
الشرق
اعتمدت استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي روّج لها خلال حملته الانتخابية ووعد بتنفيذها قبل نهاية فترة رئاسته الثانية الممتدة لأربع سنوات، على عدة بنود؛ أهمها حماية الصناعة الأميركية ورفع الكفاءة الحكومية وملفات الهجرة والطاقة والذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة. ولضمان تحقيق هذه الأهداف، اختار ترمب أشخاصاً يرى أن لديهم القدرة على تنفيذها.
إليكم أهم بنود استراتيجية ترمب والأشخاص المكلفين بتنفيذها:
"أميركا أولاً"
تمثل سياسة "أميركا أولاً" العمود الفقري لاستراتيجية دونالد ترمب، والتي كانت محور حملته الانتخابية، وتهدف إلى تقليل الاعتماد على السلع الأجنبية من خلال فرض رسوم جمركية مرتفعة وحماية وظائف الأميركيين، مع السعي لتحقيق الاستقلال الاقتصادي في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والتصنيع.
ولتنفيذ هذه السياسة عين ترمب مايك والتز مستشاراً للأمن القومي، والذي يُعد من أبرز المدافعين عن اتخاذ مواقف صارمة تجاه الصين. والتز لعب دوراً مهماً في رعاية تشريعات تهدف إلى تقليل اعتماد الولايات المتحدة على المعادن والموارد الطبيعية الصينية.
كذلك، يساهم ماركو روبيو وزير الخارجية الجديد في دعم هذه السياسة من خلال مواقفه المتشددة تجاه الصين، معتبراً الصراع معها صراعاً وجودياً، وليس مجرد خلاف تجاري. روبيو دعا إلى حظر تطبيق "تيك توك" ووقف بيع منتجات شركة "هواوي" في الولايات المتحدة، مرجعاً ذلك إلى تهديدهما للأمن القومي الأميركي.
قد تدفع هذه السياسات الولايات المتحدة للانسحاب من منظمات دولية عديدة، مما يوفر فرصة للصين للاستفادة من هذا الفراغ، وهو ما يطرح تساؤلات حول احتمال بروز نظام عالمي جديد.
الكفاءة الحكومية
في صميم أولويات ترمب، تبرز فكرة ثورية قد تعيد تشكيل الحكومة الأميركية التي طالما وُصفت بكونها متضخمة وفاقدة للكفاءة. اختار الرئيس الأميركي في وقت سابق رائدَي الأعمال الملياردير إيلون ماسك ورجل الأعمال فيفيك رامسوامي لقيادة "إدارة الكفاءة الحكومية".
اقرأ المزيد: ترمب يعين ماسك وراماسوامي لقيادة وزارة جديدة للكفاءة الحكومية
تهدف هذه الإدارة إلى تغيير النظام الحكومي بشكل جذري عبر تقليص النفقات غير الضرورية بمقدار تريليوني دولار، وتبسيط البنية الإدارية بين الوكالات الحكومية، مع تقليص عددها من 400 إلى 99 وكالة فقط. ويهدف هذا المشروع إلى القضاء على البيروقراطية وتعزيز الكفاءة. لكن في تطور جديد، أشارت المتحدثة باسم البيت الأبيض إلى أن رجل الأعمال فيفيك رامسوامي "لن يعمل" في إدارة الكفاءة الحكومية الجديدة.
الهجرة
بند آخر ضمن أولويات ترمب هو ملف الهجرة، حيث يتعاون مع اثنين من أبرز الشخصيات المتشددة في هذا الملف. ستيفن ميلر، المدافع المتشدد عن الجدار وفصل العائلات، والذي يُطلق تصريحات مثيرة للجدل، قائلاً إن المهاجرين "يغتصبون ويقتلون الأطفال الأميركيين"، ومؤخراً دعم قرار ترمب بتنفيذ عمليات الترحيل على متن طائرات عسكرية، كما حث على استخدام كل الأصول الحكومية لتنفيذ عمليات الترحيل.
إلى جانبه، ينضم توم هومان، "قيصر الحدود"، الذي شارك مؤخراً في حملة مداهمات على مهاجرين غير شرعيين. هذه السياسة ستشكل عبئاً مالياً ضخماً على حكومة الولايات المتحدة، حيث يُتوقع أن تصل تكاليفها إلى 352 مليار دولار، بالإضافة إلى التأثير الكبير على سوق العمل الأميركية.
حماية المنتجات الأميركية
البند التالي في الاستراتيجية هو التجارة العالمية التي يضعها ترمب في عين العاصفة!. ترمب، الذي يرى في فرض الرسوم الجمركية الحل الأمثل لحماية الصناعة الأميركية، أشعل مؤخراً حرباً تجارية عالمية حين وفى بوعده بإقرار رسوم مرتفعة على أبرز الشركاء التجاريين للولايات المتحدة. وقع الرئيس الأميركي أوامرَ تنفيذية بفرض رسوم بنسبة 10% على المنتجات الصينية التي تستوردها الولايات المتحدة، وبنسبة 25% على منتجات كل من كندا والمكسيك، قبل أن يؤجل تنفيذ التعريفة الأخيرة على جارتيه لمدة شهر.
ولتنفيذ رؤيته الجريئة، يعتمد ترمب على اثنين من أبرز رجاله؛ سكوت بيسنت، وزير الخزانة الذي يصف هذه السياسات بـ"النهضة الاقتصادية الكبرى"، ويؤمن بأن التعريفات الجمركية ستساهم في زيادة قيمة الدولار، إلى جانب كونها خطوة مهمة في إعادة إحياء الصناعة الأميركية. وجيميسون غرير الذي لعب دوراً محورياً خلال ولاية ترمب الأولى في فرض الرسوم الجمركية على الصين.
الطاقة والمناخ
بالطبع، مع عودة ترمب إلى البيت الأبيض، رجعت معه سياسات الطاقة التقليدية بقوة. فبالنسبة للرئيس الأميركي قضية المناخ ليست سوى "خدعة"، والرهان الحقيقي هو على النفط والغاز. ولذلك، ألغت إدارته 4 مليارات دولار من تعهدات الولايات المتحدة لصندوق الأمم المتحدة للمناخ، كما انسحب من اتفاقية باريس للمناخ.
ولتنفيذ هذه الأجندة، يعتمد على شخصيتين بارزتين: لي زيلدين، رئيس وكالة حماية البيئة، الذي يسعى لإلغاء سياسات بايدن البيئية وإعادة الهيمنة الأميركية في قطاع الطاقة. وكريس رايت، وزير الطاقة، الذي ينكر أزمة المناخ ويدعم التوسع في إنتاج النفط والغاز، لدرجة أنه اشتهر بشرب سائل التكسير الهيدروليكي لإثبات سلامته!.
قد توقف هذه السياسات مليارات الدولارات المخصصة لمكافحة التغير المناخي، وتدفع دولاً أخرى للسير على خطى الولايات المتحدة في الانسحاب من الجهود العالمية لقضايا البيئة، وهو ما قد تجد فيه الصين فرصة للعب دور القائد في هذا المجال.
"الضغط الأقصى" على إيران
ضمن أجندة ترمب الحازمة، تحتل إيران موقعاً متقدماً، حيث استأنف مؤخراً سياسة "الضغط الأقصى"، ووقع مذكرة رئاسية لإعادة فرض سياسة العقوبات الصارمة ضد طهران. يعتمد ترمب لتنفيذ هذه الخطة على فريق من الصقور؛ ماركو روبيو، وزیر الخارجية الأميركي، الذي يضغط لتشديد العقوبات على إيران وخفض صادراتها من النفط إلى أدنى مستوياتها، ومايك والتز، مستشار الأمن القومي، الذي يستهدف مشتريات الصين من نفط إيران، ويعمل لفرض عقوبات صارمة على أي دولة تتعامل تجارياً مع طهران.
اقرأ أيضاً: تعيينات إدارة ترمب تكشف نيته دعم إسرائيل والضغط على إيران
إلى جانبهما، يأتي مسعد بولس، مندوب ترمب لشؤون الشرق الأوسط، المكلف بتطبيق هذه السياسات على أرض الواقع، من خلال الضغط على الحلفاء الإقليميين لعزل إيران، وضمان التزام الدول والشركات بالعقوبات الأميركية. ومع أن هذه الاستراتيجية قد تؤدي إلى إنهاك الاقتصاد الإيراني، إلا أنها تفتح أيضاً الباب أمام حدوث اضطرابات في أسواق الطاقة العالمية.
الذكاء الاصطناعي
من بين أولويات ترمب الكبرى في ولايته الجديدة، تبرز قضية تطوير الذكاء الاصطناعي كأحد المحاور الأساسية. ألغى ترمب مؤخراً قوانين تنظيم الذكاء الاصطناعي التي أقرّتها حكومة الرئيس السابق جو بايدن. وفي خطوة مفاجئة، أعلن عن استثمار ضخم بقيمة 100 مليار دولار في هذه التكنولوجيا بالتعاون مع الرئيس التنفيذي لـ"سوفت بنك".
لكن، لا يكتمل هذا المشروع الطموح من دون فريق من الخبراء الذين سيلعبون أدواراً حاسمة، لذا اختار ترمب ديفيد ساكس مستشاراً له للذكاء الاصطناعي، حيث سيكون دوره محورياً في قيادة رؤية الحكومة الفيدرالية بتبني هذه التكنولوجيا المتطورة. كذلك عين أندرو فيرجسون رئيساً للجنة التجارة الفيدرالية، ليعمل على إلغاء القيود التنظيمية التي قد تعرقل الابتكار في هذا المجال.
أما إيلون ماسك، الذي يدير حالياً "إكس إيه آي"، فسيسعى لجمع المزيد من الأموال لتوسيع نطاق الذكاء الاصطناعي، في الوقت نفسه يحاول إقناع ترمب بضرورة وضع معايير محددة لتجنب التطوير غير المقيد الذي قد يعرض البشرية لمخاطر غير محسوبة.
كبح عمالقة التكنولوجيا
يعود ترمب بقوة ليواجه عمالقة التكنولوجيا، وقد فرض مؤخراً رسوماً جمركية ضربت أسهم شركات التكنولوجيا مثل "تسلا" و"أبل". عيّن الرئيس الجديد شخصيات مثيرة للجدل مؤيدة لرؤيته، أولهم بريندان كار، الذي اختاره لترأس لجنة الاتصالات الفيدرالية. لا يتردد كار في تحدي قوة "جوجل" و"ميتا"، حيث يصفها بـ"كارتل الرقابة"، ويسعى لاستعادة حرية التعبير التي يعتقد أنه تم التلاعب بها.
اقرأ أيضاً: هذه قائمة أصدقاء ترمب المرشحين لتولي الإدارة الأميركية
أما أندرو فيرجسون، رئيس لجنة التجارة الفيدرالية، فيعزز هذه الحملة عبر التصدي لما يراه رقابة مفرطة على منصات التواصل الاجتماعي، ويشدد على ضرورة محاسبتها إذا تلاعبت بالآراء المحافظة. لكن هذه السياسات قد تشعل جدلاً حامياً، إذ قد تُسهم في تفاقم الانقسامات السياسية وانتشار الأخبار الزائفة.
السيارات ذاتية القيادة
من بين الابتكارات التي يراهن عليها ترمب في ولايته الجديدة، تبرز السيارات ذاتية القيادة. يرى ترمب في هذه التكنولوجيا فرصة لإنقاذ الأرواح وتقليل الحوادث، لذلك فهو يلتزم بتخفيف القيود التنظيمية لتسهيل انتشارها.
ومن أجل تحقيق هذه الرؤية، اختار ترمب إيلون ماسك، الذي يعتبر السيارات ذاتية القيادة أكثر أماناً من القيادة البشرية، لتحقيق هذه المبادرة على أرض الواقع. ماسك يرفض القيود التنظيمية التي تفرضها الولايات، ويشجع على إطار تنظيمي اتحادي لتسريع تطبيق هذه التكنولوجيا في جميع أنحاء البلاد.
كذلك، يسعى شون دافي، وزير النقل، لتقديم التنظيمات الفيدرالية اللازمة لضمان أمان السيارات ذاتية القيادة وتوسيع استخدامها. ولكن، رغم الطموحات الكبيرة، لا تزال هذه التكنولوجيا تواجه تحديات ضخمة تتعلق بالقيود الحالية التي تقف حائلاً أمام تحقيق هذه الرؤى.
العملات المشفرة
البند الأخير هو العملات المشفرة التي تمثل شغفاً خاصاً لترمب. فبمساندة فريق من أبرز داعمي هذه الصناعة، يرى ترمب أن بإمكانه تقنينها وتوسيع تداولها. على رأس هذا الفريق، عيّن ترمب بول أتكنز رئيساً لهيئة الأوراق المالية والبورصات، وهو ما اعتُبر انتصاراً لصناعة العملات المشفرة، كونه أحد الداعين إلى تخفيف القيود التنظيمية عليها.
اختار ترمب أيضاً ديفيد ساكس، الذي لقّبه بـ"قيصر العملات المشفرة"، ليقود فريقاً حكومياً لدعم التكنولوجيا المالية الرقمية ووضع إطار قانوني لتداول العملات والأصول الرقمية. يُتوقع أن يطلق ساكس خطة حكومية شاملة، بما في ذلك بناء احتياطي استراتيجي من "بتكوين".
ومع ذلك، تواجه خطط ترمب تحديات كبيرة؛ فقد تراجعت قيمة عملته، التي أطلقها مؤخراً وتحمل اسمه، بنسبة 75% وفقاً لبيانات "كوين ماركت كاب"، بينما تعصف بالأسواق تقلبات حادة نتيجة البيئة الاقتصادية غير المستقرة التي أحدثتها الحرب التجارية والرسوم الجمركية والركود التضخمي.