
الشرق
يواجه قطاع السيارات الكهربائية في مصر مطبات عدة، من ضمنها ضعف البنية التحتية لهذه السيارات سواء على صعيد توافر محطات الشحن، أو طبيعة المحطات الموجودة أصلاً، ما يثبط انتشار هذه المركبات في شوارع القاهرة المزدحمة.
قبل نحو ثلاث سنوات، وضعت مصر هدفاً يقضي بإنشاء 3 آلاف محطة مزدوجة تضم 6 آلاف نقطة شحن خلال 18 شهراً. ولكن تنفيذ هذا الهدف تأخر كثيراً، إذ لا يزيد عدد محطات الشحن حالياً عن 450، وفق رئيس لجنة سيارات الطاقة النظيفة في شعبة السيارات بغرفة القاهرة التجارية، أحمد زين لـ"الشرق".
التعريفة أبرز التحديات
أرجع زين سبب تأخر انتشار محطات الشحن، إلى عدة عوامل من بينها أن "تعريفة الشحن غير مرضية للمستثمرين"، وبالتالي فإن مشاريع المحطات التي يتم تنفيذها، "تحتاج إلى وقت طويل لتحقيق أرباح في حال استمرار التعريفة الحالية".
هناك نوعان من محطات الشحن في مصر، الأول منها تبلغ تعريفته بالتيار السريع نحو 3.75 جنيه لكل كيلوواط ساعة، في حين أن تعريفة الشحن بالتيار المتردد وهو النوع الأبطأ ولكن الأكثر شيوعاً، تبلغ 1.89 جنيه لكل كيلوواط ساعة. مع الإشارة إلى أن متوسط الكلفة في الولايات المتحدة يصل إلى 17 سنتاً، وهو ما يعادل تقريباً 8.5 جنيه.
نتيجة لذلك، زادت مطالبات الشركات في الفترة الأخيرة لزيادة هذه التعريفة. وفي هذا السياق، أشار محمد عمران رئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء التابع لوزارة الكهرباء لـ"لشرق" إلى أن الجهاز "سيدرس أي مقترح في ما يتعلق بتعريفة الكهرباء لشركات شحن السيارات"، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
من جهته، يرى محمد حسن أحد التجار العاملين في السيارات الكهربائية، فرصاً في قطاع محطات الشحن بدعم من "الزيادة الملحوظة في استخدام السيارات الكهربائية"، ولكنه لم ينكر وجود تحديات في بنية السيارات الكهربائية التحتية.
لخص حسن في حديثه لـ"الشرق"، هذه التحديات، مشيراً إلى أن محطات الشحن تتركز في المدن الكبرى، ما يخلق صعوبات لمن يرغب في السفر لمسافات طويلة باستخدام السيارات الكهربائية، معتبراً أن المنازل أيضاً تشهد تحديات في تركيب نقاط الشحن، منبهاً إلى أن الشبكة الكهربائية قد لا تستوعب زيادة الطلب الناتج عن السيارات الكهربائية.
عدد قليل من السيارات
التعريفة ليست العامل الوحيد الذي يعيق انتشار محطات الشحن. إذ لا يزال عدد السيارات الكهربائية في أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان، قليلاً، ما يؤثر على "الجدوى الاقتصادية للمحطات"، بحسب زين، مضيفاً أنه "حتى في حال نمت الأعداد بنسبة 300% سنوياً، فذلك لن يكون كافياً في ظل التعرفة المنخفضة، والمنافسة الكبيرة بين الشركات".
زين أشار إلى أن عدد السيارات الكهربائية شهد نمواً كبيراً خلال السنوات الماضية، معتبراً أنه عند الإعلان عن الخطة لإنشاء 3 آلاف محطة شحن، كان هناك نحو 1000 سيارة كهربائية في مصر، بينما يتجاوز عددها حالياً 14 ألفاً، "وهذا الرقم الضخم يتطلب زيادة كبيرة في عدد المحطات، لتلبية الطلب المتزايد على الشحن".
البيروقراطية وبروتوكولات الشحن
بالإضافة لذلك، يشهد القطاع تعقيدات تقنية في ما يتعلق ببروتوكولات الشحن، إذ لا يزال البروتوكول الأوروبي السائد حالياً، في حين لم تسمح مصر بعد باستخدام بروتوكولات شحن أخرى مثل تلك الخاصة بالسيارات الصينية.
زين رأى في هذه القضية "مشكلة كبيرة"، خصوصاً أن "غالبية المركبات الكهربائية الموجودة في السوق المصرية مصدرها الصين"، كاشفاً أن "أي كيان يقوم باستخدام البروتوكول الصيني في الشحن يتم تهديده بسحب رخصة التشغيل منه"، دون أن يكشف عن مزيد من التفاصيل بشأن تلك التهديديات أو مصدرها.
وأضاف أن "الدولة لا تتدخل بشكل مباشر في الاستثمار بهذا القطاع، وهو حالياً تحت إدارة القطاع الخاص" الذي يبحث عن الربحية بطبيعة الحال.
الشركات العاملة في هذا القطاع تعاني من قلة وضوح الإجراءات المنظمة، إذ رأى أحمد نوار، مدير عام العمليات في شركة "شاحن" لحلول المركبات الكهربائية، أن "المعوقات البيروقراطية عند التعامل مع الجهات الحكومية المختلفة ومنها شركات توزيع الكهرباء"، من أهم التحديات التي تواجه الشركة.
أعطى نوار في تصريح لـ"الشرق"، مثلاً عن ذلك، معتبراً أن كل شركة لديها أسلوب مختلف في التعامل. وأضاف أن هناك "عدم دراية من قبل مسؤولي الأحياء في أجهزة المدن الجديدة بكيفية إجراءات التعاقد، في وقت تشترط شركات توزيع الكهرباء الحصول على موافقة هيئة المجتمعات العمرانية".
نوار أشار إلى أن الشركة لم تتمكن من تركيب أي نقطة شحن جديدة في المدن الجديدة التابعة لأجهزة المجتمعات العمرانية، رغم تعاقدها بالفعل على تركيب 7 محطات داخل حدود المراكز التجارية، معتبراً أن التأخر يعود إلى أن "شركات توزيع الكهرباء تشترط موافقة من الهيئة، ولم تتمكن الشركة من الحصول عليها، لعدم وجود سيناريو واضح للموافقات"، منبهاً إلى أن كلفة تركيب المحطات تضاعفت عما كانت عليه عندما تم التعاقد على تركيبها.
بدأت الشركة عملها في يناير 2022، وكانت تخطط لبناء بين 50 إلى 70 محطة سنوياً. ولكن عدد نقاط الشحن التي نفذتها حتى الآن لا يزيد عن 100 محطة.
من جهتها، أشارت هبة فاروق المديرة العامة لشركة "بلاغ" (Plug) التابعة لشركة "السويدي إلكتريك" إلى أن الشركة التي بدأت العمل نهاية العام الماضي، نفذت محطات شحن على أرض الواقع "أقل مما كانت تطمح"، رغم أنها لا تزال تستهدف التوسع في محطات الشحن في العام الجاري إلى محافظات الصعيد، بالإضافة إلى التوسع في القاهرة والبحر الأحمر، وبورسعيد، والعاصمة الإدارية الجديدة.
فاروق نبهت إلى أن السبب الرئيسي في عدم تمكن الشركة من تنفيذ خططها التوسعية، يعود إلى "عدم وجود تعليمات واضحة من شركات توزيع الكهرباء، عن نوعية الشواحن التي ستستخدم، وما إذا كانت تناسب تكنولوجيا السيارات الكهربائية المستوردة من الصين، أم تلك المستوردة من الاتحاد الأوروبي. وأضافت أن الشركة لديها القدرة علي تصنيع النوعين من الشواحن، ولكنها تنتظر تعليمات واضحة.
تأمين الدولار
خلال الأعوام القليلة الماضية، واجه الاقتصاد المصري أزمة خانقة أدت إلى شح الدولار، وهو ما أثر على غالبية القطاعات، وخصوصاً تلك التي تعتمد على الاستيراد.
حصلت شركة "إليكتريكا للاستثمارات"، على ترخيص لتوفير بطاريات لشحن السيارات الكهربائية في أغسطس الماضي، وتعاقدت على بناء 12 نقطة شحن. ولكن الشركة تفاجأت بأنها مُطالبة بدفع مليون جنيه لجهاز تنظيم الاتصالات، لكي تتمكن من استلام أجهزة بطاريات الشحن المستوردة، على أن تدفع مبلغاً سنوياً يقدر بـ100 ألف جنيه، وفق مسؤول في شركة "فيسيز للطاقة" والتي تعمل كاستشاري لـ"إليكتريكا"، دون أن يخوض في مزيد من التفاصيل.
تواجه الشركة حالياً مشكلة ارتفاع التكلفة، والتي تتمثل في توفير الدولارات للأجهزة المستوردة، والمدفوعات التي يطالب جهاز تنظيم الاتصالات بها، فضلاً عن كلفة إيجار نقاط الشحن الخاصة بها، والتي تقترب من 20% من العائد، حسبما أشار المسؤول في الشركة.
من جهته، أشار صمويل جيد، رئيس مجلس إدارة شركة "إيجي سفنكس"، إلى أن الشركة لم تجدد رخصتها العام الماضي، بسبب صعوبات في بناء أنظمة شحن جديدة، نتيجة التمويل.
وأضاف أن الشركة كانت تعمل على تقديم الشاحن السريع على الطرق بدلاً من الشواحن الحالية التي تستغرق وقتاً أطول، ولكنها لم تتمكن من القيام بذلك. وتابع أنها تعمل حالياً على تصنيع شاحن سريع بقدرة تتراوح بين 90 كيلوواط وحتى 400 كيلوواط بالساعة، ولديها القدرة على تصنيع 60% منه محلياً، إلا أن المشكلة تتمثل في "إيجاد التمويل الميسر".