
بلومبرغ
ارتفعت مؤشرات الأسهم الأميركية، وانخفضت عائدات السندات، بعد أن طمأن جيروم باول المستثمرين عبر الإشارة إلى أن الاحتياطي الفيدرالي لا يرى حاجةً لاتخاذ إجراءات جذرية في مواجهة رسوم ترمب الجمركية، وتأثيرها على مستويات التضخم.
وبعد أن أبقى محافظو البنوك المركزية على أسعار الفائدة من دون تغيير، كما كان متوقعاً، كان باول متحفظاً في تقييمه لكيفية تأثير حرب دونالد ترمب التجارية على الاقتصاد، مشيراً إلى احتمال أن يكون تأثير الرسوم الجمركية على أسعار المستهلك "مؤقتاً".
تأتي هذه القفزة في مؤشرات الأسهم، وهي الأكبر في أي يوم من أيام الاحتياطي الفيدرالي منذ يوليو، في أعقاب فترة صعبة استمرت أربعة أسابيع، حيث انزلق مؤشر "إس آند بي 500" في تصحيح. وشهدت سندات الخزانة الأميركية انعكاساً مفاجئاً، حيث انخفضت عوائد السندات لأجل عامين إلى أقل من 4%.
الفيدرالي لا يزال في وضع الانتظار والترقب
بعد فترة طويلة من التقلبات في الأصول، نجح باول في تحقيق هدفه. وقد هدّأت نبرته المدروسة بشأن مخاطر الركود -حيث صرح بأنها "ليست عالية"- المستثمرين في الأسهم.
في غضون ذلك، عززت خطوة الفيدرالي لخفض تقييمات النمو ارتفاع أسعار السندات، حيث أصبح المتداولون والاحتياطي الفيدرالي متفقين، على توقعات خفض أسعار الفائدة هذا العام.
قال بيل دادلي، الرئيس السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك في مقابلة على تلفزيون "بلومبرغ" إن "باول قدم رسالة متساهلة إلى حد ما، فحواها أنه قادر على القيام بهذه المهمة، وأنه في وضع جيد، ويمكنه تحمل الانتظار. سيرى الفيدرالي كيف ستسير الأمور، وسينجز المهمة". وأضاف: "لقد طمأن باول الناس بأن كل هذا يمكن السيطرة عليه".
أبقى مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي على سعر الفائدة القياسي من دون تغيير، للاجتماع الثاني على التوالي، وسط مخاوف متزايدة من تباطؤ الاقتصاد واحتمال بقاء مستويات التضخم مرتفعة.
"تخفيض بشكل غير مباشر"
كما أعلن الفيدرالي أنه سيخفض الحد الأقصى الشهري لكمية سندات الخزانة في ميزانيته العمومية التي يسمح باستحقاقها من دون إعادة استثمار، إلى 5 مليارات دولار من 25 مليار دولار، وذلك بدءاً من أبريل.
وقال جيمي كوكس من مجموعة "هاريس" المالية، إن "الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة بشكل غير مباشر اليوم، من خلال اتخاذ إجراءات لخفض وتيرة سحب حيازاته من سندات الخزانة".
وأضاف أن "هذا يمهد الطريق أمام الفيدرالي للتخلص من تداعيات الأزمة المالية بحلول الصيف، وإن حالفنا الحظ، ستكون بيانات التضخم ملائمة، مما يجعل خفض سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية الخيار الأمثل".
ارتفع مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 1.4%، ومؤشر "ناسداك 100" بنسبة 1.6%، ومؤشر "داو جونز" الصناعي بنسبة 1.2%، كما انخفض العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات ثلاث نقاط أساس ليصل إلى 4.25%، بينما ارتفع مؤشر "بلومبرغ" للدولار الفوري بنسبة 0.3%.
خفض النمو للعام الجاري
جاء ارتفاع مؤشرات الأسهم رغم التغييرات التي طرأت على توقعات الاحتياطي الفيدرالي، والتي قد تُعتبر سلبية، ومن بينها خفض توقعات النمو لعام 2025، وزيادة تقديرات التضخم.
ويرجع ذلك، إلى أن التصحيح في أسواق الأسهم كان سبباً في تدهور الوضع الاقتصادي بشكل ملحوظ، مقارنةً بما كان عليه في الاجتماع الأخير لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، وفقاً لأماندا لينام، رئيسة أبحاث الائتمان الكلي في شركة "بلاك روك" للإدارة المالية.
وقالت لينام على تلفزيون "بلومبرغ": "كان الكثير من ذلك ضمن التوقعات. لقد مررنا بفترة صعبة للغاية في سوق الأسهم. وقد قدر معظم المحللين انخفاضاً في النمو، وارتفاعاً في التضخم، وهذا جزء من العوامل التي تدفعنا إلى هذا المكان".
مع اقتراب اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي، قلص مديرو الأموال من المخاطر بشكل جماعي، وأصبح لديهم الآن مجال لإعادة بناء مراكزهم الاستثمارية من أدنى مستوياتها.
وقد أظهر أحدث استطلاع لـ"بنك أوف أميركا"، أن المستثمرين خفضوا حيازاتهم من الأسهم الأميركية بأسرع وتيرة على الإطلاق في ظل الاضطرابات الناجمة عن الرسوم الجمركية التي ضربت الأسواق العالمية.
ردود فعل وول ستريت على قرار الفيدرالي
رأى آدم كريسافولي من "فايتال نوليدج" أن الخلاصة تشير إلى أن قرار الاحتياطي الفيدرالي كان إيجابياً للغاية، بالنظر إلى التغير في الميزانية العمومية، وتوقعات باول بأن الرسوم الجمركية لن يكون لها سوى تأثير "مؤقت" على التضخم.
أما سمير سامانا من معهد "ويلز فارغو للاستثمار"، فاعتبر أن أسواق الأسهم ركزت على قرار الفيدرالي بخفض توقعاته للنمو، والإبقاء على تخفيضات بمقدار 50 نقطة أساس خلال السنة، وتقليص التشديد الكمي، وجميعها قرارات اعتبرتها الأسواق داعمة.
وأضاف: "نعتقد أن يقظة الاحتياطي الفيدرالي تجاه التباطؤ الاقتصادي، تتزامن مع توقعاتنا الإيجابية للأسهم، ونشجع المستثمرين على زيادة استثماراتهم".
تشارلي ريبلي من "أليانز لإدارة الاستثمارات" أشار إلى أنه "على الرغم من أن نتائج هذا الاجتماع كانت متوافقة بشكل عام مع توقعات المشاركين في السوق، إلا أنها تُظهر بوضوح المعضلة التي يواجهها الفيدرالي في موازنة توقعات النمو والتضخم".
وأضاف: "من ناحية أخرى، قدم الاحتياطي الفيدرالي بعض الراحة من خلال خططه لبدء إبطاء وتيرة التشديد الكمي في الميزانية العمومية".
فلوريان إييلبو من "لومبارد أوديير لإدارة الاستثمارات" اعتبر أن تغيير التوقعات قد يبدو عادياً نظراً لثبات مسار أسعار الفائدة، ولكنه قد يكون أكثر ملاءمة للسندات منه للأسهم.
وأضاف أن ردة فعل السوق تظهر أن السندات تستفيد من أنباء تصدي الاحتياطي الفيدرالي لخصمه الرئيسي -التضخم- مع تعديل برنامجه للتيسير الكمي. مع ذلك، قد يأتي هذا على حساب انخفاض النمو، حيث تبقى أسعار الفائدة قصيرة الأجل من دون تغيير في مواجهة التضخم، مما قد يُثقل كاهل الأرباح.
وتابع أنه في الوقت الحالي، لا تنظر سوق الأسهم إلى الأمر بهذه الطريقة، ولكن إذا استمر الاحتياطي الفيدرالي في ممارسة الضغط على الاقتصاد، فقد تجد الأرباح نفسها عالقة بين المطرقة والسندان.
أما ويتني واتسون من "غولدمان ساكس" لإدارة الأصول، فقالت: "كما كان متوقعاً، تبنى الاحتياطي الفيدرالي نبرة حذرة في اجتماع هذا الشهر، مُبقياً على سعر الفائدة من دون تغيير، في انتظار اتضاح آفاق النمو والتغييرات في السياسة التجارية".
وأضافت: "اتسمت تعديلات توقعات أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة بطابع (ركودي تضخمي) إلى حد ما، حيث تباينت توقعات النمو والتضخم. في الوقت الحالي، يتوخى الاحتياطي الفيدرالي الحذر، إذ يراقب ما إذا كان تباطؤ النمو الأخير سيتطور إلى أمر أكثر خطورة".
موقف حذر ولكنه مرن
دان سيلوك من "جانوس هندرسون" رأى أن آخر تحديث للاحتياطي الفيدرالي جاء مفاجئاً، إذ "اتخذ نبرة أقل تشدداً مما توقعه الكثيرون في وول ستريت".
وأضاف: "في ظل استمرار التضخم وتزايد حالة عدم اليقين الاقتصادي، يشير قرار الإبقاء على أسعار الفائدة الحالية من دون تغيير، مع تعديل طفيف لنهج الفيدرالي تجاه حيازات الأوراق المالية، إلى موقف حذر ولكنه مرن. وينقل هذا القرار رسالة واضحة إلى الأسواق مفادها: على الرغم من التحديات، يفتقر الاحتياطي الفيدرالي حالياً إلى البيانات المقنعة اللازمة لتعديل السياسة النقدية".
وتابع: "في الاستجابة الأولية للسوق، يبدو أن التعديل التنازلي لتوقعات النمو والارتفاع في معدلات البطالة قد طغيا على التعديل التصاعدي في توقعات التضخم. ويعكس هذا التحول تغيراً حديثاً في تركيز السوق، حيث أصبح الاهتمام الأكبر منصباً على مخاطر ضعف النمو، بدلاً من المخاوف التضخمية التي هيمنت على النقاش في السنوات الأخيرة".