستعدين للحديث عنها والترويج لها.
مع زيادة الاهتمام بالعملات المشفرة والتداول بشكل عام خلال هذا العام، كانت "دوج كوين" تنتظر أن يكتشفها المستثمرون الأفراد حتى تحصل على فرصتها.
يقول سام بانكيمان فريد، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "اف تي اكس" لتداول مشتقات العملات الرقمية المشفَّرة، إنَّ "مئات الملايين من الدولارات تحرَّكت بسلاسة نحو الاستثمار في "دوج كوين" بعدما قام تطبيق "روبن هود" الإلكتروني للوساطة المالية بتقييد التداول في أسهم شركة "غايم ستوب" أثناء الارتفاع الجنوني في تداول أسهم الشركة، التي دعمها بعض "الميمات" الإلكترونية الساخرة،
حصلت العملة الرقمية على دفعة كبيرة في 20 أبريل الماضي، الذي يعرف أيضاً باسم 4/20، وهو يوم مرتبط تقليدياً بتدخين القنّب والماريغوانا الطبية في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد قرر مستخدمو "دوج كوين" وقتها الاحتفال بما يسمى بــ"دوج داي" (DogeDay#) ورفع السعر إلى 42 سنتاً، أو 69 سنتاً -وهو رقم كوميدي آخر يمكن اعتباره نكتة- أو حتى إلى 1 دولار.
في حقيقة الأمر، نجح مستثمرو "دوج كوين" نوعاً ما في تحقيق هدفهم، مع ارتفاع السعر إلى مستوى قياسي بلغ 41.9 سنت في ذلك اليوم، وفقاً لموقع "CoinGecko.com".
جاذبة الأثرياء
جذبت "دوج كوين" أيضاً المعجبين المتابعين للمشاهير من أصحاب الميارات، وأبرزهم إيلون ماسك، مؤسس شركة "تسلا"، ومارك كوبان مالك شركة "دالاس مافريكس"، التي تقبل العملة المشفَّرة للدفع من قبل مشتري سلعها.
في تغريدة له، نشر ماسك صورة لنفسه، وهو يبدو كالأسد الموجود في فيلم "الأسد الملك"، ويحمل في يده كلباً من فصيلة "الشيبا اينو" – الذي تشتهر به عملة دوج كوين-، بالإضافة إلى غلاف ساخر لمجلة "دوغ" (Dogue) وهمية، ولكن ربما كانت هذه مجرد مزحة عن الكلاب.
يقول جون وو ، رئيس شركة "أفا لابس"، التي تساعد في تطوير تطبيقات الأصول الرقمية:
عندما يكون رئيس التسويق لديك هو إيلون ماسك، فكل شيء يصبح ممكناً
ساعد المستخدمون على موقعي "ريديت"، و"تويتر" في نشر المنشور الساخر لماسك، مع التعليق عليه بعبارات مثل: "إيلون ماسك الأب سيحمي صغيره دوج كوين"، أو أنَّ العملة التي تتخذ من كلب "الشيبا اينو" شعاراً لها تزداد قوة بشكل تدريجي.
لكنَّ التفسير الجيد لهذا الانتعاش هو أنَّه مجرد شيء مضحك، فقد جاء ارتفاع "دوج كوين" انعكاساً للطفرة الاستثمارية التي حدثت في الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) التي تُستخدم للتأكيد على الملكية في الوسائط الرقمية.
خروج الكبار من اللعبة
يمكن اعتبار "دوج كوين" بمثابة مشروع فني جماعي يمكنك شراؤه مقابل أقل من 30 سنتاً، بدلاً من ملايين الدولارات التي دفعها بعضهم للحصول على الرموز غير القابلة للاستبدال. ومؤخراً، قال أنتوني ترينشيف، المؤسس المشارك لشركة إقراض العملات المشفَّرة "نيكسو" لبلومبرغ نيوز: "بالمنطق التقليدي، فإنَّ "دوج كوين"
لا قيمة لها". وأضاف: "كما يعلم الجميع، إنَّ تحديد قيمة الأشياء يعتمد على وجهة نظر مالكها. وهناك فئة من المستثمرين -وكثير منهم من جيل الألفية- يرون أنَّها سبب للاستثمار أو حركة جديدة في السوق".
ومع ذلك، يبدو ارتفاع هذه العملة كأنَّه تمَّ عن عمد، فقد جاء نتيجة لمحاولة بعض المستخدمين المتمرسين في الإنترنت رفع السعر، وذلك من خلال تركيز الانتباه على أحد الأصول الرخيصة، وتحفيز بعضهم على الشراء. الحيلة هنا هي انسحاب المستثمرين المخضرمين من "دوج كوين" قبل أن تختفي المنشورات التي تروِّج لها، تاركين وراءهم المبتدئين الذين أخذوا الأمور على محمل الجدِّ بشكل كبير، أو قاموا ببيع عملاتهم ببطء شديد. ويبدو أنَّ ملكية "دوج كوين" تتركَّز في يد عدد قليل نسبياً من المستثمرين المجهولين، لذلك قد لا يتطلَّب الأمر الكثير من التغيرات لتحريك السعر.
نجاح مقلق للمستثمرين
أيضاً، تعدُّ "دوج كوين" جزءاً من ظاهرة أوسع للمال الذي يتجمع بشكل متزايد في استثمارات المضاربة. واستشهد أندرو لابثورن، الرئيس العالمي للاستراتيجية الكمية في مصرف "سوسيتية جنرال" بـ"دوج كوين" كمثال على "العدد الكبير للعلامات الغريبة والرائعة التي تدخل السوق بشكل متزايد، وتعدُّ إشارة على وجود فائض في السوق".
قياساً على وجهة النظر هذه، قد يكون نجاح هذه العملة مقلقاً حتى بالنسبة للمستثمرين الذين ابتعدوا عن العملات المشفَّرة. على الرغم من تزايد الحديث عن نظرية الفقاعات الاقتصادية، تستمر الأسواق في إثبات خطأ الرافضين لهذه النظرية.
ومايزال مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بالقرب من مستوى قياسي، كما بلغت "بتكوين" مستوى قياسياً تجاوز 60 ألف دولار مؤخراً، ولكنَّها تراجعت، ويبلغ سعرها حالياً حوالي 57 ألف دولار، وهو مكسب يتجاوز 90% حتى الآن للعملة الرقمية خلال عام 2021.
الشيء الغريب هو أنَّ "دوج كوين" قد تكون ممتعةً ومضخمة، إذ يشعر بعض المشترين على الأقل أنَّهم جزء من الموجة الساخرة والنكات التي تتناول أخبارها.
أفضل من بطاقة يانصيب
لأنَّ حواجز الاستثمار في العملات المشفرة منخفضة للغاية؛ تتوافر "دوج كوين" بنقرة زر واحدة في بعض تطبيقات الوساطة التي لا تحصل على عمولة. وقد تخسرون كل أموالكم، وأنتم تحاولون المضاربة، ولكن لا داعي للمراهنة كثيراً إلى هذا الحدِّ.
في برنامج " الين ديجينيريس" (Ellen Degeneres Show)، الذي أذيع في 27 إبريل الماضي، أوضح مارك كوبان مالك شركة "دالاس مافريكس" رأيه في هذه العملة، وأنَّه اشترى لطفله البالغ من العمر 11 عاماً استثماراً أولياً بنحو 30 دولاراً. ويقول: "ليس بالضرورة أن تكون دوج كوين أفضل استثمار يمكنكم القيام به.. لكن يمكنكم شرائها من موقع روبن هود، لأنَّ الاشتراك والتداول على هذا الموقع يتمُّ بشكل مجاني، ويعتبر ذلك ميزة لصالح دوج كوين". ويختتم حديثه بالقول، إنَّ "دوج كوين" تعدُّ خياراً أفضل من شراء بطاقة يانصيب.
ختاماً، هل ذكرنا لكم أنَّ شكل الكلب الموجود على عملة "دوج كوين" يبدو لطيفاً؟