
بلومبرغ
ترأس الرئيس الصيني شي جين بينغ اجتماعاً مع الشريك المؤسس لمجموعة علي بابا القابضة (Alibaba Group Holding)، جاك ما، وعدد من كبار رواد الأعمال اليوم، ما يشير إلى دعم بكين للقطاع الخاص بعد سنوات من حملات التشديد.
ألقى شي كلمة عقب استماعه إلى ممثلي شركات خاصة، من بينهم الملياردير جاك ما من شركة "علي بابا غروب هودلينغ"، والرئيس التنفيذي لشركة "شاومي" لي جون، بحسب ما أفادت به وسائل إعلام حكومية. كما حضر الاجتماع كل من وانغ شينغ من شركة "ميتوان"، ووانغ شينشينغ من شركة الروبوتات "يوني تري" (Unitree)، بالإضافة إلى مؤسس "هواوي تكنولوجيز" رن تشنغ فاي، الذي يُعد أحد الشخصيات البارزة في مساعي الصين لتقليل اعتمادها على التكنولوجيا الأميركية. كما شارك في الاجتماع رئيس الوزراء لي تشيانغ.
كان من المتوقع أن يلتقي القادة الصينيون بعدد من الشخصيات البارزة اليوم، ما عزز التفاؤل في أسواق الأسهم المحلية. ويعكس هذا الاجتماع موقفاً أكثر دعماً من الحزب الشيوعي الصيني الحاكم تجاه الشركات الخاصة التي تشكل المحرك الأساسي لنمو الاقتصاد الصيني.
حملة الصين على القطاع الخاص
كان جاك ما أبرز من تأثروا بحملة الإجراءات التنظيمية الصارمة التي أطلقها شي ضد قطاع الإنترنت والقطاع الخاص خلال 2020، عندما أوقفت السلطات الطرح العام الأولي الضخم لشركة "آنت غروب" التابعة لـ"علي بابا". دشن ذلك الحدث حملة استمرت لسنوات لتعزيز سيطرة الدولة على ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وكبح نفوذ طبقة المليارديرات، وتوجيه الموارد نحو أولويات شي، بداية من الأمن القومي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي التكنولوجي. اختفى ما الذي كان من أشد المنتقدين علنية للسياسات الحكومية عن الأنظار منذ ذلك الحين.
اقرأ المزيد: هل تجاوزت شركات التكنولوجيا في الصين مرحلة القمع الحكومي؟
لكن السلطات تبنت نهجاً أقل تشدداً في الآونة الأخيرة، مع تباطؤ الاقتصاد الصيني، ومواكبة شركات مثل "علي بابا" لتوجهات شي نحو ريادة مجالات مثل الذكاء الاصطناعي.
قال يو تشوانمان، كبير المحاضرين في كلية الحقوق بجامعة سنغافورة للعلوم الاجتماعية: "هذه أقوى إشارة يمكن أن ترسلها الصين لتعزيز الثقة المجتمعية. يبرز حضور شي جين بينغ بنفسه للقاء رواد الأعمال الأهمية السياسية لهذا الاجتماع".
أضاف تشوانمان: "إنها سياسة تمكينية أكثر من كونها تحولاً جذرياً تاماً. انتقلت الصين من فرض تنظيم مفرط على سوق العقارات والقطاع الخاص قبل وباء كورونا إلى إرسال إشارات سياسة إيجابية تجاه اقتصاد القطاع الخاص. شهدنا تحولاً مستمراً في لهجة بكين تجاه القطاع الخاص، يتجلى في مزيد من التسامح والتحسين والتحفيز".
التركيز على الذكاء الاصطناعي
أثار التفاؤل بشأن إمكانات الذكاء الاصطناعي موجة صعود قوية في سوق الأسهم الصينية خلال الشهر الماضي، ما جعل من مؤشر "هانغ سنغ" للشركات الصينية الأفضل أداء على مستوى العالم. كما عززت التكهنات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول اجتماع محتمل بين مسؤولين صينيين وشركات مثل "علي بابا" من الأجواء الإيجابية خلال الأيام الأخيرة، ما دفع أسهم الشركة إلى أعلى مستوياتها منذ 2022.
اقرأ المزيد: ضجة الذكاء الاصطناعي تقود الأسهم الصينية لصعود قياسي
حضر ليانغ، الذي قاد تطوير روبوت محادثة منخفض التكلفة ساعد الصين على الاقتراب من صدارة سباق التفوق في الذكاء الاصطناعي، ندوة أعمال مغلقة استضافها رئيس الوزراء الصيني لي الشهر الماضي. أما ما، الذي بدأ يظهر علناً بصورة متزايدة خلال السنوات الأخيرة، فقد ألقى خطاباً في ديسمبر الماضي أمام موظفي "آنت" تناول فيه عدة قضايا من بينها الذكاء الاصطناعي.
حقق نموذج "كوين" (Qwen) التابع لشركة "علي بابا" أداء جيداً في الاختبارات المعيارية الرسمية، ما يعكس تنامي حضور الشركة في هذا المجال. كما أن شركة "أبل" تعمل على دمج تقنيتها الخاصة بالذكاء الاصطناعي في أجهزة "أيفون" المخصصة للسوق الصينية، في خطوة تعكس ثقتها المتزايدة في براعة الصين في هذا المجال.
كتب "غولدمان ساكس": "أسفر ظهور نموذج ديب سيك-أر1، إلى جانب نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية الأخرى التي أُطلقت مؤخراً وتتميز بتنافسيتها العالمية وفعاليتها من حيث التكلفة، عن تغيير السردية بشأن التكنولوجيا الصينية، وأعاد تقييم تفاؤل المستثمرين بشأن نمو الذكاء الاصطناعي وفوائده الاقتصادية، وأسهم في موجة الصعود".
تغيير نهج الصين تجاه القطاع الخاص
ما يزال من غير الواضح إلى أي مدى تخطط السلطات لتغيير موقفها تجاه القطاع الخاص. فإظهار شي لدعمه بشكل مباشر سيعزز بالتأكيد موجة الصعود في سوق الأسهم ويعيد إحياء روح المبادرة لدى رواد الأعمال، لكن الأمر سيعتمد بشكل كبير على مدى تنفيذ السلطات لإجراءات ملموسة على صعيد السياسيات الاقتصادية.
اقرأ المزيد: تقرير: حملة الصين الصارمة قلصت حصة القطاع الخاص في الشركات الكبرى
يتوقع القليل من مراقبي الشأن الصيني أن تعود الحكومة إلى نهجها السابق لما قبل 2020، حتى في ظل سعيها لتعزيز الاقتصاد استعداداً لاحتمال اندلاع حرب تجارية مع الولايات المتحدة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترمب.
تحول في حظوظ جاك ما و"علي بابا"
لا يجسد أي رجل أعمال تقلبات القطاع الخاص في الصين بقدر ما يجسدها ما، المعلم السابق للغة الإنجليزية الذي أسس "علي بابا" من شقته المطلة على ضفاف بحيرة خلال 1999. تمكنت الشركة من إزاحة المنافسين الأجانب، بمن فيهم "إي باي"، قبل أن تصبح أكبر شركة في الصين، ما عزز سمعة ما وصفها رائداً في قطاع أعمال القطاع الخاص والابتكار التكنولوجي.
في 2015، بعد عام من إتمام "علي بابا" أكبر طرح عام أولي في العالم آنذاك، التقى شي وما على هامش قمة أعمال أميركية حضرها أيضاً مديرون تنفيذيون أجانب مثل تيم كوك ومارك زوكربيرغ. في العام نفسه، اجتمعا مجدداً خلال المنتدى السنوي للإنترنت في مدينة ووتشن، الذي ترعاه الحكومة ويجمع مسؤولين تنفيذيين في قطاع التكنولوجيا.
لكن خلال 2020، صعد ما إلى منصة مؤتمر في شنغهاي وشن هجوماً علنياً لاذعاً على القطاع المالي الحكومي والجهات التنظيمية، في خطاب أثار استياء كبار المسؤولين في بكين. جاء الرد من المسؤولين صاعقاً، إذ أوقفوا الطرح العام الأولي لـ"آنت" بعد أيام فقط -كان من المفترض أن يكون أكبر عملية إدراج في الأسواق المالية آنذاك- قبل أن تشن حملة باطشة على بقية إمبراطوريته التجارية.
اقرأ المزيد: بعد تراجع دوره الإداري.. ظهور نادر لجاك ما في مسابقة "علي بابا"
بعدما كان أبرز رجال الأعمال في الصين، اختفى ما إلى حد كبير عن الأنظار لعدة سنوات، لكنه بدأ بالظهور تدريجياً اعتباراً من 2023 من خلال زيارات متقطعة إلى مقر "علي بابا"، كان أحدثها الأسبوع الماضي، إلى جانب مشاركاته في المنتدى الداخلي للموظفين بالشركة.
يمكن للاجتماع مع شي أن يعزز تحول حظوظ "علي بابا"، لا سيما بعد أن أثارت استياء المستثمرين خلال 2023 عندما كشفت عن خطة طموحة لتقسيم نفسها إلى كيانات مستقلة، قبل أن تتراجع عن تلك الخطة لاحقاً وتستبدل مسؤوليها التنفيذيين الرئيسيين بعد أشهر قليلة.
خلال 2024، قرر جو تساي وإيدي وو -هما من مساعدي ما الأوائل- المراهنة بقوة على الذكاء الاصطناعي. أسهم تقدم "علي بابا" في هذا المجال في رفع القيمة السوقية للشركة بأكثر من 90 مليار دولار العام الجاري.