مخاوف الانكماش تنتشر من واشنطن لأوروبا والصين وأغلب الاقتصاديين يتوقعونه بداية 2023

ماذا تعرف عن الركود وهل ستسقط الولايات المتحدة في براثنه؟

مبنى الاحتياطي الفيدرالي "مارينر إس إكليس" في واشنطن العاصمة - المصدر: بلومبرغ
مبنى الاحتياطي الفيدرالي "مارينر إس إكليس" في واشنطن العاصمة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كان الجدل الدائر حول احتمال سقوط الاقتصاد الأميركي في براثن الركود خلال العامين المقبلين، ومتى قد يحدث ذلك لو وقع الركود فعلاً، موضوع الساعة بين الاقتصاديين وصانعي السياسات والمستثمرين والمديرين التنفيذيين على مدى أغلب 2022. تسارع التضخم إلى مستويات لم نشهدها منذ أوائل الثمانينيات، مما دفع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى اتخاذ إجراءات صارمة لمحاربته. كما تفاقمت المخاوف من أن الاقتصاد العالمي سيدخل أيضاً في حالة ركود، مع رفع البنوك المركزية حول العالم أسعار الفائدة بسرعة.

1) ممَّ يتشكل الركود؟

القاعدة العامة هي أن الركود يحدث عندما ينكمش الناتج المحلي الإجمالي للدولة -الذي يعد المؤشر الرئيسي الذي تعتمد عليه الحكومة لقياس النشاط الاقتصادي- لربعين متتاليين. لكن لجنة تأريخ دورة الأعمال التابعة للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية التي تضم مجموعة من الأكاديميين –ممن يعتبر تحديدهم للبيانات الاقتصادية مؤشراً رسمياً في الولايات المتحدة- تُعرف الركود بشكل مختلف، بوصفه: "انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي ينتشر في جميع أنحاء الاقتصاد ويستمر أكثر من بضعة أشهر".

اقرأ المزيد: محمد العريان: ركود الاقتصاد ليس محسوماً في معركة الاحتياطي الفيدرالي

تأخذ المجموعة في عين الاعتبار عوامل مثل التوظيف والإنفاق المعدل حسب التضخم والإنتاج الصناعي. ويجب أن يتسم الانخفاض بثلاثة معايير، هي: العمق، والانتشار، والفترة الزمنية.

2) ماذا تبين الأرقام؟

الناتج المحلي الإجمالي الأميركي الذي يعني: القيمة الإجمالية لجميع السلع والخدمات المنتجة في الاقتصاد، سجل بعد تعديله وفقاً للتضخم انخفاضاً لربعين متتاليين في النصف الأول من العام الجاري. هناك مقياس آخر للنمو، وهو الدخل المحلي الإجمالي، الذي يحسب جميع الدخل الناتج عن إنتاج هذه السلع والخدمات، بما في ذلك التعويضات وأرباح الشركات، وكان إيجابياً في كلا الربعين، رغم أنه شهد ارتفاعاً طفيفاً فقط في الفترة من أبريل إلى يونيو. نظرياً، يجب أن يكون الناتج المحلي الإجمالي والدخل المحلي الإجمالي متساويين تقريباً، لذلك حفز الاختلاف الجدل المثار حول مدى ضعف الاقتصاد في النصف الأول من العام الجاري. فيما تدرس لجنة تأريخ دورة الأعمال متوسط ​​المقياسين، والذي كان سلبياً إلى حد ما في كلا الربعين.

3) إلى أي مدى تقترب الولايات المتحدة من الركود؟

لم تتضح إجابة ذلك السؤال بعد رغم بداية الربع الرابع من العام الجاري. رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بسرعة لتهدئة الطلب وترويض أسوأ تضخم منذ عقود، مما أثار مخاوف بشأن الانكماش. لكن البيانات الاقتصادية الصادرة حتى منتصف أكتوبر الجاري ما تزال تشير إلى مرونة الإنفاق الاستهلاكي وسوق عمل قوية.

اقرأ أيضاً: اقتصادات الخليج العربي تسير عكس الركود والتضخم

قال بعض الاقتصاديين إن الولايات المتحدة قد تتجنب الركود خلال الأرباع المقبلة، فيما اختلف آخرون معهم في وجهة النظر. توقعت "بلومبرغ إيكونوميكس" دخول الولايات المتحدة في حالة ركود خلال النصف الثاني من العام المقبل. وتنبأ الاقتصاديون في "دويتشه بنك إيه جي"، وهو أحد أوائل البنوك الكبرى التي توقعت حدوث ركود، أن تبدأ الأزمة في منتصف 2023. فيما تكهنت شركة "نومورا هولدينغز" بحدوثه في وقت أقرب من ذلك بحيث يبدأ نهاية هذا العام.

4) ماذا عن بقية العالم؟

عانى الاقتصاد العالمي كذلك من ارتفاع معدلات التضخم، واتخذت البنوك المركزية إجراءات صارمة لتقويضه. في أوروبا، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا وأزمة الطاقة الناجمة عنه إلى زيادة مخاوف حدوث انكماش وشيك. خفضت روسيا تدريجياً تدفقات الغاز الطبيعي إلى أكبر اقتصادات أوروبا، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة وتقلص الميزانيات العمومية للأسر. في أغسطس، توقعت "بلومبرغ إيكونوميكس" دخول منطقة اليورو في حالة ركود خلال الربع الأخير من 2022. وفي الشهر التالي، قالت معاهد الأبحاث الرائدة في ألمانيا إن اقتصاد الدولة سينكمش على الأرجح بنسبة 0.4% في 2023.

اقرأ المزيد: فرص زيادة الفائدة بنسبة كبيرة تضيق أمام المركزي الأوروبي مع اقتراب الركود

حذر بنك إنجلترا خلال أغسطس الماضي من ترجيحات بدء الركود خلال الربع الأخير من 2022. أصبح المشهد البريطاني أكثر تعقيداً عندما اقترحت حكومة رئيس الوزراء ليز ترس تخفيضات ضريبية ضخمة وغير ممولة، ثم تراجعت عن القرار بسبب الفوضى التي أعقبت ذلك الاقتراح في السوق، مما دفع ترس لتقديم استقالتها. أما بالنسبة للصين، فقد تباطأ الاقتصاد بشكل حاد، وشهد اضطرابات بسبب الركود العقاري والتدابير المستمرة لمكافحة "كوفيد- 19".

5) ما مدى سوء الركود المتوقع؟

ترى الأغلبية العظمى من الاقتصاديين أن أي ركود وشيك في الولايات المتحدة يُرجَح أن يكون طفيفاً أو معتدلاً. يرجع ذلك جزئياً إلى أن معدل البطالة ظل بالقرب من أدنى مستوياته منذ خمسة عقود حتى 2022. وفي سبتمبر الماضي، تراجع معدل البطالة مجدداً إلى 3.5%، ويعد هذا أدنى مستوى يصل له منذ 1969. رغم ذلك، فحتى الركود الطفيف قد يعني خسارة مئات الآلاف من الأميركيين لوظائفهم. وتوقع المتنبئون أن معدل البطالة قد يرتفع لنسبة تقارب 4% إلى 6.5%، رغم أن ذلك سيظل أقل بكثير من نسبة 10% التي شوهدت في أعقاب الكساد العظيم خلال الفترة بين 2007 و2009، ونسبة 15% تقريباً التي وصل لها الاقتصاد في مستهل الوباء.

6) هل يمكن تفادي الركود؟

قد يحدث ذلك في الولايات المتحدة على الأقل، فما يزال هناك أمل في أن الاحتياطي الفيدرالي سيتمكن من تحقيق ما يسمى بـ"الهبوط السلس"، مما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد بما يكفي لتهدئة الطلب وكبح التضخم دون دفع البلاد إلى الركود. أما الطريقة الأكثر إيلاماً لتفادي الركود على المستوى الرسمي فهي المعاناة من "ركود النمو" والذي يمر فيه الاقتصاد بفترة ممتدة من النمو الضئيل والبطالة المتزايدة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك