الموضة الرقمية.. عوالم افتراضية وأموال حقيقية

time reading iconدقائق القراءة - 9
\"فابريسانت\"، وهي دار أزياء رقمية، باعت هذا الفستان عبر تقنية \"بلوكتشين\" مقابل 9,500 دولار في عام 2019. - المصدر: بلومبرغ
"فابريسانت"، وهي دار أزياء رقمية، باعت هذا الفستان عبر تقنية "بلوكتشين" مقابل 9,500 دولار في عام 2019. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

ليس غريباً أن يهتم عالم الموضة بالرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال (NFTs)، ففي صناعة مهووسة بالأصالة والحصرية، يصبح الإقبال على الرمز الذي يضمن هذه الصفات بالتحديد أمراً منطقياً تماماً.

ولكن شعورك تجاه الملابس الرقمية الموثقة من قِبل تلك الرموز المشفرة، قد يعتمد بشكل كبير على ما تشعر به تجاه العوالم الافتراضية "ميتافيرس".

مساحات افتراضية

أنفق مستشار الاتصالات في نيويورك، جوش أونغ، 500 دولار على زوج من الأحذية الرياضية الفضّية المبيعة عن طريق الرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال.

وقد لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد قال أونغ: "قد أرغب في إضافة مزيد من العناصر التي تتماشى مع شخصيتي الافتراضية، عندما أتسكع في مضمار سباق (أتاري زد رن) أو في نادي اليخوت (بورد أبي) بمجرد فتح أبوابهما".

جاء ذلك في إشارة من الرجل صاحب الـ37 عاماً إلى الفاعليات التي تتضمن أنشطة سباق الخيل الافتراضية، وإنشاء رسوم غرافيتي رقمية.

الحياة الرقمية

المساحات الإلكترونية التي يمكن للمستخدمين التفاعل فيها بعضهم مع بعض، والمشاركة في الاقتصاد الافتراضي، هي مساحات تمتد جذورها إلى عالم ألعاب الفيديو.

ومع ذلك، فالمنافسة لا تعد الأمر الوحيد الذي يحدث في هذا المجال، إذ يقدم الموسيقيون الموجودون على أرض الواقع عروضهم لملايين الجماهير في هذا العالم الافتراضي، وتنفق الأموال المكتسبة بشق الأنفس على أرض افتراضية. كما أن شركات الموضة الكبرى تشق طريقها في هذا المجتمع الدولي الذي يضم 2.7 مليار عضو.

فعلى سبيل المثال، باعت دار الأزياء الإيطالية "غوتشي" مؤخراً نسخة رقمية من حقيبة "ديونيسوس" على منصة "روبلوكس" بنحو 4 آلاف و115 دولاراً، وهو سعر يفوق سعر السلعة المادية. كما قدمت دار الأزياء الفرنسية "بالنسياغا"، المملوكة حالياً لشركة "كيرينغ"، مجموعتها لخريف 2021 ضمن منصة ألعاب الفيديو.

وفي عام 2019، أطلقت مجموعة الموضة والأزياء الفاخرة "إل في إم إتش مويت هينيسي لويس فيتون" مجموعة كاملة من الملابس لصالح لعبة الفيديو "ليغ أوف ليجيندز" التابعة لشركة ألعاب الفيديو الأمريكية "ريوت جيمز".

عوالم افتراضية بأموال حقيقية

في مقابلة عبر البريد الإلكتروني، قال جون إيغان، الرئيس التنفيذي لشركة "لا أتيلير بي إن بي باريبا" إن الاقتصاد الافتراضي يعد "إحدى أعظم الفرص الاقتصادية لجيلنا". وأشار إلى أن هذا الاقتصاد "يمثل فرصة كبيرة للشركات العاملة في أي قطاع، مثل الرياضة والسياحة والترفيه، وخصوصاً القطاع المالي". وأوضح: "المنتجات المالية الجديدة، المصممة للحياة الرقمية، أصبحت على بعد بضعة أعوام فقط".

وقد تكون هذه العوالم افتراضية، لكن الأموال التي تدعمها حقيقية جداً. ففي أبريل أعلنت شركة تطوير ألعاب الفيديو الأمريكية "إيبك" عن جولة تمويلية بقيمة مليار دولار لدعم "رؤيتها طويلة المدى لعالم ميتافيرس".

المظاهر الرقمية مهمة أيضاً

تتوقع شركة "لا أتيلير بي إن بي باريبا" أن ينمو الإنفاق داخل الألعاب على عناصر مثل الملابس الرقمية وترقيات الشخصية الافتراضية إلى 129 مليار دولار في عام 2021، بعد أن كان الإنفاق عند 109 مليارات دولار فقط في عام 2019.

جدير بالذكر أن الدفع مقابل البنود الرقمية التجميلية البحتة ليس فكرة جديدة، فاللاعبون يشترون إضافات مثل الملصقات أو دروع الشخصية منذ منتصف الألفينيات على الأقل.

وقد أسهمت شهور من الاجتماعات الافتراضية الناتجة عن الوباء، وعقد ونصف من وسائل التواصل الاجتماعي، في استثمار كثير منا في المظهر الجيد على شبكات الإنترنت.

فقد تعرف بالفعل شخصاً أنفق مبلغاً مكوناً من ثلاثة أرقام على مجموعة مختارة من خلفيات برنامج الاجتماعات الافتراضية "زووم"، أو على الإضاءة الدائرية التي تضيء الوجه بشكل أفضل على الشاشة.

يمكنك التفكير أيضاً في الموضة الرقمية كخطوة إضافية على هذا المسار الرقمي، إذ تسهم الرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال في تحويل الملابس الرقمية من أحد أشكال التسويق المتطور إلى عناصر مصممة قابلة للتداول. ويمكن ضمان الملكية والأصالة والندرة من خلال تسجيل ملكية أحد الأصول على تقنية "بلوكتشين".

عملاء جدد

كذلك تجتذب هذه الرموز المشفرة عملاء جدداً. وعن ذلك قال الدكتور أنغيل تشونغ، المحاضر الأقدم في الشؤون المالية لدى المعهد الملكي للتكنولوجيا بملبورن، إن العلامات التجارية "لن تكون قادرة على الوصول إلى عملائها الحاليين فحسب، بل يمكنها أيضاً الاستفادة من مجموعة جديدة من المستثمرين المهتمين بمجال الـ(بلوكتشين) أكثر من شركات الرفاهية".

في مارس الماضي، أخبرت دار الأزياء "غوتشي" مجلة "فوغ بيزنس" أنها "مسألة وقت فقط" قبل دخول دور الأزياء الكبرى في مجال الرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال.

وقد باعت دار الأزياء مؤخراً مقطع فيديو كرمز مشفر غير قابل للاستبدال، مدته أربع دقائق، في دار مزادات "كريستيز" مقابل 25 ألف دولار.

لكن العلامات التجارية الأصغر حجماً تمضي إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، فشركة "آر تي إف كيه تي" (RTFKT)، التي ينطق اسمها مثل كلمة "artifact"، تعتبر المرشح الأوفر حظاً للأزياء الافتراضية، إذ باعت نحو 600 زوج من الأحذية الرياضية الرقمية مقابل 3.1 مليون دولار في سبع دقائق فقط في فبراير.

واستطاعت "آر تي إف كيه تي"، التي أسسها كريس لو وبينوا باجوتو وستيفن فاسيليف، جمع 8 ملايين دولار في جولة تمويلية بقيادة شركة "أندريسن هورويتز". وتعاونت مع شركة "أتاري" و"إلكترونيك آرتس"، بالإضافة إلى تعاونها مع أحد المتبنّين الأوائل لفكرة الرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال والوريثة باريس هيلتون.

الموضة الرقمية

بشكل غير عادي، تمنح الرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال التابعة للشركة مالكَها زوجاً من الأحذية المادية وكذلك قطعة رقمية، وهو ما يجذب هواة الجمع المحتملين بشكل أكثر. ولدى "آر تي إف كيه تي" أيضاً شراكة مع "سناب شات"، التي يُسمح بموجبها للعملاء بارتداء أحذيتهم الرياضية الرقمية من خلال تقنيات "فلاتر" التطبيق.

قال كريس لو، في مقابلة: "أؤمن بمستقبل يشكل فيه الواقع المعزز جزءاً كبيراً من المجتمع، فستخرج إلى الشارع وترى الناس يرتدون ملابس رقمية".

وبالنسبة إلى بعض المصممين، تعد الموضة الرقمية فرصة لنشر التصاميم المعقدة وذات الخيال الجامح، التي يصعب تبنيها في العالم الحقيقي. ففي عالم "ميتافيرس" لا يوجد ما يمنعك من صُنع وبيع أحذية تبدو وكأنها محترقة، أو سترة بطوق معلقّ في الهواء.

تقول ميكايلا لاروسي، رئيسة المحتوى والاستراتيجية لدى "ذا فابريكانت": "الأمر يتعلق باستكشاف أجزاء من هويتك وربما التعبير عن جوانب من شخصيتك لم تكن موجودة عادةً ضمن عالمك الحقيقي". جدير بالذكر أن "ذا فابريكانت" هي دار أزياء رقمية باعت فستاناً عبر تقنية الـ"بلوكتشين" مقابل 9.5 ألف دولار في عام 2019.

مجال مُتنامٍ

بالنسبة إلى اللاعبين الآخرين، مثل "نيونو" (Neuno)، وهي سوق رقمية تختص بالرموز غير القابلة للاستبدال في مجال الأزياء، فالأمل في إعادة تحديد الأشياء ذات القيمة. وهي المنصة التي باع من خلالها المؤسس المشارك لـ"تويتر" جاك دورسي مؤخراً تغريدة لأول مرة عبر مزاد. ويمكن أن تتغلب "نيونو" على المنافسين من خلال العمل مباشرة مع المصممين والسماح للعملاء بالدفع باستخدام بطاقات الائتمان وكذلك العملات المشفرة.

كذلك هناك موقع "دريس إكس" (DressX)، الذي يبيع في الغالب الملابس الرقمية غير التابعة للرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال، وهو يضم حالياً 70 مصمماً على منصته. ويقول "دريس إكس" إن المبيعات تتضاعف كل شهر منذ أكتوبر 2020.

فائدة محدودة

وعلى الرغم من أن الملابس الرقمية يمكن أن تعزز حدود المظاهر والأعمال التجارية، فإن فائدتها محدودة، حتى على الإنترنت.

ومع أنه يمكن للمالكين التفاعل مع الملابس الافتراضية عبر الواقع المعزز على هواتفهم الذكية أو في هيئة شخصياتهم في بعض الألعاب، فإن العالم الافتراضي ليس دائماً مكاناً يقبل المشاركة، فلا يمكن استخدام الملابس المتوافقة مع لعبة "فورتنايت" في لعبة "ديسنترالاند" أو العكس.

ووفقاً لماثيو بول، الشريك الإداري في شركة الاتصالات "إبيليون"، ستتضح تفاصيل عالم "ميتافيرس" الافتراضي مع مرور الوقت، وسيتطلب الأمر "عدداً لا يحصى من التقنيات والبروتوكولات والشركات والابتكارات والاكتشافات الجديدة".

حالياً، يبقى أن نرى ما إذا كانت العوالم الإلكترونية العديدة الموجودة اليوم يمكن أن تندمج في مساحة واحدة متسقة لاحقاً، خصوصاً عند النظر إلى النهجين الإلكترونيين الصيني والأمريكي حيال الإنترنت، المختلفين جداً.

ومع ذلك فإن مشتري الرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال لا يشعرون بأي قلق. فقد قال إيغان، من "لا أتيلير": "الناس يقدرون السلع الافتراضية بشكل متزايد، كما يقدرون سلع العالم الحقيقي تماماً، وبالتالي يمكن للرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال محاكاة هذا الشكل من الملكية التقليدية تقريباً".

وأضاف: "نظراً إلى أن هذه الرموز قد تلعب دور التوأم الرقمي لملابس حقيقية، إذ يمكنها إثبات الأصالة والمصدر، فإن العلامات التجارية مثل (لويس فيتون) و(نايكي) تستثمر حالياً بنشاط في تقنية البلوكتشين".

تصنيفات

قصص قد تهمك

الرموز المشفرة تغيّر صناعة الموسيقى وتدعم الفنانين

time reading iconدقائق القراءة - 10
الفنان والموزع الموسيقي \"راك\". - المصدر: بلومبرغ
الفنان والموزع الموسيقي "راك". - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بالرغم من أنَّه رائد في الطرق التقليدية التي تطوَّرت بها صناعة الموسيقى، إلا أنَّ الموسيقي والمنتج أندريه أنجوس، الحائز على جائزة غرامي، والمعروف باسم "راك" (RAC)، بات يتطلَّع للاعتماد في أعماله على الرموز المشفَّرة غير القابلة للاستبدال (NFTs).

وتمثِّل الرموز المشفَّرة غير القابلة للاستبدال، نوعاً جديداً من تقنية الـ"بلوكتشين" التي تعتمد على الندرة القسرية، محوِّلة المقتنيات الرقمية، لأصول ذات قيمة قابلة للبيع. وقد شهد المجال انتشاراً كبيراً مؤخراً. بداية هذا العام، أجرت دار "كريستيز" للمزادات عملية بيع قياسية بقيمة بلغت 69.3 مليون دولار أمريكي، لأحد الـ(NFTs)، التي تعود للفنان الرقمي بيبل. وفي الوقت نفسه تقريباً، حصل أنجوس على 708 ألف دولار مقابل بيع مجموعة من الرموز المشفَّرة غير القابلة للاستبدال من ألبومه الأخير "يو"، وذلك بقيمة تفوق إجمالي مبيعات ألبوماته خلال السنوات العشر الماضية. وقد بلغ إجمالي مكاسبه من بيع الـ(NFTs) نحو مليون دولار.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

صناعة موسيقية جديدة

طموحات أنجوس المتعلِّقة بالـ(NFTs) تتجاوز الأموال فقط. فهو يأمل أن تستطيع تقنية "بلوكتشين" من تغيير العمل في صناعة الموسيقى بأكملها. وخاصةً فيما يتعلَّق بالوسطاء المتعددين من الوكلاء، والمحامين، ومديري الاستوديوهات، الذين يحصلون على النصيب الأكبر من مكاسب الموسيقيين، بالإضافة إلى شركات التسجيلات التي تموِّل الألبومات بفائدة مرتفعة.

عن ذلك، قال أنجوس في مقابلة: "إذا تمكَّنا من إعادة تشكيل صناعة الموسيقى، فسيتعيَّن على كل هؤلاء الوسطاء أن ينافسوا الرمز المشفَّر". أنجوس يرى أنَّه وعلى الرغم مما تقدِّمه شركات التسجيلات من أمور جيدة، إلا أنَّها كثيراً ما تعاملت مع الموسيقيين، كما لو أنَّهم لا يستحقون أن يتقاضوا مدفوعات عادلة. وأضاف: "سأكون قلقاً بالفعل لو كنت واحداً منهم الآن، هم لا يدركون ما الذي ينتظرهم".

أنجوس ينضمُّ لقائمة متزايدة من الفنانين الذين نجحوا في تقاضي الملايين من معجبيهم مباشرة، ومنهم "ديدماو 5"، وغريميس، وتوري لينيز. وفي فبراير الماضي، باع الفنان جستن بلاو المعروف باسم (3lau)، مجموعة تضمُّ 33 رمزاً من الـ(NFTs)، منحت المشترين إصدارات محدودة من الأسطوانات، وموسيقى لم تصدر بعد، بالإضافة لتجربة متميزة، ذلك وفقاً لموقع "بزنيس إنسايدر". وقد حصل بلاو مقابل مبيعاته هذه على 11.6 مليون دولار.

هذا التحوُّل، يساعد الفنانين في التعويض عن المكاسب القليلة التي يحققونها من بثِّ أغانيهم على منصات، مثل: "سبوتيفاي"، و"أبل ميوزيك" التي تدفع أقل من سنت واحد عن كل استماع، كما تساعدهم في تعويض الخسائر الناتجة عن غياب الجولات الموسيقية على مدار العام الماضي بأكمله.

منصات البث..ليست للجميع

"أحلام الفيل" كانت أوَّل رمز من الـ(NFTs) يبيعه أنجوس، وقد حصل مقابله على 26 ألف دولار. وقال أنجوس: "كنت سأحتاج لثلاث سنوات لكي أحصِّل تلك الإيرادات من "سبوتيفاي"". حالياً يقتصر حق ملكية هذا العمل الفني، على المشترين للنسخة الإلكترونية السمعية البصرية، بالإضافة للمصمم أندريه ريسينغر.

تقول فيكي نومان مؤسسة شركة استشارات الموسيقى الرقمية "كروس بوردر ووركس"، إنَّ منصات البث قد تكون جيدة للنجوم الكبار ممن تظهر أعمالهم بشكل كبير ضمن القوائم الموسيقية المتداولة. إلا أنَّ الفنانين المستقلين "سوف يعانون حقاً"، وكذلك بالنسبة للغالبية العظمى من المؤديين ممن هم في منتصف طريقهم الفني، فإنَّ نموذج منصات البث "لن يكون مناسباً لهم"، كما تقول نومان.

وتابعت، أنَّه في الوقت الحالي، باتت معظم شركات الإنتاج الموسيقى ذات النظرة المستقبلية، تمتلك أقساماً وفرقَ عمل متخصصة بالرموز المشفَّرة غير القابلة للاستبدال، التي تعمل حالياً على تقييم الأعمال، والفيديوهات، والأغاني، التي بالإمكان تحويلها إلى رموز مشفَّرة.

نموذج منصات البث، كان قد ظهر كردَّة فعل لمكافحة خدمة "نابستر" الموسيقية، التي سمحت لأيِّ شخص بتحميل ملفات الموسيقى مجاناً على الإنترنت.

تقول نومان: "نحن على وشك التخلي عن نموذج العمل الذي اعتبرته الصناعة أفضل طريقة لتفادي القرصنة، والقائم على منح المستخدم باقة ترفيهية تمكِّنه من الوصول إلى الخيارات المتاحة كافةً، مقابل 9.99 دولاراً شهرياً" وأضافت: "تميل صناعة الموسيقى إلى أن تكون بطيئة وبيروقراطية، لكنَّ موسيقيين، مثل: "راك" استطاعوا القفز لاستعمال تقنيات جديدة تخدم مصالحهم".

واستطردت نومان قائلة: "يمكن للفنانين القفز إلى التقنيات الجديدة بمجرد ظهورها واستخدامها لمصلحتهم على الفور. لهذا السبب أنا متحمسة للغاية للـ(NFTs)".

موسيقى العملات المشفرة

بالنسبة لأنجوس أو "راك"، الذي صمم جهازاً يعمل على نظام تشغيل "لينكس"، وهو في الثالثة عشرة من عمره فقط، فقد بدت له فكرة البرامج متاحة المصدر منطقية جداً. إذ يقول أنجوس: "لقد رأيت ما حدث مع خدمة "نابستر" التي نجحت الشركات التجارية الكبرى في إغلاقها، لأنَّها مثَّلت نقطة فشل رئيسية بالنسبة لهم". ثم جاء بعد ذلك برنامج "بيت تورينت"، الذي استطاع المستخدمون من خلاله تنزيل أجزاء من الأفلام أو الأغاني ضمن شبكات الند-للند. وسرعان ما أدرك أنجوس أنَّ برنامج "بيت تورينت" لا يمكن إيقافه، لأنَّ الكثير من الناس أرادوا استخدامه. وهي الفكرة نفسها التي لاحت له بالنسبة لتقنية الـ"بلوكتشين".

يقول أنجوس: "إنَّه تطور مستمر لما يجري" ويضيف: "المبدأ الأيدولوجي متطابق في الحالتين". وللسبب نفسه، كان أنجوس من المتحمِّسين لعملة "إيثريوم" المشفَّرة التي تستطيع تسجيل العقود الذكية، وإجراء الحسابات المترتبة عليها تلقائياً، لذلك في حال استوفت هذه العقود شروط معينة. وقد تكون إحدى تطبيقات هذه التقنية، تتمثَّل بتقسيم الإيرادات تلقائياً بين أعضاء الفرقة الموسيقية في كل مرة يتمُّ فيها بيع أحد التسجيلات.

ويكمل أنجوس: "إذا فكرت بشيء ما، فيمكنك بناءه". وعن الـ"إثيريوم"، يقول: "كانت اللحظة الفارقة، عندما قلت لنفسي يا لها من فكرة، يمكننا الآن إعادة بناء صناعة الموسيقى".

أصدر أنجوس ألبومه "إيغو" في عام 2017 عن طريق منصة "يوجو ميوزيك"، التي سمحت للمعجبين بشراء الألبوم باستخدام العملة المشفَّرة "إيثريوم"، في حين كان معروضاً للبيع بالدولار الأمريكي أيضاً على منصات مثل "آي تيونز".

قيمة جديدة للأعمال الموسيقية

يعدُّ العامل الرئيسي الذي نجحت تقنية "بلوكتشين" في تقديمه هو الندرة الرقمية. فعلى عكس ملفات "إم بي ثري" التي يمكن إعادة مشاركتها مليون مرة، فإنَّ الملف الرقمي المرتبط بتقنية "بلوكتشين" يرتبط بسجل ملكية كامل مرفق به. ويشبه الأمر سوق الفن التقليدي إلى حدٍّ ما، إذ يمكن لشخص امتلاك صورة عن لوحة للفنان إدوارد هوبر، في حين يمتلك آخر اللوحة الأصلية التي رسمها الفنان. صحيح أنَّ كلا اللوحتين يمكن تعليقهما على الحائط، إلا أنَّ أحدهما فقط تمتلك قيمة مرتفعة. هذا التصديق للأصليّة، يمكنه جعل أعمال مثل الأغاني أو الفنون الرقمية، قابلة بشكل غير مسبوق، للجمع كمقتنيات الأعمال الفنية تماماً.

وبسبب تلك التقنية رأينا اليوم أحد معجبي أنجوس يدفع 2250 دولاراً مقابل نسخة واحدة من ألبومه الجديد "يو"، الذي سيتمُّ إنتاج 100 نسخة منه فقط. وفي حين يمكن للمشترين نسخ وبيع الأغاني بعد ذلك من الألبوم، إلا أنَّها لن تكون أصلية، وبالتالي لن تكون ذات قيمة كبيرة.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

أغنية لا تتوقف عن التطوّر

كذلك، فإنَّه بالإضافة إلى تحويل الأغاني لمقتنيات يمكن جمعها؛ فقد استخدم أنجوس إمكانيات الملفات الرقمية النادرة، لصنع الموسيقى بطريقة جديدة أيضاً. إذ عُرض تسجيله "سيلكولار" على المعجبين، بنسخة بمزيج موسيقى رئيسي، وأخرى بمقاطع منفردة من أجزاء الأغنية مثل تلك التي يعزفها البيانو أو الجيتار. ويعلِّق أنجوس: "كل طبقة من الأغنية، يمتلكها شخص مختلف." وكل شخص يمكنه إجراء تعديلات من قبله، ويمكن من خلال ذلك جعلها تبدو كأغنية مختلفة تماماً. في النهاية، يمكن القول، إنَّه عمل موسيقي تعاوني.

يقول أنجوس: "الفكرة برمَّتها خلف أغنية "سيلكولار"، تتلخَّص بعدم وجود نسخة نهائية لها". فإذا ذهبت الآن لموقع (Asynch) الموسيقي، فإنَّك "ستحصل على إصدار مختلف عما كان عليه بالأمس". وأضاف أنجوس: "لا يمكنك فعل ذلك على منصة "سبوتيفاي".

كذلك، فإنَّه لا يمكنك على منصة "سبوتيفاي" كسب 83 ألفاً و718 دولاراً من بيع المزيج الرئيسي للأغنية. وتمثِّل هذه القيمة، السعر الأخير الذي تمَّ دفعه بشكل مباشر لأنجوس مقابل الرمز المشفَّر لها.

حريّة إبداعية

هذه الإمكانية لتحقيق الأرباح، منحت أنجوس الحرية لتنفيذ الأفكار الإبداعية التي يريد. يقول أنجوس: "لقد شعرت بالكثير من الحرية". في حين تشرح نومان: "يوجد لدينا ميزانية نلتزم بها، لكنَّها أصبحت فضفاضة بعض الشيء". وتشير إلى أنَّ هذه المكاسب قد تغيِّر الطريقة التي يتعامل بها الموسيقيون مع التسجيل الموسيقي والجولات الغنائية مستقبلاً.

تستطرد نومان: "أصبح لدى الفنانين بالفعل حرية الاختيار، وهو أمر لم يكن متاحاً لهم من قبل. بات الفن يتطوَّر بسبب التكنولوجيا، وسوف تتطوَّر التكنولوجيا من خلال الفن، وفي هذه المرحلة سيكون الوضع مثيراً حقاً".

يشير أنجوس أنَّه لا يواجه مشاكل مع صناعة الموسيقى بأكملها، لكنَّه يرغب في تغيير الطريقة التي تمنح فيها شركات التسجيل القروض للموسيقيين لتسجيل ألبوماتهم، بأرباح مكلفة للغاية. فقد بلغت تكلفة ألبومه "بوي" نحو 80 ألف دولار، وهو ما يراه أنجوس مبلغاً معقولاً، لكنَّه يتساءل: "لماذا يتمُّ تمويل ذلك المبلغ بفائدة تصل إلى 50%ز إنَّه أمر سخيف". ويضيف أنجوس أنَّ القروض غالباً ما تتمُّ إعادة هيكلتها بطرق "لا يمكنك معها، إنهاء سدادها أبداً".

في مارس الماضي، أسس أنجوس وكالة "6 " الرقمية المتخصصة في الـ(NFTs). وذلك لتشجيع زملائه الفنانين على استكشاف إمكانات تلك الرموز غير القابلة للاستبدال.

يضيف أنجوس أخيراً: "بمجرد إضفاء هذا الطابع الديمقراطي على عملية التمويل، ستأخذ الجوانب الأخرى منحاها الصحيح". متابعاً: "سيشكِّل هذا مكاناً جيداً لبدء حلِّ المشاكل في صناعة الموسيقى".

تصنيفات

قصص قد تهمك

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.