سائق ونش يعمل في موقع بناء بالقرب من محطة حاويات في أوساكا، اليابان - بلومبرغسائق ونش يعمل في موقع بناء بالقرب من محطة حاويات في أوساكا، اليابان - بلومبرغ
طلبت اليابان إعفاءها من التعريفات الجمركية الانتقامية التي يخطط دونالد ترمب لتبنيها هذا العام، في الوقت الذي تعكف فيه الدولة الآسيوية على تقليل التداعيات المحتملة لتلك التعريفات.
سعى وزير الخارجية تاكيشي إيوايا إلى استبعاد البلاد من التعريفات الجمركية، عندما التقى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، وفقاً لنص الاجتماع المؤرخ بـ15 فبراير الذي أصدرته وزارة الخارجية اليابانية.
ونُقل عن إيوايا قوله: "لقد نقلت أفكاري إلى روبيو بأن اليابان لا ينبغي أن تكون واحدة من الدول الخاضعة للتعريفات الجمركية الانتقامية". كما أثار قضية الرسوم الجمركية على السيارات، وسعى إلى استثناء بلاده من الرسوم الجمركية البالغة 25% التي ستفرضها الولايات المتحدة على منتجات الصلب والألمنيوم المستوردة.
ترمب يهاجم فائض اليابان وضعف الين
جاءت هذه التصريحات في أعقاب أمر وجهه ترمب بالنظر في فرض رسوم جمركية انتقامية على العديد من الشركاء التجاريين في أبريل، مما أثار احتمال شن حملة أوسع نطاقاً ضد النظام العالمي الذي يشكو من أنه منحاز ضد الولايات المتحدة. هاجم ترمب في السابق الفائض التجاري لليابان مع الولايات المتحدة وضعف الين الذي يغذي هذا الخلل، وفي الآونة الأخيرة خص بالذكر اليابان وكوريا الجنوبية، كدول يعتقد أنها تستغل الولايات المتحدة.
أعلن وزير التجارة الياباني يوجي موتو للصحفيين يوم الجمعة أن الحكومة اليابانية بدأت في التواصل مع واشنطن بشأن مسائل الرسوم الجمركية.
التقى إيوايا أيضاً بوزير خارجية كوريا الجنوبية تشو تاي يول خلال مؤتمر ميونيخ لتأكيد الشراكة الثلاثية بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا، وفقاً لبيان مشترك. سعى تشو إلى الحصول على الدعم والتعاون لشراكة الأمن المعدني بين الدول الثلاث الهادفة إلى بناء سلاسل إمداد موثوقة للمعادن.
وفي المؤتمر نفسه، أكد إيوايا ووزراء خارجية مجموعة السبع الآخرين على دعم بلدانهم لأوكرانيا، في حين جددوا التأكيد على الحاجة إلى تطوير تدابير أمنية عالمية قوية ونزع السلاح النووي من كوريا الشمالية، وفقاً لبيان منفصل.
إذا أردت اختزال التجارة الدولية والعلاقات الخارجية في استعراض القوة والهيمنة، سيؤول بك الأمر عاجلاً أو آجلاً إلى الصراع على الصلب.
فالمعدن الصلد، غير القابل للانحناء، المقاوم للصدأ الذي يعد عنصراً أساسياً في صنع مظاهر القوة والتفوق، مثل ناطحات السحاب والسيارات والأسلحة، يرتبط دوماً بصور القوة والتحمل. وكرر دونالد ترمب هذه الفكرة في صورة معدلة نشرها على حسابه على منصة "تروث سوشيال" العام الماضي، يظهر فيها كسوبرمان، الذي يطلق عليه لقب "الرجل الفولاذي" (Man of Steel).
كان لدى الزعماء المستبدين الآخرين الفكرة نفسها، حيث اختار الثائر الجورجي يوسف فيساريونوفيتش دجوغاشفيلي الكلمة الروسية للصلب عند اختيار الاسم المستعار الذي اشتهر به: ستالين. وعندما عقدت إيطاليا الفاشية تحالفاً عسكرياً مع ألمانيا النازية قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بثلاثة أشهر، وصفه موسوليني بأنه "تحالف فولاذي".
مع ذلك، تأكد أن محاولة حماية قطاعي الصلب والألمنيوم باعتبارها سبيلاً لتقدم الأمم مشروع مكتوب عليه الفشل وسيجعل أميركا أكثر ضعفاً، وليس أشد قوةً.
الولايات المتحدة تعتمد على الحلفاء في واردات المعدنين
إن فرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على واردات المعدنين، وفق قرار ترمب، لن ينجح في دعم الإنتاج المحلي مثل القيود السابقة التي أعلنها في 2018. فمنذ هذه الإجراءات، انخفضت القدرة الإنتاجية للألمنيوم في الولايات المتحدة بنسبة 32%، بينما تراجعت القدرة الإنتاجية للصلب 3.6%. الزعيم الأحمق وحده يتوقع أن يؤدي اتباع النهج نفسه إلى نتيجة مختلفة.
إن أحدث جولة من الرسوم الجمركية ستعمل فقط على الإضرار بالمنتجين والمستهلكين في الولايات المتحدة وحلفائها. وستؤدي الآثار غير المباشرة إلى تقويض قدرات هذه الدول على تصنيع المعدن محلياً. ولا بد أن هذا أمر يُسعد روسيا والصين.
على خلاف الهواتف الذكية، والحواسيب، والمعدات، والسلع الاستهلاكية، على سبيل المثال، لا تستورد الولايات المتحدة أغلب المعدن من خصومها الجيوسياسيين، بل تعتمد بشكل كبير على الحلفاء والدول التي تحتاج إلى الحفاظ على علاقات جيدة معها، بالأخص في فترة لا يمكن فيها لأميركا مواجهة موجة الاستبداد المتصاعدة وحدها.
تشكل كندا، والمكسيك، والاتحاد الأوروبي، وكوريا الجنوبية، واليابان، وتايوان معاً مصدر 80% من واردات الولايات المتحدة من الصلب، أضف إليهم البحرين وقطر والإمارات- موطن 3 من أكبر القواعد العسكرية الأميركية خارج البلاد- وستجد مصدر نحو 70% من واردات الألمنيوم أيضاً.
تكامل بين قطاعي الألمنيوم والصلب في أميركا وكندا
كما يعد المعدنان من بين القطاعات الأشد حماية في الولايات المتحدة، فإضافة إلى الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب في 2018، يخضعان لأقل قليلاً من نصف 736 قراراً واتفاقية لمكافحة الإغراق والرسوم التعويضية سارية حالياً.
على خلاف ما يعتقد ترمب، فإن هذه التجارة ليست معادلة صفرية عالمية (تُعادل فيها مكاسب طرف خسائر الآخر)، لكنها تمثل عنصراً حاسماً في الحفاظ على قطاعات مربحة في مجموعة من الدول الحلفاء.
يعمل قطاعا الألمنيوم في الولايات المتحدة وكندا- بالأخص- باعتبارهما قطاعاً واحداً متكاملاً تقريباً، فتستخدم كندا الطاقة الكهرومائية الرخيصة والنظيفة لسبك المعدن الجديد والتحول إلى أكبر دولة مصدرة للسبائك حديثة الصهر في العالم، بينما تعتمد الولايات المتحدة على سوقها الاستهلاكي الضخم لتصبح أكبر دولة مصدرة للخردة لصنع الألمنيوم معاد التدوير في العالم. ولا يجب اعتبار ذلك مجرد "مخلفات"، إذ يلبي الألمنيوم معاد التدوير نحو ثلث الطلب العالمي. ويتمكن المنتجون في كلا البلدين من استخدام التجارة باعتبارها صمام أمان لحماية أرباحهم، دون إهدار رأس المال على مصانع الدرفلة والمسابك، حيث يملك الحلفاء قدرة إنتاجية فائضة.
الرسوم الجمركية تهدد صفقة "يو إس ستيل"
إذا ما كان هناك أي شك آخر حول تضارب هذه السياسات، سنرى أن تصريحات ترمب عن الرسوم الجمركية صدرت بعد ساعات فقط من البيان المشترك مع رئيس وزراء اليابان شيغيرو إيشيبا، الذي أفاد بأن "نيبون ستيل" ستستثمر في "يونايتد ستيتس ستيل". وينقذ هذا الاقتراح بعض ما تبقى من صفقة استحواذ مقترحة عارضتها إدارتا بايدن وترمب على حد سواء.
رغم أن "يونايتد ستيتس ستيل" تجني حوالي ربع إيراداتها من أوروبا، تعد القارة أيضاً أكبر مصدر لواردات الصلب الأميركي بعد كندا. فإذا فرض ترمب الرسوم الجمركية، وردت بروكسل بفرض قيود بلا شك، فلماذا ستمضي "نيبون ستيل" قدماً في الإنفاق على شركة دخلت أكبر سوق تصدير لها في حرب تجارية أخرى؟
الانفتاح التجاري ساعد في هزيمة دول المحور
إن الرسالة في كيف عجل ذلك "التحالف الفولاذي" الذي انهار قبل فترة طويلة بحالة الجنون التي شهدها القرن العشرين ليست بلاغية فحسب، فالنجاح في هزيمة دول المحور اعتمد بشكل جوهري على انفتاح الحلفاء على التجارة، فصدرت الولايات المتحدة بضائع وخدمات بقيمة 180 مليار دولار (بحسب القيمة في 2016) إلى الاتحاد السوفيتي خلال الحرب، وعلى الجانب الآخر، كانت التجارة بين إيطاليا وألمانيا شبه معدومة، حيث اقتنعتا بأن الاكتفاء الذاتي هو المسار الأكثر ضماناً للنصر.
هناك عبرة من التاريخ الاقتصادي لكل المتطفلين الذين يؤدون التحية الرومانية ويؤيدون العنصرية ويطوفون أرجاء واشنطن في الفترة الحالية؛ رغم عنجهية دول المحور فإن الليبرالية الوسطية الداعمة للتجارة التي انتصرت في نهاية المطاف، أما الفاشيون، فُهزموا عن جدارة.
نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.