صن هونغبين واحد ممن يعرفون معنى أن يكون المرء على حافة جرف. كان الرجل الذي أسس "سوناك تشاينا هولدينغز" (Sunac China Holdings) يقف على حافة ضفة نهر في مقاطعة سيشوان بعد عشاء عمل في سبتمبر، حين زلت قدمه ليهوي في حفرة عمقها نحو ثلاثة أمتار. انتشله فريق إغاثة ونقله إلى مسشفى حيث تلقى علاجاً من جروح وكسور.
قال بعض معارف صن، وقد طلبوا عدم كشف هوياتهم لخصوصية المعلومات، إن المقربين منه يرون هذه الحادثة المؤسفة كنايةً عن سنوات ثلاث عجاف دفعت بإمبراطوريته في قطاع العقارات إلى حافة الانهيار. فيما كان رئيس مجلس إدارتها يتعافى، بدأت الشركة، التي تعمل منذ 20 عاماً، تواصل نشاطها بعد إعادة هيكلة ديون جعلتها تبرز بين عشرات شركات التطوير العقاري الصينية المتعثرة، التي قد تواجه الانهيار أو الدمج مع شركات أخرى.
ما تزال شركات منافسة أكبر حجماً، مثل "تشاينا إيفرغراند غروب" و"كانتري غاردن هولدينغز"، في غمار مفاوضات مع دائنيها، فيما استطاعت "سوناك" أن تحصل على موافقة مستثمرين بينهم "آشمور غروب" (Ashmore Group) و"بارينغز" (Barings) على خطة لإعادة هيكلة ديون خارجية قدرها نحو 10 مليارات دولار.
مقايضة مجدية
قال مستثمرون إن خطة "سوناك" الواضحة ومعاملتها العادلة للدائنين كان لها دور هام في إعادة الهيكلة، التي دخلت حيز التنفيذ في نوفمبر، أي بعد نحو 18 شهراً منذ تخلفت لأول مرة عن سداد استحقاقات سندات دولارية.
وافقت الشركة والدائنون على مقايضة الدَّين بأسهم، كما وافق حاملو السندات على تمديد أجل السداد لمدة تصل إلى تسع سنوات. تراجعت حصة صن في الشركة وفقاً للصفقة بعدما أقرضها 450 مليون دولار من ماله دون فائدة. رفض كل من صن والشركة التعليق.
اقرأ أيضاً: أزمة العقارات الصينية تعرّض ديوناً بـ1.6 تريليون دولار للخطر
خلال المحادثات، وضع صن مبادئ بسيطة للمتفاوضين: أتمّوا الصفقة ولا تقلقوا بشأن مكاسب أو خسائر بسيطة. تمكّنت "سوناك" من إقناع الدائنين بأن فرص حصولها على دعم الدولة وأسعار أفضل لأصولها ستزيد إن تمكنت من التخلص من توصيف "متخلفة عن السداد" وتخطي الأمر.
قالت ليو جيكي، إحدى كبار محللي العقارات لدى "يو أو بي-كاي هيان" (UOB-Kay Hian): "بيّنت (سوناك) أن إعادة هيكلة الدَّين أمر ممكن"، خصوصاً في ضوء الالتزام الذي أبداه صن عبر إقباله على إقراضها من ماله.
قالت جيكي إن جودة أصول "سوناك" مقارنةً بجودة أصول نظيراتها كانت عاملاً مساعداً. تتركز مشروعات إسكان الشركة بشكل رئيسي في المدن الكبرى، فيما ركزت شركات أخرى كثيرة عل المناطق الأصغر، وفيها كان انهيار أسعار المساكن أشد. كما أنها جلبت المزيد إلى طاولة المفاوضات، ومن ذلك مدن ملاهٍ ومنتجعات في أنحاء الصين تملكها، وكذلك شركة تابعة مسؤولة عن أعمال الصيانة في مشروعات للشركة ولمنافساتها.
مستقبل مجهول
في ظل تعثر سوق الإسكان في الصين، فإن استمرارية "سوناك" ما تزال غير مؤكدة. برغم سلسلة إجراءات اتخذتها بكين بهدف إعادة إحياء الطلب، فقد تراجعت مبيعات المنازل خلال 20 شهراً في العامين الماضيين، وانخفضت 17% في 2023.
اقرأ أيضاً: "سوناك الصينية" تعلن خطة لإعادة هيكلة ديون بقيمة 9 مليارات دولار
هوت قيمة العقارات التي باعتها "سوناك" العام الماضي إلى النصف، وأعلنت الشركة عن خسارة 15 مليار يوان (2.1 مليار دولار) خلال الأشهر الستة حتى يونيو. تراجعت أسهم الشركة المدرجة في بورصة هونغ كونغ 97% من أعلى سعر وصلت له في 2020، لتبلغ ما يعادل أقل من 20 سنتاً أميركياً، فيما كان تداول سنداتها المستحقة في سبتمبر 2032 عند نحو سبعة سنتات لكل دولار.
تحتل "سوناك" الآن المرتبة 17 من حيث مبيعات المساكن في الصين، بعدما كانت لها المرتبة الثالثة. أبلغت شركة التطوير العقاري مستثمريها بأنها تحتاج إلى مبيعات شهرية قيمتها 15 مليار يوان على الأقل-أي ثلاثة أضعاف معدلها الحالي-لتغطي نفقاتها وتواصل نشاطها، حسبما أفاد شو ليكيانغ، نائب مدير وحدة الدخل الثابت في "شنغهاي سيلفر ليف إنفستمنت" (Shanghai Silver Leaf Investment)، مستنداً إلى عرض قدمته الشركة في يوليو.
وقال مدير لدى "سوناك" إن الشركة ليس لديها هدف مبيعات محدد، وإنها تركز عوضاً عن ذلك على تسليم الشقق للذين دفعوا أثمانها. تعتزم الشركة استكمال ما يصل إلى 300 ألف وحدة هذا العام، أي تقريباً عدد الوحدات ذاته الذي استكملته في 2023، وفقاً للمدير، الذي طلب عدم كشف هويته نظراً لأنه يتطرق إلى مداولات داخلية.
ثراء متراجع
تطلّبت صفقة "سوناك" أن تتحمل جميع الأطراف المعنية جزءاً من العبء، ما يعكس عمق أزمة قطاع العقارات في البلاد. تُقدَّر معدلات استرداد الدائنين بين 34 سنتاً و43 سنتاً لكل دولار، وفقاً لـ"بلومبرغ إنتليجنس". كجزء من عملية تحويل الديون، انخفضت حصة أسهم صن في الشركة لأقل من 25% بعدما كانت تقارب 40%، فهوت ثروته إلى 433 مليون دولار بعدما بلغت ذروتها عند 13 مليار دولار في 2020، وفقاً لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات.
اقرأ أيضاً: أباطرة عقارات الصين يسحبون المليارات من ثرواتهم لإنقاذ شركاتهم
قال دانييل فان، المحلل في "بلومبرغ إنتليجنس"، إن مقايضة الدَّيون بأسهم قد تخفضها بما يصل إلى 40%، لتصبح ستة مليارات دولار، وهو مبلغ التعامل معه أسهل. أضاف: "التمديدات تشمل استحقاقات الإصدارات في الداخل والخارج"، وقد منحت "سوناك" وقتاً لتتعافى مبيعاتها.
هذه ليست أول مرة يعاود فيها صن دخول الساحة بقوة، فقد أُدين في أوائل التسعينيات باختلاس أموال أثناء عمله في "لينوفو غروب" (Lenovo Group). أسقطت محكمة استئناف التهمة عنه بعد عقد، لكنه قضى أربع سنوات في السجن. أسس صن في 2003 الشركة التي أضحت "سوناك"، وبنى في نهاية المطاف إمبراطورية تضم 72 ألف موظف ولها مشروعات في 62 مدينة.
بساطة وتواضع
يتحدث صن، 61 عاماً، بوتيرة سريعة جداً، ويُميل لارتداء قمصانٍ وأحذية رياضية أكثر من البزات والأحذية من طراز أوكسفورد، كما يسافر وحيداً في كثير من رحلات العمل دون حاشية كالتي تحيط عادةً بكبار المسؤولين التنفيذيين الصينيين.
يشير موظفو "سوناك" إلى المؤسس بلقب "صن الكبير"، إذ لا يحبذ الإشارة بالألقاب وهو سائد الصين، التي يشيع فيها الاهتمام بالمكانة. تشجع الشركة الموظفين على مشاركة أفكارهم أمام الآلاف من زملائهم خلال الاجتماعات. قال أحد من يحضرون مثل هذه الاجتماعات إن مشاهدة صن يقف منتظراً دوره بهدوء خلف عشرات ليتحدث، أمر مألوف.
اقرأ أيضاً: أسهم وسندات مطوري العقار في الصين تقفز بفضل خطة دعم التمويل
تحمل عديد من مساعدي صن الأساسيين شديد العناء خلال إعادة الهيكلة، كما وصلوا الليل بالنهار خلال سنوات الاضطرابات الثلاث. قالت مونيكا هسياو، كبيرة مسؤولي الاستثمار ومؤسِسة "تريادا كابيتال" (Triada Capital)، وهي شركة لإدارة الأصول الائتمانية في هونغ كونغ، وإحدى حملة سندات "سوناك" سابقاً، إن صن لم يختفِ مثلما فعل بعض نظرائه. قالت: "إنه واحد من قلة من رؤساء مجالس الإدارة الذين بذلوا قصارى جهدهم حتى فيما كانت السفينة تغرق".
تعويل على المبيعات
لكن توسُّعات صن القوية المبنية على الاقتراض، رفعت معدل الدَّين إلى الأصول في "سوناك" لأكثر من 360% قبل خمس سنوات، أي أعلى من نظيره لدى أغلب الشركات. بحلول 2022، بلغ حجم التزاماتها نحو 140 مليار دولار، وفي سبتمبر، تقدمت الشركة بطلب للحماية من الإفلاس بموجب الفصل 15 من قانون الإفلاس الأميركي في نيويورك لتحمي أصولها، فيما تعمل على إعادة الهيكلة.
بعد إبرام اتفاقية الديون، يتحتم على صن أن يركز على إعادة إحياء المبيعات في سوق راكدة، وتشير التوقعات إلى أنها ستنكمش 20% إضافية في النصف الأول من هذا العام.
قالت زيرلينا زنغ، المحللة في "كريدت سايتس سنغابور" (CreditSights Singapore)، إن ذلك سيولّد تحديات ضخمة لأي تعافٍ تسعى "سوناك" لتحقيقه. قالت: "مبيعات المنازل في الصين تواصل الانكماش. كما أن معنويات شراة المنازل ليست عالية رغم موجة دعم قطاع العقارات".