ارتفاع طلب الصين على الكهرباء يثير معضلة مناخية

الطلب على الطاقة واستهلاك الكهرباء العاملان الأكثر تأثيراً في تقلبات الانبعاثات

time reading iconدقائق القراءة - 6
محطة كهرباء تعمل بالغاز والفحم في بكين، الصين، يوم السبت 16 ديسمبر 2023 - الشرق
محطة كهرباء تعمل بالغاز والفحم في بكين، الصين، يوم السبت 16 ديسمبر 2023 - الشرق
المصدر:

بلومبرغ

بات طلب الصين على الكهرباء نقطة تركيز رئيسية في خضم الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.

تُعتبر الصين أكبر مصدر للتلوث في العالم، ما يمنحها تأثيراً كبيراً على إمكانية تقليل الانبعاثات بسرعة كافية لتجنب أسوأ آثار الاحتباس الحراري. ومع تبنيها السريع لتقنيات الطاقة النظيفة، زادت الآمال بأن تبدأ البلاد في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة قبل الهدف المعلن لعام 2030.

لم يتحقق ذلك حتى الآن، ويرجع السبب الأساسي إلى النمو غير المسبوق في الطلب على الكهرباء في البلاد، ما يستدعي حرق كميات متزايدة من الفحم. نما استخدام الكهرباء بنسبة 6.8% العام الماضي، متجاوزاً نمو الاقتصاد بشكل عام بأسرع معدل خلال 15 عاماً على الأقل. وفي ظل تباطؤ الاقتصاد الصيني والتوترات التجارية المتزايدة، والتي من المرجح أن تتفاقم مع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب، يبقى مستقبل نمو الطلب على الطاقة محل تساؤل كبير في جهود الصين لتقليل الكربون.

"يُعتبر الطلب على الطاقة واستهلاك الكهرباء العاملين الأكثر تأثيراً في تقلبات الانبعاثات"، وفق لوري ميليفيرتا، المحلل الرئيسي في "مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف". أضاف: "هناك بالتأكيد مساحة أكبر لمسارات مختلفة فيما يتعلق بالطلب، اعتماداً على سياسات ترمب وكل ما يحدث في التجارة الدولية". 

نمو الاقتصاد الصيني

لطالما ارتبطت الكهرباء بالنمو الاقتصادي في الصين. صرّح رئيس الوزراء الأسبق لي كه تشيانغ ذات مرة بأن استخدام الكهرباء، وحركة الشحن عبر السكك الحديدية، والإقراض المصرفي، تقدم صورة أكثر دقة عن الاقتصاد مقارنة بالأرقام الرسمية للناتج المحلي الإجمالي. وقد كان تحسين الكفاءة عن طريق تقليل كمية الطاقة المطلوبة لإنتاج السلع معياراً أساسياً تعتمد عليه الحكومة لتقييم أدائها.

اقرأ أيضاً: الصين ليست بينها.. هذه الدول تعهدت بخفض استخدام الفحم في "كوب 29"

لكن هذه العلاقة تغيّرت في السنوات الأخيرة، حيث اعتمدت بكين على التصنيع كوسيلة رئيسية لتحقيق انتعاش اقتصادي بعد انتهاء جائحة كوفيد 19. في السنوات الخمس الماضية، ارتفع استهلاك الكهرباء بوتيرة أسرع من النمو الاسمي للناتج المحلي الإجمالي في 3 سنوات منها، بعد أن كان أقل من معدلات النمو لعقد كامل قبل ذلك. ويتوقع "مجلس الكهرباء الصيني"، وهو الجهة العليا المدافعة عن مصالح قطاع الكهرباء، أن يواصل استهلاك الكهرباء نموه بنسبة 6% في عام 2025.

الطلب المتزايد على الكهرباء يعيق جهود تقليل الانبعاثات الكربونية في قطاع الكهرباء، الذي يُشكّل ما يقرب من نصف انبعاثات الغازات الدفيئة في الصين. وعلى الرغم من الإضافات القياسية لتوربينات الرياح والألواح الشمسية، لم تكن الطاقة النظيفة كافية لتلبية كل الطلب المتزايد العام الماضي، ما أجبر محطات الطاقة الحرارية على حرق المزيد من الفحم، وزيادة إنتاجها للكهرباء بنسبة 1.5% مقارنة بعام 2023.

القطاع الصناعي

المحرّك الرئيسي لهذا الطلب المرتفع على الطاقة كان القطاع الصناعي، الذي يستهلك حوالي ثلثي الكهرباء في الصين. وعلى الرغم من أن انهيار قطاع العقارات أدى إلى تراجع إنتاج الصلب والأسمنت، فإن إنتاج مواد مثل النحاس والألمنيوم والبتروكيماويات سجل مستويات قياسية العام الماضي، مع استخدام كميات متزايدة من الطاقة. 

اقرأ أيضاً: الصين تحافظ على حصص تصدير الوقود دون تغيير في 2024

دفع الرئيس شي جين بينغ نحو ما يُعرف بـ"قوى إنتاجية جديدة ذات جودة عالية" أدى إلى زيادة الطلب على الطاقة لإنتاج سلع مثل الأدوية الحيوية، والطائرات، والألواح الشمسية، والسيارات الكهربائية، بالإضافة إلى الآلات والمصانع اللازمة لصناعتها، وفقاً لـ"مجلس الكهرباء الصيني".

وقال مو يي يانغ، كبير المحللين المعنيين بالصين في مجموعة أبحاث المناخ والطاقة "إمبر" (Ember): "كل ذلك يجعل الاقتصاد أكثر اعتماداً على الكهرباء".

هناك عوامل أخرى تسهم أيضاً في نمو الطلب على الكهرباء. شهد الاقتصاد في العقود الأخيرة تحولاً تدريجياً نحو الكهرباء، حيث تم استبدال أفران الفحم الصغيرة التي كانت تُشغل المصانع وتدفئ المنازل بالكهرباء أو الغاز الأنظف. والآن يحدث الشيء نفسه في قطاع النقل أيضاً، حيث يشهد بيع السيارات الكهربائية ازدهاراً. وارتفع الطلب على شحن السيارات الكهربائية بنسبة 38% العام الماضي، ليشكل الآن حوالي 1.1% من إجمالي استهلاك الكهرباء، وفقاً لبيانات "الإدارة الوطنية للطاقة".

الذكاء الاصطناعي

رغم أن شحن السيارات الكهربائية قد يزيد الضغط على نظام الكهرباء، إلا أنه يظل "مكسباً صافياً للمناخ" لأن المحركات الكهربائية أكثر كفاءة من تلك التي تعمل بالبنزين أو الديزل، كما أوضح كوزيمو ريس، محلل الطاقة في شركة الاستشارات "تريفيوم تشاينا" (Trivium China). وأشارت "مؤسسة البترول الوطنية الصينية" مؤخراً إلى أنها تتوقع الآن أن يصل الطلب على النفط إلى ذروته هذا العام، أي قبل خمس سنوات من توقعاتها السابقة.

الذكاء الاصطناعي يفرض أيضاً ضغطاً متزايداً على استهلاك الطاقة. وفقاً لمحللي "غولدمان ساكس"، بما فيهم جاكلين دو، من المتوقع أن تمثل مراكز البيانات 5% من إجمالي استهلاك الكهرباء بحلول عام 2030، مقارنة مع 1.6% فقط في عام 2023. بالإضافة إلى ذلك، تعرضت الصين لموجات حر قاسية خلال السنوات الثلاث الماضية، ما زاد من مبيعات مكيفات الهواء وغيّر منحنيات الطلب، مما جعل فترات الذروة الصيفية أكثر وضوحاً.

"الكثير من ذلك يعود بالتأكيد إلى الصدمات الخارجية التي شهدناها، خاصة مع موجات الحر الصيفية"، وفق ريس.

هناك إشارات تدل على أن طفرة التصنيع في الصين قد تكون في تباطؤ، حيث تراجع نمو الطلب الصناعي على الطاقة إلى مستوياته التاريخية في الأشهر الأخيرة من عام 2024، بحسب لوري ميليفيرتا من "مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف". على الرغم من ذلك، ومع استعداد الحكومة للكشف عن حزمة تحفيز مالي في وقت لاحق من هذا العام، ومع احتمالية التصدي لزيادة الرسوم الجمركية من الولايات المتحدة، تظل هناك الكثير من الشكوك حول مسار الاقتصاد ورحلة الصين نحو خفض الانبعاثات.

تصنيفات

قصص قد تهمك

حرب التجارة بين أميركا والصين تهدد طفرة الطاقة الشمسية بجنوب شرق آسيا

واشنطن تستهدف بالعقوبات شركات صينية في تايلندا وفيتنام وماليزيا كمبوديا لتهربها من الرسوم

time reading iconدقائق القراءة - 8
مصنع \"جيه إيه سولار\" لألواح الطاقة الشمسية في منطقة كوانج تشاو الصناعية بمقاطعة باك جيانغ ، فيتنام - المصدر: بلومبرغ
مصنع "جيه إيه سولار" لألواح الطاقة الشمسية في منطقة كوانج تشاو الصناعية بمقاطعة باك جيانغ ، فيتنام - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أصبح مستقبل صناعة الطاقة الشمسية المزدهرة في جنوب شرق آسيا، والتي تنتج أكبر عدد من الألواح في العالم بعد الصين، موضع شك مع استعداد الولايات المتحدة على ما يبدو لفرض رسوم جمركية باهظة على المنطقة.

وتواجه الشركات الصينية التي أنشأت مصانع هناك على مدار العقد الماضي اتهامات بتجنب الرسوم الجمركية الأميركية على واردات سوقها المحلية. وقد قلصت ثلاث شركات على الأقل (بما في ذلك "لونجي غرين إنرجي تكنولوجي" و"ترينا سولار")عملياتها في تايلندا وفيتنام وماليزيا، والتي تستهدفها واشنطن إلى جانب كمبوديا.

تفيد "بلومبرغ إن إي إف" بأن الدول الأربع تمثل أكثر من 40% من قدرة إنتاج وحدات الطاقة الشمسية خارج الصين، والشركات الصينية الأخرى التي لديها مصانع هناك تبحث عن أسواق لتحل محل الولايات المتحدة

الاستعداد للرحيل

قالت يانا هريشكو، رئيسة أبحاث سلسلة توريد الطاقة الشمسية العالمية في "وود ماكنزي" (Wood Mackenzie): "إن مزاج الموردين هو تعبئة خطوط الإنتاج، وخاصة خطوط الخلايا، ونقلها إما إلى إندونيسيا أو لاوس أو الشرق الأوسط". وأضافت أن بعض الشركات المصنعة الصينية تنتظر لمعرفة مستوى الرسوم الجمركية قبل أن تقرر ما إذا كانت بحاجة إلى المغادرة.

ويؤكد عدم اليقين على الاضطرابات الأوسع في سلاسل توريد الطاقة النظيفة حيث تسعى الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها إلى استعادة بعض حصة السوق من الصين، التي تهيمن على إنتاج معدات الطاقة الشمسية وكذلك بطاريات السيارات الكهربائية. كما تعاني شركات الطاقة الشمسية الصينية في ظل فائض محلي متزايد شهد بالفعل إفلاس عدد من الكيانات الأصغر حجماً.

وخلص تحقيق أميركي في أغسطس الماضي إلى أن بعض الشركات الصينية (التي بدأت في الاستثمار في جنوب شرق آسيا بعد أن فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركيةً على الألواح المستوردة مباشرة من الصين في 2012) كانت تتجاوز هذه الرسوم بشكل غير قانوني. أدى الحكم إلى فرض ضرائب استيراد بمستويات متفاوتة على خمس شركات في المنطقة.

مطالبات برسوم مرتفعة

تطلب بعض الشركات الأميركية الآن من واشنطن فرض رسوم جمركية إضافية تصل إلى 272% على جميع منتجات الطاقة الشمسية من الدول الأربع، على الرغم من أن "بلومبرغ إن إي إف"  قالت في مايو أنها من المرجح أن تكون بين 30% و50%. ويقارن ذلك برسوم 25% على الصين، والتي يخطط البيت الأبيض لمضاعفتها.

اقتربت واشنطن من فرض الرسوم الجمركية في يونيو، حين أقرت لجنة التجارة الدولية الأميركية تصويتاً أولياً يحدد أن الشركات المصنعة تتضرر من الواردات الرخيصة من جنوب شرق آسيا. وارتفعت واردات الألواح الشمسية الأميركية من جنوب شرق آسيا 36% إلى مستوى قياسي في الربع الماضي مع تسابق المشترين لتأمين المعروض قبل انتهاء الإعفاءات الجمركية.

ومنذ ذلك الحين، أفادت المنشورات الصينية والماليزية بأن "لونجي" أوقفت خمسة خطوط إنتاج في فيتنام وبدأت في تقليص عملياتها في ماليزيا، وتخطط "ترينا" لإغلاق بعض الخطوط في المنطقة، وأغلقت شركة جينكو سولار مصنعاً في ماليزيا.

وقال متحدث باسم "لونجي" في يونيو إنها أجرت تعديلات على خطط الإنتاج في العديد من المصانع، لأسباب منها تغييرات السياسة التجارية. وقالت الشركة في ملف لاحق للبورصة إن مصنعها في ماليزيا لا يزال يشحن الخلايا إلى الولايات المتحدة، وليس لديها خطة لنقل مصانعها حيث إن الطلب من أسواق أخرى بما في ذلك الهند وكندا سيكون كافياً لدعم مصانع جنوب شرق آسيا.

وقالت "ترينا" في بيان إن مصنعها للخلايا في تايلندا لا يزال يعمل بشكل طبيعي، وستقرر ما ستفعله بمصانعها في جنوب شرق آسيا اعتماداً على نتائج الجولة الأخيرة من التحقيق الأميركي. ولم تستجب "جينكو" (Jinko) لطلب التعليق، بينما قالت "جيه إيه سولار" (JA Solar Co) إن مصنعها في فيتنام يعمل بشكل طبيعي.

أسواق بديلة

لن تغلق جميع المصانع الصينية في جنوب شرق آسيا، حيث يمكن شحن المنتجات من هناك إلى الهند وأوروبا وأماكن أخرى، وفق دينيس إيب، المحلل في "دايوا كابيتال ماركتس" (Daiwa Capital Markets). وقال إن بعض المرافق القديمة قد تُغلق، لكن المصانع الأحدث يجب أن تكون قادرة على البقاء إذا تمكنت من العثور على أسواق بديلة.

 

يأتي النهج الأميركي الأكثر صرامة في الوقت الذي يتخذ فيه الحزبان السياسيان الرئيسيان هناك موقفاً أشد تجاه بكين في الفترة التي تسبق انتخابات نوفمبر. وبالإضافة إلى تعريض هذا النهج إنتاج جنوب شرق آسيا للخطر، فقد يهدد جهود واشنطن لإزالة الكربون، نظراً لأن أكثر من ثلاثة أرباع وارداتها من المنتجات الشمسية جاءت من المنطقة العام الماضي.

وفي حين أن الرسوم الجمركية من المرجح أن تُفرض في أوائل العام المقبل، فقد يكون ذلك أقرب إذا كانت هناك ميزة انتخابية للديمقراطيين للقيام بذلك، كما قالت ديبورا إلمز، رئيسة السياسة التجارية في "هينريش فاونديشن" (Hinrich Foundation)، وهي منظمة غير ربحية مقرها آسيا تعمل على تعزيز التجارة العالمية المستدامة. وأضافت أن تصنيع الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة لا يسير بالسرعة المأمولة، مما يعني أنه قد يكون هناك قدر أقل من التدقيق.

وقالت إلمز إن الجهود الرامية إلى الحد من التحايل الملحوظ على القيود الأميركية المفروضة على الواردات الصينية من المرجح أن تستمر، ويصح هذا بالأخص إذا انتُخب دونالد ترمب. وأضافت أنه "يركز بشكل كبير" على البلدان التي تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري معها، ومنها العديد من دول جنوب شرق آسيا.

تصنيفات

قصص قد تهمك

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.