ألمانيا تتطلع لمعجزة اقتصادية لكن الآفاق لا تبدو واعدة

ميرتس يواجه تحدي شيخوخة السكان ما يعيق النمو الاقتصادي ويزيد الضغوط على الميزانية الفيدرالية

time reading iconدقائق القراءة - 8
زعيم الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ في ألمانيا فريدريش ميرتس - بلومبرغ
زعيم الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ في ألمانيا فريدريش ميرتس - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

أثار فوز المرشح المحافظ فريدريش ميرتس في الانتخابات الألمانية يوم الأحد آمالاً بأن يتمكن محامي الشركات السابق، البالغ من العمر 69 عاماً، من إحداث تحول اقتصادي سريع وإنهاء سنوات من الركود. رغم ذلك، فإن الواقع الديمغرافي غير المواتي لألمانيا يجعل هذه التوقعات مفرطة في التفاؤل.

رغم رغبة ميرتس الحثيثة في تشكيل حكومة بسرعة، ورغم احتمال اضطراره إلى التراجع عن موقفه الرافض لمزيد من الاقتراض من أجل إعادة بناء الجيش الألماني، فإن شيخوخة السكان تمنع تكرار الطفرات الاقتصادية التي شهدتها البلاد بعد الحرب العالمية الثانية، أو بعد إصلاحات سوق العمل التي نفذها غيرهارد شرودر قبل عقدين.

التغيرات الديموغرافية ليست سوى بند واحد ضمن قائمة طويلة من العوائق الهيكلية التي تعرقل النمو، والتي تشمل البنية التحتية المتهالكة، وارتفاع تكاليف الطاقة، وتصاعد الحمائية التجارية، وضعف الإنتاجية، وصعود الصين كمنافس صناعي.

ومع ذلك، فإن تقاعد مواليد جيل الطفرة السكانية يستحق اهتماماً خاصاً، لأن نقص العمالة الماهرة وتقليل ساعات العمل سيؤثران سلباً على النمو المحتمل، ما لم يستمر تدفق المهاجرين المهرة بمعدلات مرتفعة، وهو أمر غير مضمون. صعود حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، الذي حصل على أكثر من خُمس الأصوات ليصبح أكبر حزب معارض في البرلمان الفيدرالي، قد يثني الأجانب المهرة عن القدوم إلى البلاد.

الضغوط المالية والسياسية

علاوة على ذلك، ستؤدي هذه التغيرات إلى تفاقم الضغوط على الميزانية الفيدرالية ونظام الضمان الاجتماعي، وستزيد من حدة الصراعات السياسية والصراعات بين الأجيال حول كيفية توزيع الموارد المحدودة. (بلغت نسبة من هم فوق 60 عاماً بين الناخبين المؤهلين للمشاركة في الانتخابات 42%، مقارنة بـ26% عام 1990. وصوّت أكثر من نصف هؤلاء لكُتلة الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي التي يقودها ميرتس، أو لحزب الديمقراطيين الاجتماعيين، الشريك المحتمل في الائتلاف الحكومي).

قد يحد ذلك من قدرة ميرتس على خفض الضرائب، وهو ما يعرقل جهوده لاستعادة جاذبية ألمانيا كموقع للأعمال. وبالتالي، قد يكون هدفه المتمثل في رفع معدل النمو الاقتصادي السنوي إلى نحو 2% مجرد وهم.

بعد حملة انتخابية طغت عليها النقاشات حول قضايا اللجوء، هناك مخاوف من أن الناخبين الألمان غير مستعدين لاتخاذ قرارات مالية صعبة في المستقبل، مثل رفع سن التقاعد وترشيد الإنفاق الصحي غير الضروري.

حدد المستشار العتيد ميرتس بدقة العديد من المشكلات التي تعاني منها ألمانيا، بما في ذلك البيروقراطية المفرطة، وضعف الاستثمار في قطاع الأعمال.

ولإعادة القدرة التنافسية، اقترح "أجندة 2030"، التي تشمل تخفيضات في ضرائب الشركات والدخل الشخصي، وحوافز مالية لكبار السن للبقاء في سوق العمل، وإصلاحاً جذرياً لإعانات البطالة طويلة الأجل المعروفة باسم "بيرغرغيلد" (Bürgergeld). وأكد ميرتس أن جميع قراراته ستكون موجهة نحو تعزيز تنافسية الصناعة الألمانية.

تراجع النمو وعبء الشيخوخة

لم يوضح ميرتس بالتفصيل كيف يخطط لتمويل هذه التخفيضات الضريبية، ومن المرجح أن يضطر إلى تقديم تنازلات، لأن الحزب الديمقراطي الاجتماعي، شريكه المحتمل في الحكومة، لا يتفق معه في كثير من الأهداف.

مع تراجع أعداد القوى العاملة، يقدَّر أن يكون النمو الاقتصادي المحتمل لألمانيا ما بين 0.3% إلى 0.4% سنوياً حتى نهاية هذا العقد، مقارنةً بمتوسط بلغ 1.4% خلال الفترة من 2000 إلى 2019، وفقاً لمجلس الخبراء الاقتصاديين الألماني.

وخلال فترة البرلمان المقبلة التي تمتد لأربع سنوات، سيبلغ 5.2 مليون ألماني سن التقاعد، في حين سيصل فقط 3.1 مليون شخص إلى سن العشرين، ما سيؤدي إلى مزيد من الضغوط على سوق العمل، وفقاً لحسابات المعهد الاقتصادي الألماني.

يتطلب كبار السن رعاية صحية أكثر تكلفة، وستؤدي شيخوخة السكان إلى زيادة الضغط على نظام التقاعد الألماني، الذي يعتمد على مبدأ "الدفع أثناء العمل" حيث يمول العمال الحاليون معاشات المتقاعدين. وهذا قد يستلزم زيادة أكبر في التحويلات الحكومية من الميزانية الفيدرالية، مع العلم أن المعاشات تمثل بالفعل أكثر من خُمس الإنفاق الحكومي.

تُعد الحماية الاجتماعية في ألمانيا نموذجية، لكن المساهمات المرتفعة قد تثني البعض عن العمل، كما أنها تحدّ من الاستهلاك (لأن العمال يتلقون دخلًا أقل بعد الضرائب). إضافةً إلى ذلك، فإن ارتفاع تكاليف التوظيف يُضعف التنافسية ويحد من خلق الوظائف.

العبء الضريبي

الضرائب على الدخل في ألمانيا ليست مرتفعة بالمقاييس الدولية، خاصة مع وجود مزايا سخية للأسر والتخفيضات الضريبية للمتزوجين.

مع ذلك، عند احتساب مساهمات التأمينات الاجتماعية التي يدفعها الموظفون وأصحاب العمل، والتي تشمل المعاشات والتأمين ضد البطالة والتأمين الصحي وتأمين الرعاية طويلة الأجل، فإن ما يُعرف بـ"الفجوة الضريبية" للأفراد غير المتزوجين ومن دون أطفال تُعد الأعلى بين جميع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، باستثناء بلجيكا. (تشير "الفجوة الضريبية" إلى الفرق بين التكلفة الإجمالية لتوظيف شخص وما يتبقى له كدخل صافٍ).

بعد الزيادة الكبيرة في خصومات التأمين الصحي هذا العام، ارتفعت النسبة الإجمالية للدخل الإجمالي المخصصة للضمان الاجتماعي إلى 42%، وهي الأعلى منذ عام 2003 عندما أقرّت حكومة غيرهارد شرودر إصلاحات هارتز لتعزيز التوظيف والحد من الإنفاق على إعانات البطالة.

يريد ميرتس إعادة تحديد سقف لمعدل مساهمات الضمان الاجتماعي عند 40%، لكنه لم يوضح بشكل دقيق كيف سيحقق ذلك. ووفقاً لمجموعة "آي جي إي إس" (IGES) البحثية، فإن هذا المعدل قد يرتفع إلى 46% بحلول عام 2029 وإلى 49% بحلول عام 2035، إذا لم يتم اتخاذ تدابير تدخلية، ما سيؤدي إلى تقليل الدخل المتاح للعمال، وزيادة تكاليف العمالة على أصحاب العمل.

المراوغة في إصلاحات التقاعد

رغم هذه التحديات، لم تحظَ إصلاحات التقاعد باهتمام كبير خلال الحملة الانتخابية. فقد استبعد كل من الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) الذي يقوده ميرتس والحزب الديمقراطي الاجتماعي (SPD) رفع سن التقاعد، والذي من المقرر أن يصل إلى 67 عاماً بحلول عام 2031.

علاوة على ذلك، يريد الحزب الديمقراطي الاجتماعي الاستمرار في ضمان أن تبقى معاشات المتقاعدين عند 48% من متوسط الأجور، بينما يؤيد ميرتس استقرار المعاشات، لكنه لم يحدد بوضوح كيف سيتم تحقيق ذلك.

يبدو أن جميع الأحزاب تجنبت إثارة غضب المتقاعدين، لكن ألمانيا بحاجة إلى مواجهة الواقع وربط سن التقاعد بمتوسط العمر المتوقع، مع تعزيز الحوافز الضريبية للادخار في سوق الأسهم. خطة ميرتس لمنح جميع الأطفال البالغين من عمر ست سنوات حسابات استثمارية مع 10 يورو شهرياً لشراء الأسهم فكرة تستحق المتابعة، لكنها لن تحل الضغوط الحالية على نظام التقاعد.

بدلاً من توسيع القاعدة الضريبية لمساهمات الرعاية الصحية بحيث تشمل أصحاب الدخول المرتفعة أو مصادر دخل أخرى، يجب أن يركز النظام على رفع كفاءة الإنفاق. فالألمان، الذين يسجلون معدلات مرتفعة من الإجازات المرضية، يزورون الطبيب بمعدل 10 مرات سنوياً في المتوسط، مقارنةً بمرتين فقط في السويد. كما أن نصيب الفرد من الإنفاق الصحي في ألمانيا هو ثالث أعلى معدل بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بعد الولايات المتحدة وسويسرا. ولزيادة وعي المواطنين بتكاليف العلاج، اقترح البنك المركزي الألماني فرض رسوم على زيارات العمليات الجراحية أو تطبيق نظام الخصومات التأمينية.

الهجرة هي الحل

لمعالجة نقص العمالة وتمويل نظام الرفاه السخي في ألمانيا، يجب على البلاد الاستمرار في جذب المهاجرين المهرة ودمج اللاجئين بشكل أفضل في سوق العمل. (لولا الهجرة، لبدأ السكان الألمان بالتناقص فعلياً، حيث تجاوز عدد الوفيات عدد المواليد على مدى نصف قرن تقريباً. ولحسن الحظ، فإن العديد من الوافدين الجدد من الشباب، ما يعزز فرص الاقتصاد على المدى الطويل).

أتمنى لميرتس النجاح في إعادة الاقتصاد الألماني إلى مساره الصحيح. لكن، للأسف، قد تعني شيخوخة المجتمع أن يبقى الاقتصاد في حالة ركود.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

تغيير حجم الخط

برلين

2 دقائق

0°C
سماء صافية
العظمى / الصغرى -2°/
9.3 كم/س
92%

عدم اليقين الاقتصادي يعيد رسم الخريطة السياسية في ألمانيا

الدعوات الحزبية لتخلي ألمانيا عن الاتفاقات الدولية بشأن المناخ تلقى صدى لدى السكان المحليين، رغم عدم واقعيتها قانونياً واقتصادياً

time reading iconدقائق القراءة - 13
عمال خارج مرافق تغيير الملابس في منجم الفحم البني \"هامباخ\" التابع لشركة \"آر دبليو إي\" في نيدرزاير، ألمانيا، بتاريخ 27 نوفمبر 2024 - بلومبرغ
عمال خارج مرافق تغيير الملابس في منجم الفحم البني "هامباخ" التابع لشركة "آر دبليو إي" في نيدرزاير، ألمانيا، بتاريخ 27 نوفمبر 2024 - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في منجم "هامباخ" المفتوح الواقع على أطراف قلب ألمانيا الصناعي السابق، تهتز الأرض مع حركة عجلة حفارة عملاقة أثقل من "برج إيفل"، وهي تشق طريقها عبر الطبيعة للتنقيب عن الفحم البني المستخدم في تشغيل المصانع، مثل مجموعة مصانع الورق في مدينة "دورين" القريبة.

في هذه المدينة الصغيرة التي يقطنها 90 ألف نسمة، على بُعد 40 كيلومتراً غرب كولونيا، تتعارض تحديات ألمانيا، وفي أماكن كانت مزدهرة مثل "دورين"، يتم خوض معركة من أجل مستقبل البلاد.

في نهاية هذا الأسبوع، تبدأ الحملات السياسية على قدم وساق استعداداً للانتخابات المبكرة المقررة في 23 فبراير، عندما يعقد "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" الحاكم وحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني، وهو القوة الصاعدة في المنطقة، مؤتمرات حزبية، بينما يلتقي قادة "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" المحافظ في هامبورغ.

قال هيلغه بيتر هيرفيغن، المسؤول المحلي في نقابة "آي جي بي سي" (IGBCE) التي تمثل عمال المناجم وصناعة الورق، وكانت يوماً ما صوتاً قوياً في المنطقة: "هناك الكثير من عدم اليقين. المحادثات مع المنتسبين صعبة للغاية".

حفارة عملاقة تعمل في منجم "هامباخ" المفتوح التابع لشركة "آر دبليو إي" في نيدرزاير، بتاريخ 27 نوفمبر 2024 - بلومبرغ
حفارة عملاقة تعمل في منجم "هامباخ" المفتوح التابع لشركة "آر دبليو إي" في نيدرزاير، بتاريخ 27 نوفمبر 2024 - بلومبرغ

تغيرات هيكلية تعصف بألمانيا

بدءاً من انعدام الأمن في مجال الطاقة إلى تباطؤ التصنيع، تقع مدينة دورين في قلب التغيرات الهيكلية التي تعصف بأكبر اقتصاد في أوروبا. مع انتقال ألمانيا تدريجياً للتخلي عن الوقود الأحفوري المحلي مثل ذلك الموجود في هامباخ، يشعر العمال ذوو الياقات الزرقاء بالقلق بشأن استقرار وظائفهم، حيث يكافح أرباب الأعمال لمنافسة نظرائهم في الولايات المتحدة والصين.

ألقى التباطؤ الصناعي في ألمانيا بظلال قاتمة لغاية على ولاية شمال الراين-وستفاليا، الأكثر كثافة سكانية في البلاد. فالشركات الكبرى مثل "تيسنكروب" (Thyssenkrupp AG) و"فورد موتور" (.Ford Motor Co) تخفض أعداد الموظفين، بينما أدت سنوات من البرامج السياسية الفاترة، وإخفاق حكومة المستشار أولاف شولتس، إلى زعزعة الثقة بشكل أكبر.

يستغل حزب "البديل من أجل ألمانيا"، الذي يحتل المركز الثاني في استطلاعات الرأي الوطنية بعد كتلة "الاتحاد المسيحي الديمقراطي-الاتحاد الاجتماعي المسيحي"، المخاوف في مجتمعات مثل دورين التي ستتحمل وطأة طموحات ألمانيا للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية، حيث تجد دعوته للتخلي عن الاتفاقات الدولية بشأن المناخ صدى لدى السكان المحليين. حتى وإن كانت هذه الخطوات غير واقعية من الناحية القانونية أو الاقتصادية، فإن احتمال استمرار الوضع الراهن مع الأحزاب التقليدية لا يبدو جذاباً للسكان القلقين.

رياح معاكسة

في دورين، حصل حزب "البديل من أجل ألمانيا" على أكثر من 4 آلاف صوت في انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو الماضي، وكان على بعد 132 صوتاً فقط من تجاوز الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" بقيادة شولتس، الذي كان يُعتبر يوماً ما الصوت الموثوق للطبقة العاملة.

بينما يبدو التحول نحو اليمين أكثر وضوحاً في شرق ألمانيا الشيوعي السابق، فإن الرياح المعاكسة التي تواجه أحزاب الوسط-اليسار واضحة في تراجع شعبية الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" وحزب "الخضر" لصالح الأحزاب الشعبوية، بما في ذلك حزب "تحالف سارة فاغنكنشت–العقل والعدالة"، المعروف اختصاراً بـ"BSW" الجديد ذي الميول اليسارية، في مختلف أنحاء ألمانيا.

يحتل الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" حالياً المركز الثالث في استطلاعات الرأي، بعد حزب "البديل من أجل ألمانيا"، الذي تجاوزت شعبيته 20%. بينما يتمتع المحافظون بتقدم مريح بأكثر من 30%.

في ولاية شمال الراين-وستفاليا، أصبحت مدن مثل دويسبورغ التي تخطط شركة صناعة الصلب "تيسنكروب" لتسريح 11 ألف موظف بها، وبوخوم، التي لا تزال تعاني من تداعيات إغلاق مصنع سيارات "أوبل" في عام 2014، أهدافاً لحزب "البديل من أجل ألمانيا" الذي يسعى لتعزيز قاعدته في غرب البلاد.

قال كريستيان لوس، المتحدث الاقتصادي باسم حزب "البديل من أجل ألمانيا" في المنطقة: "السكان في هذه المدن يدركون حجم الضرر الذي تسبب فيه السياسيون". مع سعي الحزب للهيمنة في الولاية بحلول نهاية العقد، فهو يهدف إلى إضعاف تأثير النقابات العمالية. أضاف: "زعماء النقابات يدعمون سياسات المناخ، ولا يمثلون مصالح أعضائهم".

مصادر الإحباط تتباين

تتباين مصادر الإحباط لدى الناخبين في ألمانيا. ففي الشرق، يعود السبب إلى توحيد البلاد والشعور بالتهميش الذي تفاقم مع تدفق المهاجرين. بينما ينشأ القلق في الغرب من تهديدات لمستويات المعيشة التي كانت مريحة في السابق بسبب تراجع القدرة التنافسية، وأصبحت المبادرات البيئية هدفاً للانتقاد؛ كونها تُعتبر مضرة بالأعمال المحلية.

قال ينز زوديكم، أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة "هاينريش هاينه" بدوسلدورف: "حزب البديل من أجل ألمانيا يستغل القلق في المناطق التي تكافح فيها الصناعات للتكيف". توقع أن يزداد هذا الاتجاه حدة مع تسريع ألمانيا لتخفيض الانبعاثات هذا العقد، لتحقيق أهداف المناخ. أضاف: "بالنسبة للناخبين القلقين، يقدم حزب البديل مساراً مختلفاً جذرياً".

في دورين، يبدو التعافي الاقتصادي بعيد المنال، ويُعد مصنع الورق "شولرشهامر" رمزاً لهذه المعاناة المحلية.

كان المصنع يعتمد في السابق على ثلاث شحنات أسبوعية من قوالب الفحم البني من منتج قريب من منجم هامباخ. بعد أن أقرّت حكومة أنجيلا ميركل في عام 2019 خططاً للتخلص التدريجي من الفحم، قام المصنع بتركيب فرن يعمل بالغاز لتوليد البخار اللازم للإنتاج. لكن هذا الحل لم يدُم طويلاً.

مبانٍ صناعية وسارية مدخنة طويلة في مدينة دورين، غرب ألمانيا - بلومبرغ
مبانٍ صناعية وسارية مدخنة طويلة في مدينة دورين، غرب ألمانيا - بلومبرغ
متسوقون وسط أجواء احتفالية في إحدى الأسواق بولاية شمال الراين، ألمانيا - بلومبرغ
متسوقون وسط أجواء احتفالية في إحدى الأسواق بولاية شمال الراين، ألمانيا - بلومبرغ

تأثير وقف الغاز الروسي

تسببت تحركات روسيا لوقف إمدادات الغاز بعد حربها على أوكرانيا في عام 2022، في ارتفاع أسعار الغاز بشكل كبير، ما أدخل مصنع "شولرشهامر" في أزمة. لجأ المصنع إلى حرق مخلفاته الإنتاجية لتقليل تكاليف الطاقة، لكن التحديات لا تزال قائمة. فالتشريعات الأوروبية والاقتصاد البطيء، يضيفان المزيد من الصعوبات.

قال أرمين فيتر، مدير الإنتاج في "شولرشهامر"، الذي تعود جذوره إلى القرن الثامن عشر: "الأعمال صعبة للغاية حالياً". أضاف أن الوضع مشابه للركود الذي أعقب الأزمة المالية العالمية لكنه أطول أمداً. تابع: "لا توجد أي إشارات على تحسن الطلبات لدينا".

تدهور آفاق العمل يثير شعوراً متزايداً بالغربة بين الشباب الألمان، ما دفع حزب "البديل من أجل ألمانيا" لاستهداف هذه الفئة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي مثل "تيك توك". في فيديو حديث، دعا مارتن فينسينتز، البالغ من العمر 38 عاماً ورئيس كتلة حزب "البديل من أجل ألمانيا" في برلمان ولاية شمال الراين-وستفاليا، الشباب إلى رفض الوضع الراهن و"إتمام التغيير السياسي في هذا البلد".

قال ماتياس دورباوم، ممثل الموظفين في مجلس الإشراف على شركة "آر دبليو إي" (RWE AG) ومن مواليد دورين: "نلاحظ أن الكثير من التواصل يتم الآن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وليس بشكل مباشر في الشركات"، مشيراً إلى تراجع تأثير النقابات العمالية على الانتماءات السياسية.

منجم هامباخ المفتوح في ولاية شمال الراين-وستفاليا، ألمانيا - بلومبرغ
منجم هامباخ المفتوح في ولاية شمال الراين-وستفاليا، ألمانيا - بلومبرغ
عمال داخل كافيتيريا في موقع المنجم - بلومبرغ
عمال داخل كافيتيريا في موقع المنجم - بلومبرغ

مخاوف من "البديل من أجل ألمانيا"

يثير حزب "البديل من أجل ألمانيا" مخاوف بترويجه لترحيل المهاجرين، ودعوته إلى انسحاب ألمانيا من منطقة اليورو. بعد تعليقات عنصرية واستخدام بعض قادته شعارات نازية محظورة، تم تصنيف ثلاثة فروع للحزب في ولايات شرق البلاد كجماعات يمينية متطرفة، ووُضعت تحت مراقبة جهاز الاستخبارات الداخلية.

في دورين، يحاول إرنست مولر وزوجته إيفون منع الشباب من الانجراف نحو القومية العرقية. الملاكم السابق وبطل أوروبا للوزن المتوسط يدير صالة رياضية، ويدرب العشرات من المراهقين، مقدماً لهم الدعم والسعي نحو تحقيق هدف، بغض النظر عن خلفياتهم. 

قطع تذكارية من أيام ازدهار إرنست مولر تُزين مكتب بطل الملاكمة السابق في مدينة دورين، ألمانيا - بلومبرغ
قطع تذكارية من أيام ازدهار إرنست مولر تُزين مكتب بطل الملاكمة السابق في مدينة دورين، ألمانيا - بلومبرغ

التكاتف للخروج من الأزمة

يجلس مولر في مكتبه المليء بالصور والتذكارات من مسيرته في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، مشيراً بفخر إلى جائزة حصل عليها من المدينة لدوره في دمج الشباب غير الألمان في المجتمع. تقول الزوجة إن ألمانيا بحاجة إلى التكاتف للخروج من أزمتها.

أضافت إيفون: "نحن هنا مثل العائلة"، مشددة على موقف النادي الرافض للتأثيرات اليمينية المتطرفة التي تظهر في بعض أندية الفنون القتالية المختلطة في أوروبا والولايات المتحدة. أضافت: "نعتني ببعضنا البعض، وندعم بعضنا في الأوقات الصعبة. نحن فخورون للغاية بما يحققه هؤلاء المراهقون لاحقاً". 

جلسة تدريبية للشباب الألمان في صالة الملاكم السابق إرنست مولر، في دورين، ألمانيا - بلومبرغ
جلسة تدريبية للشباب الألمان في صالة الملاكم السابق إرنست مولر، في دورين، ألمانيا - بلومبرغ

في قاعة المدينة، يحاول العمدة فرانك-بيتر أولريش استحضار مواقف مطمئنة من التاريخ. في مكتب العمدة، وهو عضو في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، تبرز لوحة نسيجية تسلط الضوء على محطات كارثية من حرب الثلاثين عاماً إلى الحرب العالمية الثانية، عندما دمرت قوات الحلفاء المدينة لتجنب معارك دموية من منزل إلى منزل. مع ذلك، تمكن المجتمع من النهوض في كل مرة.

على الرغم من أن الوضع الآن أقل دراماتيكية، يعترف أولريش بأن التأخيرات في تلقي التمويل اللازم لتسهيل تخلص المنطقة من الفحم قد عمقت شكوك الجمهور، خاصة بعد إخلاء بلدات وإزالة أجزاء من غابة عمرها 12 ألف عام لاستخراج الفحم.

قال أولريش: "ترك الناس منازلهم لتعزيز الاقتصاد"، مشيراً إلى القرى التي دُمرت لتوسيع عمليات التعدين. أضاف: "كان الاتفاق يتمثل في توفير وظائف مستقرة وتنمية، لكن تلك الثقة باتت تتهاوى".

تصنيفات

قصص قد تهمك

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.