يُتوقع أن يبدأ رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" الأميركي جيروم باول الفصل المقبل في معركته ضد التضخم يوم الجمعة، حيث يُتوقع أن يهيئ السبيل لأجواء خفض أسعار الفائدة، مع تقديم تطمينات للمستثمرين حول قدرة صانعي السياسة النقدية على تفادي تباطؤ اقتصادي حاد.
يأتي هذا الخطاب المرتقب في الاجتماع السنوي للاحتياطي الفيدرالي في جاكسون هول بولاية وايومنغ، في وقت حاسم للبنك المركزي الأميركي وسوق سندات الخزانة البالغة قيمتها 27 تريليون دولار. يتجه باول وزملاؤه نحو خفض تكاليف الاقتراض قبل سبع أسابيع من الانتخابات الرئاسية، وهي مهمة حساسة ستضعهم تحت تدقيق مكثف. كما يتزامن ذلك مع زيادة اهتمام المسؤولين بسوق العمل المتباطئة بعد سنوات من التركيز الشديد على ضغوط الأسعار.
قال جوزيف بروسويلس، كبير الاقتصاديين في "آر إس إم يو إس" (RSM US): "السؤال هو: هل سنواجه خطأ في السياسة النقدية؟ وهذا هو السبب في توتر السوق حول بيان جاكسون هول". وأضاف: "ما نحتاج لسماعه من رئيس الاحتياطي الفيدرالي هو موقف البنك المركزي بشأن التحول المحتمل في السياسة النقدية".
توتر المستثمرين
تنتاب المستثمرين حالة من التوتر مع محاولتهم توقع وتيرة وحجم تخفيضات أسعار الفائدة القادمة. أثارت بيانات سوق العمل لشهر يوليو تقلبات ملحوظة في السوق في أوائل أغسطس، حيث خسر مؤشر "إس آند بي 500" للأسهم الأميركية أكثر من 6% في ثلاثة أيام تداول. ارتفعت عائدات السندات الحكومية، وتوقع المتداولون لعدة أيام أن يجري "الاحتياطي الفيدرالي" خفضاً كبيراً لأسعار الفائدة في سبتمبر بمقدار 50 نقطة أساس.
في السابق، ارتكب باول وصانعو السياسة النقدية الآخرون أخطاء. فعلى الرغم من نجاحهم في إعادة التضخم نحو هدفهم البالغ 2%، إلا أن ذلك جاء بعد تأخرهم في التعامل مع ارتفاع الأسعار خلال الجائحة. يسعى المسؤولون في "الاحتياطي الفيدرالي" الآن إلى تجنب تكرار الأخطاء نفسها في سوق العمل بينما تنحسر ضغوط الأسعار.
ومع ذلك، بدأت تظهر علامات ضعف في سوق العمل القوية تاريخياً. الشهر الماضي، أبطأت الشركات الأميركية من وتيرة التوظيف، وارتفعت معدلات البطالة للمرة الرابعة على التوالي، مما أثار المخاوف من أن أسعار الفائدة المرتفعة قد تدفع سوق العمل نحو نقطة تحول، ما دفع العديد من الاقتصاديين أيضاً إلى توقع قيام الحكومة يوم الأربعاء بإجراء تعديل كبير بالخفض لتقارير التوظيف للسنة حتى مارس.
تقارير التوظيف
السؤال الرئيسي بالنسبة إلى الذين يتابعون باول، خاصة في أسواق السندات، هو ما إذا كانت تقارير التوظيف الضعيفة الأخرى ستؤدي إلى خفض كبير الحجم الشهر المقبل، أم ستجبر "الاحتياطي الفيدرالي" على تبني نهج أكثر جرأة في خفض الفائدة في الأشهر القادمة. سيلقي باول خطابه في الساعة 10 صباحاً بتوقيت نيويورك يوم الجمعة المقبل في ندوة السياسة الاقتصادية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي.
قال ماثيو لوزيتي، كبير الاقتصاديين في "دويتشه بنك": "يمكن أن تكون هناك حجة لتسريع التحرك قليلاً في البداية (أي إجراء خفض كبير للفائدة في سبتمبر) ثم التباطؤ". أضاف: "أعتقد أن هذه الحجة تصبح قوية فقط إذا كانت هناك دلائل على ضعف أكبر في سوق العمل".
عندما تحدث باول قبل عام في جاكسون هول، بدا هو وزملاؤه متجهين في المسار المعاكس. كان "الاحتياطي الفيدرالي" قد رفع لتوه معدل الفائدة الأساسي إلى نطاق يتراوح بين 5.25% و5.5%، وهو أعلى مستوى يشهده جيل واحد. وصف باول سوق العمل بأنها ضيقة، واعتبر التضخم "مرتفعاً جداً"، وأشار إلى أن "الاحتياطي الفيدرالي" "مستعد للمزيد من رفع الفائدة إذا لزم الأمر".
تباطؤ التضخم
حدث التباطؤ منذ ذلك الحين. على الرغم من بقاء التضخم فوق هدف "الاحتياطي الفيدرالي" البالغ 2%، إلا أنه شهد انخفاضاً ملحوظاً. فقد تراجع أحد المؤشرات الرئيسية لقياس ضغوط الأسعار الأساسية في يوليو للشهر الرابع على التوالي، مما يؤكد الاتجاه النزولي.
قالت بوجا سريرام، اقتصادية في بنك "باركليز": "نتوقع أن يعترف بأن الظروف مواتية لهم (لمسؤولي الاحتياطي الفيدرالي) لبدء تقليص السياسة النقدية قريباً". أضافت: "من غير الواضح ما إذا كان سيشير إلى تحرك (أي خفض الفائدة) في سبتمبر بشكل صريح أم لا، لكن الرسالة ستكون أنهم في وضع جيد للقيام بذلك".
ستتطلب رسالة باول هذا العام دقة متناهية. يجب أن تكون الأسباب المقدمة لخفض الفائدة قوية بما يكفي لمواجهة الضغوط السياسية المحيطة بالاحتياطي الفيدرالي في سنة الانتخابات هذه. قد يشمل ذلك الإشارة إلى تباطؤ سوق العمل وتخفيف النمو. لكن، بحسب لورا روسنر-واربرتون، كبيرة الاقتصاديين في "ماكرو بوليسي بيرسبكتيفز" (MacroPolicy Perspectives)، لن يرغب في إرسال رسالة سلبية جداً حول توقعات الاقتصاد.
أوضحت: "التعديل النزولي لا يعني أن هناك خطأ". وأضافت: "لتجنب إرسال إشارة سلبية، يحتاج الاحتياطي الفيدرالي إلى أن يكون واضحاً جداً في رسالته".
منذ الاضطراب الذي ضرب السوق في أوائل أغسطس، قلص المتداولون في سوق السندات توقعاتهم لمقدار خفض الفائدة مع انتعاش الأصول ذات المخاطر والبيانات الأخيرة، بما في ذلك الأرقام التي تشير إلى استمرار التسريحات عند مستويات منخفضة، وقوة الاستهلاك في الولايات المتحدة، مما يشير إلى أن الاقتصاد ليس في حالة انهيار.
توتر الأسواق
حالياً، يضع المتداولون في الحسبان خفضاً مقداره ربع نقطة مئوية في الشهر المقبل، ويتوقعون إجمالي خفض يتراوح بين 75 إلى 100 نقطة أساس بنهاية العام، مقارنةً بتوقعاتهم السابقة التي كانت بين 100 و125 نقطة أساس في 2 أغسطس.
عندما سُئل عن إمكانية خفض بمقدار 50 نقطة أساس في يوليو، قبل صدور أحدث بيانات التوظيف، قال باول: "لا أريد أن أكون محدداً للغاية بشأن ما سنقوم به، ولكن ذلك ليس شيئاً نفكر فيه في الوقت الحالي".
أكد باول ومسؤولون آخرون في "الاحتياطي الفيدرالي" مراراً أن قرارات السياسة النقدية ستسترشد بـ"مجمل" البيانات الواردة. سيتم إصدار تقرير توظيف إضافي، وبيانين عن التضخم قبل اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في 17-18 سبتمبر.
قالت ليندسي روسنر، رئيسة قطاع الدخل الثابت متعدد القطاعات في "غولدمان ساكس أسيت مانجمنت" (Goldman Sachs Asset Management): "بدون هذه المعلومات، لا يمكن لباول أن يقول بشكل قاطع في جاكسون هول ما إذا كانوا سيخفضون الفائدة بـ50 أو 25 نقطة أساس". أضافت: "سيُترك المجال مفتوحاً، وسيحافظ على الخيارات المتاحة كما ينبغي. هذه مهمته".
سوف يدور موضوع ندوة جاكسون هول هذا العام حول "إعادة تقييم فعالية وانتقال السياسة النقدية"، وهو موضوع مناسب نظراً لأن العديد من المستثمرين والاقتصاديين يتساءلون أيضاً حول مدى سرعة وتيرة تخفيضات الفائدة في الأشهر المقبلة، وإلى أي مستوى ستنتهي.
التطورات التي مر بها الاقتصاد في أعقاب جائحة "كوفيد-19" تسببت في تعقيد هذا الاعتبار. يعتقد بعض مسؤولي "الاحتياطي الفيدرالي" أن المعدل المحايد -الذي يعكس موقف سياسة نقدية لا يبطئ ولا يحفز الاقتصاد- ربما ارتفع منذ الجائحة، مما يرفع درجة عدم اليقين حول مدى تقييد سياسة البنك المركزي بالفعل.
قالت لورا روسنر-واربرتون من "ماكرو بوليسي بيرسبكتيفز": "إنهم لا يعرفون فعلاً نقطة النهاية". أضافت: "أعتقد أن باول سيسلط الضوء على عدم اليقين هذا، ويشير إلى التوجيهات التي تقدمها البيانات. ستساعد البيانات في تحديد ما هي هذه النقطة النهائية، ويمكنهم التحرك بشكل أبطأ أو أسرع بناءً على ما يمليه وضع الاقتصاد".