سخرت الشركات عوائد زمن الجائحة لشراء سفن شحن أكبر لكنها ستتلقاها وسط انحسار في الطلب

أسطول سفن شحن سيدخل الخدمة فيما ينحسر الطلب

السفينة "ميفيو" في ميناء روتردام - المصدر: بلومبرغ
السفينة "ميفيو" في ميناء روتردام - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يصعب فهم الرابط بين اسم بلدة ميفيو الصغيرة في ولاية ميسوري، التي لا تشاطئ البحر، مع إحدى أكبر سفن العالم.

إنها قرية صغيرة يسكنها 200 إنسان فيها مرتع يُسمّى "أولد سكول ستور آند بار" يرحب بعشاق سباق "ناسكار" للسيارات عبر عروض على جعة "بوش لايت"، فيما يقدم مطعم "ميشيلز بليس" بجواره عشاء الدجاج المقلي أيام الآحاد، وتحمل أعمدة الكهرباء فيها أعلاماً باهتة كُتب عليها: "فلتحيا روح ميفيو".

لماذا إذاً أطلقت شركة "أي بي مولر ميرسك" (A.P. Moller-Maersk) التي تتخذ في كوبنهاغن مقراً اسم القرية على فخر أسطولها: السفينة "ميفيو ميرسك" التي يبلغ طولها 400 متر؟

إبحار معتم لناقلات روسية يثير مخاوف حول خرق العقوبات

إنها تتبع تقليداً يكرّم مؤسسيها، فقد تزوّج أرنولد بيتر مولر في ميفيو عام 1910، حيث كان يعيش بعض أنسبائه، وأُطلق على منزل الزوجين في الدنمارك اسم فيلا ميفيو.

بيّن هيننغ مورغان، المؤرخ لدى الشركة، إن لديها فئات أخرى تختار من أسمائها وتضم مواقع جغرافية وأحجاراً كريمة وملوكاً، كما أنها استخدمت أسماء استلمتها مما له "قيمة وأثر إيجابي"، مشيراً إلى أن الشركة التي تأسست منذ 119 عاماً، غالباً ما تأخذ بالاعتبار الروابط العائلية حين تسمي سفنها.

قال: "إنه منهج، لكنه بعيد كل البعد عن أن يكون رسمياً لأنه يرتبط بثقافة الشركة".

استثمارات لبناء سفن جديدة

تسمية السفن التجارية طقسٌ قديم يتباين بين شركة وأخرى فبعضه يتعلق بالتسويق وبعض آخر يعكس الفخر بالوطني أو بالشركة. لكن الصناعة ستواجه تحدياً مشتركاً في هذا خلال العامين المقبلين فثمة حاجة لتسمية مئات السفن الجديدة.

رغبت شركات حاويات النقل البحري استثمار الأرباح القياسية التي حققتها أثناء الوباء في سفنٍ تعمل بوقود أنظف، فانطلقت تشتريها من شركات صينية وكورية جنوبية ويستغرق بناؤها 18 شهراً أو أكثر.

"إم إس سي" تقتنص صدارة خطوط الشحن العالمية من "ميرسك"

سيتوافد كثير من هذه السفن هذا العام، الذي توقع محللون أن تتراجع فيه التجارة بسبب مجموعة عوامل صادمة بينها دخول بعض أكبر الاقتصادات في ركود. تتوقع منظمة التجارة العالمية نمو أحجام النقل 1% فقط هذا العام، وهو تباطؤ حاد عن تقديرات العام الماضي البالغة 3.5%.

وفقاً لأحدث إحصاء من شركة الأبحاث "دروري ماريتايم ريسرتش" (Drewry Maritime Research)، يبلغ سجل الطلبيات أكثر من 900 سفينة، ويُتوقع أن تضيف عمليات التسليم هذا العام وحده ما يزيد على 1.4 مليون حاوية نمطية بطول ستة أمتار إلى طاقة الشحن، أي ما يعادل 5% من الإجمال العالمي حالياً.

بيّنت "دروري" أنها تتوقع أن تزيد السعة الجديدة العام المقبل بمقدار قياسي قدره 2 مليون حاوية نمطية، و2.1 مليون حاوية نمطية في 2025 لتصل إلى 27.2 مليون، وهذا أعلى بنسبة 50% عن مستواها منذ عقد.

اختلال العرض والطلب

رغم شطب بعض السفن القديمة وإحالتها إلى مجمعات الخردة، ورغم إمكانية تأخر بعض الطلبيّات، فإن قطاع صناعة الناقلات يواجه مشكلة ذاتية هي زيادة العرض ربما تبقي أسعاره مستقرّة وقد تدفع نحو جولة جديدة من دمج الشركات، خصوصاً إذا ما انزلقت الاقتصادات المتقدمة الرئيسية نحو الانكماش، كما يتوقع كثيرون.

علّق سايمون هيني، مسؤول أبحاث حاويات النقل في "دروري": "لن يمكن لشركات النقل استلام جميع السفن الجديدة المقرر بناؤها في المواعيد المخطط لها... لا مفر أمامهم من التأجيل وهدم وتعطيل سفن إضافة لإلغاء بعض الرحلات للحد من أعباء فرط القدرة الاستيعابية".

عملاقة الشحن الفرنسية "سي إم إيه سي جي إم" متخوفة من ضعف الطلب

انخفضت معدلات الشحن البحري للحاويات 80% عن ذروتها أثناء الوباء، ويُرجّح أن تبقى في مستوياتها الحالية، أو قد تواصل الهبوط نظراً لتوازن العرض والطلب، الذي تحوّل ضد مشغلي السفن بحسب لي كلاسكو، خبير التحليل اللوجستي في بلومبرغ إنتلجنس الذي أوضح قائلاً: "سنشهد هذه السنة نمواً ثابتاً للطلب في أحسن الأحوال، كما يُتوقع أن يزداد العرض من 5% إلى 9% حسبما يشير سجل الطلبيات اليوم، وهو ما قد يؤدي لانخفاض الأسعار حتى 2024".

عمالقة الشحن البحري

تأتي "مدترينيان شيبينغ" (Mediterranean Shipping) في طليعة المستثمرين في هذا بعدما تجاوزت "ميرسك" العام الماضي كأكبر خط حاويات نقل في العالم.

أعلنت الشركتان الشهر الماضي أنهما ستفككان في 2025 تحالف مشاركة السفن الذي وقعتاه قبل ثماني سنوات، لكي تتمكنا من رسم مسارات مختلفة، فتصبح "مدترينيان شيبينغ" عملاق المحيطات، وتركز "ميرسك" على التزويد اللوجستي الشامل والأكثر تنوعاً. تعكس سجلات الطلبيات تشعُّب وجهات إبحار الشركتين.

"ميرسك" تقلص توقعاتها للطلب العالمي على الحاويات

تشير أرقام "ألفالاينر" (Alphaliner) إلى أن سجل طلبيات "مدترينيان شيبينغ" يبلغ 133 سفينة ولديها أسطولها من 721 سفينة تملكها أو تستأجرها حالياً. بينما طلبت "ميرسك" 29 سفينة فقط لرفد أسطول من 701 سفينة.

ستتلقى "مدترينيان شيبينغ"، ومقرها جنيف، هذا العام أكبر سفن بنيت على الإطلاق، تتسع كل منها لأكثر من 24 ألف حاوية، أي بما يزيد بنسبة 33% عن سعة "ميفيو" التي تملكها "ميرسك".

تطلق"مدترينيان شيبينغ" على السفن أسماء أفراد عائلات موظفيها. أما شركة "سي إم إيه سي جي إم" (CMA CGM) تجمع في تسميات سفنها بين مفاخر باريس (مثل لوفر، وشانزليزيه اللتين دخلتا الخدمة حديثاً)، وأسماء تدل على الميثولوجيا اليونانية (مثل أبولون وزيفر اللتين بُنيتا في 2021). بينما تحب شركة "إيفر غرين" (Evergreen Marine) التايوانية الثبات في الأسماء، وهي التي كانت تدير سفينة "إيفر غيفن" (Ever Given) حين علقت في قناة السويس في 2021، ويضم أسطولها أيضاً "إيفر برلي" (Ever Burly)، و"إيفر سوبيرب" (Ever Superb)، و"إيفر يوسفل" (Ever Useful).

أسماء السفن مهمّة

يقيناً، لا تنفق الشركات مئات ملايين الدولارات لتشتري ناقلات بحرية جديدة فتحقق ثراءً سريعاً. لقد أعلنت "ماتسون"، ومقرها هونولولو، في نوفمبر عن خطط لشراء ثلاث سفن جديدة مقابل نحو مليار دولار، وقال رئيسها التنفيذي ماثيو كوكس إن الشركة تتوقع أن يتم استخدام السفن لمدة 40 عاماً، لتستكمل بذلك أسطولها الحالي من السفن التي تحمل أسماء تكرّم جزيرة هاواي.

ليس لدى المنظمة الدولية البحرية، وهي وكالة تتبع الأمم المتحدة وتتخذ في لندن مقراً، توجيهات لتسمية السفن، لكنها تفرض قواعد لتعيين أرقام تعريفية دائمة لها.

قال جون ماكاون، المخضرم في قطاع النقل البحري ومؤسس شركة "بلو ألفا كابيتال" (Blue Alpha Capital) التي تتعقب أحجام الموانئ الأميركية وأرباح سفن الحاويات، إن زبائن خدمات الشحن البحري يتذكرون أسماء السفن، لا أرقامها:

"ما تزال لأسماء السفن رمزية بالنسبة لمستخدميها، اسم السفينة ذو أهمية لهم حين يراجعون الجداول ويحجزونها". كما أنه الآن بصدد إجراء بحثٍ أولي حول كيفية يمكن أن تُسمّى سفينة عسكرية باسم معلمه السابق رائد قطاع النقل البحري مالكوم ماكلين.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك