هجرة الأثرياء من المملكة المتحدة أقل مما تبدو عليه

صعود القومية الاقتصادية قد يحدّ من جاذبية حياة الترحال بين كبار الأثرياء

time reading iconدقائق القراءة - 7
اسم هيئة الإيرادات والجمارك في المملكة المتحدة بادياً على مقرها في لندن - المصدر: بلومبرغ
اسم هيئة الإيرادات والجمارك في المملكة المتحدة بادياً على مقرها في لندن - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

أججت بيانات تدل على أن ما يناهز 10800 مليونير غادروا المملكة المتحدة العام الماضي انتقادات لسياسة الضرائب التي تنتهجها حكومة حزب العمال.

هذا الرقم الذي ورد في تحديث لبيانات أعدتها شركة "نيو ورلد ويلث" (New World Wealth) في جوهانسبرغ لصالح شركة "هنلي أند بارتنرز" (Henley & Partners) لاستشارات الهجرة، قد يكون نذير سوء لأنه أعلى بنسبة 157% عن مستوى العام الماضي، كما يضع نزوح أصحاب الثروات من المملكة في المرتبة الثانية بعد الصين. مع كل ذلك، فإن ظاهر الأمر أكبر من دلالاته.

اقرأ أيضاً: دراسة: الصين وبريطانيا تواجهان هجرة جماعية لأصحاب الملايين

انتقادات لحزب العمال

كان بين المغادرين 78 شخصاً تفوق ثروات كل منهم 100 مليون دولار و13 مليارديراً، ما زاد حدة الاتهامات التي أطلقتها جوقة المنتقدين المعتادة بأن حكومة حزب العمال تدفع صُنَّاع الثروة إلى الهجرة. وقد عزوا ذلك إلى ميزانية أكتوبر التي قدمتها وزيرة المالية ريتشل ريفز، وتضمنت رفع ضريبة أرباح رأس المال ووسعت نطاق ضريبة الإرث وألغت "نظام غير المتوطنين"، الذي كان يوفر معاملة ضريبية تفضيلية للمقيمين الأجانب المؤقتين.

شملت قائمة النقاد جماعة الضغط المدافعة عن غير المقيمين المعروفة باسم "مستثمرون أجانب لأجل بريطانيا"، التي وصفت هذه الإجراءات بأنها "عمل كارثي يؤذي مصلحة الوطن"، بالإضافة إلى تشارلي مولينز، السباك الشهير الذي يبدو شعره كشعر رود ستيوارت.

ظهر مولينز، الذي باع شركته للسباكة "بيمليكو" (Pimlico) مقابل 178 مليون دولار في 2021، عبر وسائل إعلام ليتهم حزب العمال بأنه "لطالما ازدرى الأثرياء" وبأن من شأنه أن يقود البلاد نحو  الإفلاس. كما أعلن رجل الأعمال، الذي انتقل إلى إسبانيا بعد الانتخابات العامة في يوليو، أنه يعتزم الترشح عن حزب الإصلاح الشعبوي الذي يطالب بخفض الضرائب ويقوده نايجل فاراج .

الواقع ليس سيئاً بقدر ما يبدو

لكن عند النظر إلى الصورة الأوسع، سيتبين أن هذه الهجرة ليست ضخمة بقدر ما قد تبدو عليه. فبحسب "نيو وورلد ويلث"، كانت المملكة المتحدة تضم 602500 شخص من أصحاب الثروات الكبرى (أي بحسب تصنيفات المملكة المتحدة، من مالكي أصول قابلة للاستثمار قدرها لا يقل عن مليون دولار) بحلول نهاية 2023. لذا فإن 10800 منهم لا يتجاوز 2%.

 تتابع شركة الاستعلام التي تتخذ في جنوب أفريقيا مقراً لها حركة أكثر من 150 ألف فرد استناداً إلى مصادر متاحة للعامة مثل "لينكد إن" من أجل التحقق من المدينة التي يتواجدون فيها. وأبلغني أندرو أمويلز، رئيس قسم البحوث لديها، أن دقة البيانات تبلغ 90%، وهذه تقديرات تميل لأن تكون متحفظة، لذا فإن عدد المغادرين قد يكون أعلى بقليل.

هذه ليست حجة بغرض الاستخفاف، إذ أن مغادرة الأثرياء لا تصب لمصلحة الآفاق الاقتصادية البريطانية ولا يُحتفى بها. وليس هنالك ما يدعو للفخر في التشابه بين مستوى مغادرة الأثرياء المملكة المتحدة مع الصين، التي أطلقت حملة تضييق على أرباح القطاع الخاص ومظاهر الثراء المفرطة، أو من روسيا التي يغادرها كثير من الأثرياء. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أن الأرقام التقديرية التي نُقلت هذا الشهر هي تحديث لتقرير صدر في يونيو، أي قبل الانتخابات العامة. في ذلك الوقت، توقعت "نيو وورلد" أن تخسر المملكة المتحدة 9500 مليونير خلال 2024. لذا فإن العدد الأقصى الذي يمكن ربط مغادرته إلى ميزانية ريفز هو 1300 ثري فقط.

اقرأ أيضاً: أبوظبي تغتنم الفرصة لجذب أثرياء بريطانيا المتخوفين من الضرائب

ليست الضرائب السبب الوحيد

كان إلغاء حكومة حزب العمال لنظام غير المتوطنين واستبداله بآخر يستند إلى الإقامة، (وهو أمر وعدت به الحكومة المحافظة أيضاً) أثار كثيراً من الجدل حول احتمالات تأثيره على هجرة الأثرياء. لكن هناك كثيراً من العوامل التي تسهم في هجرة الأثرياء أكثر من الضرائب.

 تذكر "نيو وورلد ويلث" الضرائب بعد عدد من الأسباب الأخرى التي تفسر مغادرة أصحاب الثروات للمملكة المتحدة، مثل تدهور النظام الصحي وتزايد المخاوف الأمنية في المدن الكبرى مثل لندن، والهيمنة المتزايدة للولايات المتحدة وآسيا في مجال التقنية وتراجع أهمية بورصة لندن كمكان لجمع رأس المال.

إن المشكلة الأساسية التي تواجه الحكومة ليست ما إذا كان بعض المقيمين الأثرياء سيغادرون، لأن هذا الأمر لطالما كان حتمياً بقدر ما، بل هي أثر ذلك على الإيرادات الضريبية ربحاً أو خسارةً.

قدّر مكتب المسؤولية المالية المستقل أن إلغاء نظام "غير المتوطنين" سيسهم في تحصيل 12.7 مليار جنيه إسترليني حتى نهاية العام المالي 2029-2030، بينما قالت "أكسفورد إيكونوميكس" (Oxford Economics) في دراسة لصالح "مستثمرون أجانب لأجل بريطانيا" إنه قد يكلف الخزانة مليار جنيه إسترليني. ولك أن تصدق ما تشاء من ذلك، فالحقيقة هي أن لا أحد يعلم جازماً، وبيانات الضرائب التي ستصدر عن إدارة الإيرادات والجمارك الملكية هي ما يكشف الحقيقة في نهاية المطاف.

قد تطغى التحولات العالمية في أي حال على تأثير التعديلات الضريبية في المملكة المتحدة. إذ إن المملكة ستخسر 17% من أصحاب الملايين المقيمين فيها خلال الخمس سنوات حتى 2028، في أكبر انخفاض متوقع بين 36 دولة شملها تقرير الثروة العالمية من "يو بي إس" لعام 2024، أي انخفاض بمقدار أكثر من نصف مليون شخص (مع اعتماد توصيف أوسع لأصحاب الملايين يشمل أصولهم العقارية). 

اقرأ أيضاً: ضغوط بريطانية لفرض "ضريبة خروج" وسط هجرة الأثرياء إلى الإمارات

قال بول دونوفان، كبير الاقتصاديين في إدارة الثروات العالمية لدى "يو بي إس"، إن هذا الرقم الذي يستند إلى نموذج من "برايس ووترهاوس كوبرز" (PwC ) ويعتمد على أبحاث النصف الأول من عام 2024، يجب اعتباره خروجاً عن المألوف. مع ذلك، واقع الحال أن عدد أصحاب الملايين في المملكة المتحدة لا يتناسب مع عدد سكانها، كما لديها أصحاب ملايين "رحل" أكثر من أي دولة أخرى، وهم قد يغادرون في الأوقات التي تشهد حركة نزوح أكبر في أوساط هذه الفئة. وربما يقوض صعود مفهوم القومية الاقتصادية جاذبية أسلوب الحياة المتنقل في أوساط الأثرياء.

الأجدى بمنتقدي ضرائب حزب العمال أن يحتفظوا ببعض ذخيرة انتقاداتهم، فقد تطرأ أمور أخرى كثيرة قريباً ليتسخطوا بشأنها.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

تغيير حجم الخط

لندن

9 دقائق

1°C
غيوم متناثرة
العظمى / الصغرى /
18.5 كم/س
78%
الآراء الأكثر قراءة

ناصف ساويرس يدرس مغادرة بريطانيا بسبب زيادة الضرائب

الملياردير المصري يملك حصة في أستون فيلا الإنجليزي ولديه فريق يدير ثروته بمنطقة مايفير وعدة منازل فاخرة

time reading iconدقائق القراءة - 5
ناصف ساويرس - المصدر: بلومبرغ
ناصف ساويرس - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يدرس الملياردير المصري ناصف ساويرس، الذي جمع ثروة هائلة جعلته بين نخبة الأثرياء في المملكة المتحدة، مغادرة بريطانيا بسبب زيادة الضرائب بالبلاد.

يمتلك ناصف حصة في أستون فيلا، وهو أحد أندية الدوري الإنجليزي الممتاز، ولديه فريق يدير ثروته من منطقة مايفير الفاخرة بالبلاد، ومحفظة عالمية من المنازل الراقية.

بحسب أشخاص مطلعين على الأمر، قد يأتي قرار ساويرس، البالغ من العمر 63 ربيعاً، بمغادرة بريطانيا وسط التغيرات الضريبية والاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة.

وأفاد الأشخاص، الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم نظراً لحساسية الموضوع، أن ساويرس ينظر في خيارات مثل الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى كوجهات محتملة للانتقال. وأشاروا أن خططه للمغادرة ما تزال في مراحلها الأولية وقد تتغير لاحقاً.

هل ينتقل ناصف ساويرس إلى الإمارات؟

في أواخر نوفمبر الماضي استقال ساويرس من منصب مدير فرع لندن لمكتبه العائلي "إن إن إس غروب" (NNS Group)، الذي جرى تسجيله في أبوظبي خلال يوليو الماضي، وفق إفصاحات. مع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت الإمارات واحدة من الوجهات التي يفكر في الانتقال إليها.

وينبع اتجاه الأثرياء لمغادرة بريطانيا من شعورهم بقلق متزايد بسبب مساعي وزيرة المالية البريطانية، راشيل ريفز، لزيادة الضرائب وإنهاء اللوائح المالية المواتية، بهدف سد عجز اقتصادي يُقدر بنحو 40 مليار جنيه إسترليني (50 مليار دولار) في البلاد.

ورفض ممثل عن ساويرس، الذي يُعتبر أغنى شخص في مصر بثروة تُقدر بحوالي 8.8 مليار دولار وفقاً لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات، التعليق على الأمر.

قلق بين أثرياء بريطانيا

يواجه الأثرياء في بريطانيا تغييرات واسعة تؤثر على ثرواتهم، بما في ذلك ارتفاع الضرائب على الأصول الموروثة والثروات الخارجية، فضلاً عن فرض ضرائب على رسوم المدارس الخاصة. في الوقت نفسه، تراجعت سمعة بريطانيا التي طالما كانت مرتبطة بالاستقرار القانوني والسياسي خلال السنوات الأخيرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، وتغيير ستة رؤساء وزراء خلال 10 سنوات فقط.

أكبر 5 وجهات عالمية جاذبة للميارديرات

الوجهة عدد المليارديرات (بالآلاف)
الإمارات 6.7
الولايات المتحدة  3.8
سنغافورة 3.5
كندا 3.2
أستراليا 2.5

المصدر: بلومبرغ

هذا المشهد المتغير يدفع العديد من المستثمرين الأثرياء والمديرين التنفيذيين للنظر في الانتقال إلى وجهات بديلة، مثل سويسرا وإيطاليا والشرق الأوسط وسنغافورة.

وخلال الشهر الماضي، أعلن المستثمر العقاري البريطاني أسيف عزيز عن انتقاله إلى أبوظبي. كما غادر المستثمر الألماني في قطاع التكنولوجيا كريستيان أنغيرماير بريطانيا العام الماضي إلى سويسرا. ودرس الملياردير البريطاني المتخصص في صناديق التحوط، آلان هوارد، مؤخراً الانتقال إلى جنيف من العاصمة الإنجليزية.

أكبر 5 وجهات عالمية طاردة للميارديرات

الوجهة عدد المليارديرات (بالآلاف)
الصين  15.2
المملكة المتحدة  9.5
الهند 4.3
كوريا الجنوبية 1.2
روسيا 1
المصدر: بلومبرغ

من هو ناصف ساويرس؟

ناصف ساويرس، خريج جامعة شيكاغو في مجال الاقتصاد، هو واحد من ثلاثة أشقاء مليارديرات تعود ثرواتهم إلى مجموعة "أوراسكوم" التي أسسها والدهم الراحل أنسي ساويرس. انضم ناصف إلى الأعمال العائلية قبل أكثر من أربعة عقود، ويترأس حالياً شركة "أو سي آي- إن في" (OCI NV)، وهي شركة عملاقة مقرها أمستردام تعمل في مجال الأسمدة، تم فصلها عن قسم الإنشاءات في مجموعة "أوراسكوم" عام 2015.

يحمل ناصف جنسيات بلجيكية ومصرية وإماراتية، واستقر في بريطانيا منذ أكثر من عقد. وعزز استثماراته في البلاد عام 2018 عندما اشترى نادي أستون فيلا لكرة القدم بالتعاون مع الملياردير الأميركي ويس إدينز، في صفقة بلغت حوالي 30 مليون جنيه إسترليني حينها.

كما أسس مؤسسة خيرية في بريطانيا أواخر عام 2018، وتبرع بأكثر من 45 مليون جنيه إسترليني لدعم أنشطتها، بما في ذلك تقديم منح للكنائس في لندن، وتمويل أبحاث طبية بريطانية، ومؤسسة أنشأتها المغنية البريطانية جوس ستون، وفقاً للوثائق المحلية.

تشمل استثماراته الأخرى حصصاً في شركة الملابس الرياضية الألمانية "أديداس" وشركة "ماديسون سكوير غاردن سبورتس" (Madison Square Garden Sports)، التي تمتلك فريقي "نيويورك نيكس" و"نيويورك رينجرز".

وفي الشهر الماضي، جرى تعيينه مع جون غراي المسؤول عن شركة "بلاكستون" (Blackstone) في مجلس إدارة شركة "إكس آر جي" (XRG)، وهي شركة جديدة أنشأتها شركة النفط الوطنية الإماراتية "أدنوك" للاستثمار في أصول الطاقة العالمية.

تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

تغيير حجم الخط

لندن

9 دقائق

1°C
غيوم متناثرة
العظمى / الصغرى 0°/3°
18.5 كم/س
78%

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.