
الشرق
في الأشهر الأخيرة، شعرتُ بثقل الأسعار يرهق كاهلي. كلما ذهبتُ إلى السوق لشراء الخضراوات، كنتُ أجد الأسعار مرتفعة بشكل لا يصدق. لم يكن بإمكاني شراء ما يكفي، لكن فجأة، تغير كل شيء وبدأتُ أرى الأسعار تنخفض بشكل ملحوظ، هكذا تروي دعاء عبد الباقي، الأرملة التي تعول 3 أولاد في مراحل تعليمية مختلفة، المعاناة التي عانت منها في التحكم بميزانية منزلها الصغير وسط شح دخلها الشهري.
انخفضت أسعار الخضراوات في مصر خلال أول شهرين من العام الجاري بنسب تتراوح بين 25 و80%، مقارنة بالربع الأخير من العام الماضي، نتيجة زيادة المعروض وتراجع الطلب على الشراء، بحسب 3 أشخاص بينهم مسؤول حكومي تحدثوا لـ"الشرق".
حاتم النجيب نائب رئيس شعبة الخضراوات باتحاد الغرف التجارية، عزا انخفاض أسعار الخضراوات إلى زيادة المعروض من الإنتاج مع تحسن درجة الصقيع خلال الشتاء الجاري مقارنة بالعام الماضي والذي اشتدت فيه البرودة بالإضافة إلى العواصف الترابية.
تراجعات حادة
شهدت أسعار سلعة الطماطم تراجعاً بنسبة تزيد عن 85%، إذ سجل سعرها حالياً 3.5 جنيه مقابل 25 جنيهاً في الربع الأخير من العام الماضي، وكذلك البطاطس بنسبة 60%، والخيار بنسبة 25%، والكوسا بنسبة 50%.
وأضاف النجيب، أن أسعار الخضراوات تراجعت بنسب تتراوح بين 60 و70% خلال أول شهرين من العام الجاري مقارنة بالربع الأخير في 2024 والذي شهد ارتفاعات قياسية لأسعار الخضار.
تُزرع الطماطم في مصر على 5 عروات "مواسم" متداخلة طوال العام، تمثل العروة الشتوية 40% من المساحة المزروعة من الطماطم والتي تُزرع في سبتمبر وأكتوبر وتنتج ثمارها في يناير وفبراير ومارس. وتزرع مصر نحو 550 ألف فدان طماطم، يبلغ إجمالي إنتاجها نحو 6 ملايين طن.
تباطأ التضخم في مدن مصر إلى 24.1% على أساس سنوي في ديسمبر الماضي وهو أدنى مستوى في عامين، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، التباطؤ هو الثاني في خمسة أشهر منذ أن بدأ معدل التضخم في التسارع في أغسطس الماضي، وعلى أساس شهري، تباطأ التضخم بالمدن إلى 0.2% خلال ديسمبر من 0.5% في نوفمبر الماضي.
استقرار حتى عيد الأضحى
توقع نائب رئيس شعبة الخضراوات باتحاد الغرف التجارية، استمرار تراجع أسعار الخضراوات واستقرار البعض الآخر حتى عيد الأضحى المقبل بدعم حدوث طفرة في المشاريع الزراعية بمساهمة من القطاع الخاص، لافتاً إلى أن البصل والثوم سيشهدان انخفاضاً كبيراً في الأسعار خلال الأشهر المقبلة مع بدء الحصاد.
تراجعت أسعار الثوم بنسبة 80%، إذ سجل سعره حالياً 24 جنيهاً مقابل 120 جنيهاً في الربع الأخير من العام الماضي.
وقال مسؤول حكومي لـ"الشرق" إن انخفاض أسعار الخضراوات حالياً تسبب في خسارة للفلاحين بعد زراعتهم مساحات كبيرة وسط طلب منخفض على الشراء، لافتاً إلى أن أسعار تلك المحاصيل معرضة للارتفاع نسبياً نتيجة زيادة الطلب في شهر رمضان.
تكبد مزارعو البطاطس في مصر خسائر فادحة خلال العروة الشتوية الماضية، حيث تراجعت أسعار البيع بشكل كبير مقارنة بتكاليف الإنتاج المرتفعة، حيث سجل سعر بيع البطاطس من الأرض تراجعاً إلى 5 آلاف جنيه مقابل 15 ألفاً للطن.
المسؤول قال إن الوقت الحالي جيد لتخزين السلع الأساسية واستغلال انخفاض الأسعار، خاصة أنه يتزامن مع قرب شهر رمضان، وسوف ترتفع أسعارها مجدداً، لكنها لن تصل للمستويات التي كانت عليها في الربع الأخير من العام الماضي.
نمت صادرات مصر الزراعية بنسبة 11% على أساس سنوي خلال 2024، بحسب بيانات وزارة الزراعة. ووصل حجم الصادرات إلى 8.6 مليون طن، تصدرتها الموالح بنحو 2.4 مليون طن، والبطاطس بنحو 977 ألف طن، بينما احتلت صادرات مصر من الطماطم عل 52 ألف طن.
تأمل مصر مضاعفة الصادرات الزراعية بداية من 2026، بدعم من زيادة المساحات المزروعة، وفق وزير الزراعة علاء فاروق في مقابلة مع "الشرق" يناير الماضي، وبموجب وثيقة سابقة حصلت عليها "الشرق" تستهدف البلاد زيادة المساحة المزروعة إلى 11 مليون فدان في السنة المالية 2026-2027، من نحو 10 ملايين فدان حالياً.
توسع الفلاحين في الزراعة
نقيب فلاحين مصر حسين عبد الرحمن، قال إن انخفاض أسعار الخضراوات، جاء نتيجة توسع الفلاحين في زراعة تلك المحاصيل بكثرة بعد الارتفاع الجنوني الذي شهدته بالربع الأخير من العام الماضي، وهو ما خلق وفرة ومعروضاً كبيراً في الأسواق، وسط قوة شرائية ضعيفة، نتجت من عدم استطاعة المستهلكين شراء احتياجاتهم بالأسعار المرتفعة نهاية العام الماضي.
عبدالرحمن أوضح لـ"الشرق" أن مزارعي الخضراوات تعرضوا لخسارة كبيرة نتيجة توسعهم في زراعة الخضراوات بزيادة عن الطلب، خاصة أنها محاصيل سريعة التلف، مثل الطماطم والبطاطس، موضحاً أنه يتم بيع تلك الخضراوات بالخسارة حالياً.
وتوقع نقيب الفلاحين، عودة ارتفاع الأسعار مجدداً خاصة مع دخول شهر رمضان الذي يزيد فيه الطلب عن باقي شهور العام، لذا يجب على المستهلكين استغلال انخفاض الأسعار وتخزين ما يستطيعون شراءه خلال تلك الفترة.
رغم انخفاض أسعار الخضراوات في الأسواق المصرية، إلا أن أسعار الليمون سجلت ارتفاعاً بلغ نحو 300% بعد تراوح سعره بين 55 و60 جنيهاً للكيلو، مقابل 15 و20 جنيهاً منذ نهاية العام الماضي.
عبدالرحمن برّر عودة ارتفاع الأسعار مجدداً إلى عزوف الفلاحين عن زراعة أغلب هذه الخضراوات بكثرة مثلما حدث الموسم الماضي، مما سيؤدي إلى قلة في المعروض، خاصة أنهم تعرضوا لخسائر تصل إلى 40 ألف جنيه في فدان البطاطس، إلى جانب خسائر متفاوتة في محصول الطماطم الذي يُباع بأقل من تكلفة زراعته.
تزرع مصر البطاطس على 3 عروات طوال العام، على مساحة 600 ألف فدان، وينتج عنها 7 ملايين طن، يذهب للاستهلاك المحلي نحو 3 ملايين طن، فيما يستهلك التصنيع حوالي مليوني طن، وتصدر نحو مليون طن، ويتم استغلال 500 ألف طن كتقاوي، ويوجد فائض بنحو 500 ألف طن.
نقيب الفلاحين قال أيضاً إن غلق معبر رفح الشهور الماضية أدى إلى عدم خروج كميات كبيرة إلى غزة، وساهم في وفرة المعروض وتراجع الأسعار، وبعد فتحه حالياً سيسحب كميات كبيرة من المعروض بتلك المحاصيل.
دعاء عبدالباقي، المرأة المصرية المسؤولة عن تربية وتعليم أولادها والإنفاق عليهم بعد وفاة الزوج، تقول: "نتمنى أن تواصل الأسعار الانخفاض حتى نستطيع العيش بشكل أفضل وسط زخم متطلبات الحياة اليومية، خاصة مع تزامن موسم رمضان المقبل حيث إنه جرت العادة أن تزيد الأسعار بشكل كبير في هذا الشهر وهو ما لا نتمناه".