
ينطلق مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" السعودي في ميامي بعد منتصف هذه الليلة بتوقيت الرياض. وتركز ثالث نسخة منه تُعقد في ميامي تحت شعار "الاستثمار الموجه بالهدف"، على إعادة تعريف دور رأس المال بمواجهة التحديات العالمية الكبرى، مع التركيز على استراتيجيات التمويل المبتكرة، والتعاون بين القطاعين العام والخاص، والتقنيات الناشئة القادرة على تعزيز مرونة الاقتصاد واستدامته، بحسب أجندة المؤتمر.
فرصة للاطلاع على أفكار ترمب
تكتسب هذه النسخة أهمية مضاعفة مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وتهديده بفرض رسوم جمركية على الحلفاء والخصوم، في وقت يصر على إعادة التصنيع والأعمال إلى الولايات المتحدة، من خلال إطلاق محفزات تشجع الاستثمارات الأجنبية على التدفق إلى الولايات المتحدة.
رغم العناوين العريضة للرئيس الأميركي، إلا أن الكثير من تفاصيل سياساته لا تزال غير واضحة، حتى أنه لم يحدد تفاصيل أمور أعلن عنها، على غرار إنشاء صندوق سيادي أميركي، ما يفاقم من حالة عدم اليقين في الأسواق.
قد يشكل المؤتمر فرصة للأسواق للاطلاع على أفكار ترمب وسياساته، حيث من المقرر أن يلقي الكلمة الافتتاحية في اليوم الأول عند الساعة الواحدة فجر الخميس بتوقيت الرياض.
مبادرة مستقبل الاستثمار نقطة التقاء
"الاستثمار الموجه بهدف" يُعتبر شعاراً تتبناه كل من السعودية والولايات المتحدة الأميركية. فأكبر اقتصاد عربي يواصل الاستثمار محلياً وخارجياً، ضمن إطار هدف رئيس يتمثل في زيادة تنويع الاقتصاد وفق "رؤية المملكة 2030"، في حين ترغب الولايات المتحدة في جذب الاستثمارات إلى الولايات المتحدة، وتخفيف العجز التجاري مع الكثير من الدول.
يمكن للمؤتمر أن يشكل نقطة التقاء بين أهداف الولايات المتحدة والمملكة، خصوصاً أن العلاقات بين الدولتين أخذت حيزاً مهماً من أجندة المؤتمر، مع حضور شخصيات سعودية وأميركية رفيعة المستوى.
سيشارك محافظ صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميان في الجلسة الحوارية الافتتاحية، في حين سيتحدث وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح عن "تمكين الأهداف: كيفية بناء اقتصادات مرنة في أوقات عدم اليقين".
سفيرة السعودية لدى الولايات المتحدة ريما بنت بندر آل سعود بدورها ستكون متحدثة في جلستين، تتناول الأولى قدرة القادة على بناء أسس جديدة في ظل التفكك الجغرافي. أما الجلسة الثانية التي ستكون مع وزير الاستثمار السعودي أيضاً، فتركز على "رأس المال والشراكة الاستراتيجية: أجندة الاستثمار السعودية الأميركية".
لن يقتصر نقاش العلاقات الثنائية على الجانب السعودي، إذ سيتحدث مبعوث ترمب للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف في جلسة بعنوان: "هل بدأ عصر جديد من التعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط؟"، والتي يديرها جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي، والرئيس التنفيذي لشركة "أفينيتي بارتنرز".
تُظهر عناوين الجلسات والشخصيات المشاركة حجم اهتمام الطرفين بتنمية العلاقات الثنائية، ما يتيح لهذا المؤتمر فرصة بارزة لكي يكون نقطة وصل جديدة بينهما.
الاستثمارات السعودية في أميركا
يأتي المؤتمر بعد أسابيع من إعلان السعودية عزمها زيادة تجارتها واستثماراتها في الولايات المتحدة بنحو 600 مليار دولار خلال 4 سنوات، مع إمكانية زيادة هذا المبلغ في حال سنحت فرص لذلك.
يبلغ حجم هذه الاستثمارات حالياً نحو 770 مليار دولار، كما صرح سابقاً وزير المالية السعودي محمد الجدعان. ووصلت حيازت السعودية من سندات الخزانة الأميركية إلى نحو 136.5مليار دولار في نوفمبر الماضي، في حين بلغ إجمالي التجارة الثنائية في عام 2023 نحو 29.7 مليار دولار (112 مليار ريال سعودي)، وفق وكالة الأنباء السعودية.
كما زاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي حيازاته في العديد من الشركات الأميركية. إذ أظهرت بيانات الربع الثالث من العام الماضي، أن الصندوق الذي يدير أصولاً تقترب قيمتها من تريليون دولار، زاد ملكيته في الأسهم الأميركية إلى قرابة 27 مليار دولار، وهو ارتفاع بنحو 6 مليارات دولار عن الربع الثاني من 2023.
آثار سياسات ترمب
تتخوف الأسواق من تأثيرات سياسات ترمب على الاقتصادين الأميركي والعالمي، خصوصاً مع تهديده لجيرانه وأكبر شركائه التجاريين بفرض رسوم جمركية على غالبية الواردات، وفي مقدمتها رسوم بـ25% على السيارات والرقائق والأدوية في أبريل.
هذه السياسات من شأنها أن تفرز رابحين وخاسرين في الولايات المتحدة وحول العالم، بحسب تيم كالين، الباحث الزائر في "معهد دول الخليج العربية" في واشنطن. لكنه رأى في تصريح لـ"الشرق"، أن الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة "سترتفع بلا شك" بغض النظر عن سياسات ترمب التجارية وآثارها، خصوصاً مع سعي المملكة لنقل التكنولوجيا والمعرفة إليها، معتبراً الإعلان السعودي عن زيادة الاستثمار، "دليلاً على عمق العلاقات الاقتصادية والمالية" بين البلدين، وهو ما يمكن أن يتعزز أكثر من خلال المؤتمر.
إلى أين ستتوجه الاستثمارات الجديدة؟
يتوقع بيير فضول، المدير الإداري لشركة "سكوير أسوشيتس" في سنغافورة، في تصريح لـ"الشرق"، أن تتوجه الاستثمارات السعودية الجديدة إلى قطاعات مثل التكنولوجيا والدفاع والطاقة، بهدف ضمان تحقيق أهداف المملكة الاستثمارية.
تكشف أجندة أعمال المؤتمر تركيزاً واضحاً على قطاعات بعينها. التكنولوجيا والابتكار في مقدمة هذه القطاعات، حيث تبحث جلسات المؤتمر التطورات في التقنيات المبتكرة مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية والتكنولوجيا النانوية والحوسبة الكمومية، وكيفية استخدام هذه التقنيات في تحويل الصناعات وخلق فرص جديدة للنمو الاقتصادي.
بالإضافة لذلك، فإن قطاع الطاقة سيكون من ضمن البنود الرئيسية على جدول الأعمال، إذ سيركز المؤتمر على حلول الطاقة المستدامة، والتحول الأخضر، والآثار الأوسع لسياسات الطاقة على الأسواق العالمية.
رغم أن حجم الاقتصاد السعودي يفوق التريليون دولار، لكن زيادة استثمارات المملكة في السوق الأميركية بمقدار 600 مليار دولار خلال 4 سنوات ليس أمراً يسيراً. لذا فإن "القطاع الخاص والمكاتب العائلية قد تلعب دوراً رئيسياً في الوصول إلى هذا المبلغ خلال السنوات المقبلة"، بحسب فضول.
ويظهر الاهتمام بالقطاع الخاص بوضوح في المؤتمر، إذ سيتطرق بجلساته إلى أهمية التعاون بين الشركات والقطاع العام، مع التركيز على كيفية مساهمة هذه الشراكات في معالجة التحديات المجتمعية، وتعزيز الرخاء على المدى الطويل.