في بقعة جبلية قاصية تجتمع عندها حدود لاوس وميانمار وتايلندا يقع المثلث الذهبي، لكن بعده عن مراكز تلك الدول لا يقتصر على المسافة، فهو بعيد عنها بكل ما قد تحمله الكلمة من معانٍ.
في الطريق إليه، تجدون مزارع صغيرة للبن والموز على تخوم بضعة بلدات غير بعيدة عن المساكن، ثم تلجون غابةً كثيفة الشجر مدرّجة على منحدر شديد. أما الممر الرئيسي في تلك البقعة فهو نهر ميكونغ الغني بالطمي، وهو يمتد من هضبة التبت عبر الهند الصينية حتى جنوب فيتنام الاستوائي.
عند بلوغ أسفل السفح عبر درب متعرج ستذهلكم رؤية ناطحات سحاب وأسواق وكازينو وبحيرة صناعية، تبدو وكأنما استقرت على ضفة لاوس من النهر بسحر ساحر.
على امتداد تلك الضفة تشمخ رافعات تحوم فوق مجموعة أبراج أخرى قيد الإنشاء وتكاد تكتمل، وبعد حلول الظلام، سيبلغ مسامعكم إيقاع الموسيقى الإلكترونية الصاخبة الآتية من مبانٍ عبر النهر في تايلندا تنيرها أضواء كاشفة راقصة وألوان النيون.
تلك هي "منطقة المثلث الذهبي الاقتصادية الخاصة"، المشروع التنموي الكبير الذي أقامه رجل أعمال صيني يدعى جو وي. وهي تشبه مدينة صينية متوسطة الحجم لها مطار خاص بها، يأمل جو أن يستقبل رحلات دولية في مستقبل الأيام.
أعلن جو في مقابلات وعبر وسائل التواصل الاجتماعي الصينية أن إحدى أهم أولوياته هي مساعدة شعب لاوس، الذي يعد من بين أفقر شعوب جنوب شرق آسيا، "وتقديم مساهمة أكبر في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد".
وراء الواجهة
لكن هذه المظاهر البراقة تخفي وراءها الكثير، إذ أن منطقة المثلث الذهبي ذاتية الحكم، وقد حذر محققون من أنها أصبحت مركزاً لشتى ضروب الأنشطة الإجرامية على مدى معظم عقد مضى. إنها أرض بلا قانون.
في البداية، كان تهريب المخدرات أحد الأنشطة التجارية الرئيسية فيها، وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية وهيئات أخرى درست المنطقة. وتختص بمخدر ميثامفيتامين، الذي غالباً ما يُخلط مع الكافيين لتُصنع منه أقراص رخيصة تسمى يابا (yaba)، أو يُنقى ليصبح "كريستال ميث" وهو أعلى سعراً فيُصدّر إلى دول غنية.
وتنوعت أنشطة منطقة المثلث الذهبي حديثاً لتشمل استضافة "مراكز الاحتيال"، وفيها تسعى طواقم عمل، معظم أفرادها من ضحايا الاتجار بالبشر، لإقناع ضحاياها المرتقبين عبر الإنترنت بتحويل مدخراتهم إلى مشاريع احتيالية يزعمون أنها تتداول العملات المشفرة.
كما صنف مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وكذلك وكالات وهيئات أخرى، منطقة المثلث الذهبي بأنها بؤرة غسيل أموال تربط بين مجموعات إجرامية ممتدة من تايوان إلى ميانمار، وتستخدم العملات المشفرة وبيوت قمار سرية وعمليات مصرفية مشبوهة لنقل أموال جُنيت نكالاً.
ريتشارد هورسي، وهو مستشار أول لدى "مجموعة الأزمات الدولية" درس منطقة المثلث الذهبي، يرى "إنها مؤسسة إجرامية متعددة الوظائف... يعتمد نموذج عمل هذه المنطقة على توفير البنية الأساسية، فهم ينشؤون نظاماً بيئياً تأتيه الأنشطة الإجرامية فتستأجر ما تحتاجه من مبانٍ وأفراد أمن مسلحين وتحصل على أي شيء تبغيه".
لم تجب إدارة "منطقة المثلث الذهبي الاقتصادية الخاصة" على طلب مفصل لتعليق من جو، الذي سبق أن قال إن المخدرات وتهريبها أنشطة محظورة في المنطقة و"إننا بالتأكيد لا نسمح بالاحتيال" أو الاتجار بالبشر. مضيفاً في تصريحات لوسائل إعلام تايلندية العام الماضي أن التلميحات بتورطه في مؤسسة إجرامية نابعة من "مسألة محاولة الولايات المتحدة احتواء الصين". ولم تُوجه إليه اتهامات بارتكاب أي جريمة.
عقوبات أميركية
حتى مع نمو منطقة المثلث الذهبي على مرأى الجميع، لا تستطيع هيئات إنفاذ القانون أن تفعل شيئاً عملياً لضبطها أمنياً. في 2018، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على ما وصفته بمنظمة جو وي الإجرامية التي تعمل عبر عدة بلدان، وأفادت أنها متورطة في "الاتجار بالمخدرات والبشر وغسيل الأموال والرشوة والاتجار بالكائنات البرية". لكن تلك العقوبات لم يكن لها أي تأثير واضح على توسع المنطقة ونموها.
كما أن أي تحرك من جانب الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى لمباشرة ملاحقة قضائية سيواجه تعقيدات جراء ما يبدو عدم اهتمام من قادة لاوس، الذين لم يسبق أن اتخذوا أي إجراء ضد جو.
في الواقع، إن حكومة لاوس، وهي تصف نفسها بأنها اشتراكية وتربطها علاقات وثيقة بالصين، شريكة تجارية له، حيث حازت على حصة 20% من منطقة المثلث الذهبي بعد منح جو حق تطويرها في 2007.
لم يستجب مسؤولون في لاوس لطلبات التعليق على هذا التقرير، وبعدما أرسلت "بلومبرغ بيزنسويك" استفساراتها، نقلت وسائل إعلام رسمية أن الحكومة أمرت باستئصال مراكز الاحتيال في منطقة المثلث الذهبي بحلول أواخر أغسطس. لم يتضح كيف ستنفذ هذا الأمر، أو إن كان سيُنفذ.
راهناً، سيستمر جو على الأرجح في إدارة تجربة أعمال غير مسبوقة. لطالما سعت جماعات الجريمة المنظمة للتأثير على طريقة إدارة المدن وللتربح منها. وفي بعض الحالات الاستثنائية القليلة، مثل نابولي في ذروة مجد عائلة كامورا في إيطاليا، ومثل تحالف المافيا في نيويورك مع منظمة تاماني هول، تمكنت هذه الجماعات من التغلغل في الحكومة ولو لبعض الوقت. لكن الادعاءات الموجهة ضد جو تؤشر على أن مسعاه أشد طموحاً، وهو إنشاء واحة متكاملة الأركان للنشاط الإجرامي إنطلاقاً من لا شيء، ويقول محققون إن تلك المحاولة تؤتي ثمارها.
خطط مستقبلية
بين الكيانات التي تعتبرها الحكومة الأميركية منظمات إجرامية، مؤسسة جو هي الوحيدة على الأرجح التي تنشر كتيباً ترويجياً موجهاً للمستثمرين المحتملين. يستعرض هذا الكتيب بعض الخطط المستقبلية لمنطقة المثلث الذهبي، إلى جانب التفاخر بـ"البنية الصناعية المتنوعة والموارد البشرية الوفيرة ومرافق الخدمات العامة".
تشمل هذه الخطط توسعاً كبيراً، جزء منه على شكل منشآت مثل "قاعدة صناعية للسجائر الإلكترونية" و"مجمع صناعي طبي وصحي كبير". ويتوقع الكتيب أن يصل عدد سكان المدينة إلى 300 ألف نسمة بحلول 2026، ارتفاعاً من ربما عشرات الآلاف حالياً. ومن شأن ذلك أن يجعل منطقة المثلث الذهبي ثاني أكبر مركز حضري في لاوس بعد العاصمة فيينتيان.
الفارق كبير بين مشروع تنموي بهذا الحجم وبين موطن مؤسسه في بايكوان، وهي مدينة فقيرة مبتلاة بالعواصف في مقاطعة خيلونغجيانغ شمال الصين.
وأفصح جو، وهو رجل نحيل كثيف الحاجبين شعره أملس يصففه باتجاه مؤخر رأسه، أنه ترك المدرسة عند سن 12 عاماً ليعمل في المزارع، ثم أصبح تاجر أخشاب. وفي تسعينيات القرن الماضي انتقل إلى ماكاو، عاصمة القمار في آسيا حيث انخرط في قطاع الكازينو. كانت تلك المنطقة مزدهرة لأسباب كثيرة لا تقتصر على أن القمار محظور في البر الرئيسي الصيني.
تفرض الصين ضوابط صارمة على التحويلات المالية الدولية لحماية قيمة عملتها ومنع مواطنيها من نقل مبالغ كبيرة إلى الخارج. وعلى مدى عقود، كانت إحدى أسهل طرق الالتفاف على هذه الضوابط مساعدة منظمات معروفة باسم رحلات الترف، وهي تضع رصيداً لزبائنها في كازينوهات خارج الصين بعد أن تتقاضى قيمته محلياً. ويمكن إيداع هذه الأموال، وبعضها من عائدات الفساد أو جرائم أخرى، في البنوك الأجنبية بعد أن تصبح نظيفة عند غسلها على طاولات قمار ماكاو.
لكن ماكاو كانت سوقاً مزدحمة بالمتنافسين، فانتقل جو في نهاية المطاف إلى مونغلا وهي مركز قمار أصغر بكثير على حدود الصين مع ولاية شان في ميانمار.
الاستقرار في لاوس
لم تنجح تلك الخطوة. إذ كان واضحاً أن الزبائن المستهدفين في مونغلا ليسوا من مواطني ميانمار، التي يبلغ نصيب الفرد من ناتجها المحلي الإجمالي حوالي 1200 دولار سنوياً، فأصبحت هدفاً لحملة تضييق من حكومة الصين في نهاية المطاف، ففرضت قيوداً صارمة على عبور الحدود، وتمكنت من تدمير نشاط الكازينو في سوقها المحلية تماماً بحلول 2005.
انتقل جو مجدداً وكانت وجهته هذه المرة لاوس، إلى داخل المثلث الذهبي، الذي كان منذ فترة طويلة مأوى لأنشطة إجرامية. كان أوائل من استفادوا من إمكانيات تلك المنطقة جنرالات سابقون من "الكومينتانغ"، وهم قوميون حكموا الصين وهزمهم ماو تسي تونغ في عام 1949، فانتقلوا إلى ميانمار لينخرطوا في تجارة الأفيون. وتبعهم أباطرة مخدرات آخرون لهم صلات بميليشيات عرقية تنشط في المناطق الحدودية المضطربة في ميانمار وتعتمد على المخدرات لتمويل أنشطتها. (قال متحدث باسم المجلس العسكري الذي يحكم ميانمار إنه "يعتبر عمليات مكافحة المخدرات واجباً وطنياً").
وافقت حكومة لاوس المتعطشة للاستثمار في 2007 على إنشاء منطقة المثلث الذهبي الاقتصادية الخاصة، ومنحت جو، الذي بنى علاقات وثيقة مع صناع القرار في فيينتيان، امتيازاً لمدة 99 عاماً على مساحة من الأراضي غير المطورة.
أعاد استخدام مصطلح "منطقة اقتصادية خاصة" إلى الأذهان عملية التحول الاقتصادي في الصين نفسها، عندما خفف دنغ شياو بينغ في مدينة شنجن الضوابط التي يطبقها الحزب الشيوعي، وكانت المدينة حينها مركزاً إقليمياً متواضعاً.
شروط التعاقد مع جو جعلته حاكماً سيادياً على نحو 100 كيلومتر مربع من الأراضي الريفية في لاوس. ونقلت الحكومة السكان بغرض إخلاء الأرض للبناء. في وقتٍ صاغ جو مع منسوبيه القوانين وأوكلوا الأمن لقوة خاصة، فلا تستطيع شرطة لاوس دخول المنطقة دون موافقته.
عمال من الجوار
شرع جو ببناء ما يشبه مدينة صغيرة، مستهلاً ذلك بقصر للقمار أطلق عليه اسم "كينغز رومانز كازينو" (Kings Romans Casino). وأفصح شخص مطلع على العملية طلب عدم كشف هويته خشية تعرضه لانتقام، أن جو استأجر عمالاً بورميين للبناء، وكانوا على استعداد لأن يعملوا لقاء 5 أو 6 دولارات يومياً وأن يعيشوا في أكواخ على أطراف المجمع.
ما إن أقيمت الكازينوهات والشركات المحيطة بها وباشرت أنشطتها حتى بات معظم منسوبيها من المهاجرين الصينيين، الذين يعملون في خدمة حشود من الزوار الصينيين. وكانت الماندرين هي اللغة السائدة، واليوان العملة المستخدمة في معظم المعاملات.
كان جو ماضياً نحو تمكين نفوذه، وخدمته أحداث غير متوقعة بعد مضي أربع سنوات على بدء العمل على منطقة المثلث الذهبي، فازداد نفوذه على امتداد نهر ميكونغ.
في أكتوبر 2011، هاجم مجهولون سفينتي شحن صينيتين في النهر وقتلوا 13 بحاراً. انتهت مطاردة واسعة النطاق باعتقال ناو خام، أحد أشهر أمراء الحرب في المنطقة. وبعد تسليمه إلى مقاطعة يونان الصينية، أُدين خام بالتخطيط للهجمات وأُعدم مع ثلاثة من شركائه.
منذئذ، اشتبه خبراء الأمن في المنطقة بأن خام لم يكن الجاني الحقيقي، وأن بكين استغلت مقتل البحارة ذريعةً لتجهز على مجرم مزعج. أياً كانت الحالة، فقد جعل مصرعه جو اللاعب المهيمن في المثلث الذهبي.
جيش وا
لم يمض وقت طويل حتى اشتبهت هيئات إنفاذ القانون في أن سياحة الكازينو لم تكن نشاط جو الوحيد. بيّن مسؤول سابق في الشرطة طلب عدم كشف هويته لدى تطرقه لمعلومات غير علنية، أن الشرطة كانت تتلقى تقارير حول شحنات ميثامفيتامين تمر عبر منطقة المثلث الذهبي الجديدة.
توصل المحققون إلى أن بعض تلك المخدرات على الأقل مصدرها "جيش ولاية وا المتحدة"، وهو قوة عسكرية سرية تهيمن على أجزاء من ميانمار.
يتولى "جيش ولاية وا المتحدة" سلطة ومهام الحكومة في المناطق التي يسيطر عليها، وله راية ونشيد وطني وقوامه نحو 30 ألف جندي. وتهريب المخدرات هو مصدر دخله الرئيسي. وصنفت الحكومة الأميركية "جيش ولاية وا المتحدة" كمنظمة كبرى لتجارة المخدرات في 2003، وبعد عامين وجه مدعون اتحاديون تهماً رسميةً لثمانية من قادته بتهريب الهيروين والميثامفيتامين. (لم تنجح الحكومة الأميركية بفرض تسليم أي منهم).
عندما استهدفت عقوبات أميركية جو في 2018، ظهر أمر ذو دلالة هو أن عنوان شركة "كينغز رومانز إنترناشونال" (Kings Romans International) المدرجة في بورصة هونغ كونغ كان عنواناً في تلك المدينة تستخدمه شركة ذات صلة مع "جيش وا" سبق أن فُرضت عليها العقوبات.
منعت عقوبات 2018 الشركات والبنوك من التعامل مع جو، لكن كان واضحاً أنه وجد مصادر تمويل بديلة، فقد واصلت منطقة المثلث الذهبي توسعها إبان جائحة كورونا، وسط شكوك المحققين بأن كثيراً من مشاريعها التنموية المتميزة كانت تُستغل في غسل مكاسب بيع المخدرات. مثلاً، من خلال مقاول صديق يتعاون معها فيبالغ بقيمة الفواتير التي يقدمها مقابل خدماته، فتتحول المدفوعات الزائدة إلى إيرادات لمؤسسة نظيفة اسمياً.
مراكز للاحتيال عبر العملات المشفرة
منذ 2022 تقريباً، لاحظت الشرطة ودبلوماسيون في جنوب شرق آسيا ما بدا أنه نشاط جديد كبير في منطقة المثلث الذهبي، وهو مراكز الاحتيال في مجال العملات المشفرة.
كان مصدر كثير من المعلومات المتعلقة بهذه المراكز عمال قالوا إنهم استُدرجوا إلى لاوس عبر ادعاءات كاذبة، ثم احتُجزوا في المجمع ضد إرادتهم قبل أن يستعيدوا حريتهم بطريقة أو أخرى، وهم أتوا من بلدان كثيرة تمتد من البرازيل غرباً حتى إندونيسيا شرقاً.
كانت هنالك قصص مشابهة بمراكز احتيال أخرى في جنوب شرق آسيا، لا سيما في سيهانوكفيل، وهي مدينة تهيمن عليها الصين في كمبوديا. لكن أصبح تجاهل هذه العمليات صعباً لدى حكومات المنطقة وكذلك في دول أخرى، ولا يقتصر سبب ذلك على الروايات المروعة عن الاتجار بالعمال.
قدّر معهد الولايات المتحدة للسلام، وهو مؤسسة بحثية يمولها الكونغرس، في تقرير نشره في مايو، أن المبالغ التي تسلبها مراكز الاحتيال في الدول المشاطئة لنهر ميكونغ "تتجاوز على الأرجح 43.8 مليار دولار سنوياً". ويشكل المبلغ خسائر كبيرة لضحايا في الصين، وكذلك في الولايات المتحدة وفي أوروبا.
هناك أدلة على أن صناع السياسة الصينيين، الذين لهم نفوذ كبير على لاوس، يريدون لجم عمليات الاحتيال. حيث قبضت السلطات في لاوس، ويرجح أن يكون ذلك بإيعاز من حكومة الصين، على أكثر من 1000 مواطن صيني في الأشهر الأخيرة في مداهمات لشركات الاحتيال في منطقة المثلث الذهبي ورحّلتهم إلى وطنهم.
أظهر هذا أن الشرطة قادرة على دخول منطقة المثلث الذهبي والقبض على مطلوبين فيها، أقله عندما تستخدم الصين الضغوط اللازمة. لكن لا يتوفر دليل على أن هذا التهديد ثبط نشاط جو.
تحذيرات وتهديدات
في محطة عبّارات في شيانغ سين، البلدة التايلندية الصغيرة المقابلة لمنطقة المثلث الذهبي، هناك لافتات تحذر الركاب مما قد ينتظرهم على الضفة الأخرى من نهر ميكونغ. كُتب على لافتة رُسمت عليها صورة كاريكاتورية لضابط شرطة يشير بسبابته باتجاه المارة: "لا تصدقوا الكلمات المقنعة التي تعدكم بأجور كبيرة. لأنكم ستتحولون إلى ضحايا للعمل القسري والاحتجاز".
يشير سكان شيانغ سين إلة أنهم كثيراً ما يصادفون مجموعات من الشبان من بلدان عديدة يحملون أمتعة تدل على نية الإقامة الطويلة يتجهون إلى العبارات بصحبة وسطاء متجهمين. يتذكر أحد السكان المحليين أنه حذر بعضهم إلا أن ذلك أغضب مرافقيهم فوبخوه.
للوهلة الأولى، أثناء إحدى زياراتي للمنطقة حديثاً، لم يبدُ لي ما يدل على شرور ظاهرة في مدينة جو. فلم تكن هناك أي قيود واضحة لتقييد الدخول إليها، وكانت الطرق واسعة ونظيفة وسلسة، تصطف على جانبيها أشجار النخيل والنباتات المشذبة بعناية.
في حديقة وارفة الأشجار، استلقى عمال معهم هواتف في الظل قرب منحوتة مفزعة معروضة للعامة لما سمّي "سيدة مكافحة المخدرات" وكانت على هيئة امرأة نائمة بدت وكأنها خرجت لتوها من جوف الأرض.
في الجوار، كان الباعة يبيعون القهوة ومأكولات الشارع مسعرة باليوان. وصرح أحدهم إن جو هو من يحدد الأسعار، إذ يُطلب من أصحاب الأكشاك أن يشتروا ما يتاجرون به، مثل عبوات المياه، من جو وشركائه. وقالت شابة في الجوار إن المنطقة تبدو كأنها "بلدهم وليست بلدنا". (حكومة لاوس قمعية جداً، وقد تترتب عواقب وخيمة على التحدث إلى الصحفيين، لذا تحمي بيزنسويك هوية من نقلت عنهم من مواطني لاوس في هذا التقرير).
كانت المنطقة الأكثر ازدحاماً تلك المحيطة بالكازينو الرئيسي، وهو عبارة عن كتلة عمرانية تقلد الأبنية الكلاسيكية ويعلوها تاج ذهبي ربما يستوقف مهندساً معمارياً من طاقم مجموعة "ترمب أورغانيزيشن" (Trump Organization).
كانت مئات الدراجات النارية مركونة خارجه تحت منحوتات تماهي التماثيل اليونانية. وكانت ضوضاء البناء تعم المكان، إذ انهمك العمال في بناء عشرات المباني الشاهقة، التي ستحيط بمجمع جديد للتسوق في الهواء الطلق، يضم قلعة على طراز "ديزني".
اصطفت في الكازينو طاولات باكارا، وهي لعبة ورق يفضلها المقامرون الصينيون، وكان هنالك قسم منفصل جمهوره من التايلنديين الذين يقضون نهارهم في الكازينو، ومعظمهم من رجال ونساء تقدم بهم العمر رهاناتهم ضئيلة. بعد ذلك قد يتسكع المقامرون في الحي الصيني، وهي منطقة تسوق مجاورة بها خيارات مأكولات كثيرة، بينها مطعم يبدو أنه تقليد لسلسلة "كنتاكي فرايد تشيكن".
المطار الدولي
تطلّب الوصول إلى "مطار بوكيو الدولي"، مشروع جو الأكثر طموحاً، مغادرة منطقة المثلث الذهبي عبر نقطة تفتيش أمنية قبل دخول ريف لاوس، وكان التباين صارخاً.
خيم غبار مائل إلى الحمرة فوق الأشجار الميتة والصخور التي فُتت لأغراض البناء. وكانت أبقار نحيلة تجوب الطرقات وهي تحاول أن تقتات على رقع عشب متفرقة.
بعد مسافة قصيرة بالسيارة، ظهر ملعب غولف بناه جو وبعده المطار. الذي يحمل اسم المقاطعة اللاوسية التي تحيط بمنطقة المثلث الذهبي، وقد افتُتح "مطار بوكيو الدولي" هذا العام في حفل حضره جو ورئيس الوزراء سونيكساي سيبهاندون.
حجم المطار كبير إلى حد الهزل إن قيس إلى مستوى حركة الركاب الحالية. وأوضح أحد الموظفين إنه يشهد رحلتين فقط في اليوم، كلتاهما من فيينتيان، عاصمة لاوس، وبالكاد يتجاوز الركاب عدد أفراد الأمن الذين يحرسون الأرضيات الصقيلة إلى حد أن لمعانها يمكن الزوار من رؤية إنعكاس صورهم عليها.
برغم بريق إمبراطورية جو الذي يليق به أن توضع صوره في الكتيبات الترويجية، تبدو في زوايا أخرى من المدينة مظاهر على الأنشطة غير المشروعة التي يقول المسؤولون عن إنفاذ القانون إنها منتشرة. تقوم عدة مبانٍ طويلةٍ بلا شرفات وليس على واجهاتها أي علامات لتمييزها قرب الكازينو، في وسط منطقة المثلث الذهبي.
إحداها محاطة بسياج تعلوه أسلاك شائكة، وأخرى أجهزة التكييف تجاور معظم نوافذ الطوابق العليا وذلك مؤشر على أنها قد تكون مقسمة إلى مساحات صغيرة عديدة، وجميع نوافذها محصنة بقضبان معدنية متقاربة إلى حد أنه يصعب على المرء تمرير ذراعه بينها. بينما تتدلى قطع ملابس من بعضها، ما يدل على أن هناك من يقيمون داخل تلك الوحدات.
العمل القسري
منذ حوالي عامين، استجابت سيتي، وهي امرأة إندونيسية شابة، لإعلان عن وظيفة مثيرة للاهتمام على فيسبوك. (غيرنا اسم السيدة لحمايتها من الانتقام).
تكشف سيتي إن مسؤول التوظيف أخبرها أن الوظيفة ستكون في تايلندا، وأن مهامها ستكون تصميم رسومات لألعاب جديدة على الإنترنت، وكان هذا متوافقاً تماماً مع مهاراتها. كما أن الراتب الموعود 1500 دولار شهرياً، يمثل أجراً كبيراً يضاف عليه مبلغ للسفر جواً واستصدار تصاريح العمل.
بناءً على تعليمات مسؤول التوظيف، سافرت سيتي في يوليو 2022 إلى شيانغ راي في شمال تايلندا. وهناك استقبلها سائق وأوصلها إلى مرسى العبارات في شيانغ سين.
لم تدرك أنها ستعبر الحدود إلى بلد آخر حتى طلب منها أحد الموظفين جواز سفرها. وبعد عبور نهر ميكونغ، نُقلت إلى مبنى سكني في منطقة المثلث الذهبي.
هناك، تقول سيتي إن مديرها أبلغها ومن معها ممن وصلوا حديثاً إلى المكان أن عملهم هو الاحتيال عبر الإنترنت، وليس تصميم الرسومات، وأن عليهم أن يدفعوا أكثر من 5000 دولار إن أرادوا المغادرة، لتعويض تكاليف السفر والتأشيرة، وهو مبلغ يستحيل عليها دفعه.
لم يكن الهروب خياراً متاحاً. واضطرت سيتي لتسليم جواز سفرها، وكان الخروج من المبنى يتطلب بطاقة لم تكن بحوزتها، ومع أنه سُمح لها بالاحتفاظ بهاتفها، كان مديرها يتصفح رسائلها دورياً.
اصطحبوا سيتي إلى غرفة نوم صغيرة تشاركها فيها عدة نساء أخريات. ثم بدأت تتعلم مهام وظيفتها الجديدة، إذ كان عليها أن تتسكع على تطبيقات المواعدة، وكان أكثرها شيوعاً تطبيق "بادو" (Badoo)، لتتواصل مع أميركيين متظاهرة بأنها امرأة هندية انتقلت حديثاً إلى فرجينيا.
كانت تصل إلى مكتبها في وقت متأخر من منتصف الليل وتعمل حتى الظهر أو الواحدة بعد الظهر لمراعاة فرق التوقيت مع الولايات المتحدة، وأفادت أن الراتب الشهري الذي وعدوها بتلقيه كان محض سراب، وإنها في الواقع لم تتلق أي أجر.
تسمين الخنازير
كانت عمليات الاحتيال مثالاً كلاسيكياً على ما يسمى "ذبح الخنازير"، إذ يبني المحتالون بتمهل علاقات مع المستهدفين، ويسمى ذلك تسمين الخنزير، قبل إقناعهم بإنفاق أكبر قدر ممكن من المال.
وشرحت سيتي أن العملية كانت كانت تتم بالتدريج، فإن أبدى الهدف اهتماماً مستمراً كانت تقنعه بإيداع أموال عبرها بغرض استثمارها. كانت التعاملات تدر أرباحاً حقيقية في البداية، ثم، عندما يقول مديروها إن الوقت حان، كانت تحاول إقناع الأميركي بتقديم كل ما يستطيع تقديمه من أموال.. وتلك هي الأموال التي ستختفي بعد ذلك.
قالت سيتي: "يبحث هؤلاء الزبائن عن أصدقاء، لذلك أعتقد أنهم يتعجلون جداً في الثقة بالناس".
سيتي كرهت العمل في هذا المكان لكنها لم تجد عنه مناصاً، وكان العاملون الذين يفشلون في العثور على "زبائن" يعاقبون. وأفصحت سيتي أنها رأت رجلاً تعرض لضرب شديد بسوط جلدي لدرجة أن دمه سال على الأرض. وحُبس آخرون في غرف دون طعام. (قال اثنان آخران من الإندونيسيين الذين عملوا في منطقة المثلث الذهبي لبيزنسويك إنهما حرما من الطعام لمدة أسبوع بعدما طالبا بالعودة إلى وطنهما. وقال آخر إنه ضُرب بالعصي عندما عجز عن تحقيق هدف إيراداته).
وجدت سيتي فرصتها للفرار بعد حوالي شهرين من وصولها، عندما سلموها جواز سفرها وطلبوا منها العودة إلى تشيانغ سين للحصول على تأشيرة دخول جديدة. لدى بلوغها الجانب التايلندي من الحدود انتظرت لحظة لم يكن أحد يراقبها فيها، ثم هربت سيراً على الأقدام. في النهاية، وجدت سائق تاكسي أقلها إلى مطار شيانغ راي مقابل المال القليل الذي كان لديها. قالت سيتي إنها قبعت خلف منضدة استقبال في متجر لبيع شرائح الهاتف المحمول هناك فيما كانت تنتظر وقت إقلاع طائرتها إلى بانكوك، إذ كانت تخشى أن يمسكوا بها حتى في ذلك الوقت، وبيّنت أن صديقاً اشترى لها تذكرتها عبر الإنترنت.
منطقة لا تخضع لأي قانون
يُعتقد أن الأموال التي تأتي من عمليات مثل تلك تعرضت سيتي لها، تذهب بشكل رئيسي إلى كثير من الشركات الصغيرة التي تستأجر مساحة في منطقة المثلث الذهبي لممارسة أنشطة احتيالية. لكن محققين أفادواأنهم يكادون يجزمون بأن جو يحصل على حصة من هذه الإيرادات بصفته مالك المكان ولأنه ييسر أنشطة تلك الشركات.
يستحيل إحصاء عدد المحتجزين قسراً، لكن "معهد الولايات المتحدة للسلام" قدر أن هناك 85000 شخص في لاوس وحدها، ويرجح أن معظمهم في منطقة المثلث الذهبي.
وأشارت سيتي إلى أن وجودها في مكان يبدو أنه خارج نطاق أي قانون شوشها، وأضافت: "كنت أسأل رئيسي في العمل، مديري، لماذا لا تستطيع الشرطة الدخول إلى المبنى؟ فيجيبني بأن هذا المبنى، هذه المنطقة، هي المنطقة الشخصية للرئيس الكبير". أخبرها المدير أن "الرئيس الكبير" لديه عقد امتياز أمده 99 عاماً.
دوريات الجيش التايلندي
في وقت متأخر من عصر يومهم ذاك، انطلق جنود تايلنديون بعد أن وضعوا أمشاط الذخيرة في بنادقهم الهجومية، خرج سبعة منهم من موقعهم، وهو مجموعة مبانٍ مسيجة بأوتاد خيزران مدببة على حافة أخدود بين حدود تايلندا وميانمار، واصطفوا في رتل ثم قفزوا تتابعاً فوق قناة للري.
سرعان ما بلغوا أرضاً منحدرة فساروا عبر سفح تلة شديد الميلان قبالة أراضي بورما، وكانوا يغرسون أحذيتهم في التربة سعياً للثبات. كان دخان حرائق بعيدة في قاع المنحدر يرتفع في الأجواء. وعلى فترات متباعدة، كان قائد الفرقة يشير كي يتوقفوا، ثم يتفرقون ويربضون بين صفوف شجيرات البن فيما تجوب أنظارهم الأفق تحرياً للمخاطر.
يُسيّر الجيش الملكي التايلندي هذه الدوريات بانتظام على طول الحدود الشمالية للبلاد، وقد تكون هذه المهام محفوفة بالمخاطر. قبل يومين واجهت إحدى الفرق ستة من مهربي المخدرات ينقلون ميثامفيتامين إلى تايلندا. بادر المهربون بإطلاق النار ورد الجنود بالمثل، فألقى المهربون أحمالهم وتفرقوا. صادر الجنود التايلنديون 480 ألفاً من أقراص "يابا" المخدرة، وتلك كمية متوسطة الحجم بنظرهم. وبيّن الجنرال نيرونتشاى تيبكانجاناكول أنه بين ديسمبر 2023 ويوليو 2024، اعترضت السلطات تهريب أكثر من 200 مليون قرص "يابا" في المنطقة.
دور المثلث الذهبي
تتعدد مصادر المخدرات المصدرة من أجناب المثلث، وكثير منها يتجه إلى الموانئ البحرية التايلندية. لكن يبدو أن منطقة المثلث الذهبي الإقتصادية تلعب دوراً هاماً في شبكة التوزيع.
وتعتبر الكوماندر بولا هدسون، التي تدير العمليات العابرة للحدود الوطنية في الشرطة الاتحادية الأسترالية، أن المنطقة "أكثر من مجرد ملاذ آمن... فالمنطقة معقل للمخدرات، لاسيما للشحن العابر والتخزين الآمن، حيث يمكن تخزين المخدرات وتعبئتها ثم نقلها إلى مختلف أنحاء العالم".
ويشبّه مسؤول دولي آخر في مجال إنفاذ القانون، طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث علناً، منطقة المثلث الذهبي بنقطة جباية رسوم استخدام الطرق.
وينبّه المسؤول إلى أن الشحنات المهربة التي تعبر منطقة جو قد تصادرها السلطات إن لم يستخدم أصحابها خدمات المنطقة أو لم يدفعوا أتاوةً لها، بحيث تتلقى السلطات معلومة أو بلاغاً عن الشحنة في التوقيت المناسب. وقد ينطبق ذلك بشكل خاص على الشحنات المنقولة بالقوارب في نهر ميكونغ، وهي تمر مباشرة أمام الميناء النهري لمنطقة المثلث الذهبي.
تتحفز الشرطة في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا للتحرك ضد هذا المجمع، حتى مع اعترافها بأن أنشطة المخدرات ومراكز الاحتيال يمكن أن تنتقل بسهولة إلى مكان آخر، قد يكون في مناطق من ميانمار ما تزال بعيدة عن متناول أجهزة إنفاذ القانون. لكن هناك مشاكل عملية ضخمة، أولها حقيقة أن حكومة لاوس، وهي أحد المساهمين في منطقة المثلث الذهبي الاقتصادية، لم تبد فيما مضى حماسة كبيرة لضبط أنشطة جو.
لاوس لا تتعاون
بعد فرض العقوبات الأميركية، "لم تتخذ لاوس أي إجراء" من قبيل الاستجابة، وفقاً لتقرير صدر في 2023 عن مجموعة آسيا والمحيط الهادئ لمكافحة غسل الأموال، وهي هيئة متعددة الأطراف تتحرى الامتثال في هذا المجال.
أشار التقرير إلى أن ضوابط مكافحة غسل الأموال بالنظام المالي في لاوس ضعيفة، وأن منطقة المثلث الذهبي الاقتصادية الخاصة "ليست بها تدابير لمنع المجرمين أو شركائهم من امتلاك حصة كبيرة أو مسيطرة أو الاستحواذ على مهمة من المهام الإدارية" في المؤسسات المالية. ويبقى أن نرى مدى جدية حملتها المزعومة على مراكز الاحتيال.
دون تعاون من لاوس، فإن التهم الموجهة ضد جو أو شركائه يجب أن تصدر من دولة أخرى –ربما الولايات المتحدة- لكن مكاتب المدعين العامين الأميركيين لا توجه اتهامات في كثير من الأحيان عندما لا يكون هناك أمل واقعي في القبض على المتهم. وبيّن مسؤولو إنفاذ القانون أن جو نادراً ما يسافر إلى دول قد تتحرك بناءً على طلب أميركي لاعتقاله. وحتى لو قبض عليه في مثل هذا المكان، فقد يجد طريقة للهرب.
بعد القبض على هو تشون تينغ في هونغ كونغ عام 2007، وهو مشتبه به في تحقيق اتحادي بقضية تهريب مخدرات بالتعاون مع "جيش وا"، أُخلي سبيله دون تفسير قبل تسليمه للولايات المتحدة.
جو يغازل الصين
يخيم على كل هذا النشاط سؤال يتعلق برأي الصين في ذلك، وهي القوة الكبرى الوحيدة التي تستطيع يقيناً أن تضبط عمليات منطقة المثلث الذهبي.
على مدى عقود، سعت حكومة الصين لبناء نفوذ في الدول الواقعة على طول نهر ميكونغ، وهي اقتصادات ناشئة إجمالي سكانها نحو 250 مليون نسمة ولديها موارد طبيعية وفيرة.
لكن مجمع جو ليس جزءاً من مبادرة "الحزام والطريق" -مشروع الرئيس شي جين بينغ الطموح لتطوير البنية التحتية والروابط التجارية عبر العالم النامي -كما أن جو ليس له علاقة رسمية مع الدولة الصينية.
مع ذلك، فهو يطرح أنشطته مشيراً إلى أنها تتوافق مع السياسة الصينية. حيث صرح في مقابلة مع وسائل إعلام من لاوس العام الماضي أن منطقة المثلث الذهبي الاقتصادية "ستضع الأساس الذي يمكن البلدين من إقامة علاقات تجارية واقتصادية". (لم تعلق وزارة الخارجية الصينية على المنطقة على وجه التحديد، لكنها قالت إن البلاد تتعاون دائماً مع جاراتها لمكافحة الجريمة العابرة للحدود وحماية أمن الحدود).
يرى كيلي كوري، وهو دبلوماسي أميركي سابق يعمل الآن زميلاً في "المجلس الأطلسي" في واشنطن،أن الصين قد تعتبر جو أصلاً من الأصول في منطقة مهمة من الناحية الاستراتيجية حتى لو كانت لا توافق على أنشطة مثل إدارة مراكز الاحتيال. وأضاف أن الحزب الشيوعي "استغل في أوقات مختلفة هذه الجماعات واستخدمها عندما كان ذلك مناسباً له. لكنه أيضاً سيتنصل منها أو يعتقل أو حتى يعدم قادتها إن اضطر إلى ذلك".
تهجير قسري
عند بناء منطقة المثلث الذهبي الاقتصادية، أجبرت سلطات لاوس السكان المحليين على الانتقال إلى منطقة أخرى مقابل تعويضات زهيدة، وكان معظمهم من مزارعي الأرز والذرة، فلحوا التربة الغرينية عالية الجودة في تلك المنطقة منذ أجيال.
قيل للسكان في البداية إن هذا المشروع التنموي سيوفر فرصاً اقتصادية، إلا أن عدداً قليلاً نسبياً منهم حظي بفرصة للعمل هناك. فقد أُوكلت وظائف البناء لعمال بورميين استأجرهم جو، أما الوظائف في "كينغز رومانز كازينو" أو الفنادق أو غيرها من شركات الخدمات فتتطلب إتقان اللغة الصينية، التي لا يتقنها إلا قليل من القرويين. يعمل بعضهم اليوم بوظائف هامشية أو كسائقين، بينما يكسب آخرون رزقهم من زراعة قطع الأراضي الصغيرة المحيطة بالمساكن التي نُقلوا إليها.
في أحد مواقع إعادة التوطين غير البعيدة عن حدود منطقة المثلث الذهبي، تقوم صفوف من المنازل البيضاء ذات طابقين ولها شرف أمامية صغيرة. عند أحد تلك المساكن كانت هنالك امرأة ثلاثينية قالت كانت تزرع أرضاً باتت الآن موقعاً لنقطة تفتيش عند أحد مداخل المنطقة. قالت: "لم يكن هناك خيار آخر" حين أمرت الحكومة السكان أن ينتقلوا كي يفسحوا المجال أمام جو.
وصرحت امرأة أخرى أعيد توطينها، وكانت آتية من تجمع سكني آخر لزيارة، أنها تحنّ إلى مفردات حياتها السابقة: "هذا ليس عدلاً، لكن لا نستطيع أن نقول شيئاً".
وأشارت النسوة إلى أنهن حاولن الاستفادة من الوضع الجديد على أفضل وجه وكذلك جيرانهن، ولكن منذ تهجيرهن، شاهدن أن منطقة المثلث الذهبي تتوسع باستمرار وتضاعفت مساحتها أضعافاً عدة. حتى فيما كنّ يتحدثن، كانت أعمال البناء قائمة بالجوار. أضفن أنهن يخشين من أن يطرق أبوابهن عما قريب من يبلغهن مجدداً أن جو بحاجة لأراضيهن.