هل الحياد الكربوني لا يناسب عصرنا الحالي؟

قد يجعل صعود الذكاء الاصطناعي والتوترات الأوروبية الروسية وتراجع الإنتاجية هدف الحياد الكربوني البريطاني أصعب تحقيقاً

time reading iconدقائق القراءة - 6
توربينات لطاقة الرياح قرب كلاكتون أون سي، في المملكة المتحدة - بلومبرغ
توربينات لطاقة الرياح قرب كلاكتون أون سي، في المملكة المتحدة - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بقلم: Merryn Somerset Webb

قال أمين الناصر، رئيس "أرامكو السعودية" التنفيذي، ما خلاصته إن الطاقة لا تتحول من نوع إلى آخر بل يضاف إليها جديدها. جاء هذا في حديثه أمام جمهور أسبوع الطاقة الدولي في سنغافورة أواخر العام الماضي.

لو نظرنا إلى الأرقام سندرك وجهة نظره، فقد ارتفع إنتاج الكهرباء المولدة من طاقة الرياح والشمس بقوة، إذ أن نحو 30% من الكهرباء عالمياً تولده مصادر طاقة متجددة، وهذه بشائر خير.

لكن إليكم ما لا يوليه معظم الناس تمعناً كافياً: إن الطاقة المولدة من جميع المصادر الأخرى ارتفعت أيضاً. بات العالم يستخدم مزيداً من الكتلة الحيوية والنفط والغاز والفحم بما يفوق أي وقت مضى. على سبيل المثال، كانت كمية الفحم المستغلّة في 2023 ضعف ما بلغته في عام 2000. وأظن مقصدي قد بلغكم.

مع نمو السكان وزيادة ثرائهم، نحتاج إلى مزيد من الطاقة. وتلعب مصادر الطاقة المتجددة دوراً، لكن بعد أكثر من عقدين من الكلام عن التخلص من الهيدروكربونات، فهي ما تزال تولد أربعة أخماس الطاقة عالمياً. أي أن المزيد من استغلال الطاقة المتجددة لا يعني تراجعاً في ما يولده الوقود الأحفوري، بل مزيداً من الطاقة عموماً.

تفرّد بريطاني

هناك عدد قليل من الدول التي لا تقبل آلية التفاعل هذه، ومنها المملكة المتحدة، التي لديها هدف تشريعي لخفض جميع انبعاثات غازات الدفيئة إلى الصفر بحلول عام 2050، أي بعد 25 عاماً فقط.

كيف تسير الأمور على هذا الصعيد؟ هذا يعتمد إلى حد ما على كيف تنظر إلى الأمر. من حيث أهداف الانبعاثات الخاصة بالمملكة المتحدة مقارنة بجهود معظم البلدان الأخرى، فهي جيدة جداً. لقد انخفضت الانبعاثات إلى نصف ذروتها، والمملكة المتحدة تشكل الآن أقل من 1% من الانبعاثات العالمية.

لكن إذا نظرت إليها من حيث الانبعاثات العالمية، فإن ما سنجده ليس جيداً على وجه الخصوص. يشير ضيف البودكاست هذا الأسبوع كالوم بيكرينغ، كبير خبراء الاقتصاد لدى "بيل هانت"، إلى أن خفض المملكة المتحدة للانبعاثات جاء جزئياً عن طريق انحسار الصناعات، وكأنما نقول إن "انبعاثات الكربون نُقلت لتوها إلى خارج البلاد".

في الوقت نفسه، استمرت الانبعاثات من الصين وغيرها من الأسواق الناشئة في الارتفاع، فيما انخفضت انبعاثات المملكة المتحدة. قال بيكرينغ: "حتى لو حققت المملكة المتحدة أهدافها، فلن يغير ذلك المسار العالمي الإجمالي، وهو ما يؤثر في المناخ".

آثار سيئة اقتصادياً

أخيراً، إذا ما نظرتم إلى الأمر من حيث تأثيره على اقتصاد المملكة المتحدة، فهناك أدلة على أنه سيئ جداً.

يقضي معظم خبراء الاقتصاد الذين يتابعون المملكة المتحدة وقتاً طويلاً في التساؤل عن سبب سوء أرقام نمو الإنتاجية في البلاد مقارنة مع ما سواها.

هل هو التأثير المستمر للأزمة المالية العالمية؟ هل هو فائض المعروض من العمالة الرخيصة الذي يمنع بريطانيا من الاستثمار في الأتمتة؟ (من يعتقدون بذلك غالباً ما يشيرون إلى انهيار مغاسل السيارات المؤتمتة وارتفاع حاد في خدمات غسيل السيارات اليدوية) هل هو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟ أم أنه يتعلق بالمثبطات التي يشتمل عليها نظام الرفاه الاجتماعي في المملكة المتحدة؟.

قد يجمع الأمر كل ما سلف. لكن بيكرينغ ألقى بجل اللوم على جهة أخرى في تقرير جديد صدر هذا الأسبوع، فقد قال إن المشكلة تكمن في الحياد الكربوني. وهذه ليست وجهة نظر رائجة، نظراً لواقع الاحتباس الحراري وعواقبه، لكنه ليس وحيداً في استنباطه.

غالباً ما نقول في برنامج "ميرين توكس موني" إن كل النشاط الاقتصادي هو نتاج تحول الطاقة، لهذا فإن توفير طاقة رخيصة متاحة يجب أن يكون هدفاً أساسياً لجميع الدول المسؤولة. يدعم بيكرينغ تقييمه بعينة شبه عالمية (189 دولة) لإظهار وجود علاقة إيجابية واضحة بين استهلاك الطاقة ومستويات المعيشة.

ثم يشير إلى أن إمدادات الكهرباء في المملكة المتحدة بدأت تنخفض في مطلع العقد الأول من القرن، عندما أوقفت البلاد تشغيل محطات الكهرباء كثيفة الانبعاثات الكربونية. انخفضت الكهرباء المتاحة في البلاد بقدر الخمس مذ ذاك الحين، وهو انخفاض غير عادي يتزامن مع ارتفاع مطرد في أسعار الطاقة، والأهم من ذلك، كما قال بيكرينغ، هو "بدء ضعف هيكلي في نمو الإنتاجية".

لدى المملكة المتحدة كهرباء أقل بكثير ممّا كان، وهي تقننه حسب التكلفة (وهي بين أعلاها في العالم المتقدم). يقيد هذا جميع ضروب النشاط الاقتصادي، وبالطبع مستويات المعيشة. لقد قيل لنا لسنوات إنه لا توجد مقايضة بين الحياد الكربوني والنمو الاقتصادي، لكن الأرقام تقول إن هذا ليس صحيحاً.

أولويات غير مواتية بيئياً

حالياً، لدى حكومة المملكة المتحدة أولويتان رئيسيتان: الإنفاق على الدفاع وتسويغ الذكاء الاصطناعي. وكلاهما نهم للطاقة، ويسهل التعامل معه في اقتصاد سريع النمو. على سبيل المثال، يُتوقع أن يستهلك الذكاء الاصطناعي عشر كهرباء الولايات المتحدة بحلول 2030.

قد تطرح أيضاً سؤالاً بشأن أمن الطاقة. يزعم مؤيدو الحياد الكربوني أن التحول الأخضر سيؤمن إمدادات الطاقة في المملكة المتحدة، على الرغم من أن حوالي 70% من المعادن النادرة اللازمة للتحول في مجال الطاقة تُستخرج في الصين. فهل يمكن الوثوق في سلسلة التوريد الخضراء؟ لو حسبنا كل هذه العوامل سيبدو أن الحياد الكربوي كان سياسةً مصممةً لعصر مغاير، عصر المال المسالم والرخيص.

يتزايد الصخب في أجزاء من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل قبول الحكومة بأن الطريق إلى الحياد الكربوني أقل خطيةً مما كان متوقعاً قبل عقدين.

في المملكة المتحدة، تريد حكومة حزب العمال إحداث طريقة لكي تنمو الأمة، وأن تكون أكثر إنتاجية، وأن تحافظ على فعالية نظامها للرفاه الاجتماعي، مع بناء استطاعة توليد الكهرباء الجديدة، أي مزيد من طاقة الرياح والشمس والمفاعلات النووية الصغيرة. لأجل ذلك، يجب عليها أن تفعل شيئاً كانت تحاول تجنبه: سيتعين عليها أن تعيد لأبردين في اسكتلندا وهي حاضرة النفط الأوروبية، عظمتها.

تصنيفات

قصص قد تهمك

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.